Share
  • Link copied

باحثون وخبراء يكشفون الحياة الثقافية للجهاديين في أوقات فراغهم

لا يبدو سهلاً اختراق رؤية الجهاديين للعالم. وبينما تركز أغلب التحليلات للحركة الجهادية، أو التطرف الإسلامي، على الاستراتيجيات العسكرية والتعاليم الأيديولوجية، تدرس مجموعة متزايدة من الباحثين اليوم الممارسات الثقافية للجهاديين. وتركز المختارات القادمة التي تحمل عنوان “الثقافة الجهادية: الفن والممارسات الاجتماعية للمسلحين الإسلاميين” على ما “يفعله الإرهابيون في أوقات فراغهم” وتقول إنه “من المستحيل فهم الحركات الجهادية – أهدافها وإغراءها للأجانب وصمودها – من دون النظر إلى ثقافتها”.

يعرّف الكتاب الثقافة الجهادية بأنها “منتجات وممارسات تقوم بأمور أكثر من مجرد تعبئة الاحتياجات العسكرية الأساسية للجماعات الجهادية.” ويصف المؤلفون العديد من هذه الممارسات، التي تتراوح بين الشعر، والأناشيد والأيقونات الجهادية والسينمائية لتفسير الأحلام، وتبجيل الشهداء وإنتاج أشرطة الفيديو الاستشهادية، فضلاً عن الممارسات الدينية اليومية وآداب الحياة والرياضة والأنشطة الترفيهية.

يركز الباحثون الذين ساهموا في كتاب “الثقافة الجهادية” على منتجات وممارسات تنظيم القاعدة، ومختلف فروعه وشركائه، وبعض الجماعات الجهادية السابقة في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي. (على الرغم من أن ثقافة تنظيم الدولة الإسلامية مذكورة أيضاً في بعض المقالات، إلا أن هذه الظاهرة الأخيرة ليست المحور الرئيسي لمعظم البحوث).

يكتب روبين كريزويل وبرنارد هيكل عن الشعر الجهادي، بحجة أنه أهم شكل من أشكال الإنتاج الثقافي للجماعات الجهادية وأنه “يوفر نافذة على الحركات وهي تتحدث عن نفسها، بالإضافة للمجندين المحتملين. فمن خلال كلامهم يكون المسلحون أكثر وضوحاً في التعبير عن الحياة الفانتازية للجهاد”.

يكتب الجهاديون قصائد تصف المشاق التي يتحملونها، وفوزهم بحجج بلاغية على منتقديهم، ويرثون رفاقهم ممّن سقطوا في المعارك، ويثنون على قادتهم، ويستذكرون المعارك. وغالباً ما يكون الشعر على غرار الأشكال الإسلامية المبكرة.

ويرى المؤلفون أن القصائد يجب أن تفهم على أنها “أداء للأصالة” ينخرط من خلاله الجهاديون، الذين يأتون من بلدان مختلفة كثيرة، في مشروع اجتماعي راديكالي ليصوغوا لأنفسهم هوية جمعية جديدة ويدعّون بوعي استعادة ماض متخيل.

لا تتردد الثقافة الجهادية في الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة والأسلوب المعاصر: حيث أن الملصقات التي تمجد المجاهدين مستوحاة مباشرة من الكتب المصورة، والأفلام الدعائية لتنظيم داعش ذات القيم الانتاجية العالية يُفترض أن “تستحوذ على جيل جديد من المستهلكين الذين اعتادوا على ألعاب فيديو عالية الدقة والتلفزيون وأفلام هوليوود.” لكن الجهاديين يستشهدون باستمرار بتاريخ أسطوري ويخترعون تقليداً نقياً يزعمون عودتهم إليه. ويعتبر علم الدولة الإسلامية الذي يمكن التعرف عليه على الفور مثالاً جيداً على ذلك: حيث أنه من المفترض أنه يعيد إنشاء ختم استخدمه النبي، ويفترض نصه المعتمد بخط اليد العودة إلى عصر ما قبل الحداثة. إلا أن العلم يمثل أيضاً عملاً ذكياً من العلامات التجارية العالمية التي تعود لعصرنا الحالي بلا شك.

يعتقد المتطرفون الإسلاميون أن الإسلام يحرّم الموسيقى، لكنهم تبنوا النشيد، وهو نوع أشاعه الإسلاميون في السبعينيات، يتألف من هتاف غير مصحوب بآلات موسيقية. وهذا هو الصوت التصويري الأكثر شيوعاً في مقاطع الفيديو الجهادية. في البداية، أخذت الجماعات الجهادية ببساطة أناشيد موجودة واستخدمتها كموسيقى تصويرية، وفي نهاية المطاف بدأوا بتأليف وتسجيل أناشيدهم الخاصة بهم. يشير الباحثون إلى أن الجهاديين تغلبوا على أية تحفظات عقائدية بسبب قوة هذه الهتافات لاستكمال التلقين الرسمي من خلال “قوة الموسيقى في صياغة علاقات شخصية والتأثير العاطفي على المستمعين،” بحسب الباحث جوناثان بيسلاك. كتب الزعيم الجهادي الأميركي اليمني أنور العولقي أن نشيداً جيداً “يمكن أن يصل إلى جمهور لا يمكنك الوصول إليه من خلال محاضرة أو كتاب.” وتشير عدة روايات عن العمليات الانتحارية إلى أن الجهاديين يستمعون إلى أناشيد لتعزيز معنوياتهم في الساعات التي تسبق شن الهجمات.

