شارك المقال
  • تم النسخ

بنيعقوب يكتب.. خروف العيد والاختبار الصعب لعزيز أخنوش: تدمير القيم ودورها في التنمية أم تسيد السوق ولاشيء غير السوق؟

معادلة التنمية والقيم قد تكون غائبة عن فهم الحكومة، وعن الوعي بخطورة تدميرها، أضحية عيد هذا العام نموذجا! هل هناك ارتباط بين خروف العيد والتنمية!؟ وإذا كان كذلك فما هي أبعاد هذا الارتباط وتجلياته؟ وما علاقة السوق بالقيم؟ وهل هناك بعد سوسيو ثقافي في الاقتصاد؟ وهل هناك نزعة ايديولوجية خلف ارتفاع أثمنة الأضاحي لهذه السنة، رغم وجود خطاب شفهي طويل حول الدولة الإجتماعية وتقليص الفوارق الاجتماعية؟

هذه جملة من الأسئلة التي تتبادر إلى الذهن، عند محاولة تفسير وفهم ماذا جرى في سوق اضحيات العيد، حتى تصل إلى مستوى غير مسبوق من استنزاف مدخرات المواطنين، و”ذبح” قدرتهم الشرائية، على عكس الرائج في خطاب الحكومة.

حضور البعد السوسيو ثقافي في الدورة الاقتصادية، لا يمكن أن ينكره أحد، وهو يتجلى في القيم التي تتميز بها الجماعة المغربية في هذه الحالة، وفي عادات الاستهلاك وتدبير الأزمات الاقتصادية. ومن أهم مظاهره في حياتنا مؤخرا، هو أنه لولا وجود هذه القيم، لما تمكن المجتمع والدولة التصدي للأزمات المعقدة المرتبطة بنتائج انتشار كوفيد 19، ثم تجلى في الهبة الجماعية في حملات التضامن المنقطع النظير في زلزال الحوز. هذه القيم، كثيرا ما يتم تجاهلها كعامل ثقافي وسوسيولوجي، واقتصادي لتكثيف التوزيع والاستهلاك وتشجيع الانتاج، وبذلك المساهمة في تخفيض المعاناة الاجتماعية والاقتصادية عن المستهلك والمنتج على حد سواء. وقد تكون هذه القيم أيضا عاملا خفيا لخلق التوازن تتدخل بشكل حاسم في فترات معينة، رغم الصور المتشائمة التي يحاول البعض رسمها عن مستقبل الاقتصاد المغربي، رغم حجم الاكراهات المحيطة بالأسر المغربية، فالقيم هنا ستكون حلا عند كل عجز.

وليس هناك أدنى شك بأن الإصلاحات التي قام بها الملك محمد السادس منذ اعتلائه العرش، حولت المغرب إلى مستوى تنموي رائد بشكل لم نر مثله من قبل. لقد تقوى أداء المغرب اقتصاديا بتنويع الشركاء ومصادر الثروة، وبمبادرات تقليص هوامش الفقر والفوارق الاجتماعية، وبالرفع من التنافسية الإنتاجية، والتموقع الدولي الواضح والانفتاح على حساسيات سياسية وثقافية، كانت غير مفعلة داخليا، وغيرها من المصالحات المجالية والسياسية والاجتماعية والحقوقية، رغم الإمكانيات المحدودة والانتظارات الكبيرة..

غير أن الإحباط التي تحس به فئات واسعة جراء عدم التمتع بثمار التنمية، وتعرض الطبقة المتوسطة إلى الضغط المعيشي، يقتضي التفكير في تأسيس مرحلة جديدة من الإصلاح تنبني بشكل أساسي على تحديد صلاحيات واختصاصات المؤسسات، وتقوية الفعل السياسي الحزبي وتدعيم سلطة الحق والقانون، وتحديد المسؤوليات بشكل واضح بغاية سيادة العدالة والحرية والكرامة لضمان تطور حقيقي يكون المواطن هو القطب الأساسي في تشكله.

فالتنمية ليست فقط سلسلة عمليات تحديث مادية، وإنما هي أيضا مسلسل يروم خلق عدالة اجتماعية من خلال ضبط عملية توزيع الثروة، وهنا نطرح التساؤل هل وصلنا إلى مرحلة نضمن فيها توفير حاجيات جميع المواطنين وتعزيز قدرتهم على الولوج إليها بدون معيقات؟ وهل تمكنا من ضبط ايقاعات التنمية وتقليص الفارق بينهما، بحيث أننا نلاحظ أن هناك مسار امتيازات وثراء سريع وسع وقوى فئة مهيمنة، ومسار بطيء لصيق بالطبقة المتوسطة والفئات الهشة؟ وهذا ربما ما دفع الملك محمد السادس للقول في خطاب ثورة الملك والشعب لسنة 2014: “لا نريد مغربا بسرعتين، أغنياء يستفيدون من ثمار النمو، ويزدادون غنى وفقراء خارج مسار التنمية، ويزدادون فقرا وحرمانا”.

