لم ينزل القرآن وحيا على النبي محمد ص جملة واحدة وإنما نزل منجما متفرقا حسب وقائع تاريخية وحوادث زمنية كانت أسباب للنزول، كآية تبرئة عائشة من حادثة الإفك، فهذه الآية مثلت نزلت بمناسبة ما اتهمت به ام المؤمنين بعد حوالي شهر على الإشاعة ،كما أن غيرها من الايات الكثيرة كانت تنزل وحيا على الرسول ص إما جوابا عن أسئلة يوجهها له اليهود ، كسؤالهم مثلا عن الساعة وعن ذي القرنين وعن أصحاب الكهف ، أو جوابا على الصحابة عن شكوك وظنون ألمت بهم كآية : لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ ۙ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مديرين ) صدق الله العظيم.
، فهذه الأيات وغيرها ، تبعا لذلك والقرآن في مجمله نزل في مناسبات معينة واسباب سميت عند اهل التفسير اسباب النزول مما يعني أن هذه الآيات كانت مرتبطة بأسئلة زمنية وتاريخية وإن كان الفقهاء الاصوليون قد دفعوا فيما بعد بقاعدة ، أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
وهذا سيدفعنا الى التساؤل كذلك عن تاريخية القرآن أو لا تاريخيته بمعنى هل كان موجها فقط للناس زمن نزوله لأنه يجيب فقط عن أسئلتهم وهواجسهم ،ام أنه تاريخي في جزء منه وهو المتعلق بالقرآن المدني لا زمني في القرآن المكي باعتبار أن قضايا التوحيد والالوهية ، وقضايا الأيمان بالله الواحد الاحد والجزاء والعقاب والجزاء والنار والبعث هي قضايا كل الاديان والرسل وهي قضايا لا ترتبط بزمن معين وبالتالي فهي لكل التاريخ من بدايته الى نهايته ولا تتاثر بالتطور والتغير والتقدم ام أن الوحي تاريخي في ظاهره لا تاريخي في مضمونه باعتباره حمال أوجه كما قال علي كرم الله وجهه أي أنه قابل للتأويل بحيث يصلح لكل زمان وانه يتضمن مفاهيم ومعاني متراكمة فوق بعضها البعض كالترسبات والطبقات الأركيولوحية تتم تعرية وكشف اهدافها ومعانيها عبر السنين والعصور وان كل فترة زمنية يستخلص اهلها رسائل الوحي ومفاهيمه حسب إمكانياتهم المعرفية وما توصلوا إليه من الكشوفات العلمية وحدهم الفكري ، فالمؤكد أن أهل القرن السادس كانوا يفهمون آية والسماء رفعها ووضع الميزان على أنها سقف معلق ويفهمون أية والارض بعد ذلك دحاها على أنها الارض المسطحة والمبسوطة رغم ان هذ الايات منفتحة على معاني أخرى يمكن الكشف عنها بتقدم العلم ، فالاخطاء العلمية هي في قصور أذهان المتلقين وليس في النص وهذا يجرنا كذلك للتساؤل حول طبيعة الوحي هل كان كلاما نفسيا يلقى في روع الرسول من طرف جبريل ثم يعبر عنه الرسول بكلام عربي مبين ، وقد جاء في الحديث حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشام سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله كيف يأتيك الوحي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا فيكلمني فأعي ما يقول قالت عائشة ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقا.(صحيح البخاري باب بدء الوحي رقم الحديث 2، صحيح مسلم كتاب الفضائل باب عرق النبي صلى الله عليه وسلم في البرد وحين يأتيه الوحي رقم الحديث: 6005).
ام أن الوحي كان كلاما منطوقا بحروف عربية تم تلقينه للرسول حرفا حرفا وهذا يدعمه أن الرسول كان يحاول حفظ الوحي بعد نزوله قال الله تعالى ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه )صدق الله العظيم وانه كلام الله الازلي السرمدي وبمناسبة هذه الأسئلة حدثت فتنة خلق القرآن زمن المأمون وما تعرض له ابن حنبل من تعذيب وحبس اخطأ بالتاكيد خلالها المعتزلة العقلانيون لأنهم حاولوا فرض رايهم بالقوة والسلطة الحاكمة ، رغم ان هذه التساؤلات في وقتها كانت تساؤلات مشروعة تجر النقاش الى قضايا حرية الإرادة والعلم الإلهي ، المحتوم سلفا والذي يضيق من هامش مناورة وفعل الانسان وما يثير ذلك من التساؤل حول العدل الالهي باعتبار أنه إذا كان كل شيء معلوم سلفا فهو مقدر حتما وبالتالي يطرح التساؤل حول جدوى العقاب والجزاء ، وكان لسؤال خلق القرآن جدوى كذلك حول ماهي الغاية والهدف والمعنى من ان يتكلم الله في الازل دون وجود مخلوق ، لأنه سيكون عبثا أن يخاطب الله مؤمنين لم يخلقو ا بعد ويتوعد كافرين بالعذاب لم يولدوا بعد ، والله تعالى منزه عن العبث.
إن نزول القرآن كان ليلة القدر ،خلال شهر رمضان وهذا يدعم افتراض أن هذه الليلة هي ليلة واحدة في وقت وزمن معلوم وليست عددا من الليالي وهذا يعني أن القرآن اول نزوله كان إما في الصيف أو في الربيع أو في الشتاء فواقعة الوحي الأولى ونزول جبريل على الرسول بآية إقرأ كانت بغراء حراء كما تحكي السردية الإسلامية الحديثية و كتب السير كسيرة ابن اسحاق وهذا يعني ان حادثة الوحي لها وقت واحد معلوم في السنة ، ولا يمكن ان تكون قد قد تمت في أوقات مختلفة على مدار السنة بمعنى انها لا يمكن ان تكون قد وقعت في فصول متعددة انطلاقا من المبدأ المنطقي عدم التناقض ، وانطلاقا من ذلك فإنه لا يمكن ان يحدث نفس الشي في مكانين وزمنين مختلفين . هذه مجرد تأملات وتساؤلات لا تنبأ عن الحقيقة حتما ، إنما تفتح الباب على مصراعيه للمضي قدما في فك ألغازها فضلا فضلا وبابا في قادم الايام إن يسر الله ، لعلنا نحفر حفرا وننقش نقشا المعاني وتكشف عنها ومكتشف أسرار النصوص لم تنكشف بعد، والله ولي التوفيق وبه نستعين فإن كان القول صحيحا فالحمد لله وإن كان خطأ فهو مجرد اجتهاد ، وللمجتهد أجر في كل الاحوال.
تعليقات الزوار ( 0 )