Share
  • Link copied

بوتغرار.. عروس وادي الورود وأيقونته السياحية بالجنوب الشرقي للأطلس

على بعد 25 كيلومترا إلى الشمال الغربي من قلعة مكونة وعند السفوح الجنوبية الشرقية للأطلس الكبير تتربع بلدة بوتغرار الساحرة على ضفتي وادي مڭون.

تنتمي بوتغرار ترابيا إلى جماعة إغيل نومكون المحدثة سنة 1992دائرة بومالن دادس-إقليم تنغير.

تتمتع بوتغرار بموقعها الاستراتيجي الرابط بين عدة مناطق، إذ كانت عبر التاريخ منطلق القوافل التجارية والسياحية القادمة من الصحراء والمتجهة نحو أزيلال عبر أيت بوكماز مرورا بثلاثاء أيت حمد شمالا أو إمغران غربا عبر نفق “إمي نلغار”، الذي يعتبر معبرا إجباريا للراغبين بالتوغل في هذه الجبال، كما أنها لا تبعد عن واحة دادس من الجهة الشرقية سوى ب15 كيلومترا عبر طريق غير معبدة تسمى “تلتفراوت” التي تقود مباشرة إلى واحدة من أشهر القصبات بالجنوب الشرقي بل والمغرب وهي قصبة موحداش(تيغرمت نموحداش).

يشطر وادي مكون بلدة بوتغرار شطرين، نصف إلى اليمين ويتكون من “تامالوت” و“أمردول” وهما عبارة عن تجمعيين سكنيين حديثي الولادة بالمقارنة مع النصف الآخر الواقع إلى اليسار والمسمى “أكماظ” أو “إغرم أقديم”.

أصل التسمية

ترجع الروايات الشفوية المتداولة عند بعض الشيوخ البوتغراريين أصل تسمية بوتغرار بهذا الاسم إلى مرحلة التواجد البرتغالي بالمنطقة، حيث كان “البرطقيسيون” يفرضون على سكان هذه البلدة دفع “جزية” عبارة عما تجود به أرضهم من قمح وشعيروجوز وتين وذرة، فكان السكان يملؤون تلك المحاصيل في أكياس كبيرة الحجم مصنوعة من وبر الجمال أو الماعز تسمى محليا” تيغرار”، ليتم بعد ذلك تحميلها على البغال نحو المعقل الذي يتحصن فيه الجيش البرتغالي في عالية جبل يطل على المنطقة.

وتحكي هذه الروايات أنه مع مرور السنوات سئمت الساكنة من تجبر البرتغال وضاقت ذرعا بتسلطهم حيث تظل تعمل طلية السنة وفي الأخير تسلم ثمار مجهودها للمحتل البرتغالي، إلى أن جاء الفرج على يد أحد حكمائها الذي اقترح عليها(الساكنة) خطة لوضع حد للغطرسة البرتغالية؛ وتقوم هذه المكيدة على تعبئة الأكياس(تيغرار) بمجموعة من الرجال المسلحين، رجلان في كل كيس، واحد يمينا والآخر يسارا عوض المحاصيل الزراعية التي يدفعونها وهم صاغرون، ثم تسرج البغال كما العادة باتجاه الكهوف التي يقيم فيها البرتغال.

في هزيع إحدى الليالي المظلمة بينما كان جنود المعقل البرتغالي مستغرقين في نومهم العميق، خرج عليهم الرجال المسلحون من الأكياس بعدما قاموا بتمزيقها وأثخنوا فيهم ذبحا واحدا واحد باستثناء فتاة جميلة لم يمسوها بسوء لأنها هددتهم إن قاموا بقتلها بحلول اللعنة عليهم وجفاف إحدى عيون الماء الرئيسية التي تمد قريتهم بمصدر الحياة؛ الماء، فيعم القحط وتحل المجاعة.