تضم المقالات عن “الثقافة الجهادية” رؤىً رائعة ومذهلة عن حياة ومعتقدات الجهاديين. فهم يعتقدون أن جثث الشهداء لا تتحلل بل تنبعث منها روائح طيبة. كما أنهم يأخذون الأحلام وتفسير الأحلام على محمل الجد، وكثيراً ما يربطون قراراتهم بالانضمام إلى جماعة مسلحة والقيام بعمليات عسكرية معينة برؤيا معينة أو حلم تحذيري. ويبكي العديد من الجهاديين بطريقة علنية ومثيرة – عندما يتأثرون بجمال القرآن أو معاناة المسلمين، أو بسبب خيبة أملهم لحرمانهم من فرصة القتال أو الاستشهاد. (لكن، في الثقافة الجهادية، يكون الفرح هو الرد الصحيح على موت أحد الرفاق).

كما أشارت الأبحاث إلى أن العديد من الجهاديين، ولاسيما أولئك القادمين من الغرب، يمتلكون مستوى منخفض من التعليم الديني، الأمر الذي دفع المعلقين إلى رفض كون التقوى واجهة لما يقومون به. ففي فصله عن الممارسات اليومية غير العسكرية للإسلاميين الراديكاليين، يرى توماس هيغهامر بأنهم “يأخذون الالتزام بالشعائر على محمل الجد”. حيث يستيقظ العديد من الجهاديين في منتصف الليل للصلاة، فضلاً عن صلاتهم في وسط المعارك، معرضين أنفسهم للخطر. ووجد هيغهامر أن الجهاديين “فعلوا في الغالب ما يفعله المسلمون السُنة الآخرون، إلا أنهم يقومون بذلك بشكل أكثر تواتراً وكثافة.” إلا أن خروج الجهاديين الأكثر وضوحاً عن المألوف يتمثل في تبنيهم لعنف غير محدود لتحقيق أهدافهم.

يرى هيغهامر أن الأبحاث حول الثقافة الجهادية “ينبغي أن تثير اهتمام الباحثين من مجموعة واسعة من التخصصات، بما في ذلك الدراسات الإسلامية والأنثروبولوجيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والعلوم السياسية وحتى الاقتصاد.” وأضاف بأنها “ذات صلة وثيقة بالسياسات، لأن في إمكانها تسليط ضوء جديد على سبب انضمام الناس إلى الجماعات المتطرفة، ولماذا تبقى بعض الجماعات والحركات أكثر من غيرها”.

كما أن هذه الأبحاث تثير العديد من الأسئلة الجديرة بالدراسة: “لماذا يقضي الإرهابيون الأكثر أهمية من بين المطلوبين الوقت على الشعر وتفسير الأحلام بينما يمكن أن يقوموا بالتدريب أو جمع الأموال؟ […] وما هو دور الثقافة الجهادية في التطرف الفردي، وما هي عناصر الثقافة الجهادية الأكثر وضوحاً في هذا الصدد؟ وإذا كانت الثقافة الجهادية تؤثر على السلوك، فهل يتلاعب القادة في ثقافة جماعتهم أو ينظمونها لتحقيق فائدة استراتيجية؟”.

ويقدم هيغهامر بعض النظريات الأولية. تتمثل الأولى في أن الإلمام بالثقافة الجهادية وسيلة للمجندين للإشارة إلى التزامهم وكونهم جديرين بالثقة. والاحتمال الآخر هو أن “المنتجات والممارسات الثقافية تعتبر بمثابة أدوات للاقناع العاطفي لتعزيز وإكمال عمل الاقناع المعرفي الذي تقوم به العقيدة.” قد يكون إنتاج واستهلاك الشعر والأفلام والأناشيد جزءً هاماً من “نمط الحياة الجهادية”ومصدراً للمتعة والترابط يمكن أن يساعد في تفسير نجاح هذه الجماعات في التجنيد والجاذبية.

علمتُ بهذا المشروع أول مرة قبل بضع سنوات. وعندما كتبت عن ذلك، شعر بعض القراء بالفزع من الفكرة التي تقول إن علينا “فهم” الجهاديين بدلاً من الاكتفاء بالقضاء عليهم فحسب. يمكن أن يكون التعلم عن الثقافة الجهادية غير مريح، لأنه يحتّم أنسنة أشخاص يحملون معتقدات صادمة ويقومون بتنفيذ أعمال بغيضة، حيث يكون الاعتراف بإنسانية هؤلاء الأشخاص أكثر إثارة للقلق من مجرد رفضهم كوحوش.

Share
  • Link copied
المقال التالي