Share
  • Link copied

بلالي: المغرب لم يستفد من انتفاضة 1988 التي قصمت ظهر البوليساريو (3)

هو نورالدين بلالي الإدريسي، واحد من مؤسسي جبهة البوليساريو الانفصالية، عاد إلى المغرب عام 1989 بعدما قاد رفقة مجموعة من زملائه من القياديين في البوليساريو انتفاضة 1988 من داخل المخيمات.

في هذا الحوار، والذي سينشر منجما على جريدة بناصا الالكترونية، تحدث نورالدين بلالي الإدريسي عن الإرهاصات الأولى لنشأة البوليساريو والتي كانت ولادتها مغربية خالصة، حيث انطلقت مع محمد سيدي إبراهيم بصيري، والذي ينحدر من بني ملال حيث كان والده شيخ الزاوية بني عياط والتي لا تزال قائمة إلى حد الآن، ووصل بصيري مدينة السمارة وبدأ يُدرس القرآن كغطاء وفي نفس الآن شرع في تأسيس الخلايا الأولى لما سمى “تحرير الصحراء”، والتي أطلقت عليها إسبانيا فيما بعد اسم “الحزب المسلم”، وفي عام 1970 اكتشفت السلطات الإسبانية حركة بصيري وتعرضت لضربات متتالية فيما يعرف بـ”عملية الزملة” ثم أحداث مظاهرات طنطان 1972 والتي طالبت باسترجاع الصحراء للمغرب ورفعت فيها شعارات موالية للمغرب.

 الحوار سيتطرق كيف استطاعت البوليساريو أن تغتصب قرار الصحراويين بداية مع سحب المشروعية من شيوخ القبائل والتنكر للمؤسس، سيدي إبراهيم بصيري، والذي لم تطالب به البوليساريو في صفقة تبادل الأسرى مع الإسبان خوفا من الكاريزما التي يتمتع بها الرجل.

الحوار عرج على الدعم الليبي الهائل على عهد العقيد معمر القذافي ودور الفقيه البصري في ربط الولي المصطفى السيد بالليبيين، ثم التخلص من المؤسسين المغاربة وفرض محمد ولد عبد العزيز من قبل النظام الجزائري.

نورالدين بلالي يشرح بالتفصيل، ضمن هذا الحوار، أسباب وتداعيات انتفاضة 1988 داخل المخيمات والتي لم يستفد منها المغرب للتخلص من البوليساريو، وكذا لقائه مع الفقيه البصري في ليبيا والذي طلب من البوليساريو الاستفادة من أراضي “محررة” لضرب المغرب، كما يحكي، أيضا، عن لقائه مع الشيخ عبد الكريم مطيع في ليبيا وتدريب عناصر من الشبيبة في المخيمات.. وأشياء أخرى تكتشفونها ضمن هذا الحوار الشامل مع أحد مؤسسي جبهة البوليساريو الانفصالية. 

 وقعت انتفاضة داخل المخيمات عام 1988، حبذا لو تحدثنا عن هذه الانتفاضة من حيث أسبابها وتداعياتها على قيادة الجبهة؟

هذه الانتفاضة وقعت بسبب مجموعة من العوامل مباشرة معاشة داخل المخيم، وهناك عوامل غير مباشرة كانت تراها فقط النخبة المشاركة في الانتفاضة.

سنة 1988 رافقها مناخ دولي بدأت فيه الإرهاصات الأولى للاتحاد المغاربي تتشكل، وكانت البداية في الجزائر لقاء “زرالدا” التمهيدي و لقاء مراكش بعد ذلك بشهور، والإرهاصات الأولى للوحدة اليمنية وبداية تفكيك حائط برلين والبروستريكا الروسية من أجل الديمقراطية الأوربية، والتمهيد للاتحاد الأوربي أيضا، وبدأت تكتلات جغرافية تظهر هنا وهناك، وارتأت  مجموعة من الأطر السياسية والثقافية في البوليساريو أنه يجب التحرك مادام الاتحاد المغاربي سيقوم من الأفضل أن نبحث عن حل وننقذ ما يمكن إنقاذه أفضل من الضياع.

