للتعليق على مقرر البرلمان الأوروبي الصادر بتاريخ 10 يونيو 2021، والذي عنونه رواده بقرار حول خرق المغرب لإتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل، واستعمال الأطفال القاصرين في أزمة الهجرة نحو مدينة سبتة، هناك ملاحظات شكلية وموضوعية يمكن إثارتها لتوضيح الاختلالات البنائية واللغوية والمسطرية وأيضا الموضوعية والجوهرية لهذا النص المجهول الهوية الوثائقية، هل هو نص سياسي أم قانوني أم تشريعي أم بلاغي وغيرها من التوصيفات؟
على مستوى الشكل استعمل محررو المقرر صيغة متعارف عليها في مجال إصدار القرارات الإدارية والقانونية والقضائية تنبني على أربعة عناصر أساسية. في صدر المقرر تم التذكير بالسند القانوني للمقرر بالإحالة على المراجع النصية المعتمدة من قوانين واتفافيات ومقررات سابقة وغيرها، ثم استعراض الوقائع المتنازع فيها، بعد ذلك بناء تعليل حججي للترافع على القرار المتخذ بإبراز الاعتبارات والحيثيات التي بني عليها، وأخيرا منطوق المقرر ومآله.
فيما يخص اللغة والقاموس الذي أثث المقرر الأوروبي، فقد تم استعمال قاموس هجين غير منتظم في خط مصطلحي واحد بحيث كانت هناك لغة قانون وطني أو دولي محددة المفاهيم والمصطلحات ثم قاموس سياسي فضفاض غير دقيق في وصفه لوقائع سياسية بين المغرب واسبانيا أو بين المغرب وأوروبا بمنطق أحادي دون الأخذ بالاعتبار عمق الأزمة السياسية، ثم لغة بلاغية إخبارية متأثرة كثيرا باللغة التواصلية السياسية و الصحفية في سرد الوقائع.
ولمحاولة إعطاء توصيف تصنيفي لهذا المقرر البرلماني، وبالنظر إلى طريقة و مسطرة إعداده وصياغته وآثاره القانونية والسياسية، فإنه من الصعب تحديد نوعيته بدقة ضمن التصنيفات المقارنة في مواد القانون الدستوري أو البرلماني أو القانون الإداري للقرارات أو الملتمسات أو البلاغات أو التوصيات أو الأعمال التشريعية والرقابية وأيضا في مواد القانون القضائي أو القانون الدولي، لذلك قلنا سابقا أنه مقرر هجين غير منسجم البناء والمساطر والخلاصات، مما يمكن أن يعطيه صفة البلاغ المتحامل والمتحايل على القاعدة القانونية من أجل توظيف سياسوي دعائي ذو نزعة انتقامية لا تساهم في البناء وإنما تزيد من الهوة بين مختلف الأطراف.
يمكن أن نستشف من خلال القراءة المتأنية للمقرر الأوروبي أنه عبارة عن ممارسة مسمومة لوظيفة قضائية مسيسة من قبل عدد من النواب الأوروبيين، الذين عمدوا إلى محاكمة المغرب في جلسات علنية بدون احترام لأي قاعدة من قواعد التقاضي أو العدالة القضائية أو التحكيمية بين الأطراف.
فإذا كان شكل وطريقة إعداد وتبني هذا المقرر تبدو محاكمة، فإن الأوروبيين خرقوا كل القواعد التي بني عليها العقل القانوني الغربي على الأقل على المستوى الأخلاقي، وأهمها المحاكمة العادلة باحترام مبدأ الحضورية le principe du contradictoire، وهو مبدأ لا تعتمده المحاكم فقط وإنما تعتمده المؤسسات العمومية والمنظمات الدولية كمنظمة الأمم المتحدة قبل إصدار قراراتها. وهو مبدأ يقتضي السماح للأطراف المعنية بالإطلاع على معطيات ووثائق الملف وإتاحة الفرصة لكل الأطراف المعنية لإعطاء أجوبة بخصوص المطالب والدفوع وتقديم حجج أخرى قد تنفي الحجج السابقة وتضعها في سياقها الحقيقي، وبذلك لم يتم احترام هذا المبدأ مع دولة صديقة شريك رئيسي بناء على مواثيق مع الإتحاد الأوروبي تعطي للمغرب حق الاطلاع والرد على أي استفسارات أو اتهامات قبل اصدار اي قرار حولها. بهذا المبدأ يشكل في عمقه قيمة حقوقية من قيم العدالة والانصاف لكل الأطراف وهو مبدأ ديمقراطي يعبر عن رفض الأحادية الفكرية والإجرائية مع الشركاء والاستبداد بالقرار وحرمان أطراف النزاع من التعبير عن وجهة نظرها.
