بعد أزيد من 3 سنوات عن نشوب الأزمة الخليجية، وإعلان 4 دول عربية عن قطع علاقاتها مع قطر، وصل اليوم الثلاثاء، تميم بن حمد آل ثاني، أمير دولة قطر، إلى مطار العلا في السعودية، لحضور اجتماع قادة مجلس التعاون الخليجي، بعدما أعلنت الكويت، يوم أمس، عن رفع الحصار المفروض على الدوحة.
ومن المنتظر أن تُعلن كلّ من البحرين والإمارات ومصر عن استئناف علاقاتها بقطر، بعد أزيد من ثلاث سنوات على قطعها، بسبب ما وصفوه وقتها، بدعم الدوحة للجماعات “الإرهابية”، لتنتهي قصة الخلاف الحادّ الذي عرفته منطقة الخليج، والذي كاد يصلُ إلى غزوٍ عسكري، لولا تدخل بعض الأطراف التي حالت دون ذلك.
وعقب عودة المياه لمجاريها، أشاد نشطاء بموقف الملك محمد السادس، الذي رفض الحصار، وقرّر مباشرةً بعد إعلان حصار قطر، إرسال طائرة محملة بالأغذية، كمساعدة للبلد في وقتِ الأزمة، دون أن ينحاز بالكامل للدوحة، داعياً إلى الجلوس لطاولة الحوار، من أجل إيجاد حلّ يرضي كافّة الأطراف، ويعيد المياه لمجاريها في الخليج العربيّ.
وكان الملك محمد السادس، قد قام باتصالات موسعة، مباشرةً بعد نشوب الأزمة الخليجية في يونيو من سنة 2017، مع مختلف الأطراف، حيث دعاها إلى ضبط النفس والتحلي بالحكمة، مؤكداً على أن “المملكة المغربية تفضل حياداً بنّاءً لا يمكن أن يضعها في خانة الملاحظة السلبية لمنزلق مقلق بين دول شقيقة”، حسب ما جاء في بلاغ لوزارة الخارجية وقتها.
وأوضح نشطاء بأن المغرب، كان له موقفُ جدّ مشرف من الأزمة الخليجية، بعدما رفض كلّ الضغوط التي مورست عليه للانحياز ضد قطر، مفضلاً أن يقف على مسافة واحدة بين جميع الأطراف، وهو ما لم يعجب دول الحصار، وعلى رأسها الإمارات، التي لم تعين سفيراً جديداً لها بالرباط منذ أكثر من سنة، ما أعقبه سحب المملكة لسفيرها وقنصليها بالإمارات، دون أن يتم الإعلان عن وجود أزمة على المستوى الرسميّ.
وبعد حوالي 3 سنوات على هذا الوضع، عادت المياه لمجاريها بين المغرب والإمارات، بعدما قررت الأخيرة فتح قنصلية لها بمدينة العيون الجنوبية، كتعبير منها على وقوفها جنب الرباط في الأزمة المفتعلة في الصحراء، وهو الموقف الذي وصفه بلاغ الديوان الملكي بـ”التاريخي الهام الداعم للوحدة الترابية للمملكة على هذا الجزء من ترابه، خاصة أن الإمارات شاركت في المسيرة الخضراء”.
وفي هذا السياق، كتب الناشط أحمد بندويش العبدي، في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “ونحن نتابع مجريات القمة الخليجية التي تجري أطوارها بمدينة العلا شمال المملكة العربية السعودية، وعلى رأس أجندتها مصالحة بين أشقائنا الخليجيين بعد جفاء دام قرابة أربع سنوات، يجب أن تدعونا للابتهاج والسرور”.
وأضاف بندويش، بأنه لابد لنا من أن نُسرّ، و”نحن نستحضر باعتزاز كبير ما شهده شهر نونبر 2017، من دروس بليغة في الشجاعة والشهامة والحكمة قدمها أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأعزه حين زار دولة الإمارات العربية المتحدة ومنها انتقل عبر الطائرة في اتجاه دولة قطر رغم ما بين الدولتين حينها من قطيعة معلنة وتوتر حقيقي ومناوشات إعلامية غير مسبوقة”.