أنتم طرحتم حلا للخروج من حالة الانحصار التي فرضتها عليكم الظروف الدولية والإقليمية، أو هكذا كنتم ترون؟

طرحنا إنقاذ ما يمكن إنقاذه، استشعرنا أننا وصلنا للحائط المسدود، وهذا لا يخدم القضية في شيء، وكنا نرى أنه لابد من البحث عن حل يخرج الصحراويين من المعاناة ما دامت المنطقة تسير في اتجاه توجه وحدوي.

و على المستوى الداخل بالمخيمات، فالقيادة راكمت أخطاء كثير وأقامت ديكتاتورية فظيعة كنا نسميهم بقرات الهند المقدسة، يعني لا يحاسبون على أخطائهم ولا يُسألون وهم ملوك غير متوجين يفعلون ما يريدونه دون حسيب ولا رقيب، لأنه وكما يقال كثير من السلطة مثل الكثير من الخمر، من شرب الكثير من الخمر يسكر ويفقد توازنه، ومن تمتع بالكثير من السلطة والصلاحيات يسكر أيضا بالسلطة ويختل توازنه، وهذا ما وقع في قيادة البوليساريو، فكان  صدام بين القيادة مع بعضها، وبينها وأعضاء المكتب السياسي وأعضاء الحكومة، فالجميع صار ضد اللجنة التنفيذية، كما أن الإطارات الأخرى كالمدراء في مختلف المؤسسات كانوا ضد اللجنة التنفيذية والتي تتكون من تسعة أعضاء، من بينهم عبد العزيز، وولد البوهالي، والبشير المصطفى السيد، وولد الليلي، وأيوب الحبيب، وبطل سيد أحمد ..

من هم الذين كانوا يطرحون حلا أو إنقاذ ما يمكن إنقاذه، حسب تعبيرك؟

هم مجموعة من أعضاء الحكومة ومجموعة من أعضاء المكتب السياسي، من أمثال عمر الحضرمي والطالب عمر، وهو رئيس وزراء البوليساريو حاليا، ومنصور عمر، وهو ممثل البوليساريو في باريس، ولد بيون، وهو ممثل البوليساريو في مدريد، والنعمة الجماني وعبيدة الشيخ، أحد الوزراء في البوليساريو الآن، والبرزاني بوه، وكان واليا آنذاك، وحكيم إبراهيم، كان وزير الخارجية وواليا أيضا، ومجموعة من الأطر…

 فنحن أردنا أن يحصر الصراع في إطار الهيئات، وطلبوا مني التوقيع من أجل الاستقطاب فطالبتهم أن يكون الصراع في إطار الحكومة والمكتب السياسي، والناس الآخرون سيستقيلون تضامنا، وقلت لهم وكان معي أحمد ولد سويلم:  ليس من مصلحتكم  أن نوقع معكم على الاستقالة.

السفير المغربي السابق في مدريد؟

نعم.

هل طلبتم بالاستقالة من مناصبكم؟

نعم، فالمجموعة استقالت من مناصبها القيادية في البوليساريو.

وهل قدمت أنت استقالتك؟

أنا في ذاك الوقت كنت مدير مدرسة 9 يونيو، ومع مجموعة من المدراء: مدير التجهيز ومدير الإذاعة ومدير الصحراء الحرة ومدير المالية ومدير الشرطة .. فجميع المدراء استقالوا بعد ذلك. ولكن في إطار لائحة المدراء. لأنهم وقعوا وثيقة مشتركة، وأما الهيئات القيادية فقد عددت الأخطاء التي ترتكبها القيادة. ومحمد سالم ولد السالك، وزير خارجية البوليساريو الحالي هو أيضا استقال. أنا ووزير خارجية البوليساريو الحالي كتبنا مذكرة الاستقالة وصغناها صياغة نهائية، وذهب هو شخصيا ليسلمها لأنه مستشار الرئيس، فالاستقالة كانت جماعية ومن جميع المهام السياسية.

ماهي أسباب الاستقالة؟

الديكتاتورية والأخطاء التي راكمتها القيادة، والفظائع الكثيرة دوناها في رسالة الاستقالة. ولكن كنا في الحقيقة نبحث عن مخرج حقيقي لمعاناة أهالينا.

