ليت شاعر النيل المرحوم حافظ إبراهيم كان يدري أيّة نبوءةٍ إعجازيةٍ كبرى قذف بها إلى مَسمع الدّهر يوم حكى لنا أنّ اللغة العربية قالت عن نفسها : أنا البّحر فى أحشائه الدرّ كامنٌ / فهل سألوا الغوّاصَ عن صدفاتي..؟! ،صدق شاعر النيل، وها هو ذا العالم أجمع يحتفل فى 18 من شهر ديسمبر (كانون أوّل) الجاري 2021 باليوم العالمي للّغة العربية، يُحتفىَ بها فى هذا التاريخ من كلّ عام، كلغة عالمية، رسميّة، متداولة، ومُستعملة في جميع المحافل الدّولية،والمنظمات العالمية، ولم يأتِ هذا التتويج عبثاً أوإعتباطاً ، بل جاء بعد نضالٍ متواصل، وجهودٍ متوالية إنطلقت منذ أواسط القرن الفارط، بعد أن أقرّت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونسكو) ذلك في الدورة 92 لمجلسها التنفيذي المنعقد عام 2012، حيث طفق هذا المنتظم الدّولي فى الاحتفال لأوّل مرّة بهذا اليوم في ذلك العام ، قبل أن تقرّر الملحقية الاستشارية للخطة الدّولية لتنمية الثقافة العربية المعروفة ب (أرابيا) المنبثقة عن اليونيسكو كذلك هذا اليوم عنصراً أساسيّاً في برنامج عملها المتواتر فى هذا المجال ،وهكذا حتى نصل إلى قرار الهيئة العامة للأمم المتحدة بجعل اللغة العربية لغة عمل بصفةٍ رسمية بين مختلف اللغات الحيّة الأخرى المعتمدة في الجمعية العامة وهيئاتها المختلفة،وأخيراً الإعلان عن اليوم العالمي لهذه اللغة فى 18 ديسمبر من كل عام كلغة رسمية متداولة فى مختلف الهيئات، والمنظمات، والمحافل الدّولية.
ومع ذلك ما زالت تترى الدّراسات، وتتعدّد النقاشات،وتُطرح التساؤلات،وتُثارالتخوّفات في المدّة الأخيرة عن اللغة العربية، وعن مدى قدرتها على إستيعاب علوم الحداثة، والعصرنة،والإبتكار، والتجديد الذي لا تتوقّف عجلاته ولا تني ،وتخوّف فريق من عدم إمكانها مسايرة هذا العصر المُتطوّر والمُذهل، كما تحمّس بالمقابل فريق آخر فأبرز إمكانات هذه اللغة، وطاقاتها الكبرى مستشهداً بتجربة الماضي، حيث بلغت لغة الضاد في نقل العلوم وترجمتها شأواً بعيداً، كثر الكلام في هذا المجال حتى كاد أن يُصبح حديثَ جميع المجالس، والمنتديات،والمؤتمرات في مختلف البلدان العربية ،فهل تعاني العربيّة حقاً من هذا النقص..؟ وهل هي في حاجة إلى مناقشات من هذا القبيل ..؟ الواقع أنّ اللغة العربية فى العمق ليست في حاجة الى إرتداء ذرع الوقاية يحميها هجمات الكائدين، ويردّ عنها شماتة المتخوّفين، إذ تؤكّد كلّ الدلائل،والقرائن قديماً وحديثاً أنّها كانت وما تزال لغة حيّة ، اللهمّ ما يريد أن يلحق بها بعض المُتشكّكين من نعوت، وعيوب،كانت قد أثارتها فى الأصل زمرة من المُستشرقين في منتصف القرن المنصرم ،حيث إختلقوا موضوعات لم يكن لها وجود قبلهم ، كان الغرض من منها إثارة البلبلة والشكوك بين أبناء هذه اللغة، الذين يعرفون جيّداً أنّها لغة تتوفّرعلى جميع مقوّمات اللغات الحيّة المتطوّرة الصّالحة لكل عصر،و جدير بنا فى مناسبة الإحتفال بيومها العالمي أن نستقي من التاريخ شهادة حيّة قائمة عن الشأو البعيد الذي أدركته هذه اللغة حيث كان لها الغلبىة، وبالتالي تأثيرات بليغة فى عددٍ من اللغات العالميّة الحيّة، وفى طليعتها اللغة الإسبانية:
العربية وتأثيرها فى لغة سيرفانطيس
كان للغة الضّاد بالفعل تأثير بليغ في اللغة الإسبانية، حيث إستقرّت فيها العديد من الكلمات العربية الأصل على إمتداد العصور، وهي الآن تعيش جنباً إلى جنب مع هذه اللغة، وتستعمل في مختلف مجالات الحياة وحقول المعرفة المتعدّدة ،ممّا يقدّم الدليل القاطع على مدى غنى، وثراء، وجزالة ،وفحولة ،وخصوبة لغة الضّاد التى ما فتئت تتألق، وتتأنق، وتنبض بالحياة في عصرنا الحاضر مطواعةً مرنةً سلسةً عذبة متفتّحة ، ينبوع حنان تأخذ وتُعطى بسخاء وكرم لا ينضب معينهما.
وتعيش اللغة الإسبانية في الوقت الحاضر تألقاً وإنتشاراً واسعيْن في مختلف ربوع المعمور، ووعياً من الإسبان بما أدركته لغتهم من رِفعةٍ، و”أوج” يحلو لهم عند الحديث عن إنتشارها ،والإشعاع الذي أصبحت تعرفه إستعمال هذه الكلمة العربية بالذات للتباهي بها وهي (الأوج)، والتي تُنطق عندهم ( Auge ) “”أَوْخيِ” حيث تُقلب أو تُنطق الجيمُ خاءً ، كما هو الشأن في العديد من الكلمات العربية الأخرى المبثوثة فى اللغة الإسبانية مثل : جبل طارق الذي يُنطق عندهم (خِبْرَلْطَارْ)، وكلمة جَبَليّ تُنطق (خَبليّ ) ،وهو “الخنزير البرّي الذي يعيش فى الجبل”، وكلمة الجامع التي تحوّلت عندهم إلى (أَلْخَامَا) ، والجرّة غدت ( خَارّا) ،وهو الدنّ أو إناء الفخار، ونهر أو مدينة “وادي الحِجارة”، التي تحوّلت إلى (غْوَادِيلاَخَارَا) …إلخ.”،إنهم يبذلون جهوداً مضنية،ويرصدون إمكانيات كبرى للتعّريف بلغتهم وثقافتها وإظهار كلّ ما من شأنه أن يبثّ الإعتزاز في ذويها، وأصحابها، ومن ثمّ تأتي تلك الندوات والمناظرات التي تعقد في هذا السّبيل في مختلف المناسبات فى إسبانيا تحت الرئاسة الفعلية للعاهل الإسباني الأسبق ،أو نجله العاهل الإسباني الحالي ، حيث يحرصان على حضور مختلف جلسات الأكاديمية الملكية للغة الإسبانية، خاصّة عند إنضمام عضو جديد إليها أوعند تكريم أحد الرّاحلين عنها، وتصرف الدولة الاسبانية أموالاً طائلة في سبيل نشر لغتهم وثقافتها والتّعريف بتاريخهم ،وبآدابهم، و فنونهم، وتراثهم .
نيبريخا، الدّؤلي، والفراهيدي
ويهدف التنسيق بين مختلف البلدان الناطقة باللغة الاسبانية في مجال المصطلحات اللغوية والكلمات والتعابير المتداولة والمستعملة في هذه البلدان بغاية توحيدها ومحاربة الدّخيل لجعل حدّ “للغزو اللغوي “الأجنبي أعدّت أكاديمية اللغة الاسبانية بالتعاون مع جميع أكادميات اللغة الاسبانية الأخرى الموجودة في مختلف بلدان أمريكا اللاتينية والتي يبلغ عددها 21 أكاديمية لهذه الغاية معجماً أسبانياً فريداً في بابه وهو:”معجم الشكوك الموحّد” بمعنى أنّ أيّ متحدّث أو مستعمل أو مشتغل أو دارس للغة الاسبانية الذي قد يخامره شكّ أوتساوره ريبة حول أيّ إستشارة صغيرة كانت أم كبيرة لها صلة بهذه اللغة سوف يجد ضالته في هذا المعجم.
والإسبان واعون بأهمية لغتهم في عالم اليوم ،وبالمكانة المرموقة التي أصبحت تتبوّأها في مختلف البلدان، وهم يعلمون كذلك أنّ لغتهم من المنتظر أن تصبح من أكثر اللغات الحيّة تأثيراً وإنتشاراً في العالم أجمع في هذا القرن وما بعده .ففي الولايات المتحدة الأمريكية وحدها من المنتظر أن يصبح عدد الناطقين بها – حسب التوقعات المستقبلية – ما ينيف على 100 مليون خلال العقدين القادمين.وتعرف اللغة الاسبانية تقدّماً مهمّاً في البلدان العربية وأصبحت تحظى بإقبال كبير من طرف الطلاب والباحثين، وهي تدرّس اليوم في مختلف الجامعات العربيية، وفي المغرب وحده على سبيل المثال يوجد ما يقارب ستة ملايين من الناطقين بهذه اللغة، كما أصبحت العناية بها تحظى باهتمام متزايد فى مختلف البلدان المقابلة للجزيرة الإيبيرية والمحاذية لحوض البحر الأبيض المتوسّط جنوباً نظراً لعوامل تاريخية، وحضارية ،وثقافية بين إسبانيا وهذه البلدان بحكم الجيرة . ويرى الملاحظون أنّ تقدّم اللغة الاسبانية وإنتشارها في عالم اليوم ليس وليد الصّدفة ، بل يرجع لعدّة عوامل تاريخية وثقافية وحضارية، ذلك أنّ نصف قارة بأكملها تتحدث هذه اللغة (أمريكا الجنوبية).كما أنّ “الأوج” الذي تعرفه اللغة الاسبانية في العالم حقق للثقافة الاسبانية حضوراً مهمّاً في العديد من المحافل العالمية في مجال النشر، والتأليف، و المسرح، والفنون التشكيلية ،والموسيقى، والشعر، والأدب ،والسينما .
وتتعاون إسبانيا مع شقيقاتها ببلدان أمريكا اللاتينية الناطقة بهذه اللغة في هذا الإتجاه لتقوية وتعزيز الهويّة الثقافية باعتبارها من الأواصر القوية التي سوف تعمل على تحقيق تقارب أكبر وتعاون أوثق فيما بينها، فى مختلف المجالات، وقد قامت هذه البلدان بالإضافة الى معجم الشكوك اللغوية الموحّد بإصدارأوّل معجم لتوحيد النّحو الإسباني كذلك. والإسبان وإلى جانبهم سكان البلدان الناطقة باللغة الاسبانية على وعي تامّ بأنّ هذه الجهود لابدّ أن تؤتي أكلها إذ لابدّ أن يعقبها ذيوع وإنتشار أوسع للغتهم. وثقافتهم وبالتالي تقدّم إقتصادي وإزدهار سياحي خاصّة وأنّ إسبانيا تعتبر من أكبر البلدان السياحية في العالم إذ تعرف هذه الصناعة عندهم تقدّماً هائلاً، وتطوّراً مذهلاً، وتعتبر المآثر والمعالم الحضارية الإسلامية في الأندلس عنصراً هامّاً لجذب السّياح من مختلف أنحاء العالم مثل قصر الحمراء بغرناطة ( وهو المعلمة العربية الأولى في إسبانيا الأكثر مشاهدة من طرف السياح الأجانب) بالاضافة إلى العديد من القصور والحصون والمعالم التاريخية الأخرى في مختلف المدن الاسبانية كصومعة لاخيرالدا، وبرج الذهب في إشبيلية، والجامع الأعظم في قرطبة، وقصر الجعفرية بسراقسطة وسواها من المآثر الأخرى .