وتابع: “في تلك الأيام كان هنالك ضغط كبير وترويج متسارع لمنطق الاصطفافات بين الدول العربية وسط أحاديث عن إغراءات كثيرة ومنافع في الأفق، وحينها كان الكثيرون يمنون النفس برؤية المملكة المغربية بما لها من ثقل سياسي وديبلوماسي تصطف مع طرف خليجي دون الآخر، لكن الموقف الحكيم لجلالة الملك كما هي عادته أيده الله كان هو أن تظل بلادنا على نفس المسافة من كل الأطراف مع الدعوة إلى وحدة الصف واحترام سيادة كل بلد وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لكل دولة”.
واسترسل: “بطبيعة الحال تلك المواقف التي سيسجلها التاريخ لن تحظى من السياسيين والإعلاميين المهووسين هذه الأيام بمواقف بلادنا بالتحليل والمناقشة التي تسلط الضوء على مواقف المغرب المشرفة من أزمة الخليج كما أننا لن نسمع صراخ معتز مطر، وهو يقول الحقيقة الناصعة بكون المغرب لا يبني مواقفه مع الأشقاء على أساس مصلحي ولا يحترف تصيد الفرص لكسب مغانم عابرة”.
ومضى بندويش يقول في التدوينة ذاتها، إننا لن نطمع أيضا، في أن “يقوم عبد الباري عطوان بتذكير شعوب الأمة العربية، بأن جلالة الملك محمد السادس كان الزعيم الأول والوحيد من بين زعماء الدول العربية الذي سارع بشجاعة وجرأة تحدت توتر الأشقاء إلى دعوة دول الخليج لـ: ضبط النفس والتحلي بالحكمة من أجل التخفيف من التوتر وتجاوز هذه الأزمة وتسوية الأسباب التي أدت إليها بشكل نهائي”.
وزاد الشخص نفسه: “بالنسبة لي لم تكن تلك المواقف المشرفة سوى فصل جديد من فصول النبوغ المغربي، وتجسيد نموذجي لحكمة مستمرة لدى ملوكنا، الذين ظلوا يفضلون أن يربح المغرب معركة الشهامة والقيم الأصيلة على أن يكسب معركة المغانم، على ظهور مآسي شعوب شقيقة أو تشجيع تهديد بعضها لمصالح بعض والنيل من وحدة أراضيها”.
واستطرد بندويش تدوينته: “بدون شك، لن نسمع، خلال الأيام المقبلة: صراخ معتز، وهو يشهد بالمواقف المغربية البطولية والحقائق الثابتة في مواقفنا من قضايا أشقائنا لأنه إن فعل سينسف كل ما ظل يرمينا به من ترهات وأقاويل هو وكل السفهاء المتربصين بالوطن الشريف”، مختتماً: “المغرب فخر الانتماء.. المغرب كبير على السفهاء”، حسبه.
من جهته علّق الإعلامي المغربي بالسويد، مصطفى الحسناوي، على مشهد العناق الحارّ الذي جمع بين أمير دولة قطر تميم بن حمد، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي أنهى ثلاث سنوات ونصف مما أسماه “صراع الديكة، وتسخير الأبواق من الجانبين”، قائلاً إن عودة العلاقات كان متوقعاً، وسرعت خطواته “مجموعة من الملفات، كالتطبيع ومغادرة ترامب والملف الإيراني، وتوافقات ومصالح أخرى، ربما تظهر آثارها وربما لا تظهر”.
وتمنى الحسناوي أن “يكون لهذا العناق آثار إيجابية على شعوب المنطقة، وأن يساهم في انفراج على مستوى حقوق الإنسان والانتهاكات والاعتقالات، لا أن يزيد فقط في التسلط، ويكون في صالح الاستبداد وحده”، وأن يكون أيضا، “درسا لكل المطبلين والأبواق من هذا الطرف أو ذاك. وأن يتعلموا أخذ مسافة كافية، حين يتعلق الأمر بالمناوشات والصراعات السياسية والمصلحية”.
ونبه إلى أن الاصطفاف العاطفي مع أحد أطراف النزاع السياسي المصلحي، وإقحام الدين في النقاش، “يخشى على أصحابه من الصدمات، حين يكتشفون أن المصالح هي المحرك الوحيد للسياسات”، مختتماً تعليقه على عودة المياه لمجاريها في الخليج العربي، بالقول إن “موقف المغرب من هذا الصراع كان متوازناً، والمسافة التي أخذها كانت آمنة جدّاً”.
تعليقات الزوار ( 0 )