حوار بناصا مع إدريس بنيعقوب، الباحث في العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، والذي يتطرق إلى أهم القضايا السياسية والدستورية في التعاطي مع أزمة وباء كورونا بالمغرب.
إليكم الحوار كاملا…
أثير نقاش حول المرسوم رقم 293.20.2 الصادر بتاريخ 24 مارس الماضي الذي أعلن عن حالة الطوارئ الصحية، خصوصا فيما يتعلق بتاريخ بداية سريانها حيث اغفل تحديدها واكتفى بتحديد تاريخ نهايتها وهو 20 أبريل الجاري، ما رأيكم في هذه المسألة؟
هذا المرسوم جاء تنفيذا للمرسوم بقانون عدد 292.20.2 المتعلق بشن أحكام وشروط حالة الطوارئ الصحية.
وهي حالة مستجدة على القانون الدستوري المغربي لم يتوقعها الدستور من قبل، وبالتالي كان ينبغي التعامل مع حالة انتشار خطر داهم وهو خطر تفشي وباء كورونا الذي أحدث أزمة عالمية.
بعض الفقه الدستوري الفرنسي يميز بين الطوارئ الاستثنائية كحالة الحصار و الطوارئ الأمنية وبين الأزمات الكبرى التي تهدد وجود الدولة ككل. المغرب اذن تعامل مع الوضع، انطلاقا من نظرية الظروف الاسثتنائية، وتم تعزيز المنظومة القانونية بالقواعد القانونية اللازمة لتدبير هذا الوضع المستجد وغير المتوقع والمستعجل، بواسطة طلب تفويض من البرلمان لاتخاذ الإجراءات الضرورية للتعامل مع الظرف بما تمليه المصلحة العامة.
غير أن مرسوم إعلان حالة الطوارئ في مادته الأولى تناول مدتها، مكتفيا بتحديد تاريخ نهايتها وهو 20 أبريل الجاري، ولم يحدد تاريخ بدايتها القانونية، الشيء الذي يشكل مصدرا لمخاطر على مراكز قانونية وحقوقية أخرى، وتهديدا للأمن القضائي.
والسبب هو التناقض بين التاريخ الفعلي والواقعي لبداية الطوارئ وهو 20 مارس الماضي الذي امتثل له المواطنون، وبين المرسوم الذي لم يحدد تاريخ البداية. اذن هل نؤسس نتائج مقتضيات الطوارئ على التاريخ الفعلي الواقعي أم على تاريخ صدور النص في الجريدة الرسمية الذي قد يمس ببعض مكتسبات المواطنين.
من بين هذه المكتسبات إيقاف سريان جميع الآجالات طيلة فترة حالة الطوارئ الصحية، من بين هذه الآجالات هناك آجال قضائية مرتبطة باحتساب مدد التبليغات للأحكام والقرارات الأوامر تترتب عنها جزاءات خطيرة، وآجالات أداء، وأيضا اجالات مكسبة لحقوق عينية كآجال التحفيظ العقاري والشفعة وغيرها. وهي حتما آجالا لا يمكن المس بها ولا تعديلها إلا بمقتضي القانون.
غير أن حالة الطوارئ أوقفت سريانها بسبب رئيسي هو توقف وتقييد الحركة بسبب الوباء، ضمانا للأمن القانوني والقضائي للمواطن. فكيف لمواطن تقيدت حركته وحريته في التنقل وفي الولوج إلى المرفق العام، ابتداء من تاريخ إعلان الدولة حالة الطوارئ بشكل رسمي وعمومي، بل شرعت السلطات العمومية في تطبيقه وإجبار الناس على احترامه وهو 20مارس، أن نفرض عليه تاريخ الإصدار في الجريدة الرسمية، بشكل جامد غير مرن وبشكل غير منسجم مع ثقافة التوفيق بين السلطة والحق والقانون، لذلك أصبح من الضروري تصحيح الوضع وإصدار مرسوم تعديلي او تصحيحي يحدد تاريخ بداية سريان الطوارئ الصحية ابتداء من 20 مارس، بشكل واضح ودقيق، أيضا تفاديا لأي منازعات قانونية وقضائية مستقبلية بسبب تفسير نقطة بداية الطوارئ الصحية.
لكن ما تقولونه يصطدم بقاعدة عدم رجعية القوانين الواردة في المادة السادسة من الدستور؟
الدساتير ليست قوانين تشريعبة عادية إجرائية، بل هي قواعد سامية ذات طابع سياسي، بمعنى إطار معيار لترتيب الأولويات وتحديد المسؤوليات الكبرى لتدبير الدولة ولوظائفها ولترتيب قواعد التدبير. داخل نفس منظومة القواعد الدستورية هناك ترابية وهرمية لهذه القواعد من حيث القيمة الدستورية، وهنا اقصد قواعد داخل الدستور وليس هرمية النصوص والقواعد القانونية والتنظيمية. هناك قواعد دستورية كبعض الحريات والحقوق تستمد قيمتها الدستورية من قواعد ما فوق الدستور كالمعاهدات الدولية مثلا، وهناك قواعد ذات قيمة دستورية تنبع من وثيقة الدستور أو من مبادئ عامة للقانون أو من تشريعات أقل درجة من الدستور..
هنا نتساءل هل مبدأ رجعية القوانين يمتلك قيمة دستورية بنفس الدرجة لقواعد أخرى كالحق في الحياة وفي الصحة مثلا؟ في فرنسا، التي تعتبر منظومة قانونيه دستورية مرجعية أساسية بالنسبة للمغرب، مبدأ عدم رجعية القوانين ليس له قيمة دستورية وإنما يتمتع بقيمة تشريعية.
لذلك طرأت عليه مجموعة من الاستثناءات أجازها القاضي الدستوري والإداري ليس فقط في المادة الجنائية بل أيضا في مواد مدنية مالية واقتصادية وجبائية. هذا ما زكاه المجلس الدستوري ومجلس الدولة ومحكمة النقض، هذه الهيئات القضائية التي إجازت استثناءات للمبدأ، وضعت شروطا لهذه الاستثناءات من بينها أن تقرها مقتضيات قانونية بشكل واضح وأيضا انطلاقا من مبرر المصلحة العامة الكبرى الملموسة والمجمع عليها. من خلال هذا المنطق نتساءل أيضاً عن معنى القانون الذي تحدثت عنه المادة السادسة من دستور المملكة بأنه ليس للقانون أثر رجعي.
ما المقصود بالقانون هل يضم ايضا السلطة التنظيمية للحكومة؟
حسب عناصر لغة هذا الفصل وحسب نظام جملته فإنه قد يكون المقصود هو القانون بمعناه الضيق أي التشريع الذي يخضع لمسطرة تشريعية عن طريق البرلمان. بالنظر إلى منطوق المادة 6 من الدستور فإنها تحدثت عن كون القانون هو أسمى تعبير عن إرادة الأمة ثم تحدثت في فقرة ثانية عن عن القواعد القانونية وتراتبيتها ثم في الفقرة الأخيرة عن القانون ليس له أثر رجعي، مما يوحي بأنه هو القانون الذي يصوت عليه البرلمان وليس التشريع التنظيمي الصادر عن السلطة التنفيذية.
ولكن كيف يمكن للبرلمان أن يوجه الحكومة إلى هذا التصحيح وهو معني فقط بالمصادقة على القانون بمرسوم وليس من اختصاصه التدخل في العمل التنفيذي؟
حاليا تم ايداع مشروع قانون للمصادقة على المرسوم بقانون المتعلق بسن أحكام الطوارئ الصحية، لدى مجلس النواب، هذه المصادقة تهدف إلى إعطاء قيمة تشريعية لعمل الحكومة في مادة الطوارئ الصحية.
وبما أن البرلمان يتمتع بسيادة تشريعية فإنه بإمكانه تعديل مشروع القانون هذا وتعديل المقتضيات التدبيربة لحالة الطوارئ بتضمين مقتضى يسمح للحكومة باتخاذ إجراءات اقتصادية واجتماعية بأثر رجعي مما يفتح الباب أمام الحكومة لتعديل أو تصحيح مرسوم إعلان الطوارئ بتحديد التاريخ الأولى لبداية سريانها ابتداء من 20 مارس الماضي نظرا لما تفرضه المصلحة العامة الكبري التي تعتبر قيمة دستورية ما فوق منطوق وثيقة الدستور، بل هي إساس الدستور ككل لأنها تضع الإنسان في محور وأولوية عمل الدولة والمؤسسات. عندها يمكن للحكومة إصدار مرسوم تعديل أو تصحيحي لمرسوم إعلان الطوارئ.
المادة 04 من المرسوم بقانون كنت زجري لا يمكن أن يسري بأثر رجعي كما أنه لا يدخل ضمن الاستثناءات التي قد ترد على على المبدأ. أما مسألة الاجالات و ارتباطها بحقوق المواطنين فالمسألة يمكن أن تترك للاجتهاد القضائي، أو كما جاء في الحوار حسمها بتدخل تشريعي مع استثناء المادة 04 من المرسوم.