” نيبريخا “وهو واضع أوّل وأشهر كتاب فى النحو الإسباني(1492)،وأوّل معجم في اللغة الإسبانية (1495)أيّ إنه يعتبرعندنا بمثابة أبي الأسود الدّؤلي واضع النحو العربي، والخليل بن أحمد الفراهيدي واضع أوّل معجم فى لغة الضّاد وهو “العين”، يقول نيبريخا في مقدّمة معجمه مخاطباً الملكة الكاثوليكية إزابيلا: “اللغة القشتالية (الإسبانية نسبة الى قشتالة) كانت باستمرار رفيقة الإمبراطورية الإسبانية”، يريد نيبريخا أن يقول بهذا المعنى” أنّ اللغة سلاح أو وسيلة أوّلية وأساسية لا يمكن أن يحلّ محلها شئ آخر لتأكيد الهويّة، والجذور،والحضور، ورفع صروح الحضارة لأيّ أمّة ، وهي تعني كذلك مغزى الوجود الاسباني في أبعد الآفاق” ( يقصد أمريكا اللاتينية والبلدان التي كانت خاضعة للتّاج الإسباني في ذلك الأوان).
كلمات عربية وأمازيغية في اللغة الاسبانية
يشير الباحث عدلي طاهر نور في مقدمة كتابه ” كلمات عربية في اللغة الاسبانية:” أنه لا جدال في أنّ اللغة العربية ظلت لعدّة قرون في النصف الثاني من العصر الوسيط لغة الحضارة السّائدة في العالم ، ولا عجب أن نسمع” ألباروالقرطبي” وهو من أقطاب الثائرين على المسلمين في القرن التاسع الميلادي يستنكر إنصراف المسيحيين في إسبانيا عن دينهم ولغتهم، ويندّد بشغفهم بعلوم المسلمين وباللغة العربية وآدابها، وإنفاقهم الكثير في سبيل إقتناء كتبها ، وهو لا يجد بين ألف منهم شخصاً واحداً يستطيع أن يكتب باللاّتينية خطاباً صحيحاً إلى صديق له”.
خلال التواجد الإسلامي بشبه الجزيرة الإيبيرية وبشكل خاص فى الأندلس، تعايشت كلّ من اللغتين العربية والأمازيغية جنباً إلى جنب،بل لقد كان لهما تأثير بليغ فى لغة سيرفانطيس ، وبحكم هذه المعايشة هناك العديد من الكلمات العربيّة والأمازيغيّة التي استقرّت فيها ،يرى المُستشرق أمريكُو كَاسْترُو أن معظمَ الكلمات الإسبانية التي لها علاقة بالعدّ، والقياس، والأكل ،والسّقي ،أو الريّ،والبناء،كلها من أصل عربي ، فَمَنْ يبني البِنَاء ؟ ألبانييل Albañil(بالإسبانية) وهو البَنَّاء ،أو الباني،وماذا يبني؟ القصرAlcázar، القبّة Alcoba ، السّطح Azoteaأوالسقف (وهي بالتوالي تُنطقُ فى الإسبانية : ألكَاسَرْ،ألْكُوبَا،أسُوطييّا). وكيف وبماذا يسقي أو يروي الأرضَ؟ بالسّاقية Acequia، والجُب Aljibe ، وألبِرْكَة Alberca (و هي تُنطق فى الإسبانية):أسِيكْيَا،ألْخِيبِي،ألبيركَا. وماذا نأكل بعد ذلك؟ السكّرAzúcar، الأرزArroz ،النارنج Naranja ،الليمون Limón، الخُرشُف Alcachofa،التّرمُسAltramuces ، السّلق Acelgas، السّبانخ Espinacas(وهي تُنطق فى الإسبانية بالتوالي: أسوُكار،أرّوث،نارانخا،الليمون ،الكاشُوفا، ألترامويسيس ،أسيلغا، إيسبيناكاس).وبماذا تزدان بساتيننا، أوتُزَيَّنُ حدائقنا..؟ بالياسمين، Jazmín والزّهرAzahar، والحبَق Albahaca، وتُنطق بالإسبانية: أثهَار، خَاثْمين، وَألبَهاَكا،) بالإضافة إلى العديد من الكلمات الأخرى التي لا حصر لها كلّها دخلت وإستقرّت فى هذه اللغة، وما فتئت الألسنُ تلوكها ،والمعاجم تثبتها ،وتنشرها ،وتتباهى بها ،والكتب والتآليف والمجلدات، والأسفار،والمخطوطات، والوثائق، والمظانّ تحفل بها بدون إنقطاع إلى اليوم سواء فى إسبانيا، أو ما وراء بحر الظلمات فى مختلف بقاع، وضِيَع، وأصقاع العالم الجديد.
