Share
  • Link copied

النِّظام الجزائري “يُشيطِن” المغرب من خلال توظِيف هَندسة الخِطاب الدّينيّ

في محاولة لشيطنة النجاحات الدبلوماسية في تعزيز الوحدة الترابية للمملكة، وظف النظام الجزائري منابر خطب الجمعة، في أسلوب جديد لتهييج الرأي العام وغرس أفكار عدائية في قلوب وعقول المصلين الجزائريين ضد النظام المغربي.

الكاتب وأستاذ الصراعات الدولية وعضو لجنة خبراء الأمم المتحدة سابقا، محمد الشرقاوي، علق على الموضوع في تدوينة له يومه (الجمعة) على صفحته بـ”الفيسبوك”، جاء فيها، “أنه بمنطق تطوّر الصراعات، هناك وسائل سياسية وإعلامية تعتمدها الأطراف أحيانا سواء من أجل التصعيد أو بهدف خفض التصعيد، وهي وسائل مرنة يمكن العدول عنها عندما تنفرج الأجواء وتتجه الأمور نحو التسوية. ويمكن تسميتها هندسة ثقافية ناعمة”.


وأضاف الشرقاوي، “أن ما تفعله الجزائر هذا الأسبوع يمتد إلى ما هو أسوء وأشدّ في تعميق الصراع على الصحراء مع الجيران المغاربة، فقد أصدرت مصلحة الإرشاد الديني في مديرية الأوقاف والشؤون الدينية في ولاية برج بوعريرج مذكرة توجيهية “المراسلة الوزارية رقم 306” إلى أئمة المساجد لتخصيص خطبة الجمعة (اليوم) “لتنوير الرأي العام بما يحدث في الأراضي المحتلة فلسطين والصحراء الغربية.”


وأوضح الشرقاوي، “أنه عندما تنطلق خطب الأئمة بسرديات ومواعظ حول رمزية القدس حيث المسجد الأقصى ثالث الحرمين، والدلالات التاريخية والدينية لاحتلال الأراضي الفلسطينية، ومحاولة مقارنة ذلك بالوضع في الصحراء، عندئد يختلط الديني مع التاريخي مع الثقافي مع السياسي، وتنغرس عدائية أعمق في قلوب وعقول المصلين الجزائريين. فتحتكر الذات “الفضائل”، وتُلقي على الآخر شتى “الخطايا” وبقية أصناف “الشيطنة” في ساعات خشوع روحاني وزخم وجداني”.


وتابع المتحدث ذاته، “أن هذه هندسة ليست مرنة، بل على النقيض، هندسة ثقافية صلبة كثيفة تزيد في سوداوية الانطباعات والتشبع بـ”المقدّس الجديد”، كما يُرمى بالسماد على أرض مزروعة تستقي من خطبة الجمعة وسماحة الدين. وتاريخ الصراعات يعكس كيف أن توظيف الدين، في الإسلام أو المسيحية أو اليهودية، وهندسة الهويات الفرعية بمنطق الطائفية والعرق واللغة، هما بمثابة ضخ وقود نووي في تأجيج مشاعر الكراهية وقولبة الذاكرة عبر الأجيال”.

وزاد، “بين الدفاع عن المعتقدات الدينية والاعتداد بالهويات قرينة عضوية مع التعصب والتطرف في تاريخ الصراعات. تتولد قناعات جديدة وتتعزز أخرى قديمة، فتصبح نظاما اجتماعيا توحيديا ومرجعية وطنية ودينية متداخلة في ظل سرديات سياسية تتوخى استنهاض الهمم”.

وأردف، “فقد تدفق خطاب رئيس الوزراء الجزائري عبد العزيز جراد يوم السبت الماضي في الذكرى الستين للتظاهرات الوطنية خلال حرب الاستقلال (1954-1962) بعدة أطياف لنظرية المؤامرة من قبيل “الجزائر مستهدفة بالذات”، وأن هناك “تحديات تحيط بالبلاد”، ولم ينس التأكيد أيضا على “وصول الكيان الصّهيوني قرب الحدود”.


واسترسل الشرقاوي بالقول، “هي إدارة مرحلة جديدة في صراع الصحراء، بعد اعتراف الرئيس ترمب بالسيادة المغربية على الصحراء برمتها، بخطاب وتعبئة يولدان من رحم معادلة صفرية سلبية ورثتها الجزائر عن الرئيس الراحل هواري بومدين منذ 1975، وتقوم على فرضية “الأنا الرّابح” مقابل “الآخر الخاسر” في تطبيق انفعالي أكثر منه واقعيا من خلال احتضان جبهة البوليساريو والاستثمار في طموحاتها ضد المغرب.


وأضاف، “هي معادلة قامت على فرضية لم تسعفه بتطويع الجغرافيا السياسية أنذاك، ولم تمنحه ما كان ينشد لمكانة الجزائر بين دول عدم الانحياز والحركة العالمثالثية، مما شكل العمود الفقري للسياسة الخارجية الجزائرية خلال رئاسته (1965-1978)”.

وأبرز أستاذ الصراعات الدولية، “أن السياسة الخارجية لجزائر بومدين، كانت تعمل بمقولة الخلطة الذكية بين دواعي المصلحة والواقعية السياسية من ناحية، وخطاب يضفي عليهما سماحة القيم ومناصرة ما اعتبره إحدى حركات التحرر من ناحية أخرى”.


وتوفي الرئيس بومدين عام 1978 دون تقييم دقيق لعائدات الدعم الجزائري من دعم البوليساريو على المدى البعيد، وما ظل خفيا في استدامة الجليد بين الجزائر والرباط حتى الآن، رغم انفراج نسبي عند توقيع معاهدة مراكش لتأسيس الاتحاد المغاربي في 17 فبراير 1989″.

وشدد الشرقاوي في التدوينة ذاتها، “أن رؤساء وجنرالات الجزائر اللاحقون، باستثناء محمد بوضياف، ورثوا تركة هذه الواقعية السياسية ذات الحسابات المتقلبة مع مجافزة غير استراتيجية بمعادلة “رابح – خاسر” ذاتها. وتحوّل دعم البوليساريو إلى محور رئيسي في العقيدة السياسية الجزائرية”.


وأضاف، “قد يكون في تقديرات جزائر 2020، الخارجة من حراك 2019، أن قضية الصحراء ومساندة البوليساريو لا تزال تمثل ورقةالمرحلة بتكريس خطاب معياري أو مبدئي بشأن مصيرها على أمل توحيد الصف الجزائري باستدامة العداء تجاه المغرب”.

وأوضح الشرقاوي، أنه بمفاهيم تطور الصراعات الممتدة، دخل صراع الصحراء والقطيعة بين الجزائر والمغرب مرحلة الجمود المؤذي كما يسمّيه الدكتور وليام زارتمان مدير الدراسات الأفريقية في جامعة جونز هوبكنز في واشنطن، وهو جمود مؤذ نفسيا ومكلّف سياسيا وعسكريا، عندما تتلاقى موجات التصعيد والتصعيد المضاد، ويستعصي الحلّ لا بالتفاوض والتوافق المباشر ولا عبر وساطة طرف ثالث، ولا بصيغة أخرى تلوح في الأفق”.

وأشار الشرقاوي، إلى “أن واقع الحال يؤكد أنّ الأمم المتحدة استنفدت قدراتها على إيجاد تسوية منصفة يقبلها جميع الأطراف. ويتوقع الدكتور زارتمان أنّ هذا الجمود المؤذي يتزامن مع تعب أطراف الصراع وليونة مواقفهم نحو قبول حلّ وفق نظريته نضج الصراع”.


وأضاف، “آمل أن تكون الخلوة الطبية للرئيس عبد المجيد تبون، شافاه الله، مُلهمة بالحكمة السياسية والتفكير العميق في تركة بومدين، الرجل الذي اعتز بوطنيته وكرامة جزائره. لكن أنفته وحساباته “الاستراتيجية”دفعته إلى تقدير غير استراتيجي للمعادلة الصفرية”.

Share
  • Link copied
المقال التالي