تطورت العلاقات الجزائرية بشكل ملفت مع الإمارات منذ سنة 2015، حتى أن الجانبين يتحدثان عن الشراكة بل التعاون. غير أن سنة 2016 دشنت لمرحلة جديدة للعلاقات بين البلدين وذلك بتوقيع جملة من الاتفاقيات الهامة تخص التعاون في المجال النفطي، بين شركتي سيبسا الإماراتية وسوناطراك الجزائرية، وكذا تعزيز التعاون في المجال المالي بين بنكي الجزائر والإمارات المركزيين؛ وصولا إلى “تفعيل مجلس الأعمال الجزائري – الإماراتي”. ورغم أن الاستثمارات الإماراتية بالجزائر تبلغ 10 مليار دولار، إلا أن البلدين خططا لتصبح 20 مليار دولار متم 2021.
أسباب التوتر الحالي
تعود أسباب التوتر الحالي لثلاثة عوامل أساسية: الأول جيوسياسي والثاني اقتصادي والأخير عسكري.
من الناحية الجيوسياسية: تعتبر الإمارات العربية أن تفاهماتها مع الجزائر لم تحترمها هذه الأخيرة ، خاصة تلك التي تخص كلا من الصراع في البحر الأبيض المتوسط وكذلك النزاع في ليبيا والساحل والصحراء. فرغبة الإمارات في تعزيز نفوذها في شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط، عبر موانئ الجزائر، لم تعرف أي تقدم فعلي.
كما أن استراتيجية البلدين في كل من ليبيا ومالي والساحل، تشهد تناقضات وصراعا خفيا بين الجزائر والإمارات. أكثر من ذلك تعتبر الإمارات أن الجزائر بتنسيقها مع تركيا فيما يخص الأزمة الليبية، هو ضرب للمصالح الستراتيجية الإماراتية. ومن جهة أخرى تعتبر الدولة الخليجية، أن هناك تحالفا تركيا جزائريا في مالي والنيجر، مما يقوض الجهود الإماراتية بالساحل.
ويبدو أن اللقاء بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أنقرة ووزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، يوم الثلاثاء فاتح سبتمبر 2020 يلخص الأزمة العميقة بين الجزائر والإمارات؛ ويضع النقط على الحروف لميلاد شراكة استراتيجية بين تركيا والجزائر، فيما يخص الوضع في مالي وليبيا.
من الناحية الاقتصادية، لا تتطور العلاقات مع أنقرة فقط؛ بل صنفت المديرية العامة للجمارك الجزائرية، تركيا في خانة أهم مموني وزبائن الجزائر سنة 2019 ؛ بالإضافة إلى كل من الصين وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا. كما أن الرئيس الحالي عبد المجيد تبون أعطى الموافقة للرئيس أردوغان في زيارة هذا الأخير للجزائر في يناير 2020، على دراسة إقامة منطقة للتبادل الحر مع تركيا، والجزائر.
لكن مربط الفرس في العلاقات يتعلق بما هو عسكري، انطلاقا من شراكة البلدين، في مصنع أول لإنتاج السيارات العسكرية ذات الدفع الرباعي. حيث بدأ مصنع لصناعة السيارات المصفحة، في ديسمبر 2014، وذك في إطار شراكة بين وزارة الدفاع الجزائرية وشركة “توازن” الإماراتية. و هناك مصنع ثان مشترك، والذي يطور خبرته في المجال منذ 2018، وينتج ما يفوق 40 ألف وسيارة عسكرية رباعية الدفع؛ وتصدر هذه الآليات لكثير من الدول الإفريقية. وقد سعت الجزائر خاصة لتوسيع مجال الشراكة العسكرية مع الإمارات، لتشمل تبادل الخبرة وإقامة مصانع أخرى للصناعة العسكرية بالجزائر وبتمويل إماراتي. وهذا ما يفسر تعدد زيارات القائد صالح رئيس الأركان السابق للإمارات سنة 2018، 2019؛ وكون أول زيارة خارجية لرئيس أركان الجيش الجزائري الجديد سعيد شنقريحة، كانت للإمارات فبراير 2020.
من الناحية العسكرية، معلوم أن البلدين وقعا على اتفاقية التعاون في مجال الصناعة الدفاعية منذ 7 ماي 2013. وفي هذا السياق، ناقش كل من الرئيس تبون، وأردوغان التعاون في مجال الصناعات العسكرية مع الجزائر. وبدأت بعض وسائل الإعلام تتحدث عن زيارات لممثل شركات صناعة الأسلحة التركية للجزائر ولقائها بمسؤولين عن هذا القطاع بالجزائر . ولا يتعلق الأمر هنا فقط، بالرغبة الجزائرية في استيراد الآليات العسكرية التركية، خاصة الطائرات بدون طيار، والعربات المدرعة من طراز “كيربي”؛ ومركبات فوران والطائرات، وأنظمة المراقبة والرادارات وغيرها. بل يتعداه إلى رغبة البلدين في إقامة مشاريع تصنيع عسكري بالجزائر.
في إطار، هذا المنعطف الجديد يأتي تصريح وزير الخارجية التركي تشاوش أغلو لدى استقباله لوزير الخارجية الجزائري بوقادم بداية سبتمبر 2020، ليخرج التعاون العسكري القائم بين البلدين للعلن؛ حيث أشار أوغلو إلى تطور العلاقات بين البلدين على صعيد الصناعات الدفاعية والعسكرية. وهو ما يعني تجاوز تبادل المعلومات والخبرات إلى بداية الاستثمار المشترك في الصناعات العسكرية بالجزائر.
خلاصة
إن الأزمة الحالية بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة، تأتي في سياق تحول التحالفات الإقليمية التي يرتبط بها البلدان. فقد دشن القائد صالح وحاشيته العسكرية، تحالفا استراتيجيا مع الإمارات العربية المتحدة. لكن هذا التحالف تعرض لهزة شديدة، مع تزايد النفوذ التركي في كل من الساحل والصحراء وليبيا، وشرق المتوسط. ومع الصراعات الداخلية التي شهدتها النخبة العسكرية الجزائرية، وانتخاب تبون رئيسا للجزائر، وتعيين شنقريحة رئيسا للأركان؛ راجع الجيش الجزائري بعض حساباته لتغيير الظروف الإقليمية ليجد نفسه في مربع تركيا عوضا عن الإستراتيجية الإماراتية.
إلا أن الجزائر تحتاج للاستثمارات الإماراتية، لإنعاش اقتصادها المتدهور، وبالتالي تنزيل 40 اتفاقية تجمع البلدين. هذا المأزق الجزائري يفسر سكوت وغموض موقف الجزائر عن الرسائل المتعددة التي ترسلها الإمارات للجارة الشرقية للمغرب؛ ومنها فتح القنصلية بمدينة العيون، ومنع الجزائريين من دخول الإمارات تحت ذريعة مرض كوفيد 19.
*أستاذ العلاقات الدولية جامعة سيدي محمد بن عبد الله
الخلاف بين الجزائر و الإمارات هو فتح الإمارات قنصليتها في العيون لا أقل و لا أكثر. و اقترابها من تركيا كرد فعل للإمارات التي فتحت القنصلية في الصحراء المغربية. الجزائر يمكنها فتح علاقتها مع الشيطان ضدا على المغرب و لا يهمها الملايير من الدولارات التي ستكلفها ذلك .