Share
  • Link copied

“بالتماس منه”: الدلالات والسياق

“بالتماس منه”: الدلالات والسياق… المؤتمر الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة لم ينته بعد

مؤتمر استثنائي ليس فقط في ظروف انعقاده وطبيعة الأحداث التي رافقته وإنما استثنائيته تكمن في طبيعة المترتبة عنه.

 فقيمة المؤتمر لا تتحدد في اختيار أمين عام بعد مسلسل صراع طويل  بين تيارين متصارعين، لم تستطع مساحات الاختلاف الحزبي استعابه و تدبيره في اطار تواثب الحزب ومرجعياته الفكرية، مما وفر المناخ المناسب للتوتر وإعلان القطائع .

 بعد اعلان الامين العام الجديد للحزب، بعد  انسحاب أغلب المتنافسين هو مؤشر دال على ضيق مساحات الفعل الديموقراطي الذي ينبغي ان يكون مؤسسا على  التعددية و اختلاف البرنامج , بما يسمح بالتنافس المنتج .  فالمؤتمر الرابع كان بمرشح وحيد للأمانة العامة  مما يعني أن الأمر لم يكن انتخابا,  و إنما تحصيل لمفاعيل القوة داخل محطة المؤتمر الرابع , نتيجة  هيمنة تيار المستقبل المتحكم في دواليب الفعل التنظيمي بناء على اصطفافات مجالية و ليست فكرية او ايديولوجية .

   بعد الاعلان على انتخاب الامين العام الجديد، الكل بقي ينتظر البرقية الملكية و الاستقبال الملكي من اجل منح شرعية و بدء العمل .

  حيت ثم تسجيل  مجموعة من الملاحظات بمثابة مؤشرات للتفكير في طبيعة الحزب ما بعد المؤتمر الرابع و منها:

 المؤشر الاول : تأجيل عقد المجلس الوطني لأسباب غير مبررة بدعوى الانخراط في الجهود المبذولة للتعامل مع فيروس لاكرونا , و هو ما اثأر موجات غضب شديدة لاسيما من طرف منخرطي الحزب من مغاربة المهجر , في حين نظم حزب العدالة و التنمية مهرجان خطابيا حاشدا بمدينة العيون تجاوز عدد الحضور فيه 1200 مشارك . مما يقوي فرضية ان دواعي التاجيل كانت لاسباب اخرى غير معلنة. 

   المؤشر الثاني : تأخير الاستقبال الملكي كما جرت العادة حيت يتم استقبال الأمناء العاميين بعد انتخابهم مباشرة  و البعض استقبل بعد يومين من انتخابه.

المؤشر الثالث : تأجيل الاستقبال من فاس الى البيضاء

المؤشر الرابع : عدم استكمال تشكيل أجهزة المكتب وانتخاب أعضاء المكتب السياسي .

   هذه المؤشرات تكشف ان مسار الحزب بقي متوقفا في انتظار اشارة انطلاق  من خلال  استقبال ملكي .

الاربعاء 11 مارس 2020  كان الاستقبال الملكي , و خرج الديوان الملكي بلاغ تضمن عبارة  اثارت الكثير من الجدل , و فتحت الكثير من النقاش العمومي حول “عبارة بالتماس منه “.

  العبارة دالة، كثيفة وعميقة  تشكل مركز للتفكير في مسار الحزب ما بعد الاستقبال الملكي ,  و هو ما يقود الى استنتاج مجموعة من الفرضيات  منها :

 أولا : ان الحياة الداخلية للحزب بقيت متوقفة منذ انتخاب الامين العام الجديد، في انتظار الاستقبال الملكي كاشارة على الشرعية الملكية في غياب شرعية ديموقراطية او على الاقل عدم كفايتها لاسيما لدى المنتمين للحزب و ركائزه الانتخابية,  و الذين يعرفون جيدا جغرافية الفعل الانتخابي و كيفية التعامل مع المسالك الوعرة في المعارك الانتخابية القاسية.

انتظار الاستقبال الملكي و الرهان عليه هو سلوك عام و مشترك لدى غالبية الاحزاب المغربية الوطنية تجسيدا لخصوصية النسق السياسي المغربي , الذي تلعب فيه الملكية الفاعل الاساسي نتيجة امتلاكها  اربع  مشروعيات اساسية يصعب على اي فاعل سياسي اخر  حيازتها : المشروعية التاريخية و المشروعية الدينية و المشروعية الاجتماعية و المشروعية الدستورية .

 امتلاك المؤسسة الملكية لاربع مشروعيات يجعلها المؤسسة الوحيدة القادرة على ضمان استمرارية الدولة كاطار لممارسة السلطة و ضمان الاستقرار فبناء الدولة و حمايتها مشروط بوجود الملكية في التجربة الملكية  , فالاحزاب وفق السياق المغربي  هي مجرد  اطارات سياسية من اجل الوصول الى السلطة و تدبير  الشان العام و ليس بناء الدولة و حمايتها .

 وفق هذه الرؤية  فالمؤسسة الملكية ليس فاعلا مركزيا في النسق السياسي فقط ,  لكنها شرط بقاء و استمرارية النسق نفسه,  و هو ما عبر عنه الملك الحسن الثاني في خطاب العرش 3 مارس 1963  ان الملكية هي من صنعت المغرب و ليس العكس , حين قال :”أكبر عامل في صنع تاريخنا المديد، فهي التي كفلت استمرار المغرب طيلة قرون تحت سلطة أسلافنا المقدسين كدولة لها كيان محفوظ وحوزة منيعة ومقومات محترمة”.

 و بناء عليه، وباستحضار تصريحات عبد اللطيف وهبي حول امارة المؤمنيين و علاقتها بالاسلام السياسي هو تصريح له تداعيات خطيرة لانه تصريح مشكك في احدى اهم المشروعيات الاربع التي تستند عليها الملكية بالمغرب لاسيما المشروعية الدينية.

إمارة المؤمنين تعتبر ثابتا دينيا لدى المغاربة، وهو ما يجعل المغرب محصن من كافة اشكال الانحراف الديني او التوظيف السياسي و الايدلوجي للدين , و بناء صمام امان ضد كافة اشكال التطرف , مما يمنح للملك باعتباره اميرا للمؤمنيين  حضورا استراتيجيا  في المجال الديني عبر التحكم في السياسة الدينية للدولة,  وقطع الطريق على حركات الإسلام السياسي ,  عبر تدبير  وظيفي و مقاصدي للدين تبعا لمستجدات المرحلة بناء على منطق المللاءمة و ايجاد الحلول,  و ليس تفسير النصوص بشكل جامد يلغي الزمن و الواقع  . بما يساعد على وضع التكييفات الملائمة لتدبير الشان العام  و حماية المصلحة العامة .

الفرضية الثانية: طبيعة مشروعية الحزب السياسية

اشارة الديوان الملكي * بالتماس منه * ليس عبارة عرضية وإنما تشكل عنوان لطبيعة الحزب الجديدة  وهويته، مما يرشح بداية مرحلة  جديدة في مسار الحزب.

فبداية المرحلة الجديدة لم تكن مرتبطة بمخرجات المؤتمر الرابع, و الذي كانت نتيجة حسابات انتخابية , و انتصارا  لمنطقة جغرافية على حساب طبيعة حزب كان قرار ته دائما تصنع خرج دائرة التداول . فالمرحلة الجديدة للحزب  انطلقت اليوم مباشرة بعد الاستقبال الملكي و بلاغ الديوان الملكي الذي كان بليغا و عميقا ,  و هو ما يكشف انه مكتوب بشفرة حلاقة , دلالة على الدقة الشديدة في الكتابة . 

عبارة بالتماس منه, كانت العبارة الاكثر تداولا , بمجرد خروج البلاغ الملكي وشكلت نقطة نقاش عمومي واسع .

  دلالات العبارة تكشف ان الامين العام للحزب هو من التمس استقبالا ملكيا , مما يكشف أننا  امام حالتين بحسب نص بلاغ الديوان الملكي , و بحسب تاويلات  المرتبطة بسياق و مضمون العبارة .

 فقد  جرت العادة انه بمجرد انتخاب امين عام حزب سياسي مغربي  لاسيما من الأحزاب الوطنية , و التي تشارك في التدبير العمومي يتم دعوته  من اجل استقبال ملكي  , و هي مناسبة بمثابة تقليد حيت يتم اخذ بعض التوجيهات الملكية المرتبطة بالفعل السياسي الجاد و الملتزم .

و حيت ان البلاغ اشار الى “عبارة بالتماس منه ” فالامر يعني ان الامين العام وهو من طلب الاستقبال ,  ربما و بعد طول انتظار فهم الرسالة و احس بالاحراج  او تحت تاثير ضغط الفاعلين الجدد بالحزب انهم ادركوا ان مشروعية الحزب غير مكتملة , مما دفع الامين العام الى وضع التماس من جلالة الملك,  و هي سابقة  سابقة في تاريخ العمل الحزبي بالمغرب .

 فالواقعة تكشف جملة استنتاجات منها:  

 أولا: أن حياة حزب الاصالة المعاصرة انطلقت بعد الاستقبال الملكي .

ثانيا : ان طلب الاستقبال الملكي تشكل سابقة في العمل الحزبي بالمغرب .

ثالثا : ان المشروعية السياسية بحزب الاصالة و المعاصرة لا تحددها صناديق الاقتراع و المؤتمرات و انما المشروعية الملكية .

رابعا : ان تصريحات عبد اللطيف وهبي حول الملكية و الاسلام السياسي كان سببا راجحا في التعامل البارد مع انتخابه  و ربما هي درس للتذكير للذين ينسون الواقع السياسي المغربي وطبيعة النسق السياسي العام بالمملكة.

خامسا : ان تاخير الاستقبال الملكي و تاجيله و تضمين البلاغ الملكي بعبارة بالتماس منه تكشف ان النسق العام مراقب بدقة من طرف حراس النظام العام , و هو ما يظهر من خلال مسار الاحداث  منذ المؤتمر الرابع  الى الان . و ان غياب تدخل الدولة هو ما صنع الفوضى في المؤتمر الرابع , فالنظام بالحزب لا يصنع داخليا من خلال التدافع و التنافس  في اطار وحدة الحزب و استمرار يته , لكن النظام كان نتيجة قرارات فوقية غير قابلة للنقاش و انا قابلة للتنفيذ فقط .

سادسا : شفافية الملك مع شعبه

 البلاغ الملكي مكتوب بطريقة دقيقة و عميقة , و انه لم يكتفي بلغة الخشب و العام من القول , انما كشف تفاصيل دقيقة لكنها دالة  ,  ذلك ان الامين العام للحزب و الذي قرر في ثلاثة ايام ان يصبح ديموقراطيا,  و ان ينحاز الى الصف الديموقراطي , و ان يصبح حداثيا  يعادي الدين و يعتبر امارة المؤمنيين جزءا من الاسلام السياسي هو من طلب الاستقبال , و ان الملك استجاب  لالتماس الامين العام .

سابعا : بلاغ كاشف

  الحقيقة دائما تكون مغيبة , او محجبة وفق رؤية  المفكر الالماني مارتن هادغر , فلو ان البلاغ الملكي لم يكشف هذه الجزئية , سيعتقد الجميع ان الملك هو من طلب لقاء الامين العام لحزب الاصالة و المعاصرة  انسجاما مع التقاليد الملكية في هذا الشان , و هو ما يشكل تحريفا و تزييفا للحقيقة و حجبا لها , في حين الحقيقة تكمن في عبارة و بالتماس منه .

 التصريح بهذه العبارة المهمة و الدقيقة تكشف بوضوح ان الديوان الملكي يحمي الفضاء العمومي ويحرس  على تنقيته من كل مظاهر الزيف و التضليل , و ان اكبر انتصار للديموقراطية هو كشف الحقيقة .

 الاكيد , ان الملك اكثر ديموقراطية من أي فاعل سياسي اخر , وهو تمرين سياسي جد قاس على الامين العام للحزب و على الحزب نفسه , لانه قدم ملتمسا للديوان الملكي و لم يكشف عنه , هو ما يشكل نقصا في جرعة الشفافية و الوضوح و التي ينبغي ان يتحلى بها حزب رفع شعار الحداثة و الديموقرطية في المؤتمر الرابع , أي انه حزب قرران يصبح ديموقراطيا و حداثيا في ثلاث ايام ؟

  اخفاء وضع التماس لدى الديوان الملكي يكشف ان مفعول الصراحة كان ضئيلا ,  لاسيما بعد الاعلان عن استقبال ملكي بمدينة فاس ,  ثم تاجيله بعد ست ايام الى مدينة البيضاء .

 المفروض من امين عام ديموقراطي و حداثي ان يكون صريحا مع نفسه و مع حزبه و ان يعلن انه قدم التماسا للديوان الملكي انسجاما مع طبيعة النفس الديموقراطي الذي ساد في لحظات المؤتمر الرابع , وهو مؤشر دال حلى خصوصية الفعل السياسي لدى الفاعليين السياسيين , انهم يكونوا ديموقراطيين فقط في الفضاءات العامة و يفقدون ذلك في الفضاءات الخاصة المحروسة باعلى اشكال السرية و الكتمان .  فالامين العام ربما انتصر لكبريائه , في حين  البلاغ كان انتصارا للحقيقة .

Share
  • Link copied
المقال التالي