Share
  • Link copied

بخصوص القاسم الانتخابي

بوسع كلا الفريقين من معارضين للقاسم الانتخابي على اساس المسجلين، أو مناصرين له، أن يواصلوا الدفع بحجج ي يقدمونها بصفتها “دامغة” على صواب أطروحتهم .الاولون سيقولون انهم ينافحون عن فضيلة الديمقراطية.ولذلك فهم ينددون بهذا القاسم لأنه يرونه يبددها بتفريطه في مبدإ التنافس الانتخابي، بينما سيقول من في الضفة الأخرى، أنهم يدافعون عن التعددية الحزبية والسياسية، التي هي جوهر ولب الديمقراطية، و قد يتحمسون فيضيفون بان الديمقراطية انما هي بمقاصدها لا بطقوسها، فيحذرون من أن الاستمرار في تطبيق القاسم القديم الذي يعتمد الأصوات الصحيحة او عدد المصوتين ، سيؤدي إلى ما يشبه حكم الحزب الواحد. اي الى شمولية مستترة تتقنع بالديمقراطية .الطرح الأول أكثر وجاهة من الناحيتين القانونية والتقنية، لكن الطرح الثاني بالنسبة لدعاته وجيه سياسيا ،و أنفذ بصيرة، و هو بالتالي أفيد لمستقبل البلاد ، مادامت تنطبق عليه القاعدة العزيزة على الإسلاميين أنفسهم، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .والواجب اليوم عند طيف واسع من النخبة السياسية المغربية هو فعل كل شيء ممكن ديمقراطيا لأجل عدم السقوط غدا في الديكتاتورية الحزبية التي قد تأتي على سنام الديمقراطية .

بغض النظر عن من هو المصيب من المخطئ، ودون الدخول في مناقشات بيزنطية نظرية سنجدها بالتأكيد مدونة بكراسات القانون الدستوري حول أنماط الاقتراع في المنظومات الانتخابية والقوانين المقارنة، الملح الآن أن نجيب عن الأسئلة الآتية؟؟.

لماذا اضطر جزء كبير من الطبقة السياسية لوضع قاسم انتخابي على هذا الأساس الجديد؟: لماذا تتكتل كل الأحزاب في مواجهة الحزب الإسلامي؟ .ولماذا وقعنا في هذه الأزمة ولماذا كل هذا التوتر ؟؟. وهل نحن فعلا في أزمة؟ ، ام ان الأحزاب بصدد اتخاذ تدابير احترازية لكي لا نقع في أزمة أكبر منها صارت نذرها تلوح في الأفق إن لم تستبد اليوم ديمقراطيا وعبر آلية التصويت بالبرلمان؟؟.

لنلاحظ أولا أن الحزب الذي وقع التكتل ضده ينتمي لتيار الاسلام السياسي،و لنسنمر في توصيفه هكذا رغم انه قد غير كثيرا من جلده ،واستحال لحزب عضود يطبق على المصالح الخاصة بالنواجذ وبالديمقراطية….و لنسجل ثانيا انه حزب حدث أن وصل لسدة الحكم كإخوته على ظهر الربيع العربي على غرار ما وقع في جميع الدول العربية التي مرت بهذه التجربة.وهي تلك التجارب التى منيت جميعها بالفشل الذريع لتضافرعوامل ذاتية و خارجية، ولكن على الخصوص لغياب مشاريع وبرامج واضحة ومحكمة لدى الإسلاميين، حتى أن هاته الأحزاب الإسلامية عادت تحجم الواحد بعد الآخر عن تصدر المشهد السياسي إما جبرا او طواعية.في تونس مثلا لايترأس حزب النهضة الدولة او الحكومة، فهو أيضا مسؤول بنسبة كبيرة عن اغراق البلاد في بحر من الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بحيث تقترب البلاد الآن من فشل سيشتاق معه التونسيون لأيام بنعلي بديكتاتوريتها واستبدادها وربما لخلوها من الاسلاميين . وفي مصر رأينا كيف انتهت تجربة الإخوان الى مأساة والى مايشبه النكبة، بعد أن أدوا عن شجاعة او عن غباء ضريبة التهور والتسرع في استلام الحكم مباشرة بعد الربيع العربي ، و أدى هذا الربيع المصري ضريبة استحواذهم وقفزهم عليه .وكذلك قد كان الأمر في السودان وليبيا .

