اشتد الجدل في المغرب حول تعديل قانون الأسرة، بعد بيان لأكبر حزب إسلامي بالمملكة يدين ما وصفه بـ”جرأة غير مسبوقة وتحد صارخ للآيات القرآنية” في إشارة إلى المطالب بالمساواة في الإرث بين الرجال والنساء ضمن النقاش الذي يسبق التعديل المرتقب للقانون.
وهاجمت الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية المطالبين بالمساواة في الإرث في بيان جاء فيه أن “سماحة الإسلام لا تسمح بأي حال بتجاوز هذه الآيات ولا بالاجتهاد في أمور محسومة بنصوص قرآنية قطعية”.
وتابع البيان أن “الدعوات الشاردة والغريبة عن قناعات المجتمع المغربي المسلم وانتظاراته الحقيقية، وفضلا عن كونها مرفوضة لدى المجتمع، تشكل خطوة خطيرة ستؤدي إلى زعزعة نظام الأسرة المغربية وضرب أحد مرتكزات السلم الاجتماعي والأسري ووضعه على سكة المجهول، وتهديدا للاستقرار الوطني المرتبط بما استقر عليه نظام الإرث في المجتمع المغربي طيلة أزيد من 12 قرنا”.
جدل يتجدد
وتعليقا على بيان الحزب، قالت الناشطة في الحركة النسائية، بشرى عبدو: “لن يرهبنا أحد من أجل التعبير عن مواقفنا أو السكوت عنها أو حذفها من مطالبنا كموضوع الإرث أو مواضيع أخرى”.
وأكدت مديرة جمعية التحدي للمساواة والمواطنة في حديث لموقع “الحرة” أن الحركة النسائية في “إطار نضالها تطرح هذا الموضوع إلى جانب مواضيع أخرى”، مستغربة رفض الحزب الإسلامي النقاش والحوار كلما طرحت هذه القضية.
وتابعت الناشطة أن الدستور المغربي في الفصل “14” يحث على المساواة في جميع المجالات وهناك اتفاقيات دولية وقع عليها المغرب، وحان الوقت من أجل ملاءمة قانون الاسرة معها، كي نحقق هذا “المطلب، وهو مطلب إنساني وواقعي”.
وقال عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق والأمين العام لحزب العدالة والتنمية، إن أحكام الميراث منصوص عليها قطعا في القرآن الكريم، وأنه لا حاجة للاجتهاد فيها.
وشدد بنيكران في كلمته أمام مستشاري حزب العدالة والتنمية، الأحد، أن النص القرآني الموجه لأحكام الميراث، قطعي الثبوت.
وقال الناشط الحقوقي، أحمد عصيد، في حديث لموقع “الحرة” إن “معارضة الإسلاميين ضعيفة، لأن وزنهم حاليا لم يعد مؤثرا جدا، ولكن المشكلة الحقيقية هي معارضة الفئات العريضة من المجتمع التي تربت منذ الطفولة على أفكار التمييز واحتقار النساء”، بحسب تعبيره.
وتعليقا على بيان الحزب، قال عصيد إن “رد فعل الحركة الحقوقية يواجه هذا النهج التحريضي الذي يستغل خزان التخلف”، مضيفا أن الحركة الحقوقية “تواجهه بالحجج والبراهين الميدانية مبرزة التناقضات بين أقوال المحافظين وحقيقة وضعية المرأة في المجتمع، مثل التفوق الدراسي والكفاءة في العمل والتواجد في كل المواقع والإسهام النسائي في إعالة الأسر المغربية وفي بناء الثروة مما يناقض المنطق الفقهي القديم القائم على فكرة أن الرجل ينفق على المرأة ويحميها لأنها ضعيفة عقل وجسم. وهي فكرة مناقضة لواقع اليوم”.
ويطرح نقاش المساواة في الإرث بقوة في المجتمع المغربي منذ مدة ولكنه تجدد بعد الإعلان عن تعديل قادم يطال قانون الأسرة المعروف في المملكة بمدونة الأسرة.
ويقول عصيد في حديثه لموقع “الحرة” إن كل الأوقات مناسبة من أجل إحقاق الحقوق، والقول إن المجتمع لا يقبل هو “عذر ضعيف”، لأن المجتمعات يتم “إعدادها للتحولات القيمية والقانونية عبر التربية والتأطير الإيجابي، من أجل خلق كتلة مجتمعية كبرى تساهم في التنمية وتنخرط في مشاريع الدولة”.
وتقر الناشطة بشرى عبدو في حديثها لموقع “الحرة” أن الإرث، ورغم المطالبة بالمساواة فيه حاليا، فإن أولويات الحركة النسائية، بحسبها، تركز على مواضيع أخرى مثل تزويج القاصرات، والنفقة والوصاية الشرعية وتحديد النسب الشرعي للأبناء عبر الخبرة الجينية، إضافة إلى تقسيم الممتلكات المتراكمة في فترة الزواج بين الزوجين.
وتضيف عبدو أن هذه المشاكل هي أولويات، لأنها أكثر المشاكل العالقة في المحاكم، لكن رغم ذلك، بحسب الناشطة، ذلك لا يمنع من فتح نقاش المساواة في الإرث.
ويعد نقاش المساواة في الإرث حساسا في المغرب كما في باقي الدول العربية، وفي 2018، صادق مجلس الوزراء التونسي بإشراف رئيس الجمهورية السابق، الباجي قايد السبسي، على مشروع قانون الأحوال الشخصية، الذي يتضمن أحكاما بالمساواة في الإرث بين الرجل والمرأة، لكن النقاش حول المبادرة علقت بالبرلمان التونسي، قبل أن يحسم الرئيس الحالي، قيس سعيد، الجدل، بقوله في 2020 إن المسألة محسومة بنص قرآني واضح لا يقبل التأويل، وبأن منظومة الإرث في الإسلام تقوم على العدل والإنصاف.
(الحرة)
تعليقات الزوار ( 0 )