وكيف كان رد القيادة على تقديم الاستقالة الجماعية؟

ردت بسجن جميع من وقع على طلب الاستقالة من جميع المهام المدنية والسياسية، فالاستقالة برأي القيادة كانت جريمة لأننا في وضع الحرب، كما قالوا، ولما تم الاعتقال قامت مظاهرات في المخيمات ومسيرات تندد بالقيادة وتتضامن  مع المستقلين..

كم كان عدد المعتقلين؟

أنا تم اعتقالي ضمن الأطر، وكان عددنا 39 إطارا، والقيادة الثانية كان عددهم 10 أفراد تقريبا. هذا بالإضافة إلى مجموعة أخرى من العسكريين تقارب أربعين شخصا، ولكن كانت هناك مظاهرات عارمة في المخيمات ووقعت مئات الاعتقالات والتعذيب شملت حتى النساء.

وماذا كان رد قيادة البوليساريو على المظاهرات العارمة التي اجتاحت المخيمات؟

   القيادة اضطرت أن تبادر إلى صلح تكتيكي مع المستقلين، وأجروا مفاوضات معنا بدعوى أن ما وقع هو سوء فهم ويجب التفاهم وأننا سنصلح خلافاتنا وننطلق انطلاقة جديدة، ولكن في نفس الوقت كانوا يهيؤون فيالق عسكرية أتوا بها عند مدخل كل مخيم لقمع الانتفاضة، وأغرونا بمناصب، لكنهم اختطفوا عمر الحضرمي  لأنه كان يمثل رأس الحربة بالنسبة للمستقلين ويقمعوه حتى يخاف الباقي. وتم اعتقاله في مكان سري سبعة أشهر بالتمام والكمال في فيافي الصحراء وفي مكان غير معروف.

هل تعرض للتعذيب؟

قد يكون قد تعرض للتعذيب لأنه كان معتقلا في مكان سري بعيد عن المخيمات ومجهول، وباقي أفراد المجموعة  استقالت من جديد واعتصمت، وكانت كل مخيمات البوليساريو مضطربة مدة سبعة أشهر، ما بين حي وحي داخل المخيم لا يستطيع أحد أن يتنقل إلا بإذن، وأصبحت البوليساريو خلال هذه المدة في حالة شلل  كامل.

وهل تعرضت أنت للتعذيب؟

نعم لقد تعرضت إلى تعذيب وحشي، اذكر في البداية أخضعونا لتدريب قاس تم التركيز فيه على العناصر على إيقافنا في الساحة في مواجهة الشمس الحارقة ولمدة ساعات، وبعد ذلك قدمونا إلى لكتائب العساكر والجلادين، وكان عدد مجموعتنا في حدود 40 فردا، وكل فرد منا أحاطت به مجموعة من الجلادين يرفسونه بالأحذية وقبضات الأيدي وأعقاب البنادق حتى فقدنا الوعي وسالت الدماء من أجسادنا وتهشمت أسنان بعضنا وتكسرت بعض الأعضاء، ثم نقلونا إلى مستوصف يخدم فيه أطباء من كوبا..

هل تعرضتم للاستنطاق أم زجوا بكم في السجون مباشرة بدون تحقيقي؟

 بعد أيام العلاج أحالونا للاستنطاق تحت شعار أننا جزء من مؤامرة ضد الصحراويين، يقودها المغرب والسعودية والولايات المتحدة الأمريكية وموريتانيا وإسبانيا، وخلال هذه الفترة اختاروا سبعة عناصر من بينهم أنا شخصيا وتقي الله ماء العينين، وبلاهي الخليفة، وإبراهيم السلام بوسيف من باب أننا نمثل العناصر التي يرون أنها أكثر خطورة، واعتقلونا في خيمة في صحراء بعيدة عن أي وجود بشري ومكثنا عدة أشهر، وبعد ذلك نقلونا إلى سجن انفرادي حيث ثم إخضاعنا للاستنطاق والتعذيب من أجل فرض علينا الاعتراف بالمؤامرة وباعتبارنا فاعلين فيها خصوصا وأنني كنت شخصيا منسق البوليساريو في مدينة الطائف السعودية خلال لقاء مع وفد مغربي، وأن ذلك الوفد المغربي أطرني وكلفني بمهمة تخريب الثورة الصحراوية من خلال التركيز على القبائل الكبرى في المخيمات من لبيهات الركيبات، وأولاد دليم، وأولاد تدرارين العروصيين، وأننا وزعنا مبالغ مالية كبيرة من الدولارات للتأثير على السكان، وأننا تولينا خياطة أعلام مغربية وإحضار صور الحسن الثاني، وأن كل هذه الأفعال عقوبتها الإعدام، وأنه علي الاعتراف عسى أن يكون ذلك من باب التخفيف.

