Share
  • Link copied

الوهابية والمدخلية من التحالف إلى الولاء المطلق

يعتبر الدين في أغلب الأحيان  ملهما للثورة ضد الظلم والاضطهاد، و داعيا للتخلص من عبودية العباد الي عبودية رب العباد ، ولقد كانت  دعوة الإسلام دعوة التوحيد والمساواة والحرية، حيث لا فرق بين أبيض وأسود ولا بين  عربي وأعجمي إلا بالتقوى، ولذلك اعتنق الدين الإسلامي  في بدايات الدعوة  كثير من العبيد والمحرومين والفقراء والضعفاء الذين رأوا فيه سبيلا للخلاص  من الظلم والثورة ضد أسياد قريش الأرستقراطيين، الذين كثيرا ما عبروا  كما ذكر القرآن  عن رفضهم الإيمان والإسلام بسبب اتباع الأراذل منهم للدين الجديد، قال الله تعالى:(فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِّثْلنا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَنا) صدق الله العظيم .

 لكن الدين عموما  بعد البدايات التأسيسية الاستثنائية المليئة بالحيوية والعنفوان وقيم التضحية والاستشهاد  الصادق من أجل المبادئ، وتحرير الإنسان من العبودية والرق  ومحاربة الصنمية والوثنية   غالبا ما كان  يتحول على يد الأتباع إلى وسيلة للسيطرة وتحقيق المكاسب الدنيوية، فتنطفئ شعلة و حرارة الإيمان في القلوب تدريجيا   وذلك ما حدث  في محطات تاريخية كثيرة ، فتحول الدين إلى أن يصبح ، سببا للقهر، والبطش، فشنت حروب باسم نصرة الدين  سالت فيها الدماء ودبحت خلالها النساء  والأطفال والشيوخ ، وقتل فيها أتباع الدين، باسم الدين، أبناء الأنبياء وأحفادهم ، وتقاتل فيها الحواريون بعضهم بعضا،  وهو نفس ما حدث مع الرعيل الأول من الصحابة فيما سمي تاريخيا بأحداث الفتنة الكبرى.

  وكثيرا ما أصبح الدين مطية للكهنة وإلأفاكين والنصابين ورجال الدين  لتحقيق  مصالحهم  و الوصول إلى كراسي السلطة، والسيطرة على الحكم،، وكثيرا مع عقدت الاتفاقات والتحالفات مع الطواغيت على حساب الحق والعدل ، هكذا فعلت كثير من الحركات والدعوات التي تلبست بلبوس الدين لأنها رأت فيه  سبيلا ووسيلة للإقناع السهل لأكثرية الجموع من الجماهير  التي غالبا ما تنقاد بطواعية تحت أوهام الشعارات البراقة.

وغالبا ما بدأت كل تلك الحركات  باعتبارها حركات  إصلاحية ضد الفساد والظلم، لكنها سرعان ما كانت تنقلب بعد عصر التدشين الأول إلى نقيض أهدافها، لأنها بعد قليل من الفترات الأولى كانت تتراكم الخيرات من الغنائم والضرائب والزكوات والمكوس، فتتشكل طبقة من المستفيدين والمنتفعين وتظهر البيروقراطية والأسياد  وسدنة العرش، فيصبح من كانوا يجلسون مع الناس على الحصائر  بالمساجد وعلى الطرقات  و يمرغون أجسادهم وجوههم  بالتراب  في الميادين الي أشخاص محتجبين عن الناس، فتكثر  الدسائس وتسيل  أنهار من الدماء، وهذا ما سجله  التاريخ  عن كثير. من الدعوات كالدعوة العباسية ومن بعدها الفاطمية والتومرتية  وغيرها من الحركات التي توالت عبر التاريخ الإسلامي ،والتي غالبا ما كانت تبدأ نقية صافية طاهرة وتتحول بعد ذلك إلى سلطة قاهرة تمتلك رقاب الناس،وليست الحركة الوهابية والمدخلية الجامية  بدعا من هذه الحركات،

الوهابية وتحالف الدم بالدم والهدم بالهدم

 يعتبر سياق  ظهور الحركة الوهابية  التاريخي على مسرح الأحداث في أواخر القرن الثامن عشر   تأكيدا  لقاعدة استغلال الدين، للوصول إلى تحقيق المكاسب والمنافع، فقد بدأت في ظاهرها حركة إصلاحية ضد المظاهر الشركية والخرافية والقبورية  لتتحول بعد ذلك إلى وسيلة في يد السلطان والأمير  للقتل والفتك وأذكاء روح  الكراهية وتبديع وتكفير المخالفين ،

قبل ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب على مسرح الأحداث كانت أوضاع الجزيرة العربية خلال القرن الثامن عشر الميلادي تتسم بالفوضى والتشردم والتفكك والنزاعات والحروب الأهلية بين وجهاء وأمراء القبائل،،في نجد والحجاز،  يقول الرحالة بوركهاردت :(إن القبائل العربية في حالة حرب دائمة  تقريبا فيما بينها، ونادرا ما يحدث أن تتمتع قبيلة بلحظة من السلام المشترك مع سائر جيرانها..

كان سكان هذه المناطق يعيشون حالة من الانحطاط الأخلاقي حيث اعتبروا الغزوات والنهب والسلب عملا من أعمال البطولة والشجاعة وتغنوا بها في اشعارهم وغنائياتهم، ولذلك  كانت  غنائم الحرب مصدرا لإثراء وجهاء القبائل، فنشات منهم طبقة من الاستغلاليين سيطر كل واحد منهم  على الحكم في ما يليه من مناطق، فكانت لوجهاء القبائل مصلحة في توسيع مناطق نفوذهم وزيادة مصادر ثروتهم، فاصطدمت مطامحهم ومطامعهم  مع بعضهم البعض، واستنزفت قواهم في الصراع بينهم، واستطاع بعض  من هذه الكثل، السيطرة على نطاق واسع من الأراضي  بالاعتماد على القوة العسكرية والعدة والعتاد وأمراء الحرب الموهوبين، فنشات دول على مساحات واسعة  منها إمارة العيينة  وإمارة الأحساء وإمارة الدرعية، وإمارة الرياض.

وخلال كل هذا الاقتتال من أجل  السيطرة والنفوذ،  اتسم الفكر الديني والأوضاع الاجتماعية   بشيوع الجهل والخرافة وانتشار المظاهر الشركية والتمسح  بالقبور والأولياء والأضرحة، بإستثناء بعض العلماء والمشايخ الذين كانوا يدرسون مبادئ الإسلام في المراكز المدينية، ولذلك انتشرت البدع وكان الشتات والتشردم وغياب سلطة مركزية هو السمة الغالبة لدلك العصر، مما جعل الحاجة ملحة لظهور حركة إصلاح ديني وسياسي شامل، وكانت الإرهاصات الأولى لظهور مثل هذه الدعوة  في المنطقة الأكثر جنوحا نحو دعمها وهي منطقة نجد بسبب موقعها الجغرافي وقوتها  وبعدها عن سيطرة الدولة العثمانية التي كانت قبضتها قد بدأت تتراخى في سيطرتها  على الجزيرة العربية بما فيها الحجاز ونجد والإحساء، وفي  ظل هذه  الظروف ولد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مدينة  العيينة وسط نجد سنة 1115 هـ الموافق من عام 1703.ميلادية، لأسرة ينتسب إليها عدد من علماء الدين، كان جدُّه سليمان بن علي بن مشرف من أشهر العلماء في الجزيرة العربية في عصره، وكذلك كان والده عالمًا فقيهًا على مذهب الإمام أحمد بن حنبل وأحد القضاة المعروفين، فقد تولَّى القضاء في  العيينة وحريملاء.

تعلم محمد بن عبد الوهاب  القرآن الكريم وحفظه  وقرأ على أبيه في الفقه، وتذكر المصادر  أنه كان مشهوراً حينئذ بحدة ذهنه وسرعة حفظه ومزاجه العصبي الحاد. 

سافر إلى مكة والمدينة لتحصيل المزيد من العلم والتقى في سفره بالعديد من العلماء، ودرس على يد الشيخ عبد الله بن سيف والشيخ محمد حياة السندي، والشيخ علي أفندي الداغستاني الدمشقي فأخذ عنهم بقية علومه، ثم توجه إلى الأحساء فأخذ عن شيوخها كالشيخ عبد اللطيف العقالقي الأحسائي، وزار البصرة ودرس على الشيخ محمد المجموعي البصري،  وشرع  بعدها في الانكباب  على تدارس  كتب الشيخين ابن تيمية وابن القيم واهتم بالأراء والفتاوى الأكثر تطرفا من تكفير وتبديع المخالفين خصوصا على مستوى الخلاف العقدي وكان مجسما مشبها على طريقة بن تيمية يقول بالعلو والجهة واليد والساق والجلوس على العرش  وقد لابن تيمية   الأثر البالغ  في  بناء وتشكيل معالم  أفكاره ودعوته، والتي زاد فيها وطورها  إلى فكرة مؤداها أن كل المجتمع في حالة من الشرك أسوأ مما كان عليه كفار قريش، وهو عبر كتبه يؤكد دائما موقفه التكفيري يقول  في كتاب الدرر السنية :(لولا أن الناس إلى الآن ما عرفوا  دين الرسول وأنهم يستنكر ون الأمر الذي لم يألفوه لكان لهم شأن آخر) وقال أيضا :(فمن فهم فهمنا جيدا… وعرف الشرك الذي يفعلونه  كفار قريش  رأى العجب العجاب خصوصا إذا عرف أن شركهم دون شرك كثير من الناس اليوم) ويقول كذلك في أحد رسائله :(فإذا علمت هذا علمت ما عليه أكثر الناس وعلمت أنهم أعظم كفرا وشركا من المشركين الذين قاتلهم النبي ص) وهكذا فهو يخرج كل أهل زمانه من ملة الإسلام رغم أنه كان هناك علماء على مذهب أهل السنة والجماعة من الأشاعرة والماتريدية، وألغى كل التاريخ الفكري والفقهي والمذهبي السابق عنه، بل إنه اعتبر نفسه ومشايخه الذين أخذ عنهم ليسوا على شيء حتى جاءه الإلهام الرباني بالدعوة السلفية الصحيحة يقول :(أنا أخبركم عن نفسي، والله الذي لا إله إلا هو، لقد طلبت العلم، وأعتقد من عرفني أن لي معرفة، وأنا ذلك الوقت لا أعرف معنى لا إله إلا الله، ولا أعرف دين الله ، قبل هذا الخير الذي من الله به، وكذلك مشايخي ،ما منهم رجل عرف ذلك، فمن زعم من علماء مدينة العارض أنه عرف معنى لا إله إلا الله أو عرف معنى الإسلام قبل هذا الوقت أو زعم من مشايخه أحدا عرف ذلك فقد كذب وافترى) فكل أهل فترته لم يكن يعلم صحيح الدين إلا هو.

 ثم إنه سافر بعد هذا التشبع بالفكر التكفيري  إلى البصرة لتلقي العلوم على علمائها، وهناك بدأت تظهر شخصيته العلمية وتتشكل أفكاره ومعالم دعوته بعد ما شاهد هناك ما اعتبره في رأيه انتشار البدع والمظاهر الشركية والتمسح بالقبور والتوسل  بالنبي  والأولياء فاستنكر هذه المظاهر وأعلن  رفضه لها وكفر الصوفية والشيعة   وأنكر على العلماء هناك ما سمعه من أراء  لا  تتفق مع صحيح الدين كما كان  يراه هو طبعا، فأوذي بسبب ذلك ورفضت أفكاره  ، فخرج  طريدا من البصرة إلى الزبير ثم انتقل الى الإحساء ثم عاد الي حريملاء ومن هناك بدأ دعوته وصار له أتباع وتلاميذ وهناك ألف كتابه الأساسي الأشهر كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد وقد انتشر انتشار واسعا مما أدى إلى محاولة قتله من طرف  من أنكر عليهم عقيدتهم واتهمهم بالشرك والضلال  والكفر.

