شارك المقال
  • تم النسخ

بلكبير: حسن الترابي عزم على بيعة الحسن الثاني خليفة للمسلمين

حاوره نورالدين لشهب

قال عبد الصمد بلكبير، القيادي اليساري، إن حسن عبد الله الترابي، المفكر السوداني الراحل، كان قد عزم على بيعة الحسن الثاني خليفة للمسلمين.


واعتبر بلكبير، أن حسن الترابي يُعد شخصية فذة أكبر من السودان نفسه، مضيفا أنه من الناحية النظرية، فالمغرب يتوفر على كل مقومات الدولة الأمة التي تستطيع أن تقود أفريقيا لو توفرت الإرادة.

فالدولة المغربية، يصرح بلكبير، هي من أوصل الإسلام إلى أدغال أفريقيا، وأن الغرب يخاف من تمدد المغرب في شكل إمبراطورية كما كان عليه الأمر في سابق الأزمان.

تحدثت في مقال لك بعد وفاة المفكر السوداني حسن الترابي بأن الترابي كان يفكر في بيعة الحسن الثاني وجعله خليفة للمسلمين. ما حقيقة هذا الكلام؟

أولا من الناحية النظرية ليس فيه ما يستغرب من ناحية الوقائع، هي المفاجأة، خصوصا من قبل شخص مثل الترابي كانت طموحاته أبعد من بلده في ذلك الزمن الذي صرح فيه لأحد الشخصيات العمومية في المغرب المعاصر، مازالت حية، وليس مناسبا بالنسبة إليها أن تخبر بمثل هذا، بمناسبة أو بدونها، ولكن أخبرت أنا منذ حوالي سنوات بهذا الموضوع، وصرحت به وأخبرت به، بمناسبة رحيل الترابي، والمناسبة شرط، إن شخصية الترابي شخصية إشكالية، وغاية في التعقيد، لأنه يجمع متناقضات لا حصر لها، ثقافة غربية وثقافة إسلامية قريبة من الحرفية السودانية، فهي قريبة من القبلية ومن البداوة ولديه طموحات أن يكون على رأس الحركة الإسلامية في العالم لكي يفاوض بها مختلف مراكز القوة فيه، ومن تم كانت محاولة خروجه من حدود السودان ومحاولته القيام بهذه المبادرة، سواء في علاقته المتميزة والخاصة بالقذافي أو في علاقته بالمغرب الرسمي، وفي الوقت نفسه علاقته بالحركة الإسلامية خصوصا في مصر.

طبعا هذا الرهان فشل لأنه فشل حتى في السودان، فالحركة الإسلامية بحثت عن بدائل أخرى غالبا هي يوسف القرضاوي من جهة، باعتبار الإخوان المسلمين هم عمود الحركة الإسلامية في العالم، وأردوغان، من جهة ثانية، باعتبار أن لديه شرعية تاريخية للدولة العثمانية ولديه وسائل مادية وطموحات ولا ينقصه سوى التأييد السعودي والتأييد المصري الرسمي أيضا، ولكن المخطط كان بالنسبة لأردوغان هو أن ما جرى انطلاقا من أواخر 2010 وبداية 2011 كان هو هذا.

لنعد إلى القول إن كل هذه الرهانات سبقها رهان الترابي، ولعله هو الذي أوحى إلى القذافي بأن القوة الضاربة لتوحيد الإسلام يجب أن تنطلق من مناطقه البكر، وهي إفريقيا جنوب الصحراء؛ حيث البراءة والإخلاص والصدق والتلقائية والإيمان إلى آخره.

وأنا أرجح أن الترابي، وهو يطمح طموحه المشروع والمعروف، خصوصا وأنه المؤهل من ناحية أنه إفريقي، سيكون قد فكر في المرحوم الحسن الثاني من هذا المدخل باعتبار أن له شرعية البيعة والنفوذ عن طريق الزوايا، خصوصا الزاوية التيجانية بالدرجة الأولى وسلسة البنيات التقليدية فيها مثل دور القرآن، الخ.

