هو نورالدين بلالي الإدريسي، واحد من مؤسسي جبهة البوليساريو الانفصالية، عاد إلى المغرب عام 1989 بعدما قاد رفقة مجموعة من زملائه من القياديين في البوليساريو انتفاضة 1988 من داخل المخيمات.
في هذا الحوار، والذي سينشر منجما على جريدة بناصا الالكترونية، تحدث نورالدين بلالي الإدريسي عن الإرهاصات الأولى لنشأة البوليساريو والتي كانت ولادتها مغربية خالصة، حيث انطلقت مع محمد سيدي إبراهيم بصيري، والذي ينحدر من بني ملال حيث كان والده شيخ الزاوية بني عياط والتي لا تزال قائمة إلى حد الآن، ووصل بصيري مدينة السمارة وبدأ يُدرس القرآن كغطاء وفي نفس الآن شرع في تأسيس الخلايا الأولى لما سمى “تحرير الصحراء”، والتي أطلقت عليها إسبانيا فيما بعد اسم “الحزب المسلم”، وفي عام 1970 اكتشفت السلطات الإسبانية حركة بصيري وتعرضت لضربات متتالية فيما يعرف بـ”عملية الزملة” ثم أحداث مظاهرات طنطان 1972 والتي طالبت باسترجاع الصحراء للمغرب ورفعت فيها شعارات موالية للمغرب.
الحوار سيتطرق كيف استطاعت البوليساريو أن تغتصب قرار الصحراويين بداية مع سحب المشروعية من شيوخ القبائل والتنكر للمؤسس، سيدي إبراهيم بصيري، والذي لم تطالب به البوليساريو في صفقة تبادل الأسرى مع الإسبان خوفا من الكاريزما التي يتمتع بها الرجل.
الحوار عرج على الدعم الليبي الهائل على عهد العقيد معمر القذافي ودور الفقيه البصري في ربط الولي المصطفى السيد بالليبيين، ثم التخلص من المؤسسين المغاربة وفرض محمد ولد عبد العزيز من قبل النظام الجزائري.
نورالدين بلالي يشرح بالتفصيل، ضمن هذا الحوار، أسباب وتداعيات انتفاضة 1988 داخل المخيمات والتي لم يستفد منها المغرب للتخلص من البوليساريو، وكذا لقائه مع الفقيه البصري في ليبيا والذي طلب من البوليساريو الاستفادة من أراضي “محررة” لضرب المغرب، كما يحكي، أيضا، عن لقائه مع الشيخ عبد الكريم مطيع في ليبيا وتدريب عناصر من الشبيبة في المخيمات.. وأشياء أخرى تكتشفونها ضمن هذا الحوار الشامل مع أحد مؤسسي جبهة البوليساريو الانفصالية.
كنت مسؤولا كذلك في دمشق..؟
بعد ليبيا تم تعييني ممثلا لدى سوريا ومسؤول قسم المشرق العربي، وكان الهدف أن تعمل البوليساريو دينامية للتحرك من دمشق كي تسهل عليها الحركة دون تكاليف باهظة، في بيروت واتجاه الإمارات واتجاه السعودية واتجاه اليمن الشمالي والجنوبي.
هل اليمن الجنوبي كانت تعترف بكم؟
نعم، اليمن الجنوبي كانت معترفة، وزرت هذا البلد عام 1976 أنا ومحمد سالم ولد السالك الذي هو الآن وزير خارجية البوليساريو، وزرتها كذلك أثناء استشهاد الولي المصطفى السيد في شهر يونيو 1976 وكان معي بابا مصطفي السيد، شقيق الولي مصطفى السيد، وعلمنا بوفاة الولي ونحن على متن الطائرة اليمنية المتوجهة من القاهرة في اتجاه عدن، يعني علمنا بوفاة الولي مصطفي السيد لأن سفير اليمن في طرابلس أعطانا الجريدة الليبية التي فيها خبر وفاة الولي مصطفى السيد، وفوجئنا، وأخوه الصغير تأثر كثيرا وبدأ يبكي، فقلت له نحن شباب صغار وذاهبان في وفد رسمي إلى اليمن ومعنا وفد وزاري في الطائرة إذا رأونا سيحتقروننا، امش لبيت الحمام في الطائرة وابك واغسل وجهك وعد للمقعد، وتم استقبالنا في صنعاء استقبالا متميزا، ولكن اليمن الشمالي ظل رافضا للاعتراف بنا.
