يشهد العالم تسارعا نحو الطاقات المتجددة مدفوعا بالتغيرات المناخية وتحقيق حياد الكربون، وحل المغرب في المركز الثامن بين دول العالم في مؤشر أداء تغير المناخ لعام 2022، إذ صنف في صدارة مجموعة الدول التي تبذل أكبر قدر من الجهود للتخفيف من ظاهرة الاحتباس الحراري، وتراهن المملكة على زيادة حصة الطاقات المتجددة في المزيج الكهربائي إلى أكثر من 52% وتحقيق 20% من طاقة الرياح في مزيج الطاقة بحلول عام 2030.
الجزيرة نت استقت مجموعة من المعلومات من قبل خبراء وفاعلين في القطاع؛ منهم المكتب الوطني للماء والكهرباء ووكالة “مازن”، وهي المجموعة المسؤولة عن ريادة وتسيير قطاع الطاقات المتجددة في المغرب، والخبير الاستشاري في مجال طاقة الرياح سعيد كمرة، تجدونها ضمن أجوبة الأسئلة الستة التالية:
متى بدأت طاقة الرياح بالمغرب؟
يعتبر المغرب من أوائل الدول في منطقة شمال أفريقيا التي استغلت طاقة الرياح لتوليد الكهرباء، واختبر إنتاجا واسع النطاق للكهرباء من مصادر متجددة منذ إنشاء أول مزارع رياح شاسعة عام 1999 مع مزرعة عبد الخالق طوريس الممتدة على مساحة 230 هكتارا بطاقة مركبة تبلغ حوالي 50 ميغاوات.
وتفيد وكالة مازن أن طاقة الرياح بدأت مطلع القرن الـ 21، وشكلت نقطة التحول الحقيقية للطاقات المتجددة في المملكة.
وبعد إعداد الدراسات الضرورية أطلق المكتب الوطني للماء والكهرباء، في أقل من 5 سنوات، دعوتين دوليتين لتقديم عطاءات لمشروعي مزرعة رياح “أموجدول” بقدرة 60 ميغاوات في “الصويرة”، و”ضهر سعدان” بقدرة 140 ميغاوات في طنجة، بالإضافة للانفتاح الأول على القطاع الخاص الصناعي من خلال صيغة “الإنتاج الذاتي” التي أتاحت للصناعيين إقامة مزارع الرياح الخاصة.
وقنن المغرب صيغة التعامل بين الفاعل الخاص والعام عام 2009 من خلال قانون (09-13) الذي سمح للمستثمرين من القطاع الخاص بالشروع في تحقيق مشاريع الطاقة المتجددة وبيع الكهرباء المنتجة من خلال اتفاقيات شراء الطاقة بين العملاء والموردين، وأطلق المغرب الإستراتيجية الوطنية للطاقة عام 2009.
كيف تم الانتقال الطاقي؟
ما زالت المحروقات تهمين على الباقة الطاقية بالمغرب، ويساعد تطوير مصادر الطاقة المتجددة على تحسين أمن الطاقة وكذلك الوفاء بالالتزامات المتعلقة بالطاقة النظيفة وتغير المناخ.
وبلغت مساهمة الطاقات المتجددة حوالي 20% من الطلب على الطاقة الكهربائية، وفق معطيات وزارة الانتقال الطاقي، وتم تسجيل تراجع نسبة التبعية الطاقية من 97.5% سنة 2009 إلى 90.5% حاليا، ويوجد بالمملكة حوالي 111 مشروعا من الطاقات المتجددة في طور الاستغلال أو التطوير.
يقول المكتب الوطني للماء والكهرباء إن قطاع طاقة الرياح أظهر العديد من المزايا؛ منها عدم انبعاث غازات الاحتباس الحراري، والاستمرارية والوفرة على نطاق واسع، وتحقيق اتجاه تنازلي في كلفة الإنتاج.