من أجل نزع الاعتراف بالمنسوب لك من التهم، لابد من التعذيب، فما هي أساليب التعذيب التي تم نهجها معكم؟

استعملوا معي أساليب تعذيبية مثل التجويع لمدة متواصلة ومنع الماء عني، وصب الماء البارد علي طيلة شهور البرد الطويلة، وفي ظروف يصبح الماء متجمدا في الأواني، ناهيك على إخضاعي للوقوف مدة طويلة واقفا حتى ينزل الدم في أرجلي وأطرافي وتبقى في حالة انتفاخ شديد، والضرب بالحبال واللكم والسب وبأساليب رذيئة، والمنع من النوم المتواصل ليلا ونهارا لمدة طويلة.

وبعد ذلك قدموني وبعض رفاقي إلى أكثر من 3 آلاف جندي باعتبارنا مجرمين، وأنه علينا أن نقدم نقدا ذاتيا أمام هؤلاء العساكر، وطفقوا يرددون شعارات من قبيل: اقطعوا الرأس يذهب البأس، اقتلوهم، ويطالبوننا بشرح الخطة التي كلفنا بها المغرب، والبعض من الجنود يقولون: اتركوني أطلق عليهم النار..

هل كنت تعرف هؤلاء الجلادين أم أن أسماءهم كانت غير معروفة بالنسبة لك؟

أعرف المجموعة التي زجت بنا في السجون وكانت تشرف على التعذيب، وهم لمين ولد البهالي وزير الدفاع، وإبراهيم بيد الله، ومحمد لمين أحمد وبولسان السالك، وآخرون.

هل تقدموا بكم  إلى محاكمة؟

ه محاكمة أشبه بمحاكم التفتيش في العصور الوسطى وهدفها الأساسي التشهير بالأفراد وتلويث سمعتهم أمام الجمهور وزرع الخوف في النفوس وتحويلها إلى ردع معنوي تستعمل فيه حشود كبيرة من الجمهور، فمن أراد إطلاق سراحه لأنه أظهر الكثير من الانكسار أمام هذا الجبروت يطلبون منه أن يقسم ألا يكرر مثل هذه الأفعال، وأنه كان مضللا ويطلقون سراحه بشرط أن يتعهد أن يقدم النقد أمام ساكنة المخيمات.

وكيف كان موقفك أنت، هل قدمت نقدا حتى يطلقوا سراحك؟

لم يقبلوا مني نقدا، واعتبروا كلامي غير مقبول وأعادوني للسجن والتعذيب، والمزيد من الاستنطاق حتى الدفعة الثالثة وأطلقوا سراحي وتم إرسالي إلى إحدى النواحي العسكرية تحت المراقبة، ثم بعد ذلك طردوني إلى الخارج رفقة المجموعة لإبعادنا عن الجماهير..

هل تتذكر أسماء الجلادين الذين أشرفوا على التعذيب؟

نعم، هناك خونا أمبارك، وكان آنئذ مديرا لسجن الرشيد سيء الذكر الذي قُتل به مئات الأبرياء وصار قبرا لسنوات عديدة للكثير منهم. ثم أبيش أبهي مدير مركزي في مخابرات البولساريو، والقرى عبد الودود مدير مركز سجون البوليساريو، وإبراهيم الليلي، شقيق محمد لمين أحمد، والذي قدم لي نفسه أنه من المخابرات الخاصة بالرئيس، وهو آنذاك قائد فيلق..

