لا يمكن لعاقل إنكار الأهمية القصوى للعلاقات المغربية الفرنسية في ارتباط وثيق بعلاقة المغرب بمحيطه الدولي والاقليمي على ضوء عدد من المحددات الرئيسية في السياسة الخارجية للمملكة المغربية والتي تظل مجالا محفوظا للملك محمد السادس بصفته رئيسا للدولة وممثلها الأسمى بنص الفصل 42 من دستور المملكة
زيارة ماكرون للمغرب بعد ثلاث سنوات من الجفاء الدبلوماسي بين المغرب وفرنسا، على خلفية التوثر الذي حدث في علاقة فرنسا بالمغرب لأسباب كتبت عنها الصحافة في كلا البلدين، تظل زيارة مهمة في السياق الدولي والاقليمي الحالي، ويبقى المغرب هو الرابح الأكبر منها، بعد أن أثبت للعالم بأن علاقاته الثنائية والمتعددة الأطراف تتأسس على محددات وثوابت رئيسية لا يمكن السماح بالمساس بها أو بتوظيفها بأي شكل من الأشكال، وهنا لا بد من استحضار الخطاب الملكي، الذي تحدث فيه الملك محمد السادس بصريح العبارة على أن قضية الصحراء المغربية، هي النظارة التي ينظر بها المغرب للعالم!
عندما يقول الرئيس الفرنسي من داخل قبة البرلمان المغربي بأن مستقبل (الصحراء الغربية) لا يمكن أن يكون إلا تحت السيادة المغربية وفي إطار الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب في سنة 2007، ويعد باستثمارات فرنسية في الأقاليم الصحراوية للمغرب، فهذا دليل قاطع على أن المغرب استطاع انتزاع اعتراف فرنسي صريح وبعبارات واضحة، على أن مستقبل المغرب يبقى رهينا بمقترح الحكم الذاتي الذي طرحه المغرب مند سنوات.
هناك معطى آخر لايقل أهمية، وينبغي استحضاره في سياق ما قاله الرئيس الفرنسي داخل البرلمان المغربي بما يرمز له من سيادة شعبية، وهو أن تصريح الرئيس الفرنسي يجسد موقف الدولة الفرنسية، وفيه جواب غير مباشر على مقترح التقسيم الذي اقترحه المبعوث الأممي في الصحراء، في ورقة منفصلة عن تقريره المرفوع الى الأمين العام للأمم المتحد غوتيريس!
إذن نحن أمام موقف كبير صادر عن رئيس دولة لها مكانتها في الساحة الدولية ولها تأثيرها الوازن في السياسة الدولية بحكم تمتعها بالعضوية الدائمة في مجلس الأمن وبحكم نفوذها داخل الاتحاد الأوربي بكل مؤسساته الموازية!
العلاقات الدولية تبنى في المقام الأول والأخير على المصالح المشتركة وإذا كانت مصلحة المغرب في علاقته مع فرنسا ترتبط بعدد من القضايا والمجالات فإن الموقف من قضية الوحدة الترابية للمملكة يبقى محددا رئيسيا في سياسته الخارجية وفي علاقته الدولية.
من هذا المنطلق لا ينبغي تبخيس زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للمغرب ولا ينبغي اختزالها في أمور بروتوكولية فقط بل ينبغي النظر إليها من زاوية الأثر السياسي والدبلوماسي والاقتصادي الذي سيترتب عنها ويكفي في هذا السياق متابعة ما تكتبه الصحافة الفرنسية وما يقوله المحللين الفرنسيين دون الحديث طبعا على مواقف الحاكمين في الجزائر الذين أصيبوا بوجع كبير وبمغص شديد عبرت عنه صحافة الاجهزة في الجزائر!
صحيح أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون أخطأ تقدير الموقف عندما وصف المقاومة من داخل قبة البرلمان المغربي بالارهاب دون الاخد بعين الاعتبار وضع الاحتلال وجرائم الابادة التي ارتكبت في غزة بعد عملية طوفان الأقصى وفي لبنان أيضا مند السابع من اكتوبر 2023.
من باب الكياسة الدبلوماسية كان ينبغي على الرئيس ايمانويل ماكرون رفع الحرج عن الدولة المغربية التي تبقى لها مواقف واضحة مما يحدث في الشرق الأوسط تراعى فيها توازانتها على المستويين الداخلي والخارجي ولكن مادام أن الواقعة قد وقعت فلا ينبغي تضخيم الأمر وتحميل المسؤولية للدولة لأنه في مجال الدبلوماسية لا يمكن للدولة المضيفة أن تقيد حرية الضيف او تناقش معه مضمون كلمته قبل إلقائها!
هناك إشارات ينبغي التقاطها بشكل جيد من طرف النشطاء والحقوقيين في المغرب بما في ذلك مناهضي التطبيع وهي أن الدولة لم تقمع اي تظاهرة أو وقفة احتجاجية بالتزامن مع زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بما في ذلك الوقفة التي نظمت أمام مقر القنصلية الفرنسية بطنجة!
في السياق ذاته سمحت السلطات بتنظيم الذكرى السنوية لاغتيال واختطاف المناضل الاتحادي المهدي بن بركة والكل يعلم بأن أصابع الاتهام تشير الى تورط فرنسا الى جانب أطراف أخرى.
وجود حساسية مسبقة من فرنسا الاستعمارية ليس مبرر لتبخيس زيارة الرئيس الفرنسي أو التقليل من شأنها لأن إطالة أمد التوثر في العلاقات المغربية الفرنسية لا يجدي نفعا ويخدم مصالح اجندات معادية للمغرب وعلى راسها الجزائر.
نحن أمام مرحلة جديدة في العلاقات المغربية الفرنسية ينبغي تثمينها وينبغي الاعتراف للمغرب بقدرته على دفع فرنسا الى الخروج من دائرة الغموض وتقديم موقف واضح بشأن نزاع الصحراء المغربية في ظل سياق دولي حساس جدا.
المؤاخدة الوحيدة لدي وهنا ينبغي أن نكون صرحاء مع الجهات العليا في البلد وهي أن السياسة الداخلية والسياسة الخارجية للمملكة ينبغي التعامل معها على أنهما وجهان لعملة واحدة وأي شيء من شأنه التأثير على صورة البلد في الخارج ينبغي القطع معه بشكل جذري وخصوصا القضايا ذات الصلة بحقوق الانسان والحريات العامة.
استمرار اعتقال نشطاء الريف ومحاكمة الصحفيين بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر وتوقيف الحقوقيين ومتابعتهم في قضايا تتعلق بالرأي والتعبير أمور تشوش صراحة على مجهود كبير تقوم به الدولة على أعلى مستوى…
تعليقات الزوار ( 0 )