ومكّن إطلاق برنامج مغربي متكامل لطاقة الرياح عام 2010 (ألفا ميغاوات) من الوصول إلى 14% من السعة المركبة في طاقة الرياح عام 2020.
وتقول وكالة الطاقة الدولية إن المغرب يحرز تقدما قويا نحو طاقة ميسورة التكلفة وموثوقة ومستدامة وحديثة، بما يتماشى مع أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ومع ذلك، فإن إحراز تقدم في خفض كثافة استخدام الطاقة بالاقتصاد المغربي أكثر صعوبة.
ما الفرص المتوفرة في طاقة الرياح؟
نهاية عام 2020، كان لدى المملكة 12 مشروع طاقة رياح تشغيلية بإجمالي طاقة مركبة تبلغ 1200 ميغاوات.
ومن حيث طاقة الرياح، تحتل البلاد المرتبة الـ 31 في العالم، وتسجل سواحلها الأطلسية البالغ طولها 3500 كيلومتر سرعات رياح تتراوح بين 7.5 و11 مترا في الثانية، أي إمكانات فنية تقدر بنحو 25 ألف ميغاوات، وفق “مازن”.
ويرى الخبير الاستشاري في مجال طاقة الرياح سعيد كمرة أن بالمغرب فرصا مهمة في إنتاج الطاقة الريحية، ويمكنه أن يكون رائدا. غير أنه يعتبر أن الطاقة مسألة إدارة قبل أن تكون استثمارا، مما يجعل تحقيق الأهداف أكثر تعقيدا، ويذهب للقول “المغرب يمكنه إزالة الكربون من كهرباء الشركات المصدرة إلى 88% لتكون على نفس مستوى دول أوروبية مثل فرنسا وإسبانيا”.
ووفق إستراتيجية الطاقة، تم إطلاق برامج جديدة لدعم الاستثمار في الطاقات المتجددة. منها، تزويد محطات تحلية مياه البحر بالطاقات المتجددة وخاصة الريحية والشمسية (قيد التطوير بمنطقة الداخلة) والشروع في بلورة خارطة طريق لتطوير طاقة التيارات البحرية.
وتوفر المملكة قدرات تكاملية في الإنتاج، إذ تم إنشاء المصنع الصناعي “سيمنزغاماسا” للطاقة المتجددة (ألماني) لتصنيع شفرات توربينات الرياح في منطقة طنجة، والذي أحدث حوالي 600 وظيفة مباشرة، والاستحواذ المحلي للأبراج (أعمدة توربينات الرياح) والاستحواذ المحلي على السلع والخدمات ذات الصلة.
ما واقع إنتاج طاقة الرياح؟
وفق المؤشرات الرئيسية لسنة 2021 تصل القدرة الكهربائية المنشأة من مصادر متجددة إلى 3950 ميغاوات بنسبة 37% من القدرة الإجمالية المنجزة، وتصل القدرة الكهربائية المنشأة من مصدر الرياح إلى 1430 ميغاوات بحصة 13.40% في القدرة الإجمالية المنجزة، ويصل عدد الرخص في إطار القانون (09-13) إلى 15 رخصة لطاقة الرياح.
ويرى سعيد الكمرة -وهو من أوائل المشتغلين بمجال الطاقات المتجددة وتحديدا طاقة الرياح وواحد من مصممي مشاريع الرياح لتزويد المصنعين بطنجة على مستوى موقع الخالدي (120 ميغاوات سنة 2006)- أن مزارع طاقة الرياح أكبر مساهم في الطاقات المتجددة بحوالي 11%، ويقول إن الطاقات المتجددة تمثل ما يقارب 17% من مجموعة الطاقة حسابا للطاقة المنتجة وليس قدرة الإنتاج.
وأوضح هذا الخبير الاستشاري أن الكلفة في استثمار طاقة الرياح تقدر بـ 1.4 مليون دولار للميغاوات الواحد، معتبرا أن كلفتها تنافسية وتنخفض مع تطور التكنولوجيا، ومردوديتها جيدة إذا كانت في منطقة تشهد هبوب رياح منتظمة.
