إنّ فكرة العدالة و المساواة في عُمْقِهما تعبير في لحظة تاريخية ما عن مدى تجاوز المجتمع لمفهومي التحكم و التسلط في تدبير السلطة لأساليب القهر و إرادة القوة. فالسلطة المطلقة هي في جَوْهَرِها مَفْسَدة مُطلقة كما هو معلوم في الفكر السياسي كما أن “الظُّلم ظَلَّ دائماً مُؤذناً بِخَرَاب العُمْرَان” كما ذكر ابن خلدون في المقدمة.
مشكلتنا اليوم أننا نسمع ونقرأ و نَطَّلِع على الحدث -نصّاً و صورة- ونُفَسِّر باستمرار و نَمْضِي في صمت دون أن نُفَكِّر قليلاً في ما يَجرِي و يَدُور حولنا من أمور. يُرَاد لَنَا أن نعيش في دوَّامة و واقع يتجوهران بلا أفق. فالحدث يقع في مكان ولكن الهدف يتَحقَّق في مكان آخر بينما يُراد لنا أن نُشَاهد و نُدرِك أشياء أخرى. هي منهجية سياسية/مكيافيلية أتقنتها الدولة العميقَة بألسن عقيمة. لُعبَة يلعبها الكبار ويُصَدِّقها العامة، فكلّ منَّا يتمنى شيء ولكن في الواقِع لايحدث إلاّ نقيضُه لأن اللعبة سياسية بامتياز يكثر فيها الإلتباس بين المُمَثِّل و الكُومْبَارس. و المُخْرِج هو من يفرض شروطه و يحدد طبيعة الحَلقَة النهائية و من يكون البطل في برنامج آخر المطاف.
فعندما تكون القيم هي من يحرك دواليب السلطة، ينعم المواطن بحقه في الحياة الكريمة والحرية والعدالة الإجتماعية رغم الصعوبات والإكراهات. فالدولة بآلياتها و إمكانياتها و أجهزتها ستعامله بإنسانية وتريح باله و كاهله من الأحمال وتعينه على الضغوطات و على نوائب الدهر و تساعده في كسب رهان العيش الكريم و لن تمارس عليه سياسة القهر و الكليشيهات، ليعيش خوفًا وقلقًا و رعباً في مجالات التعليم والصحة والسكن والتشغيل أو ما يسمى بِرُبَاعيّة الكرامة، و يد السلطة تكتب و تمرر خفية و في ظروف غير اعتيادية مشاريع وقوانين قمعية/طبقية فيما هي تداري باليد الأخرى غنيمة الصناديق وما تَحتَوِيه و تخطفها ظلماً و بغياً من فم و بطن القهر الشعبي في عز أزمة الوضع الحالي فإلى أين نحن ذاهبون؟. للأسف، كان بالإمكان أن نجعل من المحنة لحظة تعبئة تاريخية ترنو نحو الأفق والمستقبل القريب. بالرغم ما تشهَد عليه العين ولا تُخطِئه البصيرة، ستَخرج أصوات نَشَاز تُشِيد بتحقيق إنجاز هو في الأصل إخفاق أو تقدم ما بإسم يافطة الاستثناء، بينما في الحقيقة نحن لا زلنا ها هُنَا مُنتَظِرون وإلى الخَلف راجِعون: إنها البطولَة الجماعية بتوقيع الاستشارة المراهقة والتي تتحرك بِمنطق البُطلاَن الفردي وما خفي أعظم.
تعليقات الزوار ( 0 )