وهناك كذلك العديد من الكلمات الأمازيغية التي إستقرّت بدورها فى اللغة الإسبانية مثل (تَزَغّايثْ) أو الزغاية Azagaya (وتعني الرّمح الكبير)، وإستعملها كولومبوس فى يومياته، بصيغة الجمع Azagayas ( الزغايات) وهي موجودة، ومُدرجة فى معجم الأكاديمية الملكية للّغة الإسبانية ،وغير موجودة فى المعاجم العربية لا ” لسان العرب ” ولا ” مقاييس اللغة” ولا ” الصّحّاح في اللغة ” ولا ” القاموس المحيط ” ولا ” العُباب الزّاخر ” لا فى صيغة المفرد ، ولا فى صيغة الجمع ،مِمّا يدلّ الدلالة القاطعة على أصلها وأثلها الأمازيغي حسب ما يؤكّد المُستشرق الهولاندي المعروف (رَيِنْهَارْت دُوزِي: Reinhart Dozy) ، وكلمة (آشْ) تُجمع ب “أشّاون” وتعني القرون ومنها إسم مدينة (الشّاون) المغربية ، ويؤكّد صاحب ” الإحاطة فى أخبار غرناطة ” لسان الدين إبنُ الخطيب أنّ النّهر الوحيد فى شبه الجزيرة الإيبيرية الذي يحمل إسماً أمازيغياً هو”مدينة آش” ،ونهر”وادي آش” أيّ وادي القرن وهو فى الإسبانية “Guadix “، أو “río de Acci”، “Wadi Ash”،” río Ash ” بالقرب من مدينة غرناطة.إلخ (وهكذا الأمر مع العديد من الأسماء المتعلقة بالقبائل وبعض الضّيع والمدن مثل مدينة Teruel الإسبانية (بالقرب من مدينة سراقسطة) المقتبسة من إسم مدينة ” تروال” المغربية بالقرب من مدينة وزّان( وسط المغرب) ( وهي من قبائل بربرصنهاجة)، ومدينة Albarracín بالقرب من ترويل الإسبانية، ويرجع إسم هذه المدينة الى القبيلة البربرية “بني رزين” التي عاشت بها وإستقرت في ربوعها في القرن الثالث عشر، وآخر ملوكها حُسام الدّولة الرزيني، وهي تنحدرمن” بني رزين ” وهي قرية أمازيغية جبلية مغربية والكائنة فى الطريق السّاحلي الرّابط بين تطوان والحسيمة شمال المغرب،.ومنها كلمات مثل Gomera من “غمارة” وهي عند الإسبان إسم جزيرة فى الأرخبيل الكناري، de Gomera Vélez وهذه الكلمة من إسم ” بادس” وهو(إسم شبه الجزيرة المحتلة الكائنة بجوار شاطئ ” قوس قزح” وبني بوفراح ونواحيها بإقليم مدينة الحسيمة)،وإليها يُنسب الوليّ الصّالح أبو يعقوب البادسي،الذي ذكره إبن خلدون فى مقدمته بكل تبجيل،كما تحمل إسمَه الكريم أعرقُ ثانوية فى جوهرة البحر الأبيض المتوسّط مدينة الحسيمة، وإسم بادس مُستعمَل بكثرة فى إسبانيا مثل:Vélez Rubio, Vélez Malaga,Velez Benaudalla,Velez Blanco ,Rio Vélez, إلخ ،ناهيك عن أسماء المنتوجات،والصنائع التي أدخلها المسلمون إلى أوربا فى مختلف الحقول والمجالات وما أكثرها.
