د. سمير بنيس
اعتبر الدكتور سمير بنيس، المختص في العلاقات الدولية، أن المغرب أضاع فرصة كبيرة في الحفاظ على دوره الريادي بخصوص الأزمة الليبية.
وأوضح الخبير في الشؤون الدولية، في مقال خص به جريدة (بناصا) الإلكترونية، أن جهود المغرب لم تواكب مجريات الأحداث في السنوات الموالية ولم يكثف من جهوده الدبلوماسية ومن مشاوراته مع دول الجوار والدور المؤثرة،
إليكم المقال كاملا …
علينا ألا نكذب على أنفسنا، فالمغرب أضاع فرصة كبيرة للحفاظ على دوره الريادي في الملف الليبي. ما أثار استغرابي ليس غياب المغرب الذي أعتبره تحصيل حاصل، بل انتظار المغرب كل هذا الوقت ولعب دور المتفرج أمام التحركات الكثيفة للدبلوماسية التركية واستمرار حفتر بمساعدة الدول الداعمة له في تحقيق انتصار ميداني تلو الآخر على الأرض.
صحيح أن المغرب لعب دوراً رئيسياً في السنوات الأولى من النزاع الليبي توج باتفاق الصخيرات، الذي يعتبر لحد الآن الإطار السياسي الوحيد الذي يؤطر العملية السياسية. غير أن جهود المغرب لم تواكب مجريات الأحداث في السنوات الموالية ولم يكثف من جهوده الدبلوماسية ومن مشاوراته مع دول الجوار والدور المؤثرة دوليا للإبقاء على دوره الرئيسي في الملف الليبي. بل العكس هو ما حصل، يبدو كما لو غضت الدبلوماسية المغربية الطرف عما يجري هناك وعن كل الأحداث التي بدأت تبعثر تنفيذ مقتضيات اتفاق الصخيرات، على رأسها إصرار الجنرال خليفة حفتر على التخلص من حكومة الوفاق الوطني ورفضه الجلوس لطاولة المفاوضات من أجل التوصل لحل سياسي للأزمة الليبية.
ولعل أكبر تهديد على العملية السياسية الأممية التي رعاها المغرب كان هو الهجوم الذي بدأه الجنرال حفتر ضد حكومة الوفاق الوطني بدءً من شهر أبريل الماضي، والذي أبدى فيه إصراره على تحقيق نصر سياسي مهما كلف الثمن. فبحكم الدور الذي اضطلع به المغرب في العملية السياسية، فكان حرياً به أن يعلن موقفه من ذلك الهجوم وأن يرفض أي إجراء عسكري من شأنه تهديد العملية السياسية أو تمزيق اتفاق الصخيرات. كما كان على الدبلوماسية المغربية التحرك بسرعة والتواصل مع العواصم الدولية المؤثرة والدعوة لعقد اجتماع في مجلس الأمن لتدارس آخر التطورات على الأرض. غير أن ذلك لم يحصل، إذ ظهر كما لو أن المغرب غير معني بما يقع في ليبيا.
كما لم يحرك المغرب ساكناً حينما ظهرت أنباء عن مشاركة مرتزقة روس إلى جانب الجنرال حفتر، مما ساعده على تحقيق تقدم ميداني غير مسبوق ولا حينما بدأت تركيا تفرض نفسها كلاعب رئيسي في النزاع الليبي منذ التوقيع على اتفاقين مع حكومة الوفاق الوطني في شهر نوفمبر الماضي، الأول حول ترسيم الحدود البحرية والثاني حول التعاون الأمني التزمت بموجبه تركيا بتقديم الدعم العسكري لطرابلس.
فأن يأتي المغرب قبل أقل من 24 ساعة من انعقاد مؤتمر برلين ويعلن عن اندهاشه من عدم دعوته للمشاركة في مؤتمر برلين، فهذه خطوة تدعو للاستغراب في حد ذاتها. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه، هو لماذا لم يتحرك المغرب في الأسابيع القليلة التي تلت التوقيع على الاتفاقين المذكورين بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني والتي كان من بين نتائجها الرئيسية أن تحرك الاتحاد الأوروبي وألمانيا من أجل الإسراع في الدعوة إلى مؤتمر برليس؟
لما لم يقم المغرب بأي زيارات للعواصم المهتمة بالشأن الليبي ولا بمشاورات معها؟ وأين كانت سفارة المغرب بألمانيا؟ ألم يكن بوسع المغرب أن يستفسر ألمانيا عن تفاصيل المؤتمر الذي كانت تحضر له وأن يؤكد على دوره المركزي في العملية السياسية وعلى ضرورة حضوره في المؤتمر؟
يبدو أن حالة التخبط التي عاشتها الدبلوماسية المغربية منذ بدء الهجوم العسكري للجنرال حفتر مردها إلى تخوف المغرب من الظهور على أنه يتخذ مواقف معادية لدول تعتبر شركاء استراتيجيين للمغرب على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية. فيبدو أن الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الجنرال حفتر في شهر أبريل الماضي، والذي عبر له فيه عن دعمه الضمني له قد بعثر أوراق المغرب ودفعه إلى التريث وعدم اتخاذ أي موقف أو إصدار أي بيان بخصوص العملية العسكرية التي أطلقها حفتر.