وتمضي الروايات الشفوية في سرد تفاصيل هذه الواقعة التي يصعب التأكد من صحتها والتي تصلح سيناريو لفيلم تاريخي متقون الحبكة، إذ يقال إن أحد سكان المنطقة غير اسم هذه الفتاة البرتغالية إلى عيشة قبل أن يعلن زواجه بها، هذه العائلة التي يعتقد أن جدها هو الذي تزوج بالفتاة البرتغالية هي التي تحمل إلى اليوم الاسم العائلي “أيت عيشة” في بوتغرار.

هذه الروايات الشفوية-كما أسلفنا-، لا يمكن الحسم في صحتها في ظل غياب أي مصادر أخرى مكتوبة، بيد أن هذا لا ينقص من أهميتها وقيمتها باعتبار الرواية الشفوية مصدرا مهما من مصادر التاريخ خاصة في مجتمع لم يكتب تاريخه بنفسه، بل اكتفى بتناقله وتوارثه شفويا جيلا عن جيل(هناك رواية أخرى عن أصل التسمية انظر الفيديو).

الإمكانيات السياحية والفنادق

بوتغرار لوحة فنية مكتملة المعالم، يتداخل فيها ما هو من صنع الطبيعة بما هو من إبداع الإنسان، فإلى جانب وادي مكون الذي لولاه ما قامت للحياة قائمة بهذه المنطقة، حتى جاز أن نقول إن ” بوتغرار هبة مكون”، فهو منبت البذور والساتر من عورة الجفاف والكاسي بلباس أخضر من الأشجار المختلفة أنواعها والحقول الممتدة على جنبات الدواوير الملتصقة بضفتيه.

إلى جانب “الإله مكون” مانح الحياة ومكبر الزرع، تطل الجبال من كل الجهات على بوتغرار بلونها الأحمر كأنها حراس يحرسون عذراء حسناء خوفا عليها من الاغتصاب.

وتضفي القصبات التي برعت في بنائها أيادي المكونيين، قصبات ظلت منتصبة القامة مرفوعة الهامة منذ قرون رافضة الركوع، مصرة على الصمود وعدم الاستسلام لعوادي الزمن، (تضفي)على المكان سحرا عذريا خاليا من المساحيق في منظر سريالي يستعصي على الرسم بالكلمات، وتأتي في مقدمة هذه القصبات الشامخة قصبة موح نتمورغدانت(تغرمت نوتمورغدانت) التي تعد من أشهر المعالم العمرانية البوتغرارية التي تزيدها اللقالق التي تتخذ من قمم أبراجها أعشاشا والزخرفة الأمازيغية على واجهاتها جمالا على جمال.

تستقبل بوتغرار سنويا وبالأحضان مئات السياح القادمين من مختلف بقاع العالم للاستمتاع بهدوئها وجمال طبيعتها ونقاء هوائها وبساطة سكانها، فهي بذلك ملاذ للسائل عن السكينة، المحروم من الهدوء والهارب من ضجيج المدن الفار من تلوثها وصخب الحياة فيها.

نظرا لموقعها الهام، فإن بوتغرار تتوفر-فضلا عما ذكرناه-على إمكانيات سياحية هائلة، إذ تعتبر نقطة انطلاق الرحلات نحو وجهات متعددة باستعمال وسائل نقل مختلفة من البغال والدراجات النارية والعادية وسيارات الدفع الرباعي و“حتى المشاة” الذين توفر لهم الطبيعة خدمات هائلة ومناظر جذابة، إما بالانعطاف شرقا نحو دواوير أيت مراو صوب منابع مكون عبر” مضيق أشعبو” مرورا بدواوير أزويغمت وصولا إلى أيت بوكماز، أو التوجه غربا نحو مضايق أكوتي وأمجكاك وإمغران صوب قمة مكون الواقعة على حوالي 4080 مترا والتي تعتبر إحدى الوجهات السياحية المفضلة لدى هواة السياحة الجبلية وعشاق التحدي باعتبارها واحدة من أعلى القمم في المغرب، قبل استكمال المسير نحو أيت بوكماز عبر تركديت، إكيس وعروس.