ولماذا راهن الترابي على هذه الإستراتيجية برأيك؟

لعل الترابي راهن على هذا الاحتمال كي يعوض ما لم تستطع الدولة المغربية القيام به، على الرغم من أنها مؤهلة لذلك، والدليل هو أن الإمامة قائمة، وإمارة المؤمنين قائمة المشروعية التاريخية والدينية. أنت تعرف أن من شروط الخلافة القرشية، فما بالك إذا كنت من العطرة النبوية، ولكن يبدو أن الحسن الثاني لم يكن يرغب، ولا كان مستعدا، لكي يراهن على هذا الرهان الذي سيدخله في صدام مع الغرب ويؤكد له أن طموحه في الصحراء يدخل ضمن طموحه في التوسع.

من المعلوم أن حسن عبد الله الترابي كان معروفا بشخصيته المزاجية وبمناوراته التي تبلغ حد التناقض أحيانا، فما الذي أراد أن يحققه حسن الترابي من بيعته للحسن الثاني خليفة للمسلمين؟

أنا قلت لك إن الترابي كان له طموح العقيد معمر القذافي نفسه، لأنه عندما بادر القذافي إلى تأسيس الاتحاد العربي الإفريقي، أصر هو والحسن الثاني، وهذا هو العجيب، على إضافة الإفريقي، وفي الوقت نفسه كان القذافي في بداية الحصار عليه من طرف الغرب، وبالتالي فكر في أن يجد في المجال الإفريقي متنفسا بزعامته وقيادته.

وبالطبع لا الترابي ولا القدافي أحسا بأن المجال الإفريقي فارغ، وبأن الكنيسة الكاثوليكية، بالخصوص، تشتغل بدرجة لا تتصور من أجل محاربة الإسلام العميق الإفريقي، وأيضا الوثنيات التي هي أقرب إلى الالتحاق بالإسلام منه بالمسيحية، فبادر القذافي إلى تجميع ثلاثة آلاف أمير شيخ قبيلة ونصّب نفسه ملكا عليهم.

لماذا؟

لأن المقعد فارغ، ولم يوجد بديل مؤهل ليشغله شرعيا مثل المغرب، ولهذا أنا لا أستبعد أن القذافي أوحى للترابي قبلا أو العكس. وبالتالي، غالبا فكر الترابي في أن يستعمل مشروعية الدولة المغربية والملكية المغربية لمد نفوذه من خلال هذه القناة الشرعية نحو إفريقيا. وهذا ما يعنيه ولكن من الناحية الواقعية التاريخية الفعلية.

ولهذا ما قاله الترابي صحيح لأن بيعة الأفارقة، ومنهم السودانيون، للمغاربة لم تنقطع، وبالتالي مشروعية قيام الحركة، والتي هي البحث عن الخلافة، موجودة في المغرب، ولهذا بادر إلى تجديد البيعة وإعلان استعداده لتجديدها، وذلك ليقول للسودان وبقية الحركة الإخوانية في العالم إن خليفة المسلمين موجود، فلا حاجة للعمل من أجل إيجاده.

وكيف كان رد الحسن الثاني على مطلب الترابي؟

طبعا أنا لا أعرف التفاصيل.

لكن لماذا اختار الترابي شخصية كانت محسوبة آنذاك على الإسلام السياسي، وتحديدا حركة الإصلاح والتوحيد آنذاك، ولم يختر شخصية مقربة من الحسن الثاني؟

على كل حال، هذا المؤتمر الذي عقد في أواسط التسعينيات عندما كانت للترابي الكلمة الأخيرة في السودان، هو مؤتمر جمع الحركة الإسلامية في العالم الإسلامي في السودان، ولم يكن من بينها محيطات الحكام، أو ليكون على الأقل بالنسبة للمغرب، ومن تم هو غالبا لاحظ في خطابات الحاضرين من اعتبره الأقرب إلى العقلانية التي كان يتمتع بها، وإلى النظر السياسي الذي يوجه العقيدة وليس العكس.

وبالتالي، اختار الترابي أن يوصل رسالته عن طريق هذه الشخصية. وأنا أرجح أن الرسالة وصلت، خصوصا، وأن الشخص نفس قام بزيارة أخرى إلى إفريقيا جنوب الصحراء في إطار دعوي وعظي إرشادي، وجوبه وقيل له الكلام نفسه من لدن الأفارقة: “لماذا أوصلتم الإسلام إلينا ثم تركتمونا؟؟”.