يروي بن غنام في تاريخ نجد المسمى روضة الأفكار  والأفهام لمرتاد حال الإمام وإعداد غزوات الإسلام ،أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب خرج من حريملاء الي العيينة وكان أميرها حينئذ هو  عثمان بن حمد بن معمر  الذي آواه وأيده ونصر دعوته وزوجه عمته  الجوهرة بنت عبد الله بن معمر وبدأ دعوته أولا بالتوجه مع جيش ابن معمر لهدم قبة زيد بن الخطاب  فهدمها معلنا بداية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  وفق ما ذكره ابن بشر في كتابه عنوان المجد في تاريخ نجد، فبدأ صدى دعوته في الانتشار، مما خلف استياء واستنكارا لدى العديد من علماء مكة والمدينة والبصرة، الذين وجهوا شكاية ضده الي أمير الإحساء حينها سليمان بن محمد بن آل حميد اتهموه فيها بالخروج عن إجماع المسلمين، فأرسل الآمير أمر  إلى أمير العيينة ابن معمر  يأمره بقتل الشيخ وإلا قطع عنه الخراج،  فخرج بن عبد الوهاب مطرودا من العيينة وتوجه إلى الدرعية  وهناك توافد عليه تلاميذه وطلابه وأتباعه وكان من بينهم شخصين مهمين هنا ثنيان بن سعود ومشاري بن سعود، إخوة أمير الدرعية محمد بن سعود بن مقرن والذي لم يكن مهتما في البداية بالشيخ محمد بن عبد الوهاب  إلا بعد أن  طلبت منه زوجته موضي بنت أبي وطيان الذهاب إليه ونصرة دعوته، وفي هذا الوقت بالذات تم اللقاء التاريخي بين الشيخ عبد الوهاب وأمير الدرعية محمد بن سعود سنة 1845  ميلادية حيث تم عقد ميثاق الدرعية الذي دشن ميلاد تحالف ديني سياسي؛بين الدعوة والدولة اشترط فيه محمد بن سعود على الشيخ شرطين قبل عقد الاتفاق النهائي  أولهما أن الدم بالدم والهدوم بالدم ، وثانيهما أن لا يرغب عنه الشيخ إذا ظهر أمره وأن لا يعترض عليه فيما يأخذه من أهالي الدرعية من ضرائب ومكوس، فقبل الشيخ الاتفاق،  ومنذ تلك اللحظة بدأ تشكل الدولة السعودية الأولى وبدأت حروب التوسع ومحاربة المبتدعين والمخالفين كانت بدايتها حربهم الطويلة ضد أمير الرياض دهام بن دواس والتي خلفت حسب المصادر في تاريخ ابن غنام ولمع الشهاب وتاريخ ابن بشر، 1700 قتيل ثم تلتها الحرب ضد قبيلة بن خالد التي انتهت بضم منطقة الإحساء تم توالت الحروب حربا بعد حرب خلفت آلاف القتلى إلى أن تم القضاء على الدولة السعودية الأولى سنة 1818 ميلادية على يد الجيش العثماني بقيادة ابراهيم باشا  ، وبقي الشيخ في خدمة الدولة والدولة في خدمة الدعوة إلى أن توفي نتيجة مرض عضال عن عمر يناهز 91 سنة في عام 1206 هـ الموافق 1791 توفي محمد بن عبد الوهّاب في العيينة بالقرب من الرياض، قال ابن غنام: «كان ابتداء المرض به في شوال، ثم كان وفاته في يوم الاثنين من آخر الشهر.، وكذا قال عبد الرحمن بن قاسم، أما ابن بشر فيقول: «كانت وفاته آخر ذي القعدة من السنة المذكورة.، وقول ابن غنام أرجح لتقدمه في الزمن على ابن بشر ولمعاصرته له وشهوده زمن وفاته وتدوينه لتاريخه،

