Share
  • Link copied

امتحان التربية الإسلامية من الديانة الإبراهيمية إلى المخالفات التربوية

اجتاز المترشحون غير المتمدرسين الامتحان الجهوي الخاص بمادة التربية الإسلامية بأكاديمية مراكش، وقد جرى بعده لغط كثير، لأن اللجنة العلمية واضعة الامتحان اختارت وضعية تقويمية تضمنت الإشارة إلى أمرين اثنين:

أولهما: الديانة الإبراهيمية ودعوى اتحاد الأديان وعدم التمييز بينها.

ثانيهما: الحديث عن الشريعة الإسلامية وجمودها وعدم مسايرتها لمستجدات العصر بسبب إغلاق باب الاجتهاد.

هذه الوضعية اتخذها البعض موضوعا للتدوين والتعليق، واعتبروها وسيلة من وسائل تخريب العقول المغربية وهدم الناشئة المتعلمة على مستوى عقائدهم وقيمهم.

والواقع أن هذه الزوبعة ليست سوى جعجعة لإثارة الفتنة في المجتمع، لأنها كانت سببا لخروج كثير من اليوتوبرز والمدونين لـ”الدفاع عن العقيدة” و”الذب عن الإسلام” المهدد في المغرب الأقصى، إضافة إلى الاتجار في القضية وبالقضية من أجل الرفع من المشاهدات وجني الأرباح، وهذا ما يجعلنا ننعت بعض هؤلاء بـ”تجار الفتن”. [نتحدث عن البعض دون تعميم، لأن بعض المخلصين استُدرجوا عن غير قصد لهذا الموضوع].

أول ملاحظة تثار حول هذه “الفتنة التربوية” هي أن الذين اقتحموا عقبتها لم يتحدثوا إلا عن الوضعية، دون أن يقلبوا الصفحة الأولى للاطلاع على الأسئلة المصاحبة من أجل مقاربتها سيميائيا ومعرفيا وتربويا.

وبما أننا لم نطلع على الأسئلة بعد، فإن الوضعية لذاتها تعد سليمة مائة بالمائة، فهي مرتبطة بالمقرر أولا، وتثير حفيظة التلميذ ثانيا، لتستخرج منه ما تلقاه من معارف ومكتسبات ثالثا.

وغني عن البيان أن الوضعية لا يتطلب فيها ومنها أن تصاغ بطريقة تقريرية واضحة مباشرة، بل يمكنها أن تتضمن أخطاء معرفية أو معلومات مخالفة للمقرر ليسهل على اللجنة طرح سؤال مهم جدا حول الموقف من مضمونها ومصاحبته بالتعليل المناسب، والموقف قد يكون إيجابيا بالموافقة أو سلبيا بالرفض.

وما تطمح إليه الوضعية موضوع الامتحان هو استخراج الموقف الرافض المعلل من التلميذ بناء على ما اكتسبه في دروس مدخل التزكية مثل درس “التوحيد والحرية”، أو من خلال درس مدخل الاستجابة “الخصائص العامة للشريعة الإسلامية”، وهو الذي يتضمن مجموعة من الخصائص الفارقة التي تميز الشريعة الإسلامية عن غيرها من الشرائع الإبراهيمية.

بناء على هذه المعطيات، يتبين لنا أنه من السذاجة بمكان أن تعمد اللجنة العلمية لطرح أسئلة بهدف هدم هذه الدروس ونسفها، بل ما أراها صاغت هذه الوضعية إلا لاستثمار تلك الدروس وما فيها من مادة عقدية غميسة تعمل على تحصين عقول الناشئة.

وإذا تجاوزنا هذه الملاحظة الأولى التي ركزت على المقاربة الخديجة التي انتبهت إلى الوضعية دون مكملاتها، فإننا ننتقل إلى الملاحظة الثانية، وهي أن الأسناد التي قدمت للمتبارين تنسف ما ذهب إليه اليوتوبرز وتجار الفتن، لأنه إن كان المقصود من الوضعية تبني الديانة الإبراهيمية الخليجية، فإن واضعي الامتحان مجبرون على تقديم أسناد خادمة لهذا المقصد التخريبي، لكنهم قدموا أسنادا مخالفة لذلك، وهي قوله تعالى: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”، إضافة إلى نص لمؤرخ إنجليزي كله إشادة بالديانة الإسلامية ولا يتضمن إشادة بالديانة الإبراهيمية.

ويعضد هذا أن الوضعية ختمت بالعبارة الآتية: “قررت المشاركة في النقاش مستثمرا مكتسباتك في مادة التربية الإسلامية”، ومكتسبات التلاميذ في المادة المذكورة التي سيتسلحون بها للإجابة عن أسئلة الامتحان مخالفة تمام المخالفة للديانة الخليجية المذكورة، ويكفي أن الآية الكريمة الواردة في الأسناد ذُكرت في المقرر في درس “الاعتزاز بالإسلام”، وبالضبط ضمن فقرة: لماذا يعتز المؤمن بدينه؟، وقد وردت في سياق الحديث عن الإسلام باعتباره “الدين المرتضى من الله تعالى”.

لقد اضطررنا لتوضيح هذا السياق لنبين تهافت تجار الفتن، وأنهم ناقشوا الوضعية وأصحابها والقائمين عليها دون ربطها بالأسناد أولا، ودون مطالعة أسئلة الامتحان ثانيا، ودون إدراجها ضمن السياق العام للمقرر ثالثا، وهذه اعتبارات ثلاثة تبين تهافت هؤلاء المناقشين وشرودهم ولاعلميتهم.

ومن أمثلة الوضعيات المتعارضة مع ما تقرر شرعا، ما طُرح في الامتحان الجهوي الخاص بأكاديمية الرباط، ونصها: “اتفق أنس ونورة على الزواج لمدة سنتين كاملتين”، كما طرحت فيه وضعية أخرى نصها: “طلب مصطفى من ابنة عمه أن يعقدا قرانهما قبل أن تكمل عدتها من طلاقها من زوجها الأول”.

والحمد لله أن الوضعيتين لم تقعا في يد تجار الفتن، وإلا لأدرجوا امتحان الرباط مع امتحان مراكش في خانة هدم الشرع ونسف الدين، ولما ترددوا في وصف القائمين على هذا الامتحان بالدعوة إلى الزواج المؤقت ورفض العدة، وآنئذ سيسهل عليهم وصف أصحاب الامتحان بالمعارضين لحدود الله والمشاققين لله تعالى.

لهذا ولغيره، وجب على هؤلاء المتهافتين المسفهين أن يتحملوا مسؤوليتهم الأدبية، وأن يقدموا الاعتذار الواضح الصريح للجنة واضعة الامتحان، إضافة إلى تقديم الاعتذار للمجتمع عامة، وللمترشحين وأساتذة جهة مراكش خاصة، ومن لم يقدم على ذلك فليس له من الرجولة والشهامة إلا الأدسنس، وليعلموا أنهم جميعا أساؤوا إلى المادة وإلى المرابطين في ثغرها من حيث ظنوا أنهم يحسنون إليها.

وليعلموا أن تأجيجهم الإيديولوجي وشحنهم لعقول الناس قد يكون له ما بعده، ومن يقرأ التعليقات التي ذيلت على المنشورات الخاصة بهذه النازلة أدرك ذلك بالملموس، فليتق صناع التفاهة اللهَ في الوطن، ولا يهتموا بالأدسنس أكثر من اهتمامهم بأمن المجتمع.

امتحان آخر:

بعيدا عن اللغو واللغط المرتبط بامتحان مراكش، ننتقل إلى امتحان [أظنه لأكاديمية طنجة، لأن رأسية الورقة غير واضحة]، وهو الامتحان الذي لم يرْقَ إلى مستوى امتحان مراكش [على الأقل حين المقارنة بين الصفحتين الأوليين من الامتحانين]، إذ شتان ما بين الوضعيتين صياغة ومضمونا.

وإذا تجاوزنا الوضعية فإننا سنعمد إلى مقاربة الامتحان وفق الوثائق الرسمية المؤطرة.

الملاحظة الأولى:

غني عن البيان أن العقد المبرم بين لجنة صياغة الامتحان والتلاميذ المترشحين هو الوثيقة الرسمية المنظمة للامتحان، وهي الإطار المرجعي؛ الوثيقة المعتمدة من لدن الأساتذة في حصص التدريس والدعم، والمستخرجة من قبل التلاميذ من الشبكة العنكبوتية والتي يتبعونها خطوة خطوة.

هذه الملاحظة تجعلنا نسائل الامتحان المشار إليه بما يؤدي إلى تجويد الممارسة التقويمية وضبطها وفق الوثائق المؤطرة صيانة لها أولا وحماية للتلاميذ ثانيا وتسديدا لعمل الأطر التربوية ثالث.

وقد تبدت لنا جملة مخالفات في هذا الامتحان الذي أثار حفيظة المتمدرسين والمدرسين على السواء من خلال الآتي:

السؤال 1 طلب من المترشحين صياغة عنوان للوضعية، وهذه مهارة لا يشتغل عليها التلاميذ طيلة السنة، بل يشتغلون على صياغة المشكلة أو القضية.

وهذا أمر قد نتجاوزه بناء على دفوعات قد يقدمها مناصرو هذا السؤال، خصوصا أنهم أجبروا التلميذ على استعمال كلمة “القيم” في العنوان المقترح.

السؤال 2 تضمن مطالبة التلاميذ بإيراد مفاهيم اصطلاحية لـ[الكفاءة – اليقين – البذل – التسامح]، ولنا ملاحظات:

الأولى: المطالبة بأربعة تعريفات مبالغ فيه، خصوصا أن لكل تعريف نصف نقطة، [نقطتان في المجموع]، ولو وقع الاكتفاء بتعريفين اثنين [نقطة واحدة] لكفى.

الثانية: تعد التعريفات من [المعارف الأساسية المكتسبة]، وهي التي نصت وثيقة الإطار المرجعي على منحها ثلاث نقط لا غير، وإذا أعطينا للتعريفات نقطتين [أي ثلثا الحصيص التنقيطي]، فإن نقطة واحدة لباقي المعارف الأساسية لا تكفي أولا، وتخل بتوازن توزيع النقط ثانيا.

الثالثة: يحبل المقرر بعدد وافر من القيم والممارسات، لكن الوثيقة الإطار نصت على [المفهوم] في البعض دون البعض، وذلك في جدول المضامين، وهو الجدول التفصيلي لدروس المقرر.

وبالرجوع إلى ذلك الجدول يتبين أن الوثيقة نصت على مفاهيم الكفاءة واليقين والتسامح، أما [البذل] فغير منصوص عليه، وهو ما يجعل التلميذ والأستاذ في حل من التركيز عليه وصياغته وتدوينه في الملخصات، لذا كان تخصيصه بسؤال مخصوص بنصف نقطة غير سائغ ولا مقبول.

وعلى فرض استساغته، فيمكننا أن نتساءل مع أعضاء اللجنة المحترمين: ما هو المفهوم الاصطلاحي للبذل؟

نعم، قد يقدم التلميذ تعريفا لغويا عاما للبذل باعتباره مرادفا للعطاء، أما تعريفه اصطلاحا فمتعذر، لأن التعريف اللغوي عام، والتعريف الاصطلاحي هو تعريف اصطلح عليه أهل تخصص ما أو أهل مجال معرفي ما، فما هو التعريف الاصطلاحي للبذل؟ وهل للبذل مفهوم في مجال مغاير لمفهومه في المجال الآخر؟

السؤال 3 طلب من التلميذ تحديد المعنى السياقي لـ[قال … ما خطبكن … حصحص … الحق]، وهذه أسئلة ملغمة ومشوشة وغير منضبطة، ولا أرى لها هدفا سوى تعقيد اللحظة على التلميذ، وهذا السؤال مندرج ضمن [تحليل النصوص الشرعية واستخراج أحكامها]، ولا أرى في السؤال والجواب عن [قال] [ما خطبكن] [حصحص] [الحق] ما يبين قدرة التلميذ على التحليل ناهيك عن استخراج الأحكام.

السؤال 4 طلب من التلاميذ الممتحنين إيراد شاهد حديثي موثق يبين فيه حال يوسف عليه السلام ضمن حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله، مع توثيق الشاهد.

وهذا السؤال يستبطن وجوب حفظ التلميذ للشاهد الحديثي، وهذا غير وارد في الإطار المرجعي، لأنه ينص في الفقرة الخاصة بـ[موجهات تقويم الكفاية] على الآتي: [تقوّم مهارة الاستشهاد اعتمادا على السورة المقررة]. والنص الحديثي غير مندرج في السورة المقررة، ولو أبحنا للجنة مطالبة التلميذ بهذا الحديث، فإننا سنبيح لها مطالبته بالاستشهاد بكل النصوص الحديثية الواردة في مقرري في رحاب والمنار، إضافة إلى مطالبته بحفظ الآية الواردة في صدارة الدروس ومتونها، وهذا من المعسور على الأساتذة بله التلاميذ الذين يصلون لياليهم بنهارها لمراجعة مقررات مواد متعددة، وليسوا مطالبين بمادة التربية الإسلامية لوحدها.