يعني دولة المغرب هي التي أوصلت الإسلام؟

طبعا.. عبد الله بن ياسين هو الذي أوصل الإسلام إلى الصحراء بكاملها، بالسنغال ومالي وغينيا الخ، ومنها إلى السودان. والقرائن التي أتى بها الترابي دالة؛ فهو جاء بأربعة قرائن:

أن المذهب السائد في السودان هو المالكية، فلو كان الإسلام جاء من مصر لكان معه المذهب السائد فقهيا هو الشافعية.

وهناك قرينة أخرى أكثر دلالة، وهي أن متعلمي القرآن يقرؤونه بقراءة ورش، وهي ليست السائدة في مصر.

والقرينة الثالثة وهي الدالة والأخطر؛ أي ذات طبيعة انثروبولوجية؛ أي إن النساء في السودان عندما يترملن يلبسن الأبيض تماما مثلما تفعل النساء في المغرب العربي، على عكس ما تفعله النساء في المشرق العربي.

وأيضا ما يدل على أن الذين علموهم القرآن مغاربة هو أن حرف الفاء يكتب بنقطة تحت رسمه، وحرف القاف بنقطة واحدة، ما يدل على أنهم أخذوا الكتابة عن المغاربة لا عن المشارقة، وهي أربعة حجج أتى بها الترابي لمن بعث من خلاله الرسالة لكي يؤكد ما يؤكده التاريخ على كل حال.

الخلفية الدينية لدى السودان أن هؤلاء لديهم الزوايا، والشيء نفسه بالنسبة للمغرب!

البعد الصوفي موجود في كل هذه المنطقة، وأنت تعرف أن الذي أوصل الطرق الصوفية إلى المنطقة، وإلى مصر نفسها، هم المغاربة. وهناك إحصاء يتحدث عن أن هناك تسعين في المائة من أولياء مصر هم مغاربة. إذن الإسلام المغربي لم يصل فقط إلى إفريقيا عن طريق عبد الله بن ياسين ومن تبعه من الدعاة والشيوخ والعلماء والفقهاء، بل عن تأثير نمط الإسلام المغربي الموجود حتى في مصر نفسها. ولكن مصر دولة قائمة لها طموحها وإستراتيجيتها، وبالتالي لا يمكن أن نتصور تبعيتها للمغرب، في حين إن إفريقيا جنوب الصحراء، بما في ذلك السودان، تؤكد كل الحجج أنها كانت، وما زالت، على كل حال، في حاجة إلى قيادة سياسية إسلامية.

لماذا برأيك كان الحسن الثاني رحمه الله حذرا من دعوة الترابي؟

أنا قلت إن الدولة المغربية بقيادة الحسن الثاني كانت حذرة جدا لأن استرجاعنا للصحراء استعمل من قبل خصومنا وأعدائنا قرينة على أن المغرب يعيد إنتاج تاريخه الإمبراطوري. ولعلمكم، يجب أن لا ننسى أن الدول التي في تاريخها نزوع نحو التوسع قليلة في العالم، طبعا مثل بريطانيا نسبيا، وفرنسا أيضا، ولكن المغرب من بين أهمها وهو أعرقها في هذا الجانب، وطبعا إيطاليا والرومان، وهذا على عكس الصين وروسيا، وعلى عكس مصر نفسها التي لا يوجد في التاريخ ما يدل على رغبتها في أن تكون إمبراطورية.

إذن تاريخ المغرب هو تاريخ الدولة الإمبراطورية، وأكبر قرينة أو حجة على ذلك هو ما إن تأسست “أتركانا” من الدولة الرومانية من يوبا الثاني الذي أصبح الإمبراطور وأغسطين رئيس الكنيسة المجدد والمجتهد، حتى قامت الدولة المرابطية وتأسست عاصمة لها في مدينة مراكش، وحتى ذهب يوسف بن تاشفين إلى إسبانيا وتكلف بشرق المغرب، يعني ما يسمى اليوم الجزائر وتونس حتى ليبيا، وعبد الله بن ياسين نزل إلى إفريقيا جنوب الصحراء. إذن قبل أن تقوم الدولة بالمغرب على صعيد الجغرافية المغربية المحدودة، كانت الدولة قد توسعت شمالا وشرقا وجنوبا.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي