في عالم يبحث عن الحلول السحرية والثروات الخفية، تظهر تونس كواحدة من الدول التي تتوق إلى الاكتشافات المذهلة التي قد تحقق الازدهار الاقتصادي بين ليلة وضحاها. لكن الواقع غالبًا ما يكون أقل إثارة من الخيال، حيث تتبخر الأحلام الكبيرة سريعًا لتترك وراءها إحباطًا متزايدًا وواقعًا مريرًا.
وفي هذا الصدد، أشار تقرير صحيفة “أفريكا بوست” إلى أنه وفي 31 ديسمبر الماضي، استقبل القصر الرئاسي في قرطاج المخترع والمهندس عبد الصمد الكريبي، المتخصص في الكيمياء الصناعية والتعدين، لمناقشة اختراعه الذي يدعي أنه قادر على تحويل نفايات الفوسفات إلى ورق.
وأثار هذا الابتكار، الذي تم الترويج له على نطاق واسع، موجة من التفاؤل والفخر الوطني، حيث رأى الكثيرون فيه اختراعًا “صنع في تونس” يمكن أن يحقق دخلاً كبيرًا للبلاد. لكن سرعان ما تبين أن التكنولوجيا ليست جديدة، بل هي مسجلة ببراءة اختراع لشركة ألمانية وتُستخدم بالفعل في المغرب.
وفي المقابل، لم يحظَ مشروع “كومولوس” (Kumulus)، الذي طوره التونسيان إهاب التريكي ومحمد علي عبيد، بنفس القدر من الاهتمام الإعلامي أو على منصات التواصل الاجتماعي.
وهذا المشروع، الذي يعتبر اختراعًا تونسيًا خالصًا، يوفر أجهزة لتوليد المياه من الغلاف الجوي، مما يمكن أن يكون حلاً لمشكلة نقص مياه الشرب في بلد يعاني من تغير المناخ وشح الموارد المائية. ومع ذلك، يبدو أن الإعلام والرأي العام أكثر انجذابًا إلى الادعاءات المثيرة التي تلوح بوعود الثروات الخفