في تطوّر غير مسبوق، بثت قناة الشروق الجزائرية، التابعة لجهات رسمية في الدولة، برنامجاً مسيئاً للملك محمد السادس، رمز المملكة المغربية، بعدما جعلت من شخصيته موضوعاً للسخرية، ما خلّف ردود فعل واسعة داخل المغرب، أدانت هذا الفعل الخارج عن ما تنصّ عليه مبادئ حسن الجوار، والقوانين الدولية التي تشدد على ضرورة احترام رؤساء البلدان.
وربط مراقبون الهجوم الجزائري على شخص الملك، بمجموعة من السياقات، على رأسها الداخلي، المُتّسم بالتوتر، والذي يعرف خروج عشرات المسيرات في مختلف الولايات، للمطالبة بتغيير ديمقراطي حقيقي، بالموازاة مع الذكرى الثانية للحراك الشعبي، التي تتزامن مع الـ 22 من شهر فبراير الجاري، بالإضافة إلى السياق الخارجي، الذي يعرف استمرار الانتصارات للمغرب في ملفّ الصحراء.
وعن هذا الأمر، قال المحامي نوفل البعمري، إن النظام الجزائري تجاوز كلّ الحدود، وفقد كلّ شرعيته داخلياً وخارجياً، موضحاً بأن السياق الذي بثت فيه قناة الشروق البرنامج المسيء، مرتبط بما يحدث داخل الدولة الجزائرية، وداخل النظام، لأننا على بعد ايام قلائل من تخليد الذكرى الثانية للحراك، وقبل بضع أسابيع عادت مختلف الشرائح للتظاهر في الشارع والمطالبة بنظام ديمقراطي.
وتابع البعمري في بث مباشر على حسابه بـ”فيسبوك”، بأن النظام الجزائري يخشى أن يعود الشارع بنفس الزخم وبنفس القوة بنفس الحيوية التي كان عليها قبل كورونا التي أدت لخفوت المسيرات في الشارع”، مشيراً إلى أنه من المنتظر أن تكون هناك مسيرات كبرى في الـ 22 من فبراير المقبل، تؤشر على عودة الحراك الشعبي بشكل أكبر، لأن المجتمع الجزائري لم يستسغ العهود التي قدمتها السلطة، واعتبر أنها تهدف للالتفاف على المطالب.
ونبه إلى أن النظام الجزائري، اعتاد استهداف المغرب والدفع نحو التوتر السياسي معه، كلما كان هناك اختناق اجتماعي، مردفاً بأن الجميع رأى الدعاية الإعلامية التي استهدفت المؤسسات المغربية والجيش المغربي والوحدة الترابية للمملكة، دون نسيان الاستهداف السياسي منذ سنوات، والذي جاء بغيةَ جعل نزاع الصحراء المفتعل كحجرة في حذاء المغرب، ليكون معرقلاً لأي نهضة محتملة في المملكة.
وأوضح البعمري بأن السياق الداخلي الذي تمرّ به الجزائر، أثر على الإعلام، وأثر على صانع القرار أيضا، لأن خروج المسيرات منذ أسابيع ينذر بعودة الحراك، وبرجوع الشعب الجزائري لاستكمال مهمته في النضال من أجل الانتقال من دولة عسكرية إلى دولة مدنية، وإلى دولة يكون فيها التداول الديمقراطي على الحكم.
وأشار المحامي إلى أن كلّ لحظات التحولات السياسية بالجزائر، التي كان يُطرح فيها سؤال الديمقراطية وسؤال التغيير الجذري، كان النظام يحاول افتعال توتر مع المغرب، ودائماً كان يعود للأسطوانة القديمة التي بدأها بومدين، لتتحول بعدها لعقيدة للدولة الجزائرية، بكون أن هناك خطراً خارجياً هو المغرب، وبالتالي لابد من إسكات مختلف أصوات التغيير وتعطيل كل مطالب الإصلاح، لحين مواجهة العدو.
وأبرز المتحدث نفسه، بأن هذا الأسلوب، كان دائماً موجوداً في مختلف الأنظمة الشمولية والديكتاتورية، وكان دائماً ما يتم افتعال عدو خارجي من أجل إسكات الأصوات الداخلية المطالبة بالتغيير الديمقراطي، خصوصاً أننا الآن على بعد أيام في ذكرى انطلاق الحراك بالجزائر، ومن المنتظر أن تخرج العديد من المسيرات بالبلاد.
أما التفسير الثاني لهذا الهجوم، وفق البعمري، فهو متعلق بما حققه المغرب في المرحلة الأخيرة، خاصة على مستوى القمة الإفريقية الأخيرة التي انتهت قبل أيامٍ، والتي عرفت فشل الجزائر وجنوب إفريقيا في دفع المنظمة القارية إلى تبني آلية الترويكا، ما أدى إلى أن يكون هناك رد فعل لهذه الهزيمة السياسية في الاتحاد القاري، بعدما راهنت الجزائر عليهها لتكون مزاحمة للأمم المتحدة أو بديلاً عن مجلس الأمن.
بالإضافة إلى، يواصل البعمري، التغيير الذي عرفته مفوضية السلم والأمن الإفريقي، التي كان يترأسها جزائري وكان يستعملها لتمرير مواقف بلاده، حيث باتت نيجيريا تقودها، مذكّراً بالمكالمة الهاتفة التي جمعت بين الملك محمد السادس ورئيس نيجيريا، وتحدثت عن عودة مشروع أنبوب الغاز للوجود، وهو ما لم يعجب الجزائر التي كانت تسعى لعرقلة المشروع.
وشدد المتحدث نفسه، على أن النظام الجزائري يعيش ارتباكاً سياسياً كبيراً، وعجزاً عن تقديم حلول أو عرض سياسي مقبول من طرف الشعب، ومن طرف الشارع، بالإضافة إلى كون الجزائريين، لاحظوا عودة الحرس القديم؛ توفيق مدين، السعيد بوتفليقة، خالد نزار، الذي تسبب في إفلاس الدولة، وأدى ليضطر المواطنون ليقفوا في طوابير طويلة لأخذ المواد الغذائية الأساسية مثل الحليب والموز.
أما فيما يتعلق بكون ما عُرض في القناة الجزائرية، يندرج ضمن حرية الرأي والتعبير، كما برّر ذلك البعض، يقول البعمري، إن النظام الجزائري، ليس ديمقراطياً ولا يحترم حرية الرأي والتعبير، لأنه لو كان كذلك، لترك المتظاهرين يخرجون، ولما حاكم المحتجين السلميين، وأيضا، لما تم تصنيف الجزائر، قبل أسبوع، ضمن الدول الديكتاتورية.
يشار إلى أن الجزائر، تعيش أحلك مرحلة في تاريخها، بسبب العزلة الدولية الكبيرة التي باتت تعرفها، على خلفية تراجع مجموعة من الدول عن دعم طرحها في نزاع الصحراء المغربية المفتعل، والانتصارات الكبيرة التي حققها المغرب في القضية، بعد فتح العديد من البلدان لقنصليات لها في المدن الجنوبية للمملكة، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب العمل الكبير الذي قامت به داخل الاتحاد الإفريقي.
تعليقات الزوار ( 0 )