المدخلية والجامية والولاء المطلق للسلطان

تعتبر المدخلية نسبة إلى مؤسسها الشيخ ربيع المدخلي المزداد بالسعودية بتاريخ 1932 ميلادية، النسخة الثانية الحديثة المعاصرة من الوهابية،وتعتبر حرب الخليج الثانية وتحرير الكويت سنة 1991 ميلادية إيذانا بظهورها على سطح الأحداث  ومن خصائص هذه الجماعة  اشتراطها التزكية والإجازة، فلابد عندهم لأي شيخ أو داعية قبل الاستماع إليه أن يحصل على تزكية من أحد رموزهم  وإلا عد مشكوكا في انتمائه ومبتدعا لا يجوز الاستماع إليه.

 ومن خصائصهم كذلك الامتحان بالأشخاص، وهي أن يسأل الشخص عن رأيه في قادتهم ومخالفيهم،  فإن أجاب بجواب مخالف لما تقوله الجماعة، اعتبر المجيب مبتدعا وإن قال لا أعرف اعتبر مبتدعا خفيا، ومن مبادئهم عدم جواز إنكار المنكر العام الحاصل بموافقة الحاكم. ويؤمنون بأن كل حاكم ينتسب للإسلام  تجب طاعته ولو ارتكب الموبقات المجمع عليها وقد كان صدور كتابه (صد  عدوان الملحدين وحكم الاستعانة بغير المسلمين) الذي يعتبر ردا على الرفض المتنامي للاستعانة بالولايات المتحدة لإخراج القوات العراقية من الكويت  في أوساط مكونات التيار الإسلامي ودحضا للفتوى التي حرمت الإستعانة بالكافر في قتال المسلم، وكان هذا الكتاب ،بمثابة  إعلان عن تحالف تاريخي ثاني بين الدعوة والدولة تجاوز  مفردات الوهابية التي بدأت تجف ينابيعها من المياه،وعروقها. من الدماء، فظهر المداخلة أو الجاميون بوجه أكثر بشاعة في مبايعة السلطان المتغلب في كل الأحوال والولاء المطلق له دون شروط ،، ويقوم الأساس المنهجي للمداخلة الجاميون على رفض التحزب ومخالفة الجماعة، ومن أدبياته وأهم أفكاره وجوب الطاعة للأمير في المنشط والمكر ه، ولو زنى وشرب الخمر  ولو في الحرم، وأن الصلاة خلفه صحيحة ولو كان فاسقا ما لم يعلن كفرا صريحا بواحا، و عدم محاربة الحاكم مطلقا وان الخارجين عنه مبتدعة عصاة خارجون عن الملة يجب قتالهم بدون هوادة، فمعارضة الحاكم عندهم حرام، وهم لذلك يعتبرون الجماعة المسلمة هي الدولة والسلطان، ولذلك فإنهم يشنون هجومهم الحاد على الجماعات الإسلامية  الإخوانية والحزبية لأنهم في في رأيهم خوارج ومبتدعة ،يَمْرُقُونَ مِنْ الدين كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، ولذلك فقد سخرت الدولة السعودية لهذه الحركة كل الأمكانيات، وانتشرت عقب ذلك في كل أنحاء السعودية بدعم من آل سعود الذين اعتبروها أيديولوجيتهم الجديدة،، والتي سيواجهون بها التيار الإخواني ومن خلالهم سيتم تجييش بعض التيارات السلفية  على إجهاض ثورات الربيع العربي  فانتشرت الجامية والمدخلية في مصر ومن أبرز رموزهم سعيد رسلان الدي اشتهر بخطبه النارية ولسانه الحاد السليط والتبليغ،  وهو صاحب الفتوى الشهيرة التي تبيح لجنود السيسي بوجوب قتل المعارضين من أهالي كرداسة وغيرهم، أو كما يسميهم في سائر خطبه بكلاب النار  كما انتشرت المدخلية  في كل من الجزائر وليبيا واليمن، يرى ستيفان لاكروا في كتابه زمن الصحوة أن دعوى المداخلة تقوم على أصلين أولاهما الطاعة الكاملة لولي الأمر مع التوقف عند ظاهر النصوص، دون أن تعطي أي فرصة لأي تعبير عن رأي مخالف لهوى السلطان “وينص المدخلي في كتابه عون الباري ببيان ما تضمنه شرح السنة للإمام  البربهاري  أن المتغلب تجب طاعته حقنا للدماء، فإذا تغلب آخر عليه  وجبت طاعة المتغلب الجديد ، وهذه الطاعة واجبة ولو جلد الآمير ظهرك وأخذ مالك، أما الأصل الثاني المعتمد عند المداخلة فهو الطعن في المخالفين وتبديعهم وتفكيرهم، فالشيخ  ربيع المدخلي اعتبر جماعة الإخوان المسلمين مثلا  جماعة مارقة تجب محاربتهم َوقتلهم حيثما ثقفوا ولذلك رفعت الجماعة المدخلية منتصف التسعينات  تقريرها الشهير  المعنون بالتنظيم السري  العالمي بين التخطيط والتطبيق  في المملكة العربية السعودية وقد أعقب هذا التقرير حملات اعتقال شنتها السلطات السعودية ضد عدد من الدعاة والعلماء المحسوبين على تيار الصحوة الإسلامية وزجت بكثير منهم  في السجون وكان آخرهم الشيخ سلمان العودة وعوض القرني، وعلى العمري والعلامة محمد بن صالح المنحد وغيرهم كثير .

