شارك المقال
  • تم النسخ

بعد خرق اتفاق 2015.. الأزواديون يئنّون بين مطرقة فشل وساطة الجزائر وسندان غياب الاستقرار السياسي في مالي

وضع تجدّد الاشتباكات المسلحة شمال مالي، بين الجيش الحكومي المدعوم من قبل مرتزقة “فاغنر”، ومقاتلي حركات الأزواد، المسمار الأخير، على نعش “اتفاق الجزائر 2015″، الذي وُقع بين حكومة باماكو، والحركات الوطنية للطوارق.

خرق الاتفاق يأتي ليكرّس الفشل الذي رافق جميع الاتفاقات التي اُبرمت بين حكومة مالي والأزواد، برعاية من الجزائر، بداية من 1991، ووصولا إلى 2015.

مطالب سكان أزواد

ويطالب سكان أزواد، شمال مالي، وهم في غالبيتهم مسلمون من الطوارق، ويتحدثون لغة “تماشق (لهجة أمازيغية)”، باستقلال الإقليم، بسبب تهميشه من طرف حكومة باماكو، وممارسة التهجير الممنهج في حق ساكنة المنطقة.

ولا يمانع الأزواديون في قبول حكم ذاتي للإقليم، بشرط حصول الساكنة على كافة حقوقها في التنمية والتعليم والصحة والشغل، بما يحفظ لها كرامتها، ويحقق لها طموحاتها، إضافة إلى إنهاء حكومة باماكو، لتعاملها “العنصري” مع المنطقة.

أصل المشكل

ويعود أصل المشكل إلى فترة خروج الاحتلال الفرنسي من المنطقة سنة 1960، حيث قامت باريس بجمع ما يسمى بالسودان الفرنسي (مالي حاليا) وأزواد والسنغال في دولة واحدة، سُميت بـ”اتحاد مالي”، وهو ما رفض من طرف الدول المعنية، ومن قادة الإقليم، الذين بعثوا رسالة إلى فرنسا رافضين الأمر.

بعد سنة، نالت السنغال استقلالها عن مالي، في حين رُفض مطلب منح أزواد حق إقامة دولة ذات سيادة على الإقليم، ليقوموا، بسبب ما اعتبر من طرف الطوارق بـ”الممارسات العنصرية لحكومة مالي” بثورة في سنة 1963، لم تحقق أهدافها، بعد نجاح حكومة مالي في إنهائها.

زعيم أول ثورة أزوادية استنجد بالجزائر فاعتقلته وسلمته إلى مالي

وفي هذا الصدد، كشفت مصادر من داخل حركة “الأزواد”، لـ”بناصا”، أن زعيم هذه ثورة 1963 زيرك الطاهر، توجه إلى الجزائر، من أجل البحث عن الدعم والمساعدة في تحقيق استقلال الإقليم، غير أن السلطات هناك قامت باعتقاله وتسليمه إلى حكومة مالي، مقابل منحهم جزءاً من أراضي الأزواد.

وقال المصدر، إن حكومة مالي، استمرت في تهميش ساكنة الأزواد، وممارسة التمييز العنصري ضدهم، الأمر الذي أجبر العديد من الناس على الهجرة نحو ليبيا والجزائر والنيجر وموريتانيا وبوركينافاسو، وحتى المغرب. مضيفاً: “مالي كانت تهدف لإنهاء وجود الطوارق في شمال مالي خلال فترة الثمانينيات”.

الثورة الثانية.. دخول الجزائر مرة أخرى لوأدها

وأوضح: “سنة 1991، عرفت المنطقة ثورة ثانية، وكانت ناجحة هذه المرة، حيث قام الأزواديون بالسيطرة على أماكن كثيرة في الإقليم، غير أن الجزائر دخلت على الخط مرة أخرى، وقامت بالضغط على قادة الطوارق، لكي يوقعوا اتفاقا (اتفاق تمنراست 1991) مع حكومة مالي، بعد أن وعدت الأخير بالتصالح مع الطوارق، وتنمية المنطقة”.

وأردف أن “هذا الاتفاق لم ينفذ، لم تلتزم به الحكومة المالية، وحتى الجزائر تنصلت منه”، متابعاً: “الجزائر مع مالي من كل النواحي وضد قضية الأزواد، وهي تريد أن يكون الطوارق ضعفاء، لأنهم في حال تمكنوا من السيطرة على شمال مالي سيكونون خطرا عليها، وهي ضد أي مشروع في الأزواد، وتعمل أي شيء لاضطهاد الطوارق”.

ثورة ثالثة للمطالبة بحياة أفضل في أزواد.. وباماكو تُشهر ورقة الإرهاب

واسترسل أن المنطقة، عرفت في “في 2001، ثورة أخرى، للمطالبة بالتنمية والحقوق الأساسية على رأسها التعليم، وغياب المستشفيات وغياب أي تطور بالمنطقة”، منبهاً إلى أنه في “كل فترة سكان الشمال يقومون بثورة من أجل التغيير، ومطالبهم مشروعة، مثل التنمية والتعليم والتغيير في المنطقة”.