التقيت حافظ الأسد، الرئيس السوري الأسبق، في أي سياق جاء هذا اللقاء؟
أغلبية اللقاءات تأتي من خلال المناسبات، مناسبات رسمية أو بصفة حزبية باعتبارهم قيادة لحزب البعث..
التقيت به بعد لقاء الحسن الثاني بشمعون بيريز، رئيس الوزراء الأسبق في مدينة إفران؟
سوريا كانت تعترف بالبوليساريو في إطار جبهة الصمود والتصدي، وهي جبهة كونت عقب زيارة أنور السادات، الرئيس المصري الأسبق، للقدس، وكون اليساريون العرب جبهة سموها جبهة الصمود والتصدي، فيها اليمن الجنوبي والجزائر وليبيا وسوريا والعراق، وهذا الاعتراف بالجبهة، جاء إرضاء للجزائر، واعترف جزء من العرب بالجمهورية الصحراوية، ولكن هذا الاعتراف لم تعط له حياة على أرض الواقع في سوريا بالذات، فالسوريون يتهربون لكون هذا الموضوع يتعارض مع فلسفتهم الوحدوية، فالوحدة العربية والقومية العربية ضد التجزئة إلى آخر ما هنالك من الشعارات التي كانت مرفوعة يومئذ، كما أن السوريين كانوا يرون أن قضية البوليساريو لا يمكن أن تكون إلا على حساب القضية الفلسطينية باعتبارها قضية العرب المركزية، وأن قضية الصحراء ما هي إلا إشغالا للجزائر والمغرب عن القضية المركزية، وهي فلسطين والصراع مع إسرائيل، إذن من هذا الباب كان الاعتراف مجرد مجاملات لترضية الجزائر وعدم إزعاج البوليساريو، ولكن خلال زيارة شمعون بيريز للمغرب وجهت، أنا شخصيا، رسالة إلى سوريا مفادها أن محمد عبد العزيز يريد زيارة سوريا للتضامن معها باعتبارها بلد الصمود والتصدي، (يضحك)، وردا على هذه الطعنة من الخلف فهم بادروا فورا لقبول الزيارة وجاء وفد كبير من البوليساريو يتكون من محمد عبد العزيز وعمر الحضرمي وإبراهيم حكيم وأنا شخصيا باعتباري ممثلا هناك في دمشق، وعمر منصور، ممثل البوليساريو في باريس، وكانت اللقاءات مع حافظ الأسد ومع عبد الله الأحمر ومع مصطفى طلاس، وزير الدفاع، وقبلوا تدريب قيادات كتائب للبوليساريو، ودربوهم فعلا، وأعطونا مكتبا كمقر رسمي، وكان هناك دعم إعلامي وتدريب..
هل توصلتم بدعم من السوريين؟
السوريون يأخذون ولا يعطون، فالسوريون كان لهم شعار يوجهونه للعرب: أعطونا كي نواجه إسرائيل لأننا نحن من نحميكم ضد إسرائيل ونقاتل نيابة عن كل العرب، وكانوا يعتبرون أن لهم دين على العرب لأنهم يقاتلون إسرائيل.
هل كانت وفود سورية رسمية تزور المخيمات؟
سافر الكثير منهم إلى المخيمات ويتكلمون عن التضامن، شخصيات كتاب وإعلاميين وأطر من حزب البعث، ولكن كدعم ملموس وقوي لم نتوصل منهم بشيء.
وما هي طبيعة العلاقات التي كانت تربطكم بالجانب السوري؟
طبيعة العلاقات أنهم حزب تقدمي يدعون حمل لواء النضال ضد الرجعية والامبريالية ونحن إخوانهم في العروبة والنضال، .. وهذه هي ا لشعارات .. (يضحك) .. ولكن عمليا فيه شيء آخر!!
يعني ضمن جبهة الصمود والتصدي.. (يضحك) .. وهي في الحقيقة تستهدف كسب دعم الجزائر ودعم ليبيا، وهذا هو ذكاء السوريين، والسوريون يقنعون اليسار أنهم يساريون ويقنعون الأمريكان أنهم يمينيون. وهذه هي طبيعة نظام الحكم السوري على وجه التحديد.
