Share
  • Link copied

الوزير وهبي ومعضلة التشهير!

السرعة التي تمت بها محاكمة الصحفي حميد المهدوي في الدعوى المرفوعة ضده من طرف وزير العدل في حكومة عزيز أخنوش والأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة عبد اللطيف وهبي مسألة يمكن تجاوزها بل واعتبارها مسألة ايجابية على اعتبار أن تعجيل البث في القضايا المعروضة أمام القضاء يعد من شروط المحاكمة العادلة التي تم التنصيص عليها في عدد من التشريعات كما أنها كانت دوما حاضرة كمطلب اساسي ضمن مطالب الهيئات والجمعيات التي تعنى بقضايا حقوق الإنسان دوليا ووطنيا.

أما بخصوص الحكم الصادر في حقه فلن أعلق عليه لسبب بسيط وموضوعي وهو أن المحاكمة لم تنته بعد وأن الصحفي حميد المهداوي لازالت أمامه درجات أخرى في التقاضي لإثبات براءته من التهم التي وجهت إليه بناء على الشكاية المقدمة ضده من طرف وزير العدل عبد اللطيف وهبي!

المؤاخدة الجوهرية لدي في متابعة الطور الأول من هذه المحاكمة التي ستكون طويلة بدون شك بالنظر لما ستولده من تفاعلات وطنية ودولية تنصب بالأساس على محاكمة صحفي بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر في الوقت الذي حوكم فيه صحفيين آخرين في قضايا مماثلة بهذا القانون!

مهما اجتهدت بعض الجهات وحاولت تبرير وتسويغ محاكمة الصحفي حميد المهدوي بالقانون الجنائي عوض قانون الصحافة والنشر فالثابت أن المنظمات الحقوقية الوطنية والدولية التي تابعت أطوار هذه المحاكمة التي جمعت بين وزير سياسي ينتمي الى السلطة التنفيدية ويتربع على كرسي وزارة العدل وبين صحافي مهني يدير صحيفة إلكترونية ويمارس وظيفته بشكل قانوني لن تقبل هذه المحاكمة من الأساس وبالتالي يكون وزير العدل عبد اللطيف وهبي ورئيس الحكومة عزيز أخنوش الذي أحال شكايته على القضاء قد منحا فرصة مواتية لتلك المنظمات لجلد المغرب حقوقيا وهو الذي يرأس اليوم مجلس حقوق الإنسان بجونيف!

الغريب في الأمر هو أن محاكمة الصحفي حميد المهدوي بالقانون الجنائي تأتي مباشرة بعد صدور عفو ملكي مهم جدا على عدد من الصحفيين الذين حوكموا في ملفات مختلفة بموجب القانون الجنائي ومن ضمنهم الصحفي رضا الطوجني الذي حكمت عليه المحكمة بأربعة سنوات نافذة في الدعوى التي رفعها ضده الوزير عبد اللطيف وهبي لم يقضي منها إلا ستة أشهر خلف القضبان!

يبدو أن رئيس الحكومة ووزير العدل عبد اللطيف وهبي لم يلتقطا إشارة العفو على الصحفيين بشكل جيد وإن كنت شخصيا أعي ان للعفو للملكي السامي سياقات داخلية وخارجية ينبغي أخدها بعين الاعتبار ولست أدري ما هي القيمة المضافة من متابعة صحفي بالقانون الجنائي على أمور وقضايا تتعلق بالصحافة والنشر إلا إذا كانت هناك نوايا مبيتة لاخراص صوت هذا الصحفي وتكميم فمه وترهيب صحفيين آخرين من خلال محاكمته!

أنا لا أعيب على وزير العدل عبد اللطيف وهبي لجوئه الى القضاء في إطار مساطر قانونية واضحة فهذا حقه الذي يمكن مصادرته تحت أي ذريعة كانت ولكن ما ولد لدي شكوك كبيرة حول محاكمة الصحفي حميد المهداوي هو أن وزير العدل عبد اللطيف وهبي ربط ذلك بكرامته التي حددها في الأدني بمليار سنتيم في حين أنه يدرك بأن هناك الكثير من القنوات التي تطاولت عليه وعلى أصوله دون أن يحرك أي ساكن في حين أن حميد المهدوي نشر وثائق وذهب الى المحكمة في احترام تام للقضاء وللعدالة من أجل الدفاع على مهنته كصحافي وعلى براءته كمتهم!

من حق الصحفي حميد المهدوي ومعه الكثير من الحقوقيين التساؤل حول خلفية هذه المحاكمة دون الخوض في مناقشة منطوق الحكم الذي يبقى ابتدائيا لاسيما وأن ميزان المساواة وتكافؤ الفرص بين الوزير والصحفي كان مختلا في الإعلام وفي الصحافة وفي مواقع التواصل الاجتماعي التي يشتكي منها الوزير ويطالب بضرورة وضع حد للتسيب الحاصل فيها!

كمتابع لاحظت أن عدد القنوات بمواقع التواصل الاجتماعي التي ناصرت الوزير وهبي ضد الصحفي حميد المهدوي كان كبيرا جدا وتوطينها جمع بين الداخل والخارج مما يطرح أكثر من علامة استفهام حول علاقة الوزير وهبي كطرف في الدعوى بتلك القنوات الرهيبة التي عملت على شيطنة صحفي كل ذنبه أنه نشر وثائق وادعى أنها صحيحة ودافع عن إدعاءاته؟

في الوقت الذي يشتكي فيه الفاعل السياسي والحكومي والحزبي عبد اللطيف وهبي من داخل قبة البرلمان وفي خرجاته الاعلامية من القنوات والصفحات بمواقع التواصل الاجتماعي ويترافع من أجل وضع حد للجريمة الإلكترونية نجد أن هناك كم هائل اليوم من القنوات التي تدافع عن شخصيات حكومية بكل أساليب التشهير والسب والقدف!

هذه المفارقة العجيبة تولد لدي شخصيا شكوكا حول ما إذا كان خطاب الفاعل الحكومي اليوم مجرد تقية سياسية تخفي وراءها ما تخفيه!

منصب حكومي كبير مثل وزارة العدل ليس بالأمر الهين، وعدد القنوات والصفحات التي تهاجم اليوم الصحفي حميد المهداوي كطرف مشتكى به بعنف كبير، وتدافع بشراسة عن الوزير عبد اللطيف وهبي، تطرح فعلا أكثر من سؤال حول طبيعة العلاقة المفترضة بين الطرفين؟ هل هي صفحات حزبية؟ أم أنها كتائب الكترونية تخضع لقانون السوق؟ أم ” فاغنر” إلكتروني مستعد لفعل أي شيء مقابل المال؟

احترامي لشخص وهبي الحقوقي والمثقف والقيادي في الحزب الذي تقول أدبياته بأنه جاء لمصالحة المغاربة مع السياسة هي الدافع وراء طرح هذه الأسئلة لأنني عندما أشاهد كما هائلا من الصفحات والقنوات التي اتخدت من التشهير والسب والقذف عناوين بارزة لها أتساءل بألم كبير: كيف لقنوات وصفحات قال عنها وزير العدل ما لم يقله مالك في الخمر في وقت سابق وطالب بضرورة وضع حد لنشاطها الالكتروني ومن داخل قبة البرلمان تدافع عنه اليوم في مواجهة صحافي يقول بأنه نشر معطيات ووثائق صحيحة وبصرح بأنه يحترم مؤسسات الدولة ويثق في القضاء ويعتبر أحكامه عنوان الحقيقة؟

Share
  • Link copied
المقال التالي