وما هي أماكن الاعتقال التي مررت بها بتندوف؟

في البداية تم اعتقالي بقاعدة الشهيد هداد، ثم في مكان في الخلاء غير معروف، ثم في القاعدة الخلفية للناحية الثانية…

طيب، بعض رفاقكم في انتفاضة 1988 هم الآن في أعلى هرم سلطة البوليساريو ومتحالفين مع من قمع انتفاضتهم واعتقلهم مثل الوزير الأول في البوليساريو ووزير الخارجية والممثل الحالي في إسبانيا والممثل الحالي في فرنسا؟ ماذا وقع بالضبط؟

 لما تم إطلاق سراح عمر الحضرمي من السجن، ونظمت البوليساريو مؤتمرها الذي أعقب الانتفاضة وضمنت وصولها للسلطة اقترحت إبعاد العناصر الحية من الساحة، لأن الساحة أصبحت خطيرة بالنسبة لهم، وأي إطار يمكنه أن يحلل ويفهم الناس عما وقع يجب له أن يبعد إلى دولة أجنبية، فذهبوا بالحضرمي مباشرة من السجن إلى روما، ذهب مع عبد العزيز في مهمة، وفي الليلة التي قدم فيها من إيطاليا أرسلوه إلى واشنطن، ومجموعات أخرى منهم من تم إرساله إلى الهند وأنا أرسلوني إلى دمشق مرة أخرى.

وأتذكر أنني أثناء وجودي في الجزائر كي أتسلم رسالة اعتمادي من جديد في دمشق كان الحضرمي ذاهبا إلى إيطاليا رفقة عبد العزيز، وذهبت عنده وقلت له: لنعتبر أنفسنا مجموعة كانت تقاتل ودخلت في معركة وانهزمت، ولهذا يجب على كل واحد منا أن يبحث عن منفذ إلى أن نستعيد تجميع الصفوف بعد ذلك. وأما الآن لا يمكن أن يسمحوا لنا أن تنسق وأن يرى بعضنا بعضا، فقد أذلونا، وصرحوا في باريس بأنهم ضربوا الجناح المتشدد الذي يرفض الحلول السلمية، وقلبوا الحقائق..

وهل المجموعة الأخرى والتي لا تزال في القيادة الحالية هي أيضا تم إبعادها خارج المخيمات؟

نحن اعتبرنا أنفسنا وحدة قتالية فشلت في معركة وأي ثغرة وجدها أي واحد منا يمكن له الانسحاب، لأننا لن تتاح لنا أية فرصة للتجميع أو التنسيق، وعلى هذا الاعتبار كان الأفضل أن نبحث عن مخرج، ولما عدت والحضرمي للمغرب قال لهم عبد العزيز بأني، أنا والحضرمي، كنا ننسق مع المخابرات المغربية، وأننا استغلينا الجماعة للفتنة، وقال لهم هذي فرصتكم كي تبرهنوا على أن لا علاقة لهم بكم، ومنحهم مناصب مغرية بالرغم من أنهم كانوا في الصف الثاني أو الثالث، وأصبح منهم الوزير الأول ووزير الخارجية وقربهم منه.

ألم تكن يد للمخابرات المغربية في هذه الانتفاضة مع العلم، وكما يشاع، أن بعض الأشخاص داخل المخيمات رفعوا صور الحسن الثاني والعلم المغربي؟

حسب علمي وبأمانة من رفع الأعلام المغربية وكتب على الجدران شعارات: يعيش البصري، ويعيش الحسن الثاني، هي قيادة البوليساريو لكي تحرض الشارع ضد المنتفضين ضد القيادة، وحسب معلوماتي وبأمانة أن كل واحد يتمنى أن يشاع خبر أن المخابرات المغربية هي من دبرت هذا الحدث، و في الحقيقة لم يكن هناك أي دور للمخابرات المغربية، وإذا كان أي دور فهو دور إلهي مع الحسن الثاني حسب تفسيري للأحداث لا أقل ولا أكثر، لأن الانتفاضة كانت نابعة من الداخل، أو يمكن أن  نقول أن قيادة البوليساريو خدمت المخابرات المغربية، وخدمت المغرب بشكل عام، بسوء تدبيرها والديكتاتورية التي تبنتها ومنهجية الممارسة التي جعلت الناس يكرهون منهجها وطريقتها ويفضلون العودة لوطنهم المغرب.

