Share
  • Link copied

بمناسبة اليوم العالميّ للتّسامح.. هَل المغَارِبَة يتحلّون بهذه الصّفة مع الآخَر المخْتلِف؟

التسامح من القيم النبيلة والسامية التي تُطرح بإلحاح في جل العلاقات الإنسانية سواء تعلق الأمر بالآخر المشابه أو الآخر المختلف، إذ أنه يعد مطلبا أساسيا خاصة في حالات الخلاف والنزاع سعيا لتحقيق التفاهم والانسجام من أجل التواصل المستمر والحوار المفضي إلى التكامل المنتج في إطار الاحترام والتقدير المتبادل، وحفظ الحقوق وأداء الواجبات.

وبهذا المعنى يُصبح التسامح آلية من آليات تدبير الخلاف والاختلاف بما يعود بالنفع على جميع الأطراف. غير أنّ الإشكال الذي يطغى بقوة في موضوع التسامح، والذي ربما يحمل دلالات واتجاهات مختلفة ومتعددة، هو العلاقة مع الآخر المختلف، خاصة إذا تعلق الأمر بالثوابت الوطنية والدينية. فهل المغاربة شعب متسامح مع الآخر؟ وإن سلمنا بالأمر، ما هي حدود هذا التسامح؟

يرى الباحث في علم الاجتماع، الصديق الصادقي العماري، أنّ المغاربة يتميزون بقيم وأخلاق عالية من حيث الكرم والعطاء والالتزام، ويعد التسامح أحد هذه القيم ويمكن اعتباره الخيط الناظم لها. وقد ورث المغاربة هذه الصفات أبا عن جد باعتبار الدين الإسلامي أحد المقومات الأساسية التي تؤطر العلاقات بين الأفراد والجماعات، وبحكم هذه العلاقات تتأطر في غالبيتها في إطار مجموعة من المفاهيم التقليدية كـ “الحشومة” و”رمي العار”، و”الله يسامح”، و”ماشي مشكل”، و”كلشي على الصبر”،… وتبقى دائما مثل هذه المفاهيم وغيرها هي السبيل الوحيد أحيانا لتسوية النزاعات والخلافات بين الناس تحت مظلة الصلح من أجل تحقيق مطلب التسامح.

وأوضح العماري، في حديث مع موقع “بناصا” الإلكتروني، أنّه فيما يتعلق بالعلاقة مع الآخر المختلف في موضوع التسامح، مع التأكيد هنا على المختلف الأجنبي، الذي يختلف عن المغربي في مجموعة من المميزات كالدين والتفكير ونوع العلاقات وطبيعة العيش وأسلوب الحياة، حتى في نظرته للآخر الذي هو المغربي أو العربي. فبالرغم من كل ما تعرض له المغاربة من اضطهاد وسلب للحقوق والخيرات خاصة مع الاستعمار الفرنسي، نجد المغاربة يحترمون الأجانب الفرنسيين الزائرين  أو المقيمين ويتعاملون معهم معاملة حسنة، في نفس الوقت ينظر الأجنبي للشخص المغربي نظرة احتقار وتخلف ويعتمد النظرة من فوق من داخل مركزية غربية ترى في نفسها الأقوى والأجدر.

واسترسل الباحث في علم الاجتماع، أنّه إذا بحثنا جيدا في المناطق الهامشية بالمملكة المغربية، من داخل الجنوب الشرقي المغربي مثلا، نجد الأجانب، ونحن أبناء الرشيدية يحضون بالاحترام والتوقير، وعند زيارتهم للريصاني، أو أرفود، أو الجرف، أو كلميمة، أو أوفوس، أو الزريقات، أو مدغرة، أو الربيت، أو بلاغمة..، في زيارة عادية أو استكشافية يتمتعون بكل الترحيب والاستقبال الجيد مع توفير كل ما يحتاجون له من مأكل ومشرب وإقامة مجانية، وحتى إذا طالبوا معلومات حول المنطيقة يحظون بها بكل عفوية، بالرغم من أنهم قد تكون لهم نية مبيتة من أجل إنجاز تقرير أو بحث مقصود.

وأضاف العماري، أنّ جل التجارب التي يمكن تقديمها في هذا الإطار، والتي تعبر عن تسامح المغاربة مع الآخر المختلف، هي المجهود الجبار الذي يقوم به الباحث في تخصص الجغرافيا من منطقة الجرف بواحة غريس السفلي، الأستاذ المراني حسن، رئيس “مركز دراسة وتنمية المجالات الواحية والصحراوية” بالجرف، الذي يقدم مساعدات جليلة لعدد هائل من الباحثين الأجانب بالمجان، سوء في سلك الماستر أو الدكتورة، وحتى للأساتذة الجامعيين الذين يقومون بدراسات وأبحاث ذاتية، وهذه المساعدات تشمل حتى الإقامة في بيته والصحبة اليومية من أجل التعرف على منطقة الجرف والريصاني وأرفود وكل القرى المجاورة.

وزاد المتحدث ذاته، أنَّ الآنف ذكره، يُعطي فكرة وجيزة عن الأخلاق العالية للمغاربة في التعامل الجيد مع الأجانب، بالرغم من أن هذا الأجنبي له تاريخ طويل في الاعتداء والتسلط، بالرغم من أن المغربي يعلم يقينا أنه ينظر إليه نظرة احتقار وتبخيس. لكن المغاربة يمكن أن يتسامحوا من باب الإنسانية في الأمور التي تتعلق بهم بشكل شخصي، إلا أنهم لا يمكن أن يتسامحوا عند المس أو تبخيس مقدساتهم الدينية والوطنية، لأن الدين والوطن بالنسبة لهم يعتبران أهم من الذات والروح، فنداء الدين ونداء الوطن عندهم أمانة، ومطلب لا يرد، ويفرض الوفاء والاستجابة الفورية. لذلك أي مس بالمقدسات والثوابت العالية للوطن يعتبر انتهاك للحرمات، وجب الدفاع عنه ولا يحمل أي دعوة للتسامح ولا للحوار أو التفاهم.

وأشار الباحث السوسيولوجي، إلى أنّ المغرب يُعرف بكونه السباق دائما للخير والصلح، ودائما ما ينهج منهج السلم ملكا وشعبا، لأنه يسعى باستمرار إلى التلاقح والتعاون والتثاقف مع الآخر المختلف، وبالتالي يسعى إلى خلق فضاء بيني يتقاطع فيه مع الآخر من أجل التكامل في إطار الكونية التي تدعو للحوار بين الثقافات لبناء حضاري مشترك تحتفظ به كل ثقافة بخصوصياتها الحضارة في ظل التدافع المثمر.

Share
  • Link copied
المقال التالي