لجأ المغاربة قديما، ومعهم باقي الشعوب التي استقرت في المناطق ذات الحرارة المرتفعة نسبيا، إلى تجفيف اللحوم من أجل الحفاظ عليها من التلف لأطول مدة ممكنة، وكان الناس يستخدمون هذه التقنية خلال عيد الأضحى، حيث يعملون على “تقديد” اللحم، لاستعماله في الأطعمة، فيما بعد.
وتوارث المغاربة من آبائهم وأجدادهم هذه التقنية، المتمثلة في إعداد “القديد” خلال عيد الأضحى، بالرغم من انتفاء علة وجوده الأصلية، والمتجسدة في الرغبة في حفظه من التعفن، في ظل اختراع أجهزة التبريد، التي يمكنها الحفاظ عليه لمدة طويلة.
قد تكون الضرورة القصوى وراء استمرار عادة “القديد” في البوادي والمناطق النائية التي لم تصل إليها الكهرباء، لكن، الرغبة في الحفاظ على العادات والتقاليد، من جهة، وحب مذاقه، هي الدافع الرئيسي لاستمرار تجفيف اللحوم في المدن والقرى التي يتوفر سكانها على أجهزة تبريد.
بعد ساعات قليلة من ذبح الأضحية، عمل العلمي وزوجته صباح، على تقطيعها تمهيدا لوضعها في الثلاجة، نظرا للحرارة المرتفعة، التي لم تعد تمنح فرصة لبقاء اللحم خارج جهاز التبريد، وفي خضم هذه العملية، حرصت صباح، على تقطيع الأجزاء التي تفضل استخدامها لإعداد “القديد”، وهي في الغالب من منطقة القفص الصدري والبطن.
وقالت السيدة نفسها في تصريح لجريدة “بناصا”:”خلال كل عيد أضحى، أحرص على إعداد القديد، حفاظا على عادات وتقاليد أبائنا وأجدادنا، وأيضا، لأنه لذيذ، ويعجبنا في البيت، حيث نحضر به مجموعة من الأطباق، سواء الكسكس، أو الطاجين بالخضر والقديد”.
وعن طريقة إعداده تضيف المتحدثة:”هناك العديد من الطرق التي تختلف من منطقة إلى أخرى بالمغرب، فعني مثلا، أقوم بتقطيع بعض الأجزاء من الأضحية، وأفضّل من الصدر والبطن، ثم أخلطها مع كمية مهمة من الملح، وبعدها أضيف الزيت ممزوجة بالبهارات والتوابل، ثم أضعه تحت أشعة الشمس، ليبقى لنحو أسبوع قبل أن يكون جاهزا”.
ومن جهته أوضح العلمي لـ”بناصا”، أنه قبل حوالي أربعة عقود، كان يقطن برفقة والديه وإخوته في منطقة نائية، وكانوا مجبرين على إعداد القديد، لتفادي تعفن اللحم بعد العيد مباشرة، مسترسلا:”أذكر أن عيد الأضحى كان يتصادف مع الشتاء، وكنا نبقي علىها معلقة في حبل لمدة قد تصل لخمسة أيام، نأكل منها، وبعدها نعد القديد لكي نحافظ على اللحم لأطول مدة ممكنة”.
وأضاف المتحدث نفسه:”رغم أننا حاليا نمل أجهزة تبريد، ولسنا في حاجة إلى إعداد القديد للحفاظ على اللحم، فيمكن للثلاجة أن تبقيه صالحا لشهور، ولكن حافظنا على هذه العادة، لأنها من جهة تذكرنا بآبائنا وأجدادنا، ولأنها لذيذة في الأطباق من جهة ثانية، وهذا في نظري هو السبب الرئيسي لبقائها”.
بمرور الأزمنة، تغيرت الكثير من الأمور في العادات المتوارثة لدى المغاربة، واختفت أخرى، إلا أن “القديد”، أبى أن ينجلي واستمر إلى غاية اليوم، لعدة أسباب، أبرزها أن الآباء ما زالوا يعِدونه، ويحاولون جاهدين تعليمه للأبناء من أجل أن يوصلوا مشعل هذا الإرث للجيل القادم، بهدف أن يواصل المسير، رغم أن علته الأولى التي ابتكر من أجلها، وهي حفظ اللحوم من التلف، انتفت باختراع أجهزة التبريد.
تعليقات الزوار ( 0 )