وأشار إلى أنه “في شمال مالي، ليس هناك حياة، ليس هناك أي شيء، هناك صحراء قاحلة، هناك قحط، لا وجود لأي شيء”، مبرزاً أن مالي، كانت تعتبر إقليم أزواد “معسكرا فقط، ليس هناك حقوق ولا أي شيء، لهذا في كل فترة، ينظم الطوارق ثورة من أجل حقوقهم في أرضهم”.

وذكر المصدر، أن حكومة مالي، تواجه كل الثورات، بالقول إن “الطوارق متمردون، إرهاب، منتمون للقاعدة. والجزائر تقول نفس الشيء”، مضيفاً أن “القاعدة جاءت من الجزائر إلى مالي، وتعرف حكومة مالي بمشروع القاعدة في شمال مالي، ولا تحرك ساكنا”.

ثورة جديدة.. والجزائر مرة أخرى

وأبرز أن الطوارق في شمال مالي، قاموا “في 2006 بثورة جديدة من أجل التغيير في المنطقة، لأن الحكومة المالية كانت تقوم باعتقال الناس، وبأعمال إجرامية. بعدها جاء اتفاق ثالث، في تمنراست، برعاية الجزائر، في 2006، حيث قالوا إن المنطقة ستشهد تغييرا وتنمية”.

وجدد مصدر “بناصا”، من داخل حركة “الأزواد”، التأكيد على أن “الجزائر لا تريد للشعب في أزواد، أي تنمية وأي حقوق، وكل الاتفاقات مجرد كذب ونفاق”، مسترسلاً: “في 2010 و2011، قام ناس الشمال بثورة رابعة، ونجحوا في طرد الحكومة المالية من المنطقة في ظرف 3 أشهر، وأعلنوا استقلال أزواد عن دولة مالي. وقتها عارضت عدة دول الأمر”.

المصدر نفسه، أكد أنه تم تحريك تنظيم القاعدة المدعومة من الجزائر وقتها، من أجل “محاربة الأزواديين، وإفشال المشروع، حيث قامت بانتهاكات جسيمة في المنطقة، وبعدها جاء التدخل الفرنسي، في يناير 2013، لمحاربة مشروع الأزواد ونهب ثروة الأرض”.

اتفاق 2015.. الجزائر لا تريد “وجود” الطوارق

في 2015، يقول المصدر: “قامت الحركة الوطنية لتحرير أزواد، تحت الضغط الدولي والإقليمي بالاتفاق مع الحكومة المالية مرة أخرى، وهو الاتفاق الذي تم في الجزائر العاصمة، وحضره الاتحاد الإفريقي والأوروبي وسفراء العديد من الدول منها الولايات المتحدة الأمريكية، على الحكم الذاتي للإقليم، وتضمن عدة نقاط إيجابية جداً للشعب الأزوادي”.

واستطرد: “لكن الحكومة المالية، لم تنفذ الاتفاق، وهو شأن الجزائر أيضا، للأسف الشديد، الاتفاقات جميعها كانت برعاية الجزائر، وهذه هي المصيبة، لأن الجزائر لا تريد للشعب الأزوادي أن يكون له أي وجود، ولا تريد حل المشكل، تريد أن يكون مستعمرا، ضعيفا تحت وطأة الحكومة المالية”.

وواصل المصدر نفسه: “في 2020، بعد الانقلاب في مالي، تعاقدوا مع “فاغنر”، من أجل مخاربة الأزواديين، لأنهم لا يعترفون بالاتفاق، ويرفضون تطبيقه نهائيا، وقاموا بخرقه الشهر الماضي”، متابعاً: “حاليا هناك معارك بين الأزواديين وحكومة مالي المدعومة من “فاغنر”، لأن مالي تريد استرجاع إقليم أزواد بالكامل، بمساعدة “فاغنر”.

الانقلابات العسكرية تعيد الأزمة لنقطة الصفر في كل مرة

ووجدت جميع الاتفاقات المبرمة العديد من العراقيل أمامها، فإلى جانب غياب نية صادقة لدى الجزائر، التي رعت جلها، في حل الأزمة، ووصولا إلى غياب الاستقرار السياسي في مالي، التي تشهد انقلابات عسكرية متكررة، ما يعيد المشكل إلى نقطة الصفر، كل مرة.

وشهدت مالي منذ خروج الاحتلال الفرنسي منها سنة 1960، 5 انقلابات عسكرية، جاء الأول في 1968 وأطاح بأول رئيس للبلاد، موديبو كايتا، قبل أن يأتي الثاني في 1991 على الرئيس موسى تراوري، ثم الثالث في 2012 على ألفا عمر كوناري، والرابع في 2020، على إبراهيم أبو بكر كيايتا، والخامس في 2021 على باه نداو.

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي