إن إعلان البنتاغون نيته تنصيب منظومة دفاع جوي من طراز “ثاد” في إسرائيل بتفعيل من جنود أمريكيين، يعكس ارتفاعاً في التأييد الذي تمنحه واشنطن لإسرائيل منذ بداية الحرب. ووجد هذا تعبيره في نقل مساعدة عسكرية بحجوم غير مسبوقة بإطلاق حاملات طائرات وسفن حربية أخرى إلى المنطقة، وببلورة تحالف دولي وإقليمي لصد الهجمات الإيرانية في 13 نيسان و1 أكتوبر، وبمنح مساعدة اقتصادية واسعة النطاق. المرة السابقة التي نصبت فيها الولايات المتحدة قوات ومنظومات للدفاع ضد الصواريخ الباليستية في إسرائيل، كانت في حرب الخليج الأولى في 1991، الخطوة التي تجسد مدى شذوذ هذا العمل من ناحية الإدارة.
إلى جانب أهمية تحسين قدرات الدفاع لإسرائيل، فإن نصب منظومات كهذه له معان استراتيجية وعملياتية، ويبدو أن الإدارة ترى في الخطوة تعميقاً للتنسيق مع إسرائيل لمواصلة الحرب بعامة وللمواجهة مع إيران بخاصة، ولا سيما في كل ما يتعلق بأحداث وتوقيتات الهجوم الإسرائيلي المحتمل. هذا، في ضوء معارضة علنية من بايدن للهجوم على منشآت النووي والنفط الإيرانية، وعلى خلفية تخوف واشنطن من عمل إسرائيلي بدون تنسيق وثيق قد يعرض المصالح الأمريكية والدول العربية في المنطقة للخطر.
تخشى واشنطن من أن يؤدي التصعيد الإقليمي حالياً والآثار المتوقعة على أسعار النفط على الانتخابات للرئاسة في 5 تشرين الثاني، وعملياً تمس بفرص هاريس. أعربت محافل في الإدارة في الأشهر الأخيرة غير مرة عن استيائها من سلسلة أعمال نفذتها إسرائيل، وعلى رأسها تصفية نصر الله، دون تشاور أو تنسيق مسبق، بشكل يجسد إحساس انعدام الثقة بواشنطن. فنصب الصواريخ المرتقب يستهدف إرسال رسالة لإيران والمحور الراديكالي بشأن التزام الإدارة بأمن إسرائيل، والاستعداد للعمل كتفاً بكتف لصد هجمات مستقبلية، في محاولة لردع طهران عن الرد، بسيناريو تهاجمها فيه إسرائيل.
المكالمة الهاتفية التي أجراها بايدن ونتنياهو قبل بضعة أيام، لأول مرة منذ آب، كانت مهمة لتعميق التنسيق وتقليص الخلاف، ليس في كل ما يتعلق بالهجوم على إيران فحسب بل لاستمرار المعارك في غزة ولبنان. ففي نظر الإدارة، الضربات الشديدة التي تلقاها حزب الله تخلق فرصة تاريخية لتصميم واقع جديد في الدولة، وتفتح ثغرة لتعيين رئيس في لبنان. فمنذ تشرين الثاني 2022، يعمل لبنان بدون رئيس في ضوء معارضة نصر الله تعيين أي مرشح غير حليف له.
أحد المرشحين هو قائد الجيش جوزيف عون. إلى جانب المعنى السياسي لتعيينه، ثمة أهمية لترتيب مستقبلي في لبنان بسبب إمكانية أن يؤدي الجيش اللبناني دوراً في حماية منطقة الحدود مع إسرائيل. عملياً، تحث الإدارة إسرائيل لتحديد أهداف النهاية المرغوب فيها حيال حزب الله، تخوفاً من أنه بدون استراتيجية خروج ومع حلول أشهر الشتاء، ربما تنجر إسرائيل إلى حرب طويلة في لبنان، مثل الحرب في غزة، بشكل يزيد احتمالات التدهور لحرب إقليمية واسعة. فالدعم الأمريكي متعدد الأبعاد هو العمود الفقري للأمن القومي لدولة إسرائيل. على إسرائيل تعميق التنسيق الاستراتيجي والتعاون الأمني العسكري مع إدارة بايدن ومع كل إدارة مستقبلية تنتخب، ولا سيما في ضوء إمكانية تصعيد الحرب متعددة الساحات ومواجهة مباشرة مع إيران.
إن الإنجازات العسكرية حيال حزب الله وحماس تخلق لإسرائيل فرصة لتصميم واقع سياسي – أمني مريح في الشرق الأوسط بعامة، وفي غزة ولبنان بخاصة، وتخلق ظروفاً لإعادة كل المخطوفين والمخطوفات، وإعادة سكان الشمال إلى بيوتهم. لهذا الغرض، عليها العمل في مسارين متداخلين: في البعد العسكري، ضرب ترسانة حزب الله وقدرة عمله، وتقويض قدرات حماس العسكرية والسلطوية. هذا بشكل يمس بالحزام الناري الذي بنته إيران حول إسرائيل. في المستوى السياسي، بات مطلوباً من إسرائيل بلورة استراتيجية للنهاية التي ترغبها في غزة ولبنان، وتحقيقها بالتنسيق مع حلفائها في الغرب بشكل يسمح بالتركيز على التهديد الإيراني، وقبل كل شيء صد النووي العسكري. أما في المدى الأبعد، فعلى إسرائيل بلورة خطط لضعضعة استقرار النظام في طهران الساعي لإبادة إسرائيل.
د. شاي هار تسفي
معاريف 15/10/2024
(القدس العربي)
تعليقات الزوار ( 0 )