وصلت إلى السعودية، احك لنا كيف تم استقبالك باعتبارك ممثلا للبوليساريو؟
كنت أتردد عدة مرات على الإمارات والكويت والسعودية، ولكن من خلال إعطاء تصريحات لوسائل الإعلام، ولهذا السبب أصبحوا يعرفون اسمي وغالبا ما يعرقلون الدخول لهذي الدول بالرغم من أن لي جوازا دبلوماسيا جزائريا، ولأن اسمي أصبح معروفا من خلال تصريحاتي في وسائل الإعلام التي تحتج عليها السفارة المغربية. فكانوا يتحفظون ويترددون في منحي تأشيرة الدخول إلى بلدانهم.
أتذكر أني كنت قادما من اليمن الشمالي، وحصلت على الفيزا من السفارة السعودية على اعتبار أن لي قريب في السفارة الجزائرية بالرياض، منحوني الفيزا، ونزلت في فندق بالرياض، واتصلت بوزارة الخارجية وأخبرتهم كوني مبعوثا إلى جلالة الملك خادم الحرمين الشريفين. ولم يجيبوني نهائيا مدة ثلاثة أيام، واتصلت بعدها بمدير المراسيم الملكية في الرياض، وقدمت له اسمي وصفتي وأني مبعوث إلى خادم الحرمين الشريفين وأحمل رسالة إليه، وقال لي: من أي مكان جئت ومن أعطاك الفيزا؟ قلت له: يا أخي هذي بلاد حاتم الطائي وتسألون ضيوفكم بهذا الشكل خلونا نشوفكم ومستعدين أن نجيب على كل الأسئلة (يضحك) فقال لي : اسمح لي ممكن أنه أنقل هذا الحديث لجهة عليا، واتصل بي بعد 20 دقيقة وقال لي بأني ضيف عند الملك وخيرني أي فندق أنزل فيه، وأضاف بأنه بعد 20 دقيقة ستأتي سيارة ومرافق، وفعلا جاءتني سيارة ومرافق، وبقيت 15 يوما وأنا في جدة خلال شهر رمضان، في النهار أصوم وفي الليل أفطر وأذهب للطواف في مكة وأعود للفندق. وبعدها جاءني مسؤول الشؤون السياسية في وزارة الخارجية، واسمه الغزاوي، وقال لي أنا تم تكليفي أن أستمع لك وأستلم الرسالة وحسب، وأنا بقيت أحاضر عليه مدة ساعتين، أنتم تصبون الزيت على النار، أنتم تقتلون الأطفال والنساء، أنتم تشترون البارود والسلاح وتقتلون … إلى درجة أصبحت أستحيي واعتذر عما أقول بين الفينة والأخرى على طول إلقاء “المحاضرة”..
كنت تعاتبه؟
نعم، كنت أعتب عليه، كنت أقول له أنتم تشترون السلاح ومراكز الدراسات العالمية ترصد كم اشتريتم وكم دفعتم، وكم أديتم من فواتير، ولكن أنا أسأله كم مات من طفل وامرأة.. وهو استلم الرسالة وكان في بعض الأحيان يسجل الملاحظات.
أما قيادة البوليساريو وصلهم خبر اللقاء، ووصلهم التقرير..
من كتب لهم التقرير؟
الذي زار هو من كتب التقرير طبعا..( يضحك).
أنت باعتبارك المسؤول الدبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط؟
(يضحك) نعم، وقالوا بأن هذا اللقاء هو بمثابة بداية التغيير في موقف العربية السعودية من البوليساريو، وأرسلوا وفدا رسميا برئاسة محمد ولد سيداتي، الوزير الحالي في أوربا، ومع بعض الأشخاص، فلبثوا شهرا كاملا في جدة ولم يرهم أحدا من المسؤولين السعوديين، وبدؤوا يتساءلون عن طبيعة العلاقة الخاصة التي تربطني بالسعوديين.. (يضحك).
لم تتحدث لنا عن تمثيلك للبوليساريو في دولة تشاد؟
أما في تشاد، لكي نقدم أوراق الاعتماد لابد من اعتماد القوة، فأنا جئت إلى تشاد أحمل ورقة اعتماد سفيرا عندهم، ومدير البرتوكول قال بأنه لم يجد أية وثيقة تحدد نوع الاعتماد هل هو على مستوى سفير أم مستوى قائم بالأعمال؟ فقلت له أنا غير مؤهل للحديث عن مستوى طبيعة العلاقات، أنا فقط جئت لأسلم أوراق الاعتماد، الأمر قد تم حسمه وقيادتي لم تخول لي الحديث عن طبيعة هذا الموضوع، وتأكد لي أن ما قاله هذا الرجل حقيقي، وبعدئذ ذهبت لمقر الرئاسة وطلبت مدير ديوان الرئيس التشادي وقلت له بأني جئت بناء على كلمة شرف من رئيسكم لرئيسنا، وكلمة شرف لن تكون موثقة في الأرشيف.. (يضحك)، واتصل الرجل بعد حوار طويل بالرئيس، فقال له هذا الكلام صحيح، واتصل بوزير الخارجية وطلب منه أن يستقبلني من أجل ترتيب الأمور، وذهبت لوزارة الخارجية واستقبلني أحمد أصيل، وزير الخارجية التشادي، وقال لي ارجع عندي بعد 15 يوما سيأتي سفير العراق وسفير الفتنام وسفراء آخرون وستقدم معهم أوراق اعتمادك، وبعد 15 يوما قال لي وزير الخارجية بأن الحكومة التشادية قررت ألا تعتمد سفيرا للبوليساريو ألان، لأن البلد فيه معارضة قوية وخافوا من أن يقدم المغرب دعما للمعارضة بشكل قوي، وطلب مني أن أقدر ظروفهم، فذهبت إلى مكتب اللجان الثورية الليبية في نجامينا، وكانوا كلهم شباب وأعرفهم في طرابلس، وقلت لهم :”هذا العبيد كذبوا علي وعلى رئيسي، إن كنتم رجالا حقيقة يجب ألا أغادر نجامينا حتى أقدم أوراق اعتمادي” … (يضحك).
وزع الشباب الأدوار وذهب رئيس المكتب عند الرئيس مباشرة كوكو واداي، ونائبه ذهب عند وزير الخارجية، أحمد أصيل، وقالوا لهم بأن العقيد معمر القذافي علم أمس بموقفكم، وأنه غضبان جدا من عدم اعتماد سفير البوليساريو في نجامينا ويعتبر موقفكم هذا عدائيا ضد الجماهيرية… (يضحك).
وهكذا قدمت أوراق اعتمادي في التشاد بهذه الطريقة من التحايل على الحكومة في التشاد، فقدمت أوراق اعتمادي ولم أعد إلى التشاد منذ ذلك اليوم.
البوليساريو سبق وأن ضربت منشأة ليبية لتوليد الكهرباء في شنكيط بموريتانيا، كيف كان رد فعل الليبيين معكم؟
أتذكر أن البوليساريو قامت بعملية في شنكيط استهدفت مولدا كهربائيا ليبيا في موريتانيا، وهذه المنشأة بنتها ليبيا طبعا، واستدعى الليبيون عمر الحضرمي باعتباره مسؤولا عن العلاقات الخارجية واستفسروه عن مسألة ضرب هذه المنشأة الليبية، والموريتانيون كانوا قد جاؤوا بالسفير الليبي في نواكشوط وأتوا به إلى شنكيط وقالوا له انظر كيف ضربت البوليساريو منشأة أسستها ليبيا، بالذخائر والمتفجرات الليبية ومكتوب عليها اسم ليبيا، والسفير الليبي يومئذ أرسل تقريرا مؤيدا للطرح الموريتاني، وعمر الحضرمي قال لهم أنا ما عندي علم بذلك وسأسافر إلى تندوف وأرد عليكم، وذهب ولم يجبهم، وبعد شهرين قامت البوليساريو بعملية أخرى أكبر من الأولى وفي نفس الموقع، واستدعاني الليبيون لأني في المرة الأولى كنت مسافرا في الكويت، وقالوا لنا أنتم احتقرتمونا، والمسؤول في العلاقات الخارجية لم يجبنا ونحن قدمنا استفسارات والآن مقاتلوكم رجعوا لضرب البقية الباقية من المنشآت التي بنتها ليبيا في موريتانيا، وقلت لهم بأن هناك جواب على الاستفسار والشباب الموجودون في المكتب ليست لهم صلاحيات لفتح الإرساليات وأنا الآن سأجيبكم، والجواب موجود، وقالوا لي: وما الجواب؟ قلت لهم بأن البوليساريو تضرب مدنها التي بنتها بعرقها في السمارة والعيون وبوجدور والداخلة وفيها آباؤنا وإخواننا وأهلونا، والقذائف لا تميز بين الأهل والأعداء، ثم أنه يحزننا أن ليبيا لا تتألم لموت المواطن العربي في موريتانيا والمغرب والصحراء وتتألم لقليل من الأسمنت والحديد، هذا شيء يؤلمنا كثيرا، كما أن الموريتانيين كانوا يختبئون في المنشآت الليبية وفي المساجد وفي دور المواطنين ونحن أطلقنا النار دفاعنا عن النفس، والموريتانيون يطلقون النار من المنشآت الليبية، وهي منشآت صديقة، وقلت لهم بأن البوليساريو تطلب من موريتانيا أن تتعهد ألا يستعمل جنودها المقرات والمنشآت الليبية في موريتانيا.
والحقيقة أنه لم يكن لي جواب، وكل ما قدمته هو كلام من إبداعي أنقذت به الموقف، والليبيون قالوا هذا ما هو معقول من قبل الموريتانيين، وانتهت المشكلة…(يضحك).
مرة أخرى كان من عادة حكيم إبراهيم، السفير المتجول حاليا والذي كان وزير خارجية البوليساريو آنذاك، أن يأتي إلى ليبيا من أجل أخذ الفلوس، لأنه عندما يريد أن يقوم بمهمة يأتي إلى ليبيا ليأخذ الدولار ليغطي به الرحلة، وبعض الأحيان يأخذ تذاكر السفر عبر الطائرة لخمسين دولة، بحجم كتاب الهواتف الذي تراه أمامك.. (يضحك).
هذا كله على حساب ليبيا؟
نعم على حساب ليبيا، فجاء ليأخذ التذاكر والفلوس ويلتقي مع وزير خارجية ليبيا ويذهب إلى مؤتمر الوحدة الأفريقية، وفي غضون ذلك كانت البوليساريو ستدخل إلى الوحدة الأفريقية، والبوليساريو قالوا أن الليبيين ما عندهم سر والدخول للوحدة الأفريقية يمكن أن يتسرب الخبر عبرهم ويصل للمغرب ويحتج قبل الدخول للوحدة الأفريقية، وعلى البوليساريو ألا تخبر أحدا وكأنها لا تعلم شيئا، وجاء حكيم ولبث أسبوعا في ليبيا ولم يستقبله أحد، ولما جاء الليبيون للمؤتمر وجدوا علم البوليساريو ولها كرسي كعضو لحضور المؤتمر، فالليبيون فوجئوا وغضبوا، ولما جاء وزير خارجيتهم لطرابلس استدعاني باعتباري ممثلا هناك، ماذا وقع يا جماعة نحن نقدم الدعم والسلاح ولم تخبرونا، قلت له الخطأ منكم، و ليس خطأنا، الرئيس أرسل وزير الخارجية كي يبلغكم الخبر وقضى أسبوعا كاملا وذهب لحال سبيله، وأعطيته تاريخ دخول المطار وتاريخ الخروج، ونحن لم نتواصل مع أي منكم حتى نقدم له المعلومات. وقالوا لي: اسمحوا لنا هو الخطأ نتحمله نحن. (يضحك).
كيف فكرت وجماعتك بالعودة إلى المغرب؟
بعد انتفاضة 1988 العارمة، والتي تظاهر فيها سكان المخيمات ضد الطغمة الحاكمة في البوليساريو، أنا اتخذت قرار العودة إلى المغرب.
بشكل إرادي؟
نعم، إراديا كيفما كان الوضع في المغرب سأعود، فأنا عندي أهلي و هنا ووطني وهذا قراري، رجعت إلى سوريا بعد السجن مباشرة، ومنها إلي المغرب.