وهناك من يرى أن التنمية مرتبطة أساسا بالعمل على إيجاد مناخ يتميز بثقافة الإنجاز، كما يرى أحد كبار منظري التنمية دافيد ماكلالند، الذي ركز على العوامل النفسية والثقافية التي تؤثر في مسارات التنمية الاقتصادية. فهو يرى أن هذه الرغبة المجتمعية في الانجاز، هي رغبة ثقافية، سوسيولوجية ونفسية، كلما وجدت كلما ساهمت في الرفاه، وبالتالي على الدولة السهر على توفير مناخ إنتاج هذه الرغبة بكافة الطرق المتاحة. وبالنظر إلى هذا التصور، فإنه لا ينبغي خلق مناخ مثبط يبعث على اليأس اجتماعيا واقتصاديا، من خلال تبني قرارات تنشئ كميات جديدة من الإحباط المجتمعي، اذا كنا فعلا نطمح إلى بناء بلد متطور ومزدهر.

وهناك من منظري التنمية من خلص إلى ارتباط الرفاهية الاقتصادية بالكرامة والحرية، كما هو الشأن بالنسبة لميشيل تودارو، الذي حاول تأسيس نظريته على وضع توليفة بين ماديات العيش ووفرة العرض الاقتصادي وتنوعه، وببن ما هو فردي ثقافي اجتماعي يتأسس على نظام سياسي اجتماعي يقوي الانتماء الجماعي.

وهناك نظرية الاقتصادي الانجليزي ماينارد كينز المرتبطة بتدبير الأزمات الاقتصادية، والتي تبناها نظريا رئيس الحكومة عزيز أخنوش في مقالة وقعها خلال شهر أبريل سنة 2020 تحت عنوان: “هذه رؤيتي لمغرب ما بعد جائحة “كورونا”. هي نظرية تقتضي عموما تدخل الدولة من خلال رفع الإنفاق العمومي، وتخفيض الضرائب لمواكبة المنتجين ولتقوية العرض و الطلب، بغية دعم الانتاج والاستهلاك لتوفير التمويل الكافي للاستثمار، الذي سيؤثر بدوره على الرفع من الإنتاج مما سيؤدي إلى خلق الرفاه الاقتصادي، وبالتالي ارتفاع مداخيل الضرائب وانخفاض الإنفاق العمومي خلال فترة الرفاه.

وهناك مفارقة غريبة في السياسة الحكومية المغربية، ففي الوقت الذي حاول رئيسها عزيز أخنوش تبني التصور الكينيزي للخروج من الأزمة، فإننا نجد أمامنا مشاريع غارقة في النظرية النيوليبرالية التي تجعل من السوق هو السيد المتسيد دون تدخل من الدولة. فما معنى مثلا أن تدعم الحكومة ماليا وضريبيا مستوردي اضحيات العيد، بدون أن تتدخل في تحديد سعرها في السوق، وهي المطلعة على الأثمنة الحقيقية وتكلفة وصولها إلى المغرب؟ لذلك فإن الحكومة بتبنيها هذا التوجه، فإنها تكرس الانتقادات الموجهة للنظرية النيوليبرالية، بكونها لا ترى بأن الفقر هو مشكل بنيوي في المغرب، وهي بذلك ترسخ الفوارق الاجتماعية، وتضرب قيم التضامن بشدة، نظرا لإيمانها الأعمى بالسوق ولاشيء غير السوق، ثم تنتظر بعد ذلك معجزة سعادة ورفاه المجتمع ككل في العيد!

وقد يكون الاقتصاد الهندي، أمارتيا سين، مؤسس مفهوم وقياس التنمية البشرية الذي تبنته الأمم المتحدة، هو من أكثر علماء الاقتصاد عبر التاريخ النظري الاقتصادي، قدرة على فهم معضلة الفقر في كتابه لسنة 1981 “الفقر والمجاعات: دراسة في الاستحقاقات والحرمان”. ومن أهم الخلاصات التي توصل إليها هي كون المجاعة ليست مرتبطة بعدم توفر الأغذية، وإنما سببها يكمن في وجود نظام توزيع غير عادل أو ناجع، وبسبب عدم تمكين المواطن من قدرات الفعل، المبنية على حرية الإنجاز، وعلى التمكين للمواطن لرفع مؤهلاته في العيش الكريم، و على الانتاج والاكتفاء، وبالتالي المساهمة بايجابية في تنمية البلد.

خلاصة القول أن معادلات التنمية لا ينبغي أن تغيب عنها ضرورة الحرص على القيم المجتمعية، ومنها قيمة الاحتفال بعيد الأضحى، وما تحمله من قيم التضامن والتآجر والاجتماع الأسري. هذه القيم التي ضربت في عمقها في هذا العيد، باعتبار أن الطبقة المتوسطة خصوصا، التي تنتعش معها التجارة والفئات الفقيرة الهشة من خلال جسر التضامن، قد استنزفت مواردها بشكل كبير وصارت مواردها في مهب رياح السوق المتوحش، قد تعيش تأثيرات هذا العيد إلى نهاية السنة أو أكثر. إلى جانب ذلك فإن حماية القيم وارتباطها بالتنمية، مرتبطة أيضا بمركزية إمارة المؤمنين المؤسسة على البعد الديني والقيمي، وأن أي ارتجاج يقع على مستوى منظومة القيم المجتمعية، سوف لن يكون له تأثير اقتصادي فحسب، وإنما سيتجاوزه إلى أبعد من ذلك بكثير..!

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي