قال ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، إن العلاقة الكلاسيكية بين الاتحاد الأوروبي والمغرب بحاجة إلى تجاوز مفاهيم “نحن وهم”، وتقديم منظور سياسي واضح لطموحات كل شريك.
وأضاف بوريطة في حوار حصري مع مجلة “البرلمان” البريطانية، أن مفهوم “الجار” قد يكون مضللًا لأنه يخلق عقلية مشوهة، ويجب أن تتجاوز سياسة الجوار الأوروبية المتجددة هذه المفاهيم وتوفر منظورًا سياسيًا واضحًا يتعامل مع التحديات ولكن أيضًا يجلب إجابات طموحة لكلا الطرفين.
هذا نص الحوار:
شكّل التعاون في سياسات الهجرة والأمن السمات الرئيسية للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب خلال السنوات الأخيرة، كيف تطور هذا التعاون في إطار سياسة الجوار الأوروبية؟
إن التعاون في مجال الهجرة والسياسة الأمنية ليس سوى اثنين من الأبعاد العديدة للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب. في ظل رؤية الملك محمد السادس، كانت المملكة شريكًا موثوقًا به ومسؤولًا ، وهي ملتزمة بمواصلة تعزيز تنسيقها وعملها السياسي حول هذه التحديات، والتي، كما نعلم ، مشتركة بين كلا الجانبين على مستوى البحر الأبيض المتوسط.
المغرب ينظر إلى التعاون الأمني بأوسع مفاهيمه، حيث نواجه اليوم تهديدات مختلفة، علاوة على التهديدات التقليدية، وبالتالي فنحن بحاجة إلى مواصلة مشاركتنا الإيجابية بشأن مسألة التنقل والهجرة.
والمملكة المغربية، كدولة منشأ وعبور ووجهة عبر أحد طرق الهجرة الرئيسية في البحر الأبيض المتوسط، فقد سعينا إلى تطوير حوار بناء يهدف إلى إزالة الغموض عن ملفات الهجرة، إذ من بين كل 100 مهاجر دولي في العالم، هناك أقل من واحد أفريقي غير نظامي مهاجر.
ونعتقد اعتقادا راسخا أن الهجرة ليست عقبة أمام التنمية، بل هي رافعة قوية نحو التنمية عندما تكون “آمنة ومنظمة ومنتظمة”، على النحو المتفق عليه في ميثاق مراكش للهجرة لسنة 2018.
في أي مجال من المجالات تعتقد أنه ينبغي تطوير سياسة الجوار الأوروبية؟
لا يمكن إنكار الأهمية الاستراتيجية لسياسة الجوار الأوروبية (ENP)، ولأننا على وجه التحديد نؤمن بسياسة الجوار الأوروبية، فإننا ندعم مراجعتها الشاملة، وأعتقد أن هناك حاجة لإعادة التفكير في الطريقة التي نتعامل بها مع هذا التكامل والتضامن، لدينا فرصة للدفع من أجل إجراء بعض التعديلات الأساسية، بدءً بالبناء على القيم المشتركة والثقة وتجاوز المنطق التبسيطي القائم على الجغرافيا وحدها.
قد يكون مفهوم “الجار” مضللًا، لأنه يخلق عقلية مشوهة تنبني على مفهوم “نحن وهم”. ويجب أن تتجاوز سياسة الجوار الأوروبية المتجددة هذه المفاهيم وتوفر منظورًا سياسيًا واضحًا يتعامل مع التحديات ولكن أيضًا يجلب إجابات لطموحات كل شريك.
النهج الحالي “الانتقائي” هو عملية نراها مقيدة لوعد الشراكة الطموحة بين المغرب والاتحاد الأوروبي.
ما هو الدور الذي يمكن للمغرب أن يلعبه، إلى جانب الاتحاد الأوروبي، لاسيما في مجابهة جائحة “كورونا”؟
نحن نعتبر أن السياق العالمي الحالي للوباء، والذي تسبب في أزمات اقتصادية واجتماعية، يحث أقرب الشركاء على العمل معا. وفي هذا السياق، من الضروري اتباع نهج جيوسياسي وإدراك أن كونك جارا، فهذا يعني مشاركة التحديات وتعزيز الفرص فيما يتعلق بسلاسل التوريد.
نحن محظوظون لأننا قريبون جدا جغرافيا، محظوظون لأن لدينا نماذج ومعايير اقتصادية مماثلة، فقد أبان الوباء نقاط ضعف سلاسل التوريد المعقدة وحاجة أوروبا إلى تنويع مورديها. والمغرب يتمتع بمزايا تنافسية في هذا الجانب، علاوة على استقراره وموقعه ولوجستياته الهائلة.
