Share
  • Link copied

باحث أكاديمي: تحركات البوليساريو الأخيرة تعبير عن انتصارات المغرب

إن تأسيس ما يسمى “بالهيئة الصحرواية لمناهضة الاحتلال المغربي” من داخل مدينة العيون في عمق الصحراء المغربية، التي هي جزء لا يتجزأ من التراب الوطني المشمول بسيادة حكم القوانين المغربية، ثم نقل عشرات العناصر الانفصالية للتخييم بمعبر الكركرات الحدودي جنوب المغرب، هي تحركات في عمقها ليست أكثر من تجل لانتصارات المغرب السياسية والحقوقية الأخيرة.

إلا أن هذا لا ينفي كونها مسائل لا يمكن التغاضي عنها، ولا احتقارها وتهوينها، وذلك بالنظر لعدد من الجوانب القانونية من جهة، وللانعكاسات السياسية على مسار ملف الصحراء المغربية من جهة أخرى.
فمن الناحية القانونية، تنص الفقرة الثالثة من الفصل الأول من دستور المملكة المغربية الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.11.91 بتاريخ 29 يوليوز 2011، على أن الأمة المغربية تستند في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي.

وتنص الفقرة الأولى من الفصل 12 من نفس الدستور على أن تؤسس جمعيات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية وتمارس أنشطتها بحرية، في نطاق احترام الدستور والقانون.

كما ينص الفصل الثالث من الظهير الشريف رقم 1.58.376 الصادر في الثالث من جمادى الأولى عام 1378 الموافق ل 15 من نونبر 1958 المتعلق بحق تأسيس الجمعيات، المغير والمتمم بمقتضى القانون رقم 75.00 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم 1.02.206 بتاريخ 23/07/2002 على أن كل جمعية، تؤسس لغاية أو لهدف غير مشروع يتنافى مع القوانين أو الآداب العامة أو تهدف إلى المس بالدين الإسلامي أو بوحدة التراب الوطني أو بالنظام الملكي أو تدعوا إلى كافة أشكال التمييز، تكون باطلة.

وتأسيسا عليه، فإن الهيئة المزعومة المعلن عن إنشائها يوم الأحد الماضي بمدينة العيون، المسماة ب”الهيئة الصحراوية لمناهضة الاحتلال المغربي” والتي تهدف حسب بيانها التأسيسي المزعوم إلى النضال من أجل حرية واستقلال ما سمته بالشعب الصحرواي، ومطالبة الهيئات الدولية على رأسها الأمم المتحدة والاتحادين الأوروبي والإفريقي بالضغط على المغرب لوقف ما سمته باستغلال ثروات الصحراء، هي هيئة هادفة إلى المس بالوحدة الترابية للمملكة، وهي تبعا لذلك هيئة باطلة بحكم القوانين المغربية وعلى رأسها الدستور الذي يحتل قمة هرم التراتبية القانونية في المملكة.

وفي هذا السياق يعتبر تعامل السلطات المغربية التي سمحت للهيئة بالتأسيس والإعلان عن وجودها، عملا غير مفهوم، فعلاوة على كونه يتنافى مع القوانين الجاري بها العمل بشكل واضح وصريح، فهو يحيل على كون منطقة الصحراء المغربية وكأنها غير مشمولة بحكم القانون، وهو ما يضعف من سيادة الدولة المغربية ويعزز من الطرح الانفصالي، وهذه مسائل خطيرة تنافي الواقع، حيث تمارس الدولة المغربية كامل مظاهر السيادة على صحرائها.

هذا، ومن الناحية السياسية، فإن تواجد هيئة مثل هذه من داخل عمق الصحراء المغربية، وبالأهداف التي أعلنت عنها، هي مسألة تهدف من خلالها الجبهة الانفصالية بشكل أساسي إلى إعادة نفسها إلى الواجهة بعد سلسلة الهزائم التي منيت بها على الصعيد السياسي والحقوقي، وإلى التأثير على مسار النزاع الذي لم يعد يصب في صالحها، خاصة على مستوى هيئة الأمم المتحدة ومنظمة الإتحاد الأوروبي، حيث بات المنتظم الدولي ميالا إلى إقرار المقترح المغربي للحكم الذاتي باعتباره الحل الوحيد والنهائي لنزاع الصحراء، حيث تؤكد كل قرارات مجلس الأمن الأخيرة على جدية المقترح ومصداقيته.

وفي هذا السياق فإنه لا يمكن التهوين من هذه المسألة، خاصة وتزامنها مع نقل الجبهة الانفصالية لعشرات العناصر للتخييم في واحد من أهم المعابر الحدودية جنوب المغرب، والذي يشكل نقطة اتصال مهمة بين المغرب وعمقه الإفريقي، حيث تهدف الجبهة إلى تكرار سيناريو أكديم ازيك، بما يروم التشويش على إنجازات المغرب الحقوقية في المنطقة، والتي تحظى بالإشادة الدائمة في قرارات مجلس الأمن وتقارير الأمين العام للأمم المتحدة.

كما أن تأسيس هذه الهيئة يهدف من جهة أخرى إلى التغطية على الهزيمة الساحقة التي مني بها الانفصاليون على الصعيد الأوروبي، حيث سبق وانتصرت المحكمة الأوروبية لقضية الوحدة الترابية للمملكة بإقرارها لشرعية اتفاقيات الفلاحة والصيد المبرمة بين المغرب والإتحاد الأوروبي، وهو ما يظهر جليا من خلال إحالة البيان التأسيسي للهيئة المزعومة مسألة ما سماها وقف استغلال ثروات الشعب الصحراوي إلى الإتحاد الإفريقي، وهو اعتراف ضمني بانتصار المغرب على الصعيد الأوروبي، ونقل الجبهة الانفصالية المعركة على هذا المستوى إلى الصعيد الإفريقي بعد يأسها من الجانب الأوروبي.

وعلاوة على كل هذا، فإن الجبهة الانفصالية تسعى من خلال هذه التحركات بل التخبطات البئيسة التي تقوم بها، إلى تصريف أزماتها الداخلية التي ما فتئت تتصاعد وتزداد حدة وسط مسلسل الهزائم المتتالية التي منيت بها على جميع المستويات، والتي ظهرت بشكل جلي وواضح خاصة من خلال إشادات منظمة الأمم المتحدة بإنجازات المغرب الحقوقية في جهة الصحراء المغربية، وتوالي تقلص اعترافات الدول بكيان البوليساريو الوهمي، وافتتاح عدد كبير من الدول لقنصليات لها بالمغرب في منطقة الصحراء بما يمثل تأكيدا وترسيخا لمغربيتها، فضلا عن ميل المجتمع الدولي الواضح لصالح مبادرة الحكم الذاتي المغربية باعتبارها الحل الوحيد والنهائي لهذا النزاع.

إن المغرب اليوم وسط كل الإنجازات والانتصارات التي راكمها في ملف الصحراء المغربية، مطالب بضبط النفس والتصرف بكثير من الروية والحكمة أمام تخبطات الجبهة الانفصالية واستفزازاتها، حتى يواصل مسلسل الانتصار ولا يقع في فخ التراجع والتعثر الذي يمكن أن يستغله الكيان الانفصالي، ومن خلفه الجزائر الطرف الرئيس في النزاع، لكبح مسلسل انتصارات المملكة المغربية في هذا الملف.

*باحث في حقوق الإنسان وشؤون الأمن القومي

Share
  • Link copied
المقال التالي