يحتفل المغرب في 21 مارس من كل سنة باليوم الوطني للشجرة، وهي مناسبة لإذكاء الوعي بأهمية هذا المورد الطبيعي الحيوي وأدواره العديدة في تحقيق التوازن البيئي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
وبفضل المساحات الشاسعة من الغابات التي تغطي جزء مهما من التراب الوطني، تشكل الغابات المغربية تراثا بيئيا غنيا بشكل استثنائي. بدء من غابات الأرز الخلابة في الأطلس المتوسط، حيث يسود أرز الأطلس (سيدروس أطلنطيكا)، إلى غابات الأركان في الجنوب الغربي للمملكة، والتي تعد رمزا للصمود والتنوع البيولوجي. كما تمثل غابات المغرب موطنا لمجموعة متنوعة من النباتات والحيوانات، وهي بذلك تضطلع بدور أساسي في الحفاظ على النظم البيئية.
وتؤدي أشجار البلوط والعرعار والأوكالبتوس، المنتشرة في مختلف أنحاء المملكة، دورا مهما في التوازن البيئي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، لا سيما من خلال الاستغلال المستدام للأخشاب والمنتجات الغابوية غير الخشبية.
ومع ذلك، باتت غابات المغرب تواجه هشاشة متزايدة نتيجة للظروف البيئية القاسية وتفاقم الضغوط البشرية.
وبحسب الأرقام الصادرة عن الوكالة الوطنية للمياه والغابات، يتجاوز الاستغلال المفرط للموارد الطبيعية قدرة الغابات على التجدد بمعدل يتراوح بين ضعفين إلى ثلاثة أضعاف، في حين تؤثر موجات الجفاف المتكررة على 95 بالمائة من الغطاء الغابوي. علاوة على ذلك، فإن الاختلالات الهيدرولوجية، التي تتسم بانخفاض مقلق في منسوب المياه الجوفية وإجهاد مائي متزايد، يفاقم من هشاشة هذه النظم البيئية.
ووفق المصدر نفسه، تتجلى هذه الضغوط في انخفاض معدل التجدد، وتراجع الغطاء الغابوي، وفقدان التنوع البيولوجي. كما تظهر علامات الاضمحلال على نحو 10,000 هكتار من الغابات، 50 بالمائة منها من الصنوبر.
وأمام هذا الوضع المقلق، أطلق المغرب، ضمن استراتيجية “غابات المغرب 2020-2030″، عددا من مشاريع إعادة استصلاح الغابات و تأهيلها داخل المتنزهات الوطنية والمحميات الطبيعية.
وفي هذا الإطار، استعرض المدير العام للوكالة الوطنية للمياه والغابات، عبد الرحيم هومي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، الجهود التي تبذلها الوكالة للحفاظ على التنوع البيولوجي الغابوي، وإشراك المجتمعات المحلية، وتعزيز قدرة الغابات على المرونة في مواجهة التغيرات المناخية.
وأكد أن ” الوكالة الوطنية للمياه والغابات وضعت مجموعة من الإجراءات الاستراتيجية للحفاظ على الغابات المغربية واستدامتها، من خلال إعطاء الأولوية لزراعة الأنواع المحلية المرنة مثل الأرز، والعرعار، وشجرة الأركان، واستخدام تقنية صندوق المياه (Waterbox) لتحسين الري في المناطق القاحلة”.
وقال السيد هومي إن الوكالة تعمل أيضا على تحسين تقنيات إدارة البذور الغابوية وإدماج الأدوات الرقمية، مثل الطائرات المسيرة (الدرون) والذكاء الاصطناعي، لتخطيط عمليات التشجير ومراقبتها، مضيفا أنها تعمل أيضا على تحديث مقاولات إعادة التشجير وإنشاء هياكل داخلية مخصصة لتسريع تنفيذ برنامجها الطموح.
وأبرز أن من بين المبادرات البارزة في هذا الإطار، إبرام شراكات مع وزارتي التربية الوطنية والداخلية، والجماعات الترابية، وفعاليات المجتمع المدني، بهدف إنشاء أحزمة خضراء وتهيئة فضاءات ترفيهية داخل الغابات الحضرية وشبه الحضرية.
وأشار إلى أنه يتم سنويا تنظيم أكثر من 50 يوما تحسيسيا في مختلف جهات المغرب ، وتشمل هذه الفعاليات عمليات غرس الأشجار وورشات تعليمية، لافتا إلى أن الوكالة والمديرية العامة للوقاية المدنية تحرصان على توعية المواطنين بمخاطر حرائق الغابات والسلوكيات الوقائية الواجب اتباعها.
وبعد أن ذكر بأن الحفاظ على الغابات يتطلب مقاربة متضافرة ومستدامة، شدد السيد هومي على أنه “لا يمكن تحقيق إدارة ناجعة للنظم البيئية الغابوية دون انخراط جميع الفاعلين، من مؤسسات ومجتمعات محلية ومجتمع مدني”.
ويأتي اليوم الوطني للشجرة كل عام ليؤكد أهمية هذا الالتزام الجماعي في تعزيز صمود الغابات المغربية أمام الضغوط البشرية والمناخية، وحماية هذا الإرث الطبيعي الثمين للأجيال القادمة.
ومن خلال مبادرات التشجير، والإدارة المستدامة، وتثمين الموارد الغابوية، تواصل المملكة جهودها للتوفيق بين التنمية وحماية التنوع البيولوجي، ما يضمن مستقبلا مزدهرا ومستداما .
تعليقات الزوار ( 0 )