في ظل هذه الأوقات العصيبة التي يعيشها العالم بسبب جائحة كورونا، لا أحد ينكر حجم التضحيات التي يقدمها من هم في الصفوف الأولى لمحاربة هذه الجائحة، يتقدمهم الأطباء والممرضون ورجال الإسعاف وعمال المستشفيات بالاضافة إلى رجال الوقاية المدنية والأمن وعمال النظافة.
لكن في الجانب الآخر، هناك فئة أخرى ولو أنها لا توجد في الصفوف الأمامية، لكنها قدَّمت كلّ ما تملك أو جزءا منه من أجل مكافحة هذا الوباء. حيث نرى فئة عريضة من أثرياء البلدان الأكثر تضررًا في أوروبا يضعون جزءًا كبيرا من ثرواتهم الطائلة تحت تصرّف بلدانهم لمكافحة الوباء. نفس الشيء يفعله الفنانون والرياضيون الذين يقدمون أغلى ما يملكون، متمثلًا في تذكارات أو تحف أو الجوائز الرمزية التي حصلوا عليها في مشوارهم لوضعها في المزاد وتخصيص المبالغ المتحصل عليها كهبة لمكافحة الوباء.
عبد الرحمان أيت خاموش الذي تواصلت معه بنّاصا، هو واحد من هؤلاء الأبطال الذين قرروا ردّ الجميل بطريقته الخاصة للبلد الذي احتضنه، حيث وضع كل الميداليات التي حصل عليها في كل الالعاب الأولمبية التي شارك فيها وعددها أربعة في المزاد ليضع بعدها الأموال المتحصل من بيعها رهن إشارة وزارة الصحة الإسبانية.
ولد عبد الرحمان بمركز ملعب التابع لإقليم الراشدية سنة 1985، تابع دراسته الابتدائية بنفس البلدة، وعندما كان يتابع دراسته في الصف السادس أساسي، أصيب في حادث فقد على إثره ساعده الأيمن.
اضطر عبد الرحمان تحت الخوف من المصير المجهول في بلده للانقطاع عن الدراسة وهو تلميذ في الصف الثاني ثانوي تخصص لغات بثانوية أحمد أوباحدو بملعب، إلى محاولة الهجرة السرية نحو إسبانيا، وبعد ثلاث محاولة فاشلة، نجح في المرة الرابعة سنة 2002 في الوصول عبر قارب موت إلى جزر الكناري، وبالضبط الى جزيرة فويرتيفنتورا بعدما كانت انطلاقته من إحدى شواطئ العيون.
بعد ذلك، انتقل للاستقرار في برشلونة، وفِي سنة 2004 شارك بالصدفة وبدون سبق إعداد في ماراثون برشلونة الدولي والمعروف بسباق Corte Ingles، تمكّن خلاله من احتلال الصف الثامن في سباق نصف الماراثون (21 كلم) وسط أكثر من 30 ألف مشارك.
هذه الرتبة المتقدمة التي حققها وسط الأسوياء وهو من ذوي الاحتياجات الخاصة، جعلته يتلقى دعوة للانضمام الى المركز الرياضي لبرشلونة الذي احتضنه، وهناك كانت بدايته الحقيقية كعدّاء محترف.
خلال مشواره كعداء والذي دشنه سنة 2005 كيمثل لبرشلونة في بطولة إسبانيا “نوبريس” وبعدها تمثيل إسبانيا في بطولة أروبا التي أقيمت في مانشيستر، تمكّن عبد الرحمان من الحصول على 25 ميدالية من مختلف المعادن، أربعة منها في الألعاب الباراأولمبية: اثنتان فضية ونحاسية في أولمبياد بيكين 2008 في سباقي 800 و 1500 على التوالي، وفضية في سباق الماراثون في المبياد لندن 2012 ثمّ فضية في نفس السباق في أولمبياد ريو ديجانيرو سنة 2016. هذا بالاضافة الى امتلاكه لثلاثة أرقام قياسية أوربية في مسافات 800 و 1500 و 10 ألف متر، ثم امتلاكه لثاني أحسن توقيت عالمي في سباقي نصف الماراثون والماراثون.
عبد الرحمان أيت خاموش، متزوج وأب لثلاثة أبناء، يقطن مع عائلته في مدينة كاستيلون على بعد 300 كلم جنوب برشلونة، يقضي في هذه الظرفية وقته موزّعا بين العمل والتدريبات الشاقة في منزله للحفاظ على طراوته البدنية بعدما تعذر عليه ذلك في الحلبة لظروف المرحلة.
البطل الأولمبي عبد الرحمان الذي قام بعرض ميدالياته الاولمبية الأربعة في المزاد، صرّح لنا أنه قرّر تخصيص إيراداتها لمنحه كمساعدة منه لوزارة الصحة الاسبانية، وأضاف، أنه قام بهذه المبادر من تلقاء نفسه مدفوعًا برغبته في ردّ ولو جزء من الجميل لإسبانيا التي تمرّ في هذه الأثناء بوضع عصيب، إذ يرى أنه مدين لها بالكثير بعدما انتشلته من براثن الضياع واحتضنته، بل وتحملت تكاليف صقل موهبته على مدار سنوات طويلة، حتى أصبح عداءا أولمبيا مشهورًا مازال لحدّ الساعة قادرا على العطاء ومراكمة الألقاب والميداليات.
وحول رأيه بعدما قررت اليابان تأجيل أولمبياد طوكيو، يرى عبد الرحمان أن الصحّة أهم من كل شيء، وتأجيل الأولمبياد الى الصيف المقبل قرار حكيم، وسيحاول استغلاله في المزيد من التداريب لتحقيق حلمه في معانقة المعدن الأصفر الذي ينقص سجله في الحافل في المسابقات الاولمبية.
وفي ختام اتصالنا به، وجه عبد الرحمان رسالته عبر موقع بنّاصا الى عموم الموطنين الإسبان والمغاربة بضرورة الالتزام بالتعليمات الصادرة عن المصالح الصحية والأمنية المختصة حتى تمرّ هذه الجائحة بأقل الأضرار.
*صحفي وكاتب مغربي مقيم في واشنطن
برافو عبد الرحمان .
احسنت استاذ محمد .
فقد ساعده با أستاذ وليس ساقه…
للتوضيح فقط تقبلوا مروري