لاتزال الارتدادات الداخلية للبيان المثير للجدل لـ”تنسيقية المتعاقدين”، متواصلةً، فبعد سلسلة من التعليقات المتبرئة من مضمونه من قبل أطر الأكاديميات الذين اعتبروه يحمل صبغة إيجيولوجية معينة، إلى جانب أنه خرج عن سياق المطالب المهنية التي رفعتها الشغيلة منذ سنة 2016، تعالت بعض الأصوات المعلن عن خروجها من التنسيقية.
وخلّف البيان الذي تناول الأحداث، بعيداً عن المطالب المهنية المتعلقة بفئة الأساتذة أطر الأكاديميات، ومن زاوية إيديولوجية، سخطاً عارماً في صفوف الشغيلة التعليمية المعنية به، حيث أكد العديد منهم بأن مضمونه رلا يلزمهم بشكل نهائي، مطالبين بإنهاء الزج بالإديولوجية في المعركة ذات الطابع المهني الصرف، والبعيدة كلّ البعد عن ما ورد في البيان من خطاب “ثوري”.
وأكد مجموعة من الأساتذة ممن تواصلت معهم جريدة “بناصا”، أن البيان ومضمونه لا يمثلهم مطلقاً، مشددين على أن التسنيقية في حال لم تضع حدّاً للزج بالحسابات الإيديولوجية في هذه المعركة المهنية، فإنهم، إلى جانب المئات من الأساتذة الآخرين، سينسحبون من “تنسيقية المتعاقدين”، وسيحاولون التوصل إلى طريقة أخرى للمطالبة بـ”الإدماج”.
وشدد آخرون، بأن “التنسيقية عملت منذ بداية المعركة على محاولة إلباسها لباساً إديولوجياً، بناء على تحليل ماركسي للأمور، وهو ما لا يتفق معه العديد من الأساتذة، الذين من بينهم الآلاف من المنتمين للتنظيمات الإسلامية مثل العدل والإحسان والعدالة والتنمية، أو إيرهم من الإسلاميين الذين لا يتفقون، ومنهم من يعادي الفكر الماركسي”، حسبهم.
وأوضحوا، أنه إلى جانب هذا الأمر، “هناك العديد من الأمور غير معقولة والمقبولة، والتي يعمل خلالها المنسقون على ترويج مغالطات بشأن المستجدات التي يعرفها القطاع، من أجل تأجيج المعركة وكسب الدعم، مثل ما وقع حين حولت الوزارة الأمور الإدارية لأساتذة النظام القديم إلى الأكاديميات، حيث عملوا على ترويج أن الوزارة قامت بتحويل المرسمين لمتعاقدين أيضا”.
وبالموازاة مع الشدّ والجذّب الذي تسبب فيه بيان التنسيقية، والذي كان النقطة التي أفاضت الكأس وأخرجت الأزمة الداخلية إلى العلن، اجتاز حوالي 1255 أستاذاً من أطر الأكاديميات، بنجاح، امتحان التأهيل المهني، حيث عملت الوزارة على تسوية وضعيتهم الإدارية والمالية بأثر رجعي بداية من 29 أبريل الماضي.
وكشف أحد الأساتذة، ممن اجتازوا امتحان التأهيل المهني، في حديثه للجريدة، بأن “تنسيقية المتعاقدين تحاول تمديد أمد المعركة، لصالح جهات أخرى تسع لتصفية حسابات سياسية وإيديولوجية”، معتبرين بأنها “عملت على تغليط الأطر منذ البداية، ففي الوقت الذي أغلت فيه الوزارة التعاقد، وقامت بتحويله لوظيفة جهوية، وهي على شاكلة العديد من الوظائف في المغرب، لازالوا يقولون إن هناك تعاقداً”.
وسبق لوزير التربية الوطنية والتكوين المهني، سعيد أمزازي، أن التعاقد انتهى في 2018، ولا وجود في المنظومة التربوية المغربية لأي شكل من أشكال التوظيف بهذه الصيغة، مشدداً على ان البعض يردد هذه التسميات، إما لأنه غير مطلع على الملف منذ بروزه سنة 2016، أو لأنه يحاول أن إثارة وتغليط الرأي العام.
الوزير نفسه، كان قد وجه أصابع الاتهام خلال المكالة الهاتفية المسربة التي دارت بينه وبين أحد الأساتذة، إلى الطلبة اليساريين المنتمين إلى فصيل النهج الديمقراطي القاعدي، وهو الأمر، الذي تسبب البيان الأخير لـ”تنسيقية المتعاقدين”، في تأكيده، وفق ما نشره العديد من المتفاعلين معه في مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي سياق متّصل، قال المحامي نوفل البعمري، إن هناك عدة أسباب، تجعل من بيان “تنسيقية المتعاقدين”، خارج سياق المعركة التي يخوضونها، من بينها أن “مطلب الأساتذة المتعاقدين هو مطلب مرتبط بترسيمهم، وهذا مطلب سياسي ولس اقتصادي، لأنه مرتبط بالأساس باختيارات سياسية للحكومة أعلن عن انطلاقتها رئيس الحكومة السابق، وتستمر هذه الحكومة في نفس اختيارتها السياسية التي تتخذ أبعاداً اقتصادية”.
وأضاف البعمري، في تدوينة على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، أن “تنسيقية الأساتذة المتعاقدين ليست طبقة اجتماعية، ولا هي كتلة طبقية، وبالتالي لا يمكن جعل التنسيقية أداة من أدوات الصراع الطبقي وفقاً للمرجعية الماركسية التي صيغ بها البيان الذي أحال على أدبيات الماركسية اللينينية”.
وتابع البعمري، أن “التنسيقية إن وحدها مطلب الترسيم، لكن هذا المطلب لا يمكن أن يحول الأساتذة المتعاقدين لجزء من معركة ثورية، لأن المطلب في حد ذاته ليس ثوريا، بل إصلاحياً، وهذا ما يتناقض مع مضمون البيان الذي أراد أن يحول التنسيقية لأداة ثورية انحاز للطبقة العاملة والبروليتارية، هذه الطبقة التي وبالتحليل الماركسي في تناقض صارخ مع الانتماء الطبقي للأساتذة المتعاقدين”.
واسترسل أن “الأساتذة المتعاقدون ينتمون وفقا للتحليل الطبقي، لطبقة البورجوازية المتوسطة أو الصغيرة، وبالتالي المواقف التي تم اعتمادها تناقض انتماءهم الطبقي كأساتذة متعاقدين، يسعون للترسيم وهذا مطلب لا يجعل من الأساتذة المتعاقدين بروليتاريين بل بورجزازية صغيرة/متوسطة”.
وزاد البعمري، أن هناك العديد من الأساتذة المتعاقدين، لا يعرفون نهائيا خلفيات البيان ولا الإديولوجية ولا السياسة، بل، يضيف المحامي نفسه، “يوجد منهم وقد ناقشت بعضهم، من يعتبرون ماركس والماركسيين ملحدين وكالين رمضان والكليشيهات المنمطة حول اليسار الماركسي التي تظل في غالبيتها غير صحيحة”.
وأشار البعمري إلى أنه كان سيكون سعيداً لو “كان فعلا غالبية الأساتذة المتعاقدين _ البعض قد يكون لهم هذا الوعي _ لهم وعي طبقي حقيقي، ويعون جيداً مضمون البيان والمرجعية التي كتب بها، ولكن للأسف غالبيتهم لا يعرفون ذلك، وهذا ليس عيباً لأنه ليس مطلوباً منهم أن يتعرفوا على الفكر الماركسي”.
تعليقات الزوار ( 0 )