اليوم، نحن بحاجة إلى تغيير تصوراتنا، وتطوير تفكيرنا من منظور يركز فقط على القروض والتنمية، إلى العمل معا من أجل نموذج جديد من التعاون من شأنه أن يعزز مرونتنا المتبادلة ويخلق مساحة اقتصادية ونوعا من الازدهار المشترك.
يُنظر إلى دور المغرب في الاستقرار والأمن الإقليميين على أنه ركيزة أساسية لعلاقة الرباط مع الاتحاد الأوروبي. بأي الطرق تنشط المملكة المغربية في الأمن والاستقرار عبر منطقة الساحل؟
لم يدخر المغرب وسعا في المساهمة في الاستقرار والتنمية في منطقة الساحل تحت قيادة الملك محمد السادس، وطالما دعت المملكة إلى اتباع نهج متعدد الأبعاد لمعالجة التحديات الأمنية والإنسانية والبيئية المتعددة التي تواجه منطقة الساحل.
والمملكة المغربية تتمتع بعلاقات قوية وتاريخية مع دول الساحل، لذلك فإن التعاون الإقليمي مهم بشكل خاص لإدارة الحدود في مكافحة الإرهاب والحفاظ على وحدة الأراضي.
من جانب آخر، اخترنا أيضا تركيز أعمالنا على الجانب الديني، من خلال برنامج تدريب شامل للأئمة تستفيد منه العديد من البلدان الشريكة في منطقة الساحل، وتعزيز الإسلام السني المعتدل، وقد لقي هذا النهج في التعاون في الشؤون الدينية ترحيباً واسعاً من قبل المجتمع الدولي وسيكون بمثابة نموذج للتعاون الديني مع دول أخرى في المنطقة.
هناك مخاوف من احتمال انهيار وقف إطلاق النار القائم منذ 29 سنة بين المغرب وجبهة البوليساريو، مما يؤثر سلبا على الاستقرار الإقليمي، ما هو موقف المغرب من وقف إطلاق النار والصراع الصحراوي الدائر؟
“لقد أظهر الوباء نقاط ضعف سلاسل التوريد المعقدة وحاجة أوروبا إلى تنويع مورديها. يتمتع المغرب بمزايا تنافسية في هذا الصدد ، علاوة على استقراره وموقعه ولوجستياته”
بادئ ذي بدء، علينا أن نفهم التهديد الحقيقي لوقف إطلاق النار، فمنذ سنة 2016، ارتكبت ميليشيات البوليساريو مرارا وتكرارا أعمالا غير قانونية، بما في ذلك الابتزاز واللصوصية في منطقة الكركرات العازلة وشرق الجدار الرملي، في انتهاك صارخ للاتفاقيات وفي تحد صارخ لدعوات الأمين العام للأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن.
في الشهر الماضي، اتخذت هذه الميليشيات قرارا بتصعيد تجاهلها للقانون الدولي من خلال منع حركة البضائع والأشخاص بين أوروبا وغرب إفريقيا. وأظهر المغرب ضبطا شديدا للنفس ، وفي الواقع لا يزال يتحلى بضبط النفس، ليس بسبب الضعف، بل لأنه جهة فاعلة ومسؤولة تفضل المعالجة المتعددة الأطراف والمؤسسية للقضايا ذات الأهمية الاستراتيجية للمنطقة.
كما تعلمون، فإن منطقة الصحراء الكبرى والساحل مليئة بجملة من التحديات، نظير الإرهاب والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر، ولقد تعاملنا بشكل مباشر مع الأمين العام للأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن وغيرهم، سعياً منهم لوضع حد للسلوك العدائي لميليشيات “البوليساريو”.
بعد فشل هذه المحاولات، قرر المغرب العمل في إطار حقوقه وواجباته. تم تنفيذ هذه العملية غير الهجومية، دون أي نية قتالية، وفقًا لقواعد اشتباك واضحة، وذلك لاستعادة حرية التنقل وإعادة الأمور إلى نصابها، بحث أكد المغرب من جديد تمسكه بوقف إطلاق النار وبالعملية السياسية، مع الاحتفاظ بحق الرد بأقصى درجات الصرامة والدفاع عن النفس ضد أي تهديد لأمنه القومي.
تعليقات الزوار ( 0 )