لم تلتق أبدا بأهلك في تندوف؟
لا أبدا، لأن القيادة كانت خائفة من داخل المخيمات أن نشرح لهم ما وقع، وكانت لي ميزانية ثلاثة أشهر، وكنت أريد أن أقوم بجولة في بعض الدول العربية وأنظم حملة لشرح ما وقع في المخيمات وبسط كل المشاكل التي يعاني منها الصحراويون على يد قيادة البوليساريو، وكنت أود أن أقوم بهذه الحملة وبفلوس البوليساريو، وشرحت لأصدقائي في دمشق ما وقع، واتصلت بالقائم بالأعمال في السفارة المغربية في سوريا وطلبت منه أن يسهلوا لي فيزا للإمارات والكويت.
كيف اتصلت بالسفارة المغربية؟
اتصلت بالقائم بالأعمال وقلت له أنا مواطن من السمارة وجئت هنا من أجل السياحة وأريد أن أراك، فقال لي: مرحبا، ركنت سيارتي في مكان بعيد عن مكان السفارة. ولما جلسنا أخبرته بأني ممثل البوليساريو في دمشق، والرجل انزعج وبدأ يقول: أش بغيتي عندي وعلاش جاي عندي؟؟ (يضحك).
قلت له: على رسلك لا تزعل يا رجل أنا أتحدث مع الرباط في التلفون.
وهل تواصلت مع الرباط حقيقة أم هو تحايل ؟
نعم تكلمت مع الرباط.
مع من؟
مع ديوان إدريس البصري.. وطلبت منهم أن يدبروا لي تأشيرات إلى بعض الدول وقلت للمسؤول بالسفارة أني جئت عنده لأرى هل وصل شيء من هذا القبيل أم لا..
وهل دبروا لك في التأشيرات؟
ترددوا وقالوا لي بأن الملك أطلق نداء للعودة وإذا وددت العودة لندوات فمرحبا، ولما عدت للمغرب لم يعد هناك قيمة لهذه الندوات..
وأين وصل لقاؤك مع المسؤول في السفارة المغربية؟
المهم أن القائم بالأعمال في السفارة المغربية في دمشق قال لي انه لم يتوصل بأي شيء، فتوادعت معه وذهبت لحالي، وبعدها اتصلت به مرة ثانية وتركت عندهم ملابسي وكتبي كي يرسلوها لي للرباط.
وأهلك كيف عادوا للمغرب؟
وصلوا بعد ذلك، وتعذبوا في الطريق وأرجعم الجزائريون من حدود وجدة، أي من جوج بغال، وقالوا للأهل يلزمك وكالة من الزوج حتى تسافري مع أولادك، ورجعت وحاولت السفر من مطار وهران وأرجعوها لذات السبب، فتركت الأبناء عند أهلها وجاءت لوحدها، فأعطيناها وكالة وذهبت إلى المخيمات وجاءت رفقة الأطفال !! (يضحك).
من استقبلك في مطار الدار البيضاء؟
وصلت المطار يوم 22 غشت 1989، واستقبلني علابوش، مدير الديستي في ذلك الوقت، وأقمت في عمارة السعادة بالرباط حتى استأجرت مسكنا بعد ذلك.
وهل التقيت بعمر الحضرمي بالمغرب؟
جاء قبلي بعشرين يوما قادما من واشنطن، واستقبلنا الملك في مراكش في 17 يناير 1990، ومنحنا ظهائر وألحقنا بالمجلس الاستشاري وقال لنا: سيروا فأنتم الطلقاء كما قال الرسول عليه السلام لأهل مكة لما جاءها فاتحا.
وأما القيادات الأخرى التي التحقت بنا بالمغرب كانت تأتي فرادى من جهات متعددة من موريتانيا وأوربا، بحيث أن عملية الرجوع لم تكن منسقة، والسبب أننا فشلنا في التغيير في نهج البوليساريو وتعرضنا للسجن والإبعاد عن المخيمات وبقي كل واحد منا يبحث عن ثغرة للنفاذ منها ويغادر سفينة البوليساريو التي غرقت في الأخطاء المتراكمة.
إبان انتفاضة 1988 بمخيمات البوليساريو رفعتم شعار إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ها أنتم رجعتم إلى المغرب، ولا تزالون ترفعون ذات الشعار “إنقاذ ما يمكن إنقاذه”؟
سيبقى هذا الشعار خالدا..