وبما أن البرلمان الأوروبي قد تبنوا صيغة المحاكمة، فإنه على المستوى الإجرائي فقد تم خرق مساطر البحث والتحري الميداني وتنظيم جلسات استماع من أجل تدقيق الوقائع قبل اعتمادها بشكل مطلق كحقيقة اجتماعية أو قضائية نهائية.
كيف يمكن أن يستند البرلمان الأوروبي على تقارير إعلامية أو سياسية صادرة عن جهات إعلامية وسياسية اسبانية مجرح في حياديتها وصدقيتها، باعتبارها أحد أطراف النزاع مع المغرب، وكأنها تقارير تمتلك الحقيقة الكلية للنزاع، مما يفضي بنا إلى طرح فرضية وجود تعصب شوفيني وثقافي أوروبي والانتصار للرجل الغربي ولتقاريره ظالما أو مظلوما في تغييب مطلق لحقوق الطرف الآخر في الدفاع عن نفسه؟
استند المقرر على وقائع العبور إلى سبتة من منظور إسباني صرف، وليس من منظور تحقيق ميداني محايد وشفاف وغير منحاز. لم يكن البرلمان الأوروبي موفقا في احترام مبدأ الحياد القضائي في إصدار مقرره وانتصر لمنطق مصلحي ضيق متناقض مع قيم الحقوق الإنسانية ومع الديمقراطية بل وحتى مع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة ومع قيم منظومة ومبادئ الأمم المتحدة في حل النزاعات الدولية، خصوصا بضرورة اللجوء الى حلول بديلة كالوساطة والتحكيم وغيرها.
إلى ذلك تنضاف مسألة المغالطات الكبيرة الواردة في حيثيات المقرر، وتحديدا عندما خلص واضعوه بشكل مطلق لايقبل الجدال، بأن الأزمة اندلعت بسبب المغرب عندما فتح حدوده أمام العابرين نحو سبتة، في حين أن الأزمة اندلعت بسبب اسبانيا عندما فتحت حدود أوروبا أمام زعيم البوليساريو، وهي الحدود الحقوقية والاستراتيجية والأمنية التي تضم المغرب أيضا و كان على الأوروبيين، الاحتجاج على ذلك أو على الأقل الاستماع لوجهة نظر المغرب ولدفوعاته قبل إصدار المقرر المذكور.
وهي عموما ملاحظات تؤكد تنكر المؤسسات الأوروبية الحالية لفكر جيل الرواد الذين أسسوا فكرة الإتحاد على مبدأ احترام القانون والحق بغض النظر عن المصالح الصغيرة التافهة، لذلك وضعوا من بين ما وضعوا من مؤسسات، محاكم أوروبية للعدل ولحقوق الانسان، من أجل القطع مع اوربا الجشعة المتغولة على الشعوب الضعيفة، ومخافة من انزلاق دول الإتحاد نحو منطق أوروبا ما قبل الحرب العالمية الثانية وهو منطق مصلحي جامح لا حدود لأطماعه.
بخصوص تركيز المقرر على لغة القانون الدولي الانساني والحقوقي، فقد عمد مصدروه إلى اعتماد عملية انتقاء غير موضوعية وغير مقبولة انسانيا، لجزء من الموضوع دون أجزاء أخرى، وذلك بإثارة موضوع الأطفال القاصرين الذين عبر صانعوا المقرر عن خوفهم على حياتهم التي تعرضت للخطر وعن رغبتهم في حماية مصلحتهم الفضلى كأطفال، لكننا لا نراهم يفعلون نفس الشيء ولا نراهم يعبرون عن نفس الاهتمام في وقائع شبيهة مرتبطة بالجانب الانساني وبحقوق الطفل وبخرق اتفاقيات الأمم المتحدة للطفل.