أقول: لقد كنا نقاتل من أجل الكرامة و الحرية فلم نجدهما ووجدنا حرية أكثر في المغرب.

هناك من يقول أن هذه الانتفاضة قصمت ظهر البوليساريو، يعني أن مجموعة من الكوادر والأطر خرجت من البوليساريو وعادت إلى أرض الوطن وأن المغرب لم يستفد من هذا الموعد التاريخي الهام لأن المغرب كان بإمكانه أن يذوب ويقضي على البوليساريو آنذاك، كيف ترى هذا الكلام؟

هذا منطق سليم الذي ذكرته، وهو عين الحقيقة إلى أبعد الحدود، فالبوليساريو وقع بها انشقاق، وأصبحت هناك بوليساريو المغرب وبوليساريو الجزائر، فالصورة التي كانت تقدمها البوليساريو في الخارج كونها تمثيل ساكنة الصحراء في، أو هكذا تدعي، فهذه الصورة خسرتها ولم تعد ممثلة للصحراويين، هناك أعضاء مؤسسون قدموا وعادوا للمغرب، وأعضاء من اللجنة التنفيذية عادوا للمغرب، وقيادات عسكرية وأطر دبلوماسية وشيوخ تاريخيين ومهمين عادوا للمغرب، ولكن ما أستطيع أن أقوله هو أن المغرب لم يعرف كيف يستغل هذه الوضعية لصالحه ولم يعرف كيف يوظفها ويصنع إطارا مغربيا بديلا عن البوليساريو، وقدر معي  كيف أن أناسا عاشوا أربعين سنة في الانفصال وبلغوا مراتب عليا في مؤسسات ولهم تاريخ ويتبنون الطرح الوحدوي، لدرجة أننا أصبحنا وحدويين أكثر من الوحدويين، ولكن الجهات المسؤولة عن التدبير لم تدبر هذا الملف بما يخدم مصلحة الوطن.

 وأنا أرجع أن السبب لربما يعود لعامل قصر النظر في التدبير، لأنك وأنت تتعامل مع البوليساريو والجزائر يجب أن يكون لك هدفان: إما أن تعمل في اتجاه تذويب البوليساريو دون أن تصل إلى الاستفتاء الذي هو مطلوب على مستوى الأمم المتحدة، وهذا يتطلب سحب الصحراويين من تحت سلطة البوليساريو وترك عبد العزيز شخصا وحيدا لدى الجزائريين ومعه مجموعة قليلة تعزلهم وتنزع ثقة الجزائر منهم، وبالنهاية الثقة الدولية فيهم أيضا ويفقدون مكانتهم، فهذا كان هو المطلوب. وهذا العمل لم يقم به المغرب طبعا.

  ويمكن أن الأمر يعود لحسابات بسيطة، وممكن أن يفكر البعض الناس  أن الجيش في السبعينات كان  يمثل نوعا من الخطر على المؤسسات الرسمية بالمغرب، وتم إبعاد الجيش للحدود مع مشكل الصحراء، وأن البوليساريو خدمت إلى حد ما وضع النظام واستقراره، والآن فيه عشرات الشباب بل الآلاف يصلون للقنصليات المغربية ومن مختلف المنافذ ويُرفض دخولهم إلي وطنهم، وها نحن الآن تحولنا إلى حراس للبوليساريو ونرد لها الناس في الوقت الذي نقول أن هؤلاء الناس مخطوفون ومقهورون ومحتجزون… فهذا تناقض في الطرح.

 يجب العمل على تذويب البوليساريو وسحب الصحراويين منها، عبر الاستيعاب، والعمل على جعل الجزائر في عزلة. ولكن هذا لم نقم به ولم نستغل الكفاءات التي وصلت، بل ولم نوظفها في الأقاليم الجنوبية للقضاء على نزعات الانفصال..