ماذا قدمتم أنتم الذين رجعتم لأرض الوطن لملف الصحراء؟
لا أحتاج أن أقول لك أننا قدمنا أرواحنا وأنفسنا على كف عفريت، وجئنا للمغرب وكان تصورنا عن البلد أنه بعبع ومخيف ويمكن أن يجرمنا لأننا كنا في الصف المعادي له، ولكن حين أتينا قمنا بنشاط على مستوى الساكنة وساهمنا في تغيير القناعات والأفكار، وقمنا بأنشطة على مستوى الخارج لإظهار حقيقة البوليساريو من النشأة والولادة والأهداف، وبينا مغربية البوليساريو بالولادة، لأن المؤسسين أغلبهم ذهبوا من المغرب، ذهبنا للأمم المتحدة ولدى الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن وسافرنا لفرنسا وبريطانيا وإيطاليا وبروكسيل ومختلف الجهات، وساهمنا في تغيير الكثير من المعطيات بسبب مجيئنا، وبسببنا تكسر الحاجز النفسي ما بين الصحراويين الذين في المخيم والمغرب الذين كانوا يرون فيه بعبعا مخيفا، ولا أحد كان يتصور أن يأتي للمغرب.
كما غيرنا الكثير من القناعات، أي أصبح الكثير منهم يتعاطف، كما أننا وضعنا أنفسنا تحت تصرف الإدارة التي نري أنها منظمة ومسؤولة عن تدبير القضية.
هذا جميل، ولكن ألا ترى معي أن ملف الصحراء لا زال يراوح مكانه على المستوى السياسي والدولي، هناك من يختلف معكم فيما قلته كون ملف الصحراء يحتاج منكم جهودا أكبر باعتباركم أبناء المنطقة وقادة سياسيين لكم معرفة بطبيعة البعد السوسيو- سياسي للقضية؟
أنا ذكرت لك الأنشطة التي قمنا بها داخل المغرب وخارجه والأهداف التي تحققت من خلال هذه الأنشطة، ثم لا تنس أننا لسنا هيئة مستقلة لها القدرة على التحرك من منطلق ذاتي صرف، نحن كل واحد منا موظف في مصلحة معينة وفي إدارة معينة وتحت تصرف المصلحة العامة لهذه المؤسسة، والحمد لله فالحماس موجود والإرادة موجودة، ونحن نتعامل مع دولة عمرها قرون ومنظمة ومركزية وليس في صحراء قاحلة.
إذن نحن تحت التصرف ومستعدين أن نتحرك، وإذا تحرك أي أحد يمكن أن يسال من أمرك بذلك، من قال لك أننا نريد أن تحل هذه المشكلة، ومن أمرك بالتدخل والعمل !!
أنا أقصد من كلامي هذا أن لنا مهمة محددة، لو ذهبت مثلا للجنوب وتصارعت مع الانفصاليين، سيقال لي من قال لك ذلك ومن أمرك، فأنت جان لأن الدولة لها أمن وبوليس. فما كنت أقوله عام 1989 في الأقاليم الجنوبية لا أستطيع أن أقوله الآن في ذات الأماكن، لأن في ذاك الوقت كانت معي الإدارة، وظهري مسنود، والآن ما ساندني أحد. والعلاقة واضحة طبعا، لأن الإدارة هي مرجعيتي الرئيسة وعلي أن أتصرف بتنسيق معها ولا أعمل وفق هواي.
وأذكر هنا واقعة حكاها لي صالح زمراك رحمه الله، وكان عاملا لمدينة العيون، قال لي مزراك بأنه جاء عنده سفير المغرب في القاهرة قادما من إسبانيا، وكانت حينها مصر ستتولى رئاسة الاتحاد الإفريقي، واستدعاه واقترح عليه لقاء مع الشيوخ وزيارات للصناعة التقليدية والكتاتيب القرآنية والمدارس والمنشآت وأن يصور له شريطا يمكن أن يقدمه السفير لزواره، ويعرف من خلاله بالصحراء بأنها منطقة اندمجت في المغرب، فقال له السفير: لا أستطيع، فقال له مزراك: ولماذا؟ أجابه: أنتظر أن يأتيني الأمر من عبد اللطيف الفلالي وزير الخارجية آنذاك. فقال له كيف تفسر ذلك، فأجاب السفير: لو فعلتها أخاف من الوزير أن يقطع رزقي.
تعليقات الزوار ( 0 )