يحذر باحثان إسرائيليان تل أبيب والمنطقة من أن زلزال سوريا ما زال يقذف بالحمم، ومن شأن الهزات الارتدادية الدفع لمفاجآت درامية إضافية. ويدعوان لوقف الحرب على غزة والتركّز بإيران، والتنبّه لما قد يتعرّض له الأردن. ويستعرضان سيناريوهات سورية داخلية.
ويقول رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق، الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين، والباحث الجنرال في الاحتياط أودي أفينتال، في مقال مشترك نشره موقع القناة 12 العبرية، إن الأحداث التاريخية في سوريا قد تصبح أخباراً جيدة لإسرائيل، ففكرة “سوار النار” الإيرانية، انهارت فعلياً، ومعها النظام السوري، الذي شكّل عنصراً رابطاً في محور الوكلاء الذي بنته طهران على مدار عقود، بعد بذل جهود هائلة والآن.
كما يقول يادلين وأفينتال إنه قد تتّطور في سوريا سيناريوهات مختلفة، إيجابية أو سلبية، بدرجات متفاوتة، بالنسبة إلى إسرائيل. وإلى أن تتضح الصورة، لا ينبغي لإسرائيل التدخل بشكل مباشر في التطورات السورية، باستثناء مواجهة التهديدات الكبيرة المحتملة، وتصميم الدفاعات على الحدود، وتحديد “قواعد اللعبة” مع الجيران الجدد، والتركيز على تهيئة الأرضية للفرص الكبيرة المطروحة على الطاولة.
وطبقاً ليادلين وأفينتال، فهذا الانهيار السريع للنظام السوري يمثّل حدثاً دراماتيكياً آخر، ربما لن يكون الأخير في سلسلة الخضّات والهزات الإستراتيجية في الشرق الأوسط منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
وتابع الباحثان الإسرائيليان: “تغيّرت المنطقة التي كنا نعرفها بشكل جذري، وبصورة خاصة في الأشهر الأخيرة، نتيجة الضربة القاسية التي تعرّضت لها حركة “حماس” في غزة، والضربة التي تلقاها “حزب الله” في لبنان، ومعرفة إيران بالثمن الباهظ الذي قد تدفعه إذا ما عادت إلى مهاجمة إسرائيل.
أمّا الآن، بعد أن وصلت تداعيات الزلزال إلى سوريا، مع انهيار النظام الذي تبيّن أنه أضعف عسكرياً وأكثر خواءً من الناحية المعنوية مما كنا نعتقد، فقد انتهى الحكم العسكري الذي أسسه حافظ الأسد رسمياً قبل 54 عاماً.
محور المقاومة
وبالنسبة للباحثين الإسرائيليين، يشكّل سقوط النظام في سوريا “ضربة إضافية ساحقة” لمحور المقاومة الإقليمي بقيادة إيران، ويحطم الفكرة الإستراتيجية التي وضعها قاسم سليماني، والحاج محسن، ويحيى السنوار، والمتمثلة في إحاطة إسرائيل بـ”سوار النار” واستنزافها عبر توحيد ساحات القتال، حتى تدميرها.
ويقولان إنه بعد سلسلة الضربات التي تلقتها إيران ومنظومة وكلائها في المنطقة، خسر المحور الآن ساحة أُخرى ذات أهمية جغرافية ولوجستية وإستراتيجية حاسمة، بالنسبة إلى إيران، باعتبارها امتداداً جغرافياً يصلها بالبحر المتوسط، وجبهة مباشرة ضد إسرائيل، وممراً ضرورياً لإعادة بناء القوة العسكرية لـ “حزب الله” في لبنان.
تحديات أمام إسرائيل
وطبقاً للباحثين الإسرائيليين، فإنه، في المدى القريب، هذه الأخبار جيدة بالنسبة إلى إسرائيل، أمّا في المدى البعيد، فقد يفرض الواقع الجديد في سوريا تحديات كبيرة أمامنا.
ويعلل يادلين وأفينتال قراءتهما بالقول: “تطغى الفرص الكامنة في انهيار النظام السوري، من حيث المصالح الإستراتيجية الإسرائيلية، على مخاطر هذا الانهيار. فمع سيطرة المتمردين، تم فعلياً قطع المحاور البرية والجوية الواصلة بين إيران وسوريا، وصولاً إلى لبنان. في هذا السياق، من المتوقع أن يتوقف مسار إعادة ترميم “حزب الله” عسكرياً، بعد الحرب مع إسرائيل، وستُضطر قدراته المتبقية إلى التوجه نحو مواجهة التهديد السنّي القادم من سوريا وحماية نفسه داخلياً. في ظل هذه الظروف، تزداد احتمالية أن يساهم الاتفاق، الذي تم التوصل إليه مؤخراً مع لبنان، في كبح جماح “حزب الله” في المدى الطويل، وتتوسع حرية إسرائيل في فرض تنفيذه”.
وبالنسبة للباحثين الإسرائيليين، فقد اتضح أن “محور المقاومة” في المنطقة ليس سوى “حائط مائل”، بعد أن قررت إيران وروسيا عدم محاولة إنقاذ النظام السوري، وفرّتا من سوريا، ويُفترض أن يُعتبر ما جرى خيانة من حلفائه، وعلى النقيض من ذلك، وقفت الولايات المتحدة إلى جانب إسرائيل في لحظاتها الصعبة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر”.
سيناريوهات سورية
ويعتقدان أن هذه الظروف مؤاتية لترامب في الشرق الأوسط، إذا ما قرّر محاولة تشكيل المنطقة، بدلاً من الانفصال عنها، وأنه على المستوى الأبعد، يمكن ترسيم بضعة سيناريوهات متعلقة بسوريا:
سيناريو متفائل، يتمثل في نجاح المتمردين في استقرار الدولة، مع الحفاظ على استمرار وجود الحكم الذاتي الطائفي داخل حدودها.
ويشيران لوجود إشارات إيجابية أولية في هذا الاتجاه فـ “هناك النهج المرن والدهاء السياسي الذي تبناه المتمردون، وهو ما مكنهم من السيطرة على الدولة من دون مقاومة تُذكر؛ وهناك تجنُّبهم، حتى الآن، “حمام دم”، أو أعمالاً وحشية قاسية، مثلما فعل تنظيم “داعش” في السابق. ويعتبران أن هذا السيناريو سيتيح أيضاً بدء تدفُّق المساعدات وإعادة إعمار سوريا، بعد الأضرار التي بلغت عشرات مليارات الدولارات في بنيتها التحتية واقتصادها المتدهور.
سيناريو ليبي
ويشيران لسيناريو ليبي يتمثل في فقدان الجولاني السيطرة على تحالف المتمردين، وهو ما يؤدي إلى تفكُّكه، فتبدأ الفصائل والطوائف المتعددة في سوريا بفرض قوانينها الخاصة، وتشن حملات انتقام دموية، وتتصارع في ما بينها.
ويمضيان في هذا السيناريو: “قد يحاول المتمردون إقامة دولة إسلامية في سوريا تستند إلى الشريعة، على غرار طالبان في أفغانستان، أو بشكل أقل تطرفاً، استناداً إلى أيديولوجيا حركة “الإخوان المسلمين”، التي كان لها نفوذ واسع في سوريا سابقاً. في ظل هذا السيناريو، من المحتمل أن تدعم تركيا النظام الجديد، وهو ما قد يشكل تهديداً للأردن، وإسرائيل، واستقرار لبنان، ويزيد في التحديات الداخلية في دول الخليج”.
ما الذي يجب أن تفعله إسرائيل؟
رداً على هذا السؤال يقولان: “ما دام الوضع في سوريا لم يستقر بعد، ولم يتضح السيناريو (أو خليط السيناريوهات) قيد التشّكل هناك، على إسرائيل تجنُّب التدخل المباشر، باستثناء مواجهة التهديدات الكبيرة المحتملة، ومنع استيلاء الجهات الجهادية على قدرات عسكرية لا ينبغي السماح لها بالسيطرة عليها، والعمل على بناء الدفاعات على الحدود، وترسيم “قواعد اللعبة” مع القوى الجديدة في سوريا.
ويتابعان: “على المستوى المباشر، بدأت إسرائيل فعلاً بتعزيز دفاعاتها الحدودية مع سوريا، والحفاظ على المنطقة العازلة نظيفة من قوات الجيش هو درس مهم مستقى من ترسّخ قوات النخبة والرضوان على حدودنا في غزة والشمال على مدار السنوات الماضية. رغم الحاجة لمواجهة المواد الكيميائية الحربية في سوريا، فإنه لا ينبغي المبالغة في التهديد الذي تشكّله على إسرائيل. تم تدمير معظم مخزون الأسلحة الكيميائية، أو إخراجه من سوريا، في سنة 2013، وقدرة المتمردين على استخدامها محدودة”.