لم يكتف الامتحان بمطالبة التلميذ بنص الشاهد فقط، بل طالبه بتوثيقه أيضا، ولست أدري ما المقصود بالتوثيق؟ هل ذكر اسم الصحابي الراوي؟ أم ذكر المصنف المخرّج للحديث؟

وإذا كان هذا المطلب سائغا، فإنه يلزم منه ضبط التلميذ لتوثيق جميع نصوص المقرر، سواء كانت نصوصا قرآنية أو حديثية، وهذا المطلب لا نصفه بـ”المعسور” كسابقه، بل يمكن تصنيفه ضمن خانة الاستحالة.

وعموما، فإن الامتحان منح لهذا السؤال نقطة كاملة، نصفها للشاهد ونصفها للتوثيق، وهذا قد يؤثر على مخرجات الامتحان بالنسبة للتلاميذ لا قدر الله.

السؤال 5 وهو سؤال خاص بكتابة نص قرآني اعتمادا على الحفظ، وكتابة النص تعتمد على طريقتين:

الأولى: ذكر المعنى والمطالبة بالنص المماثل له.

الثانية: المطالبة بكتابة نص اعتمادا على تقنية “من …. إلى …”.

ومن غير التربوي أن نجمع بين الأمرين، أي: [تحديد المعنى] و[تعيين بداية النص ونهايته]، وهذا ما وقع في هذا السؤال، حيث طالب التلاميذ بإيراد النص الذي يشهد لقيمتي الصبر واليقين، ومع ذلك طالبهم بكتابة النص من قوله تعالى: “قال بل سولت … إلى: القوم الكافرون”. وفي الاعتماد على احد المسلكين كفاية وغناء.

وعلاقة بسؤال الحفظ، فإن الوثيقة الإطار خصصت لمهارة حفظ النصوص الشرعية أربع نقط، وإذا جمعنا نقط الحفظ/الاستشهاد في هذا الامتحان فسنجدها 4.5، نقطتان في هذا السؤال ونقطتان على الاستشهاد بسورة يوسف في السؤال 6 ونصف نقطة على الاستشهاد بالنص الحديثي السابق. فاعتمادا على أي مرجع قانوني تم إثقال كاهل التلميذ؟ ألم يكن من الأجدى تحويل الفائض إلى سؤال للفهم أو الاستخراج …

ملاحظة: تنص الوثيقة الإطار على ضرورة الاختبار في المهارة الآتية: تحليل النصوص الشرعية واستخراج أحكامها. مع تخصيص أربع نقط لهذه المهارة.

وتُختبر هذه المهارة بتقديم نصوص للتلاميذ من أجل تقسيمها إلى مقاطع دالة وتحديد معانيها أو تركيب معانيها أو استخراج الأحكام الشرعية منها …

وبالرجوع إلى امتحاننا هذا، فإنه خلو من الحديث عن الأحكام الشرعية المستنبطة من النصوص، إضافة إلى أنه لم يقدم سوى نص واحد في السؤال 3 مع تخصيص نقطتين اثنتين له، والسؤال ج من السؤال نفسه قد لا ندرجه ضمن هذه المهارة، وعلى فرض إدراجه فيها فإن مجموع نقطها لا يتجاوز 3 نقط خلافا للإطار المرجعي الذي نص على 4، مع العلم أن هذه المهارة تساعد التلميذ على تحصيل نقطها ليسر التعامل مع النصوص.

وختاما، فهذه جملة ملاحظات، يتبين من خلالها سلامة الوضعية الأولى، ومع ذلك انصبت عليها الملاحظات والانتقادات والتسفيهات والتخوينات، كما يتبين من خلال هذه الملاحظات بعض ما اعترى الامتحان الجهوي الآخر من هنات ومخالفات، وهذا ما لم يلتفت إليه صناع المحتوى، ولعل هذا قرينة على حالنا وحال عصرنا، حيث لا مواقف إلا لصناعة البوز والتخندق في المواقع، وهذا الصنيع – مع الأسف – لا يسهم في تطوير المجتمع ونهضته.

Share
  • Link copied
المقال التالي