مما لا جدال فیه أن التعلیم ھو المحرك والعمود الأساسي في تطور وتقدم الأمم، باعتباره من مقومات الحیاة في المجتمع لبناء الحضارة وبناء أجیال وأفراد قادرة على التغییر والتقدم والنجاح والنھوض في شتى المجالات الإقتصادیة والإجتماعیة والثقافیة والسیاسیة..، إذ یجعل الفرد قادرا على الإبداع والإبتكار، فلا تعود ثماره على الفرد فقط بل یمتد أثره لیشمل المجتمع بأكملھ، حتى یصبح مجتمعا سلاحھ العلم والتعلیم وقویا في حل جمیع مشاكلھ مھما كانت درجة صعوبتھا وبالتالي تجاوزھا بشكل سلسل وبطرق علمیة وإنتاج وسائل یستطیع الإنسان من خلالھا مواكبة العصر المزدھر.
وما إن بدأت الإرھاصات الأولیة لظھور جائحة ”كوفید 19 ” بالمغرب، حتى انكشف واقع قطاعات الدولة التي طالما كانت محط مطالب شریحة مھمة من المجتمع بغیة إصلاحھا والإرتقاء بھا، كما كشفت أیضا ھذه المرحلة الحساسة عن الجنود التي تحملت المشاق بالدرجة الأولى ووجدت نفسھا في الخطوط الأمامیة، وأبانت عن قوتھا وأھمیتھا وسط المجتمع، والأمر یتعلق برجال ونساء التعلیم والصحة، إضافة للسلطات الترابیة ورجال الأمن الذین یسھرون لیل نھار لحمایة صحة المواطنین، ومن جھة أخرى تبین الإختفاء التام لأصحاب التفاھة سواء من كانوا یتربعون على عرش مواقع التواصل الإجتماعي أو قنوات الیوتوب، لیصبح من الواضح الیوم وضع قطیعة مع كل من یروج للتفاھة ویستغل كل فرصة للتطاول على رجال التعلیم وإھانتھم من خلال نشر بعض الصور النمطیة التي تجد أحیانا تربة خصبة من المجتمع. لترویجھا وسط عوالم الجھل والتخلف الفكري الذي یقبع فیھ جزء وبالرجوع إلى بعض الإصلاحات التي شملت قطاع الصحة خلال ھذه المرحلة من تجھیز لبعض المستشفیات وتزویدھا بالمعدات لمواجھة تفشي ھذه الجائحة، وسیرا نحو استمراریة تلبیة الإحتیاجات الطبیة العاجلة والتخفیف من الأثر الاقتصادي، تم إحداث صندوق خاص بتدبیر جائحة ” كوفید-19 ” والذي جمع أكثر من 7.32 ملیار، وإن كانت ھذه المبادرات بطبیعة الحال تستوجب الإعتراف بالجمیل وتقدیم الشكر، ففي جوھرھا تبقى مسألة طبیعیة في ظروف قاھرة تتطلب تظافر الجھود من أجل استمرار الدولة على قید الحیاة، ھذا یدفعنا لطرح عدة تساؤلات حول ما المانع من عدم الإلتفات لإصلاح ھذه القطاعات في زمن ما قبل الجائحة؟ ونعلم كم من الأموال صرفت في غیر محلھا من خلال دعم المھرجانات وكذا المسلسلات والأفلام المنحطة المھدمة للحیاء التي خلفت لنا إلا الدمار والإنحلال الأخلاقي، وبالتالي ضیاع أموال مھمة كانت كفیلة بخلق توازنات داخل المجتمع في شتى المجالات، وفي ھذا السیاق یطرح سؤال آخر حول ھل سیتواصل مسار الإصلاح ما بعد ھذه الجائحة أم سیتوقف حتى إشعار آخر ویصبح ذكرى للذاكرین؟ وإن كان الجواب على ھذا السؤال سابق لأوانھ إلا أنه سیحیلنا مباشرة إلى طرح السؤال التالي: أي إصلاح ینبغي اعتماده لبناء مغرب جدید؟ إنھا جملة دروس وعبر تبدو جلیة ناصعة البیاض في منعطف تاریخي یتمیز بالوقت الكافي للتأمل والتدبر حول الإصلاحات التي ینبغي جعلھا في صلب أولویات المرحلة المقبلة، حیث أضحى لزاما على الدولة أن تباشر إصلاحا عمیقا في مجال البحث العلمي ببلادنا، خاصة وأن التحدیات المستقبلیة ستكون كبیرة وكبیرة جدا، على اعتبار أن البحث العلمي یعتبر الغایة القصوى للإنتاج الفكري والابتكار الذي تتجھ إلیھ أنظار مؤسسات التعلیم العالي والجامعات كونھ القاطرة الفعلیة للتنمیة الإقتصادیة والصناعیة والإجتماعیة والثقافیة للمجتمع، والمدخل الأساس لإصلاح حقیقي لقطاع الصحة، والحدیث عن تطویر قطاع البحث العلمي لن یتأتى إلا بتطویر منظومة التربیة والتعلیم وإصلاح جذري للمدرسة العمومیة وتحدیث جمیع مناھجھا ومقرراتھا الدراسیة ومرافقھا وفضائھا الداخلي والخارجي، كما یجب مواكبة ھذا الإصلاح بتأمیم قطاعي الصحة والتعلیم وتجوید خدماتھما لعموم المواطنین وھي فرصة مھمة للجنة النموذج التنموي كي تأخذ بعین الاعتبار المطالب التي بلورتھا ظروف مواجھة جائحة “كوفید 19 “والأولویات التي فرضت إعادة ترتیبھا خصوصا بعد أثبتت أن الاستثمار في غیر الإنسان سرعان ما انھار وأثبت عجزه بسبب تفشي الجائحة، وبالتالي فأي إصلاح یؤسس على رؤیة استراتیجیة لا یمكن قیامھ إلا إذا اعتمد في أولى أولویاتھ تثمین العنصر البشري، غیر أن ھذا النھج بطبیعة الحال رھین الأھداف والمردودیة بصفة شاملة وكاملة ومانعة.
بمدى توفیر عیش كریم ومناخ وبیئة صالحة تساعد على تحقیق وأخیرا یمكن القول أن جل الإصلاحات مرتبطة ارتباطا وثیقا بتوزیع الكفاءات على رأس القطاعات المركزیة وكذلك على المستوى الترابي، حیث أضحى الیوم ومن الضروري منح الأساتذة الجامعیین مشعل تدبیر الشأن العام، خاصة وأن لدیھم تكوینا علمیا وأكادیمیا عالیا في شتى المجالات، الذي من شأنھ أن یساھم في تفعیل وترجمة جمیع الإصلاحات على أرض الواقع، على اعتبار أن من أسباب تعثر الإصلاحات تتجلى في ضعف الكفاءات والقدرات البشریة، كذلك لابد من الإشارة في ھذا الصدد أن أغلب المنتخبین على المستوى الترابي لا یعرفون معنى التدبیر العمومي ناھیك عن التدبیر وفق المقاربات الجدیدة، وبالتالي یمكن رجعة، كون زمن المغرب الحدیث لم یعد یحتمل. القول أن زمن المنتخبین عدیمي الكفاءة یجب أن یذھب بدون وحتى لا ننسى أھم مسألة یجب الإلتفات إلیھا تكمن في رفع القیود على خطباء المساجد ومنحھم الحریة في اختیار الموضوعات الحیة التي تعالج قضایا العصر، وتساھم في إصلاح اعوجاج الأمة على الطریقة الشرعیة الصحیحة، باعتبارھا منبرا للھدایا ومنارات تضيء الدنیا وتصلح المجتمعات وتكسبھم الأخلاق، وبالتالي فدور الخطیب یبقى الأبرز في المجتمع كونھ المفتي والواعظ والمدرس والمرجع الدیني للناس في كل شأن من شؤون الحیاة.
تعليقات الزوار ( 0 )