وقد عرف المداخلة بالشراسة وعدم الرحمة في مواجهة خصومهم والمخالفين،لهم  إلا أنهم لم يسيروا  دائما على منهجهم في وجوب الطاعة لولاة الآمر مهما كانت هوياتهم طالما وصلوا للسلطة بالتغلب أو بالانتخاب ،فقد خالفوا مبدأهم عندما حكمت بعض  الدول العربية حكومات منتخبة ليست حليفة للسعودية، كما حدث مع حكم الأخوان المسلمين بمصر حيث حاربوا  حكومة محمد مرسي  بواسطة اذرعتهم هناك من مجموعات سلفية كأتباع سعيد  رسلان وأتباع حزب النور السلفي الذين تحالفو ا مع الانقلاب العسكري الذي قاده عبد الفتاح السيسي في يوليوز 2013 ميلادية، أو كما يحدث الآن من محاربتهم إلى جانب اللواء المتقاعد الجنرال حفتر ضد حكومة السراج المنتخبة  وهي الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا،، وتحالفهم كذلك مع القوات الإماراتية، ضد الرئيس الشرعي المنتخب في اليمن عبد ربه منصور هادي.

وهكذا، وعلى سبيل الختم والخلاصة،  يتبين جليا أن الأمر بالنسبة للدعوة الوهابية  وربيبتها المدخلية  والجامية لم يكن  متعلقا  بدين أوقيم ومبادئ وإنما كان متعلقا  بسياسة وتحالفات ومصالح مجردة  من كل  الأخلاق الإنسانية، ومستعدة للتحالف حتى  مع الشيطان إذا لبس الشماغ والغترةوالعقال والبشت والدراعة وأمسك بالسبحة.

المصادر والمراجع

كتاب الدرر السنية

رسائل الشيخ محمد بن الوهاب

كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد

كتاب لمع الشهاب

رسائل علماء الدعوة النجدية

روضة الأفكار لابن غنام

كتاب عنوان المجد في تاريخ نجد

كتاب عون الباري فيما تضمنه شرح السنة للإمام البربهاري للشيخ ربيع المدخلي

كتاب الوهابية بين الشرك وتصدع القبيلة لخالد الدخيل

Share
  • Link copied
المقال التالي