وأذكر أني لما عدت لأرض الوطن قمت بجولة في الأقاليم الجنوبية للمغرب وأجريت لقاءات مع الشباب والنساء والرجال والشيوخ وكانت جولة ناجحة بكل المقاييس وأغرت العائدين بالقيام بجولات في الجنوب المغربي، ولكن لم تستغل هذه الأمور بما فيه الكفاية، ويجب أن نعلم أن كل القيادات التي عادت لها أهل في الجنوب فلا بد لهم من أن يذهبوا ويحتكوا بأهليهم وذويهم، فبدل أن نربط الناس بالحمادة، والرابوني  يجب علينا أن نربطها بالرباط من خلال رموزها وأعيانها ووجوهها وشخوصها التاريخيين.

والمشكل أن التدبير الذي نراه ونحياه بخصوص ملف قضيتنا الوطنية يساهم في تفريخ الانفصال للأسف.

 أنت بتدبيرك هذا ترغم الناس  علي أن يصبحوا انفصاليين وهم كارهون للانفصال، لأن شؤون المنطقة لم تدبر على أنها منطقة فيها نزاع مشتعل وفيها أناس يزرعون الانفصال وينشرون إشاعات باعتبار هذه الأرض هي كويت الفسفاط والبترول وهي الجنة الموعودة…

إذن هناك بضاعة سيئة يلزم أن نقاومها ببضاعة جيدة ومعقولة لنقرب الناس للوطن، لأن من يقدر على تقريب المنطقة وتقرير مصيرها هم أهلها وسكانها من خلال تعاملك أنت معهم، وهل كان بالإمكان أن يغيرني أحد؟ وها أنا تغيرت قبل25 سنة، من كان يستطيع أن يغيرني؟، وكل الناس مرشحون لأن يتغيروا هم أيضا…

أنا أفهم من خلال كلامك أنك تلقي باللائمة على مستوى التدبير الرسمي لملف الصحراء، ولكن أنتم الذين عدتم لأرض الوطن أطر لها تجربة ووعي كاف بطبيعة الملف، ماذا قدمتم  لهذه القضية؟

نحن قدمنا أنفسنا وأرواحنا على طبق من ذهب لدولتنا، جئنا لأرض الوطن منظمين وجاهزين للعمل، وأية مهمة مطلوب منا أن نقدمها نحن مستعدون أن نؤديها بإتقان…

أنتم قبلتم بالوظائف السامية وتفرغتم للأكل والشرب والنسل..؟

هذه الوظائف السامية يجب أن تضع عليها علامة استفهام كبيرة. لأن وظيفتي السابقة كممثل للبوليساريو في دمشق وليبيا، والإمكانيات التي كنت أحوزها لا تقارن بوضعي الآن في بلدي المغرب، لأني أقترض المال كي يدرس أبنائي، وأنا مجرد موظف في إدارة وراتبي لا يكفي لتدريس طفلين في ليسي ديكارت، فما بالك أن أقوم بتعليمهما في الخارج أو جهات أخرى..

 ولذلك فأنا غير مؤهل من حيث المنصب ولا من ناحية التسهيلات ولا من حيث التعامل مع الإدارة التي أتبعها كي أشتغل، وكي تعمل ما يحلو لك لا بد أن تكون مسنودا بإطار مرجعي تنسق معه، وبرنامج مدروس تطبقه.

ولماذا لم تؤسسوا إطارا جمعويا ينشط في إطار المجتمع المدني يجمع الأطر والكفاءات التي عادت لأرض الوطن يُعنى بملف الصحراء وآنئذ يمكن لكم أن تضعوا برنامجا ومخططا وتعملون من أجل تحقيق أهدافه، وهي أهداف وطنية وأعتقد أن هذا الأمر هو مطلوب ومرغوب فيه من قبل المؤسسات الرسمية للبلاد؟

نحن جئنا لإدارة منظمة ووضعنا أنفسنا تحت التصرف، لم نأت كي نكون معارضين أو منازعين أو منافسين لأية جهة كانت في البلاد، والمساعد هو موضوع تحت الطلب، صحيح أنه يقترح ولكن يجب أن يقترح على جهة تستمع إلى اقتراحاته وتتفاعل مع ما يقترحه، في بعض الأحيان يأتي عندي بعض الناس أعلى مني منزلة يشكون كونهم لم يحصلوا على التسريح خارج أرض الوطن من أجل العطلة الصيفية.

Share
  • Link copied
المقال التالي