كل الذي تقدم يجعل من بوتغرار مصدر جلب للسياح العاشقين للسفر عبر الجبال لسبر أغوار ثقافة أهلها وعادات سكانها القابعين خلفها، الملتصقين بسفوحها كرضع يقسمون على ألا يفارقوا أثداء أمهاتهم !

سياح حالمون بالصعود إلى ذروتها لاختبار صبرهم ومدى قدرتهم على التحمل وتحقيق ما لم يحققه إلا القلائل، خاصة عند بلوغ نقط يستحيل معها استعمال وسيلة نقل أخرى غير الأقدام.

عروس مكون إذن هي نقطة التقاء قوافل السياح القادمين من بوكماز(أزيلال) نحو قلعة مكونة أو المتجهين في الاتجاه المعاكس كما وضحنا سلفا.

ومما يستهوي زوار بوتغرار من السياح الأجانب ما تعج به نواحيها من الرحل سكان الكهوف، زوار يتطلعون إلى استكشاف الحياة البدائية لهؤلاء البدو، ظروف عيشهم والأسرار الكامنة وراء صمودهم في وجه هذه الحياة القاسية داخل تلك الكهوف التي لن يتحملوا هم المكوث فيها ليوم واحد فما بالك بقضاء حياتهم فيها!

ينتشر”سكان الكهوف”تحديدا في المناطق المحيطة بالمسلك الطرقي الرابط بين بوتغرار وواحة دادس عبر “تلتفراوت” والذي لا يخطئه المرشدون السياحيون أثناء جولاتهم السياحية مع زبنائهم القادمين من كل البقاع.

بوتغرار هي كذلك فضاء طبيعي لهواة “المغامرة الميكانيكية”، حيث تمثل منعرجات“تعلويت” المكان المفضل لمحبي هذا النوع من الرياضات الباحثين عن الموت حسب بعض ظرفاء المنطقة، ومرد ذلك إلى كون هذه المنعرجات تذكر الساكنة بفواجع ومآسي كبيرة عندما كان يقضى فيها المكونيون قبل تعبيد الطريق نحو قلعة مكونة، أما اليوم وقد أغناهم الله شرها، فإن المغامرين بحياتهم عبرها لا يمكن أن يكونوا حسبهم إلا “باحثين عن الموت مخيرين لا مجبرين” !

الصعود إلى مرتفع تعلويت يمنح الزائر للمنطقة نظرة بانورامية شاملة من أعلى، حيث لا يمكن أن يفوت هذه الفرصة دون أن يأخذ صورة تذكارية يتذكر بها المرء أنه مر يوما من هذا العالم السحري المنسي بين الجبال !
تتوفر بوتغرار إضافة إلى المؤهلات الطبيعية على فنادق معتبرة أهمها فندقي أوايو(Hotel Awayou) و تمالوت(Hotel Tamalout) الواقعين عند مدخل هذه البلدة، وقصبة شمس(Kasbah Chames) وقصبة أمناي(Kasbah Amnay) و فندق بوتغرار(Hotel Boutgherar) و رياض بيربير (Riad Berbere)…والملاحظ أن أغلب هذه الفنادق مبني بطرق تقليدية ومواد محلية كالطين وجذوع الأشجار والقصب لملاءمتها على ما يبدو مع مناخ المنطقة البارد جدا شتاء والمعتدل صيفا، أما غرف النوم فهي مفروشة بما نسجته يد المرأة الأمازيغية من زرابي وما طرزته من أغطية ووسائد، كما أن قريحة أرباب هذه الفنادق تفتقت لتحول قطعا خزفية كالجِرَار والقصع إلى دورات مياه تؤثث حماماتها وأخرى معلقة على الجدران جاعلة من الفنادق فنادقا ومتاحفا أو معارضا دائمة للتراث في الآن نفسه!

تمنح الجلسة في شرفاتterrasses هذه الفنادق تحت الخيام التقليدية أو مظلات مصنوعة من جريد النخيل الزائر لبوتغرار راحة نفسية ونظرة عامة تشعره بهناء البال، فكل شيء في هذه المناطق عفوي وبريء من بروتوكلات المدن ورسمياتها المملة.

صعوبات ومشاريع تنتظر الإنجاز

رغم إمكاناتها السياحية الهائلة، فإن بوتغرار كغيرها من المواقع السياحية بالجنوب الشرقي تعاني من العديد من الصعوبات والمشاكل، لعل أكبرها التهميش الإعلامي، باعتبار الإعلام دعامة أساسية للقطاع السياحي الذي يعتبر مورد رزق للكثير من المكونيين، وذلك عن طريق الإشهار والتعريف بما تزخر به المنطقة من مقومات، ففي هذا السياق يسجل الفاعلون في القطاع السياحي بالمنطقة شبه غياب لهذه المناطق في الإعلام الوطني بمختلف تلاوينه، يضاف إلى ذلك هشاشة البنية التحتية، فالطريق الوحيدة الرابطة بين بوتغرار وقلعة مكونة ضيقة وفي حالة كارثية مما يشكل خطرا على مستعمليها خاصة أثناء التقابل أو التجاوز، مما يجعل منها مسرحا لحوادث مميتة، ويزداد الوضع مأساوية عند تهاطل الأمطار، إذ إن تساقط الأحجار وتآكل جنبات الطريق يمثلان الخطر المحدق بالمتنقلين عبرها.

أما مشكل العزلة الذي تفرضه أجواء فصل الشتاء، فيظهر جاليا ليس بالغوص في دواوير مكون أين يكون أظهر من نار القرى ليلا على علم، إنما على مستوى القنطرة الواقعة وسط بوتغرار، حيث يغمرها الوادي لساعات وربما لأيام، ليجد آلاف السكان أنفسهم معزولين عن العالم الخارجي ومعهم بعض السياح الذين يتصادف تواجدهم هنا مع أجواء مناخية باردة وقاسية جدا، فكثيرا ما انتشرت أخبار أجانب علقوا بالمنطقة وكادوا يقضوا فيها بسبب غياب وسائل الإنقاذ وتقنيات التدخل السريع، مما يولد لديهم إحساسا بالتذمر وعدم الرغبة في المجازفة بأرواحهم مرة أخرى، ”أما السكان المحليون فقد ألفوا تلك المعاناة ”.

كثيرة هي المشاريع التي تنتظرها بوتغرار والتي من شأنها المساهمة في تنمية المنطقة ورفع التهميش عنها، ونلخص بعضها فيما يلي:

-توسيع الطريق الرابطة بينها وبين قلعة مكونة وحمايتها من التساقطات الصخرية الخطيرة بوضع حواجز إسمنتية تحول دون وصول الأحجار الضخمة التي تلحق بها أضرارا بليغة.

-إعلاء قنطرة وادي مكون.
-تعبيد الطريق الرابط بين بوتغرار وواحة دادس(جماعة أيت يول) والذي لا يتجاوز طوله 15 كلم لأهميته السياحية والتجارية، حيث سيمكن من اقتصاد الطريق والوقت نحو تنغير وسيصل واحة مكون بدادس في بضع دقائق.
-تتمة تعبيد الطريق الرابطة بين أوزيغيمت وألمدون على طول 25 كلم ومن تم الربط بين إقليمي تنغير(إغيل نومكون) وأزيلال(أيت بوكماز) شمالا مما من شأنه تنشيط الحركة السياحية بالمنطقة.
-تعبيد المسلك الطرقي المؤدي إلى مضايق أكوتي على طول 10 كلم.
– إنجاز مشاريع وبرامج سياحية من طرف السلطات المختصة(وزارة السياحة، وزارة الثقافة، وزارة البيئة,عمالة تنغير…)للتعريف بالمنطقة وإشهارها كالمهرجانات الثقافية والتظاهرات الرياضية الجبلية ومحاربة التلوث ووضع علامات التشوير… مشاريع وأخرى تنادي فهل من مجيب؟

Share
  • Link copied
المقال التالي