ووفق المكتب الوطني للماء والكهرباء، شهدت القدرة المركبة والتكنولوجيا وتكلفة الكيلووات بالساعة تطورا كبيرا بفضل التطور التكنولوجي، وتبلغ تكلفة الميغاوات المثبتة في طاقة الرياح حاليا حوالي 11 مليون درهم (1.1 مليون دولار للميغاوات).
أي مستقبل للطاقة الريحية بالمملكة؟
يخطط المكتب الوطني للماء والكهرباء لتحقيق ما يقرب من 9 آلاف ميغاوات من محفظة مشاريع الطاقة المتجددة: 4 آلاف ميغاوات من طاقة الرياح (مشاريع مدعومة من قبل مختلف الجهات الفاعلة العامة والخاصة) لتصل القدرة المركبة للنظام الكهربائي لحوالي 20 ألف ميغاوات بحلول عام 2030 مقابل 11 ألفا مثبتة حاليا، وحصة طاقة الرياح في مزيج الطاقة حوالي 5500 ميغاوات.
وقال المكتب الوطني للماء والكهرباء إن المغرب يعمل على تحقيق استثمار بحلول عام 2030 بحوالي 88 مليار درهم (9.12 مليارات دولار) وتقدر حصة طاقة الرياح منها بحوالي 52 مليار درهم (نحو 5.4 مليارات دولار).
وأعلنت المملكة حشد استثمارات دولية لقطاع طاقة الرياح بقيمة 14.5 مليار درهم (نحو 1.6 مليار دولار) ويتوقع أن يفعَّل برنامج مغربي مندمج لطاقة الرياح تعادل قدرته ألف ميغاوات، بحلول العام 2024.
التوربينات الضخمة إلى أين؟
كانت مزارع الرياح الأولى في المغرب تحتوي على توربينات بطاقة تبلغ 600 كيلووات (عام 1999) وقد زادت بعد ذلك إلى 850 كيلووات (بين 2006-2009). في حين تضم المشاريع الأخيرة 3.6 ميغاوات (عام 2018) و4.2 ميغاوات (2020) وسيضم آخرها 5 ميغاوات.
وتطور طاقة الرياح في المملكة انعكاس لتطورها الدولي، حيث أظهر القطاع سرعة نضج التكنولوجيا من خلال مرور القدرة العالمية المركبة في طاقة الرياح من 23 غيغاوات عام 2001 إلى حوالي 743 نهاية عام 2020، أي 32 ضعف السعة في 19 عاما.
وحسب التقرير السنوي لوكالة الطاقة الدولية حول طاقة الرياح، تتجه التوربينات نحو الضخامة، حيث استمر خلال 2020 الاتجاه نحو توربينات أكبر، وعوامل قدرة متزايدة، وخفض التكاليف.
وأظهرت مزارع طاقة الرياح البحرية تنافسية عالية، وزادت قدرة طاقة الرياح بنسبة 14% عام 2020. وتجاوز متوسط القدرة المركبة للتوربينات الجديدة 3 ميغاوات، وبالنسبة للبحر يتم استخدام توربينات من 7 إلى 8 ميغاوات بشكل متزايد، ويؤدي تحسن الأداء الفني إلى قدرة أعلى، مع توربينات عالية بتحرك الشفرات عموديا.
ويفكر مهندسو الطاقة، حسب الخبير الاستشاري كمرة، في تطوير توربينات صغيرة داخل المدن عبر استعمال الأجنحة العمودية التي تنتج برياح قليلة، ويعتقد أن مستقبل طاقة الرياح في الأسطح قد يصير واقعا في المغرب إذا سمحت به القوانين التي تؤطر حاليا إنتاج الكهرباء.
عن الجزيرة
تعليقات الزوار ( 0 )