تقسيم سوريا
ويعكس الباحثان الإسرائيليان حلماً إسرائيلياً قديماً بتقسيم سوريا: في موازاة ذلك، يجب على إسرائيل، برأيهما، إعادة إحياء علاقات “حُسن الجوار” مع الجهات السنّية المحلية على الجانب الآخر من الحدود (مثلما جرى في ذروة الحرب الأهلية السورية خلال العقد الماضي وحتى صيف 2018) وتعزيز الشركاء المعتدلين في سوريا، وعلى رأسهم الطائفة الدرزية والأكراد. في ما يتعلق بسوريا نفسها، لإسرائيل مصلحة في نشوء فيدرالية، أو كونفدرالية تكون أطرافها متوازنة في ما بينها: الأكراد في الشمال، تحت رعاية الولايات المتحدة؛ السنّة في الشمال الغربي والوسط، تحت رعاية تركيا؛ العلويون في منطقة الساحل تحت رعاية روسيا؛ والدروز والسنّة المعتدلون في الجنوب بارتباط قوي مع الأردن، وبرعاية إسرائيلية- أميركية”.
استقرار الأردن
بالإضافة إلى ذلك، يرى الباحثان أنه على إسرائيل وضع خطة شاملة للتعاون ودعم حليفها الأردن واستقرار الحكم في عمّان، في ظل الهزات التي تشهدها سوريا، والتي قد تمتد إلى داخل حدود المملكة. ويعللان مخاوفهما من هزات الزلزال السوري وبلوغها الأردن بالقول: “يُعد أمن حدود الأردن ذا أهمية كبيرة في منع تدفّق الأسلحة والذخيرة إلى الضفة الغربية.
حلّ على جميع الجبهات
ويعتقدان أنه على المستوى الإستراتيجي، وبعد ضربات تلقاها محور المقاومة يجب على إسرائيل استغلال ضعف “حماس” وازدياد عزلتها لتحقيق أولويتها العليا التي تتصدر الأجندة الوطنية، وهي استعادة جميع المختطفين في أسرع وقت ممكن، عبر صفقة. ويقولان إن إنهاء الحرب في غزة، بعد فترة طويلة، يصبّ في مصلحة إسرائيل الإستراتيجية الأوسع في المنطقة، وهذا سيمكّنها من “تنظيف الطاولة”، استعداداً لدخول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض، وتركيز الحوار معه على مواجهة التهديد الأكثر أهميةً بالنسبة إلينا، وهو برنامج إيران النووي.
ويتابعان: “يبدو أننا ندخل فترة حساسة في مسألة البرنامج النووي الإيراني، بعد أن فقدت إيران أهم أدوات الردع والتأثير الرئيسية في الساحة الإقليمية، وقد تسعى لتعويض ذلك من خلال الساحة النووية. سيتعيّن على إسرائيل تذكير ترامب بأنه من دون تهديد عسكري موثوق به تجاه إيران فإن الضغوط الاقتصادية على طهران لن تنجح، مثلما حدث خلال ولايته الأولى”.
حدث ملهم؟
يرجح الباحثان الإسرائيليان أن انهيار النظام السوري يخلق ظروفاً أكثر ملاءمةً أيضاً في سياق التطبيع، حيث يخشى قادة الدول العربية من أن الأحداث الدراماتيكية في سورية قد تُلهم “الإخوان المسلمين”، فيرفعون رؤوسهم داخل دولهم وتهديد أنظمتهم، وضمن مزاعمها المرتبطة بـ حسابات الربح والخسارة. يضيفان: “في ظل هذه الظروف، تزداد “أسهم” إسرائيل وقيمتها، وكذلك الاهتمام بتحالفات إقليمية تحقق الاستقرار. هذه القضية الإضافية يجب على إسرائيل أن تسعى لتحقيق أقصى قدر من التنسيق بشأنها مع إدارة ترامب، بهدف الدفع بنظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط”. ويخلصان للقول :”أخيراً، يتوجب على إسرائيل أن تتوقع مزيداً من المفاجآت. فنحن لا نزال في خضم زلزال إقليمي، يجب علينا الاستعداد لـ”هزات ارتدادية” وصدمات إضافية. ليس فقط في الدول العربية المعتدلة، بل أيضاً في إيران، حيث النظام مكروه من أغلبية الشعب، ويعيش حالة ضعف؛ وفي لبنان، حيث يمكن أن تعود مسألة نزع سلاح “حزب الله” إلى الواجهة مجدداً، بعد الكارثة التي وقعت في لبنان”.
تعليقات الزوار ( 0 )