كريستوفر كولومبوس والعربية
ومن أطرف ما يمكن أن يحكىَ فى مجال التأثير (اللغوي) العربي فى المجتمع الإسباني، هو أنّه حتى كريستوفر كولومبوس نفسه إستعمل كلمات عربية وأمازيغية فى يومياته ليس فقط تلك التي لها علاقة بميدانه أيّ علوم البحر، ومعارف الإبحار بل فى المسمّيات اليومية العادية، ويكفي أن نستدلّ فى هذا الشأن بالفقرة الأخيرة من يومياته بعد وصوله إلى اليابسة، وهي الفقرة التي تحمل تاريخ السبت 13 أكتوبر1492 حيث يقول :”وعند الصّباح حضر إلى الشاطئ عدد غفير من هؤلاء القوم، ثمّ قدموا فى إتّجاه المركب بواسطة (المعدّيات) فى الأصل الإسباني كما نطقها كولومبوس(ألميدياس)، (مفردها المعديّة وهي كلمة أوردها معجم الدكتور عدلي طاهر نور فى كتابه الآنف الذكر، وهي زورق صغير يعبر عليه من شاطئ إلى آخر ، ومنها عدوة الأندلس، أو عدوة مدينتي سلا والرّباط على نهر أبي رقراق)، ثم يقول :”وإستقدموا معهم لفائف من( القطن) ، ( وهي كلمة عربية كذلك ونطقها كولومبوس” ألغُودُون” كما تنطق اليوم فى الإسبانية)، وكانوا يحملون ( الزغّايات) ،وجاءت هذه الكلمة فى يوميات كولومبوس باسم “أزاغاياس” وهي كلمة أمازيغية سبقت الإشاره إليها أعلاه تعني اليوم عند الإسبان الحرْبة القاطعة التي تثبت فى الطرف الأعلى للبندقية التي كان يحملها رجال الحرس المدني) ،ويضيف: كما إستقدموا معهم طيور( الباباغايوس) “جمع الببّغاء وهو طائر يُطلق على الذّكر والأنثى، من خصائصه أنّه يُحاكي كلامَ الناس”، وهكذا نجد فى فقرة قصيرة جدّاً من هذه اليوميات الكلمات العربية والأمازيغية التالية: (المعديّة،القطن،الزغّاية، الببّغاء) ، بل إنّ كولومبوس نفسه كان يحمل لقباً عربياً وهو” أمير البحر” وينطق فى الإسبانية مُحرّفاً بعض الشئ (ألميرانتي) ،وما زال هذا اللقب يُستعمل فى الإسبانيّة إلى اليوم .
*كاتب من المغرب، عضو الأكاديمية الإسبانية الأمريكية للآداب والعلوم – بوغوطا- كولومبيا.
تعليقات الزوار ( 0 )