هناك موضوع المساعدات الإنسانية الموجهة إلى مخيمات البوليساريو بتندوف والرابوني، والتي أفادت تقارير كثيرة عن تحويلها إلى تجارة من قبل قادة التنظيم المعني. هناك أيضا وضع الأطفال في هذه المخيمات بدون حقوق إضافة إلى تجنيدهم عسكريا في سن حد مبكرة وهذا موثقة بالصوت والصورة من قبل وسائل إعلام أوروبية.
هذا بالإضافة إلى قتل أطفال في فلسطين وغزة بشكل مباشر من قبل آلة القتل العسكرية الإسرائيلية، مما يؤكد عملية الانتقاء المقصود الذي يخدم اجندات سياسية أوروبية بشكل عام ولا علاقة لها بالحرص على حقوق ومصالح الطفل.
الأسئلة التي تطرح على هامش هذه النازلة مثيرة منها: كيف يمكن وصف ميزان القوى، بين تكتل كبير اسمه الإتحاد الأوروبي في صراعه الداخلي المحموم وانشغاله الكبير وتضييغ وقته الثمين من زمن أوروبا في زمن كورونا، لمواجهة المغرب وحيدا، كدولة جنوبية يعتبرونها في مصاف دول العالم الثالث؟
ألا يعني هذا أن المغرب فعلا أصبح مقلقا وأصبح يملك أوراق ضغط، قد تتحول الى قوة حقيقية تفاوض أوروبا بندية، تذكرنا بالتاريخ وبالصراع الحضاري بين الشرق والغرب وبين الشمال والجنوب؟
ألم يفهم الأوروبيين بعد، من خلال أزمة سبتة، أنه في حال المساس بأمن المغرب واستقراه فإن أبواب أوروبا الجنوبية ستعيش زمنا من الجحيم، أكبر بأضعاف مما حدث مع الحدود مع تركيا؟ ألا ينبغي لأوروبا أن تفكر بشكل مختلف بدل المواجهة، بمنطق الاحتضان والتفهم الأكثر أمنا للمنطقة كلها؟
المغرب يملك فعلا أوراق ضغط حقيقية ينبغي التفكير فيها بعناية كبيرة وإعادة تصنيفها. أولى هذه الأوراق، هي إعادة ترتيب الخصوم والمنافسين والأصدقاء الدوليين.
هناك تركيا التي يتعين إعادة النظر في العلاقة معها، هذه العلاقة التي كانت عرفت مؤخرا تشنجا اقتصاديا وإقليما بسبب ضيق نظر بعض وزارء حكومة العثماني، خصوصا فيما يتعلق باتفاقية التبادل الحر معها ودور حفيظ العلمي في تغييرها، وفي مسألة الصراع على السلطة في ليبيا وموقف المغرب غير البعيد النظر حينها مع تركيا.
ثم هناك ورقة إعادة تجديد وتقوية العلاقات والثقة مع الصين وروسيا مع ضرورة وضع توازن ذكي مع المصالح الأمريكية. أيضا هناك الورقة الثقافية والمعرفية التي يتعين استعمالها بشكل مكثف، خصوصا على المستوى الإعلامي والتعليمي في المدرسة والجامعة العمومية المغربية بالتوجه نحو اللغة الإنجليزية في الإعلام العمومي بدل الفرنسية والإسبانية.
الشراكات مع بريطانيا وأمريكا ومع الدول الأنجلوساكسونية يجب أن يتم تطويرها ودفعها بقوة نحو جميع المجالات ويتيعن تقعيدها على أساس ثقافي مواز للشراكات الاقتصادية والسياسية، حينها ستستشعر أوروبا حجم أخطائها في التعامل مع المغرب، الذي نظرت إليه كتابع متعلم يجب تأديبه من حين لآخر حتى لايكبر كثيرا.
*باحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط
تعليقات الزوار ( 0 )