فلو قام المغرب آنذاك بأي تصريح يعبر فيه عن رفضه لهذه العملية، لظهر على أنه يتخذ موقفا يتعارض مع موقف الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما تحرص الرباط على تفاديه، خاصةً بالنظر لحاجتها للدعم الأمريكي، أول على الأقل الحياد الإيجابي الأمريكي فيما يتعلق بملف الصحراء.
كما أن ما عقد موقف المغرب هو تواجد موقفه على النقيض من مواقف دول معروفة بعلاقاتها الاستراتيجية والمتينة معه، وهي وفرنسا والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وإن كانت العلاقات بين الرباط من جهة وأبو ظبي والرياض من جهة أخرى قد عرفت حالة من الفتور غير المسبوق منذ أن اتخذ المغرب موقف الحياد بخصوص الأزمة الخليجية.
وبالتالي، فيكمن القول إن صمت المغرب يعزى لتجنبه الدخول في مواجهة مباشرة مع هذه الدول، خاصةً إذا علمنا أن الإمارات العربية المتحدة، التي تعتبر الداعم الرئيسي للجنرال حفتر، تعتبر نجاح خطتها في ليبيا من بين الحلقات الرئيسية في تنفيذ أجندتها السياسية في الوطن العربي.
بموازاة مع عدم توفق المغرب في الحفاظ على دوره المركزي في العملية السياسية الليبية، فإن السؤال الذي يتبادر للذهن هو هل يتوفر المغرب على مراكز أبحاث من شأنها القيام بدراسات استشرافية بشكل منتظم ودوري من شأنها مساعدة صناع القرار على التعامل بشكل استباقي مع كل الأحداث المتسارعة التي تعرفها المنطقة، وهل يتوفر على أدوات إعلامية من شأنها التأثير على صناع الرأي على الصعيد ومن أجل الترويج لمواقفه؟
مع الأسف، فلا يتوفر المغرب على أي من هذه الآليات، وهو ما يضيع عليها فرص كثيرةً لتثبيث صورته على أنه قوة إقليمية لا يستهان بها في مجال الوساطة لحل النزاعات.
فعلى سبيل المثال، لا توجد في المغرب إلا مراكز أبحاث قليلة يمكن وضعها في خانة مراكز الأبحاث الجادة التي تنشر أبحاثاً استشرافية دقيقة وموضوعية، وحتى تلك المراكز لا تقوم بنشر دراسات وأبحاث بشكل منتظم وهادف من شأنها مساعدة صناع القرار على التعامل بشكل أحسن مع القضايا المهمة في الأجندة الخارجية للمغرب.
أما بخصوص وسائل الإعلام، فالوضع أسوأ، إذ يبدو أنه ليس هناك أي رؤية لجعل المغرب يمتلك وسائل إعلام باللغة الإنجليزية وباللغة الاسبانية من شأنها التأثير على الرأي العام الدولي وعلى صانعي القرار في الدول المؤثرة.
فحينما ننظر إلى المشهد الإعلامي المغربي، نخلص إلى أن الهاجس الوحيد للمسؤولين المغاربة هو التأثير على الرأي العام الداخلي، بل هناك العديد من المسؤولين في العديد من الوزارات الذين يستعملون أموال صانعي الضرائب من أجل الترويج لأنفسهم في بعض المواقع الإعلامية. وهنا تبدو أوجه القصور عند المغرب وغياب بعد النظر عند العديد من المسؤولين المغاربة.
على النقيض من ذلك، فإن الدول الأخرى التي تسعى للترويج لنفسها على أنها دولاً مؤثرة على الصعيد الإقليمي، فإنها تتوفر على امبراطوريات إعلامية تساعدها إلى إبلاغ رسائلها لمن يمهم الأمر والتأثير عليهم. ولعل خير دليل على ذلك تركيا التي تستعملها وسائل إعلامها ذات الصيت الدولي مثل قناة TRT World ووكالة الأنباء التركية أناضول.
فإذا قمنا بين مقارنة بين التأثير الدولي لهذين المنبرين الإعلاميين وما تقوم به وكالة المغرب العربي للأنباء أو بعض المنابر الإعلامية الأخرى، فلن يكون هناك أي مجال للمقارنة. وهنا مركب الفرس وهنا توجد إحدى الأسباب التي لا تساعد الدبلوماسية المغربية على الترويج لمواقفها بشكل فعال حتى حينما تتعامل مع الأمور بشكل استباقي.
*خبير مغربي في العلاقات الدولية مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية
تعليقات الزوار ( 0 )