دائما يبدأ حكم الإسلاميين بآمال كبيرة بعرض الجبال ترسيها شعارات استعادة الهوية و تحقيق الحرية و بناء الكرامة ، وينتهي بخيبات أعرض منها تدفع في النهاية بشكل او بآخر الى تنحيتهم من الحكم .ذلك أنه بقدر تجييشك للناس وتحريكك لعاطفتهم لأجل الحشد، بقدر حنقهم عليك حين يقومون ضدك بعد أن يستعيدوا الوعي ، ويتخلصوا من الخدر، وحين يستوثقون أنهم كانوا ضحية أضغاث برامج ووعود براقة خادعة مبلغها من النجاعة والحكامة الفصاحة والبلاغة ولغة الضاد لا غير . فيستحيل التجييش الذي قد كان لأجل الانتقال من الدعوة الى صلب الدولة الى تجييش في الاتجاه المعاكس لإنزال الإسلاميين عن سدة الحكم .وهذا ما يفسر لماذا اتحدت الأغلبية والمعارضة في سابقة أولى هنا بالمغرب ضد الحزب القائد للحكومة .

تنحية الإسلاميين تمت في البلاد العربية عبر سيناريوهات مختلفة ،وباساليب تتوزع بين خشنة وناعمة ، بعد أن حصل إجماع على هزالة حصادهم و قرف منقطع النظير من سنوات حكمهم العجاف. ومع ذلك ،ولحسن طالعنا في المغرب، ظل الاسلاميون المغاربة استثناء. لأنهم من جهة يختلفون كثيرا عن النسخة البرية الأصلية للاسلام السياسي في المشرق. و هذا من حسن حظنا جميعا كمغاربة .ولأنه توجد في المغرب بالخصوص ملكية ديمقراطية تنفيذية جنبت هذه التجربة الإسلامية الجلوس قبالة فوهة مدفع الغضب الشعبي .فدائما هناك شعور عميق في المغرب بأن الشرعية هي لنظام ملكي عابر للتاريخ .حيث لم يحس الشعب المغربي كما في مصر والسودان والبلدان العربية الأخرى بوطأة الحكم الإسلامي كحكم جاثم فوق الصدور.اذ هناك دائما ملاذ و فسحة ومتنفس وإمكانية وامل للتغيير بطرق سلمية وديمقراطية. هذا الهامش من الأمان يجعل المغاربة يتلكأون ويتقاعسون في إحداث هذا التغيير المطلوب من خلال الصناديق اذ رغم سخطهم الكبير يكتفون بالمقاطعة ،مما سيسبب تكلس الديمقراطيةويعدم مبدأ التداول على السلطة الضروري للحياة السياسية السليمة.يقع هذا بالموازنة مع غضبهم من السياسات اللاشعبية للحكومة التي ضاق الجميع بها ذرعا.ولذلك من يضمن غدا إذا استمر هذا الانسداد في الأفق وهذا الاحباط عدم ظهور أشكال احتجاجية متطرفة في الشارع نحن في غنى عنها. أي أن يتقاعس الناخبون عن الصناديق ثم يجدون في طلب التغيير عبر الاحتجاج بعد أن يتسرب لهم السأم والملل من الاستمرار تحت حكم نفس الطبقة السياسية لثلاث ولايات .من هنا يكون هذا القاسم الانتخابي على حالة الجدل التي ترافقه بمثابة الدواء المر واللقاح اللازم لاتقاء مشاكل صعبة قد تكون قادمة في حالة ما استمر الوضع على ماهو عليه.

الإسلاميون المغاربة رغم أنهم ناهضوا الربيع العربي لاسباب مفهومة ومنطقية وربما لاسباب وطنية ايضا،وهم لايخفون ذلك حيث يقولون انهم فضلوا عدم المقامرة بمستقبل البلاد، الا انهم يتبعون موقفهم هذا بالمن على الوطن وحتى بالأذى بعد أن أغرموا بالكرسي واحبوه حبا جما، .بل و يتخذون الربيع العربي فزاعة لضمان استمرارهم في التنعم بمزايا السلطة، ولذلك فهم عادة ما يخذلون الشعب في المحطات الحاسمة، بل ويمررون قرارات قاسية يجهزون فيها على المكتسبات بدم بارد، وقد يبالغون ويتطرفون أحيانا كثيرة في التحامل على الشعب لإظهار حسن نواياهم للسلطة تقية و طمعا . فبينما كان المجتمع يتطلع إلى أن يخدموه ‘إذا بهم يتهمكون في الثلاث أنهم عصريون وحداثيون وديموقراطيون بل وحتى بأنهم قابلون للتدجين ‘لكن الغريب أن هذه المرونة البالغة التي يتحلون بها كلما تعلق الأمر بالتنكر لقضايا تهم المواطنين ،او حتى تعلق بمبادئهم و مرجعيتهم نفسها، سرعان ما تتبخر لما ترتبط بمقاعد او مناصب او اموال يصيبونها من إعمال السياسة في الدين.

لقد تحولوا الآن وديمقراطيا الى مايشبه طبقة اوليغارشية .حيث صادروا واقعيا بتفوقهم في العملية الانتخابية جراء المنشط الديني كل إمكانية للتناوب او التداول على السلطة، بعد أن صار استمرارهم فيها لا علاقة له بحصيلتهم الحكومية .فسواء كانت هذه الحصيلة إيجابية او سلبية ،لهم ديناميكيتهم الخاصة للعودة للحكم تقوم على استغلال الدين كأفيون في السياسة.وهذا مخل بالتنافس السياسي في رأي الفرقاء الحزبيين الآخرين الذين حولوهم جميعا الى خصوم هذه الاوليغارشية إذا ما ترسخت ، فستؤدي الى ثيوقراطية في ثوب حزبي .مما ينطوي لامحالة على مخاطر كثيرة ستحدق بالوطن .لقد شنفوا آذاننا دائما بأنهم مستعدون للتضحية من أجل البلد . وبأن الزهد مذهبهم في الحياة والسياسة ، لكن اتضح بمرور التنازلات وتقاطر النعم أن التضحية في مفهومهم هي التضحية بالمبدأ وايلاء الظهرلحقوق الشعب، لا التضحية بالمكاسب المادية و الترفع عن زخرف الدنيا الذاوي.و هذا مايشكل إذا ماانتبهنا جوهر النقد الذاتي الذي يطالبهم بالقيام به أيضا الأمين العام السابق عبد الإله بنكيران في غير ما خرجة.إنها الامتيازات التي اصطادوها بصنارة الدين الذي يعرفون جيدا أننا كمسلمين ننخدع لمن يخدعنا به كما ورد في الأثر . لو أن هذه الحمية التي تملكتهم في الدفاع عن القاسم الانتخابي الضامن للامتيازات و للأرصدة والسيارات الفارهة ومتاع الدنيا الغرور، قد قسمت على عشر سنوات من الولاية الحكومية والبرلمانية، لكانت قد كفت لحماية حقوق الشعب المغربي، وضمنت له النماء والازدهار .ولكن من كانت حميته للشعب فحميته للشعب، ومن كانت حميته لمنصب يصيبه، او مال يغتني به ،فحميته لما حمي لأجله.

ولقد رأينا بالفعل كيف أنهم يبدعون في الاجتهاد ،ويتأولون النصوص، كلما تطلب الأمر منهم أن يحدثوا في الدين او يتعلمنوا فيه ، لحتى اننا رأيناهم يحملون الدين ما لايحتمل ، لا ،بل و يبيعونه في سوق السياسة الرخيص بالتقسيط المريح او المربح على أدق تعبير .ولكنهم الآن وقد اعتقدوا في القاسم القديم خلاصهم، صاروا يفسرون الديمقراطية تفسيرا حرفيا “أصوليا” لا يتأولون ولايتحذلقون، لكأنما الديمقراطية صارت على حين غرة هي الدين حقا .البارحة كانت الغنيمة في الدين فتحصنوا به ، واليوم انتقلت هذه الغنيمة الى الديمقراطية فتحصنوا بها . كأنه حيثما المكسب حيثما هم . ولذلك ها نحن نرى الآن كيف أن حاسة الاجتهاد هذه قد تعطلت ونسخت إلى استماتة وشراسة في الدفاع عن المواقع المكتسبة .المؤكد أن الإسلاميين المغاربة يعرفون جيدا في قرارة أنفسهم أن الديمقراطية المغربي رغم بعض مثالبها استوعبتهم ووسعهتم .وهذا مما ميز المغرب عن باقي الدول المشابهة ، لكنهم عوض ان يحافظوا على هذه الديمقراطية ،هم في طريقهم الى احتواء هذه المنظومة الديمقراطية وتحييد اللعبة الديمقراطية. الكل يتذكر كيف أنهم كانوا أول من تحدث عن التقليص الذاتي للترشيحات، بل ومنهم من انتقد مسارعتهم الى تقلد الحكم بعد الثورات العربية، وحتى أن منهم من تأسف لعدم وجود أنداد لهم في الميدان يمنعونهم مغبة وشرور الاكتساح .ولذلك هم من دفعوا خصومهم الى مثل هذه الحالة النفسية التي جعلتهم يعدون لهم ما استطاعوا من عدة وقوانين انتخابية. إن ما وقع لا يعدو كونه تحقيق رغبة دفينة لهم كثيرا ما لوحوا بها.ولذلك ليس مستبعدا أن كل ما يقومون به هو محض جلبة و مجرد أداء دور مسرحي في المشهد .دور يتمنعون فيه وهم الراغبون بعد أن لم يعد في جعبتهم مايقدمونه للشعب المغربي. خلاصة القول عسى أن يكره الإسلاميون القاسم الانتخابي الجديد ويكون فيه خيرا كبيرا لهم وللبلاد وباقي العباد.     

*طبيب وأستاذ في كلية الطب   

Share
  • Link copied
المقال التالي