أف لهذا المشروع العملاق المريض بجيشه العرمرم من رجال الأعمال-التجار-الفلاحون، الذي لا يستطيع أن ينتج خروفا في متناول المغربي البسيط، أو سمكة من بحورنا مشوية بثمن يشبه على الأقل ثمنها في إسبانيا أو قفة خضر مستقرة المقابل المادي طيلة السنة!
مشروع لا يستحق كل تلك المساحيق التجميلية من هنا وهناك! فهو مشروع بشري مغربي دخلته السوسة لتنخره من الداخل، ولنكن صرحاء مع أنفسنا في وضع اليد على الاختلالات بدل الحلول السياسية الكاذبة المحبطة، وبدل الدخول في دوامة التفسيرات والتبريرات المرتبطة بالتضخم والجفاف وغيرها، التي تعبر عن لغة الفاشل وذهنيته.
السياسي المحنك لا يبرر كثيرا بقدر ما يقدم الحلول، حتى لا يظهر عليه الفشل ولغة الخشب، وإلا ما جدوى كل تلك الحملات الانتخابية الجميلة الرنانة، إذا لم يستطع هذا السياسي أن يوفر خروفا لناخبيه؟ الأمر واضح، لقد أسس المشروع بعقلية تجارية صرفة ركزت على الطماطم وأشباهها من منتوجات الأرض الموجهة للتصدر وهمشت رغبات وحاجيات الفقراء بما في ذلك الحاجيات ذات البعد الثقافي كأضحية العيد.
لم نشهد طيلة عقود من الزمن ما وصل إليه سوق الأضحيات من غلاء فاحش غير مبرر، لم نشهد هذه النظرات الحزينة المنهزمة في عيون جماهير غفيرة تحج إلى أسواق الأضحيات، والتي تخفي خلفها نقمة لادغة، ورغبة صامتة بشكل مزعج في الصراخ و في إحداث الفوضى، والفوضى أخطر من الثورة!
لم نشهد هذا التواطؤ في إقرار عجز الدولة والقطاعات الحكومية المعنية، وعلى رأسها وزارتي الفلاحة، فيما يتعلق بتموين السوق والتفكير الاستباقي في ذلك، ووزارة الداخلية فيما يتعلق بالمراقبة، وهي التي تعرف كيف تحيط بحياتنا منذ ولادتنا وتقييد ازديادنا وأسمائنا إلى حين تقييد وفاتنا وإقبارنا في قبور تراقبها هي أيضا!
لقد أصبح بعض رواد المغرب الأخضر يستعملون الدين والفتاوى الشرعية والفقه الاسلامي، لتبرير عدم ممارسة شعيرة شراء وذبح الأضحية في العيد، وهم بذلك لا يختلفون كثيرا عن أولئك الذين استعملوه ويستعملونه في فترات الانتخابات، أو لمهاجمة خصومهم. مسكين هذا الدين جعلوه مرجعية لكل أنواع الفشل والبهتان!
المغرب الأخضر وجنباته الزرقاء، أدخل المغاربة في دورات من التعاسة بشكل منتظم طيلة السنة. مشاكله واختلالاته تظهر في فترات معينة مع ارتفاع اسعار بعض الخضر والأسماك وعلى رأسها الطماطم والسردين، وفي الصيف مع نقص الماء المنزلي، بسبب استنزاف الفرشة المائة من قبل مشروع المغرب الأخضر الذي بشر به الأخ الرئيس عزيز أخنوش. لقد أصبحت هذه الأزمات تتكرر بشكل منتظم، مما يوحي بوجود خلل بشري وهيكلي خطير، في انتاج وتوزيع وانتشار المنتوج الموعود من الوفرة الفلاحية بأثمنة معقولة.
هل هو استنزاف للأرض وللماء لفائدة فئة من التجار الفلاحيين “الدوليين”، الذين صرفوا الطماطم وغيرها إلى الدولار واليورو، أم هو فشل للسياسي الذي لا يقوى على وضع خطط، تعدل وتنصف في توزيع المنتوج وفق قدرة المواطن، أم هو تواطئ بيروقراطي ضخم لفائدة لوبيات متوحشة ليس في قبلها ذرة وطنية أما الرحمة فلا يهبها الله أصلا للجشعين.
الحكومة وبعد عجزها عن توفير الأضحية بثمن معقول، وبعد اضطرارها منح دعم لاستيراد خروف العيد من دول ومنها اسبانيا التي عرفت خضرة وفية ومخلصة ووطنية في فلاحتها منذ زمن ليس بالبعيد، وبعد عدم قدرة الأخ الرئيس عزيز أخنوش، على ضبط الأسواق ومورديه وزجر التلاعبات الحاصلة فيه، حاول أن يغطي على السوءة النتنة لبعض
القطاعات الحكومية، بإقناع المؤسسات بصرف كامل لمبالغ أجور العاملين في القطاعات العمومية، ثلاث أسابيع قبل نهاية الشهر، ربما لسماح للوبيات بتسويق خرفانها بسبب وجود كساد واضح، أو بسبب أن بعضها يفكر سياسيا في الوعود التي قدمها للناخبين البسطاء الذين أصبحت نظراتهم بئيسة أمام سوق متغول يبتلع الصغار فقط!
هذا الإجراء المتعلق بصرف الأجور قبل أوانها، في مدة تفصل عن الصرف المقبل لشهر يوليوز بحوالي 50 يوما، هو إجراء غبي وغير مسؤول وغير وطني وغير صادق، هو إجراء لا يفكر في البلد وفي المواطن بقلب مسؤول. هو إجراء أخطر من عدم صرفها أصلا في هذا الوقت، لأن هذا القرار سيدفع جحافل من الموظفين إلى الاقتراض مع نهاية الشهر، أو مع بداية شهر يوليوز، ونحن مقبلون على نهاية السنة الدراسية وما تتطلبه لدى فئات واسعة من أداء واجبات تسجيل أبنائهم، والاستعداد للعطلة المدرسية.
يبدو أن صاحب هذا القرار أو مقترحه ومنفذه اشتغل بمقاربة متسرعة للتهدئة المؤقتة للألم، ولم يشتغل بعقل الدولة الصبور الهادئ الذي يؤسس خطواته وفق منطق الاستقرار الطويل الأمد، فأقبل على هذا الإجراء بدون أي دراسة أو استشراف. واضح أنه فكر فقط في كيفية إدارة اللحظة لإعادة اللون الأخضر إلى جسد هذا المشروع الفلاحي الذي أصبح فاقع الصفرة، ولا يستحق أبدا أن نقول أنه مشروع ناجح بشكل كامل، لأنه لم يتمكن من إنتاج خروف للفقراء وفي توفير اللحوم والأسماك بعرض مناسب، ولم يتمكن من إسعاد طبقات واسعة من الشعب، وحرم مئات الآلاف من المغاربة، من الاستمرار في لمة العيد حول أضحية لا تمثل الدين فقط، بل اختلطت بثقافة وطقوس الاحتفال الجماعي وطقوس ورثتها العائلات المغربية منذ قرون طويلة، إنه فعلا مشروع بدأ أخضرا براقا ثم سرعان ما أنتج حصادا أصفرا!
تعليقات الزوار ( 0 )