خلف قرار إعلان القوات المسلحة الملكية المغربية، عن إحداث منطقة عسكرية شرقية، بعدما ظلت تقسيم الجيش طوال عقود من الزمن، مكوناً من منطقتين، شمالية وجنوبية، العديد من التساؤلات، خصوصاً أن الخطوة تأتي في سياق إقليمي يتسم بنوع من التوتر مع الجزائر، التي أعلنت مرارا في الشهور الماضية، عزمها الرد بقوة على ما تسميه بـ”الاعتداءات المغربية”.
وأوردت مجلة الجيش المغربي في عددها الأخير، أنه بأمر من الملك محمد السادس، القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، ترأس الجنرال دوكور دارمي الفاروق بلخير المفتش العام للجيش، وقائد المنطقة الجنوبية، حفل تصنيب الجنرال دو ديفيزيون محمد مقداد، قائداً للمنطقة الشرقية، حديثة التأسيس.
وأضافت مجلة القوات المسلحة الملكية المغربية، أن المنطقة الشرقية، ستعرف تعميم النظام الدفاعي والعيش العسكري الخاص بالمنطقة الجنوبية، من أجل الحد من الجريمة العابرة للحدود ومن التهريب والهجرة غير الشرعية، وتجارة الممنوعات، إلى جانب تعزيز القدرات الدفاعية عن حوزة وسلامة أرض الوطن.
هذا التطور، اعتبره متابعون تحولاً “هو الأكبر في الاختيارات العسكرية الاستراتيجية للمملكة منذ انذلاع حرب الصحراء”، حيث قال يونس مسكين، الباحث والإعلامي، إن “تخصيص منطقة الصحراء بقيادة جنوبية خاصة كان مرتبطا بحالة الحرب التي تعيشها هذه المنطقة، وإحداث منطقة جديدة شرق البلاد، يعني أن رادارات الاستشراف الاستراتيجي باتت تترقب التهديد والخطر من الشرق أيضا، وربما أكثر..”.
وتابع مسكين في تدوينة نشرها على حسابه بـ”فيسبوك”، أن “القرار الذي أعلنته مجلة القوات المسلحة بين سطور الإعلان عن تعيين الجنرال محمد مقداد، قائداً للمنطقة الشرقية، يدل على أن التهديدات القادمة من الجار الشرقي ليست مجرد أقوال”، مردفاً: “الجيوش عادة لا تتصرف كما نتصرف نحن المدنيون، أي عبر ردود الفعل المتسرعة والانفعالات جراء صدور تهديدات كلامية فارغة”.
وواصل أن “المصادر العسكرية لم تكن بخيلة كما يمكن أن نتوقع منها، بل جادت بكثير من التفاصيل، منها أن خطوة إحداث منطقة عسكرية شرقية يرمي إلى تعميم النظام الدفاعي، والعيش العسكري الخاص بالمنطقة الجنوبية على المنطقة الشرقية (أي على كامل الحدود البرية للمملكة)”، ومن ضمن الغايات المعلنة وفق المصادر، يضيف مسكين: “تعزيز قدرات الدفاع عن حوزة وسلامة أرض المملكة”.
ونبه إلى أن “رفع جاهزية القوات المغربية لمواجهة أي تهديد محتمل هدف واضح وصريح للخطوة الجديدة”، مسترسلاً أن هذه الخطوة، تماماً تماما مثل قرار تعيين الجنال بلخير مفتشا عاما للقوات المسلحة قبل بضعة أشهر تزامنا مع التهديدات العسكرية الجزائرية، تهدف إلى “منح مزيد من المرونة وحرية التحرك اللازمتين لتحقيق كافة المهام”.
واعتبر الباحث نفسه، أن هذا التطور “طبيعي ومنطقي بعد التحولات الأخيرة في الجبهة الجنوبية، وركوب جنرالات الجزائر لرأسهم في معاندة المغرب والإصرار على إبقائه تحت التهديد”، مبرزا أن “واقعة تحرير معبر الكركرات وما رافقها من تعزيز للجدار الدفاعي واستراتيجية التصدي الفعال لمحاولات التسلل واستغلال المنطقة الواقعة شرق الجدار كمجال للتحرك والعمل العسكري المعادي للمغرب؛ تعني أن الجار الشرقي بات مرغما على ترك قناعه المتقادم هناك في تندوف والتعبير عن عدائه بوضوح في الحدود المشتركة مع المغرب”.
واسترسل مسكين في التدوينة ذاتها: “إرث ثقيل متراكم بين جانبي هذه الحدود المسكونة بعفاريت الاستعمار الماكر الذي رسم خطوطه بالشكل الذي يضعف مغربا كان الاستعمار يعرف أن استرجاعه لاستقلاله مسألة وقت فقط، في مقابل توسيع “الوعاء العقاري” لجزائر كانت في نظره جزءا من ترابه الدائم”.
وشدد على أنه “لا سبيل إلى تصفية هذه التركة والتخلص من أثقال الماضي الاستعماري سوى باستعادة الأخوة المغاربية والعمل يدا في يد لمواجهة الأطماع الدولية الجديدة التي تلتفت تدريجيا نحو المنطقة”، مختتماً: “لكن الوئام لا يصنعه إلا الأقوياء، وصدق من قال: إذا أردت السلام عليك أن تستعد للحرب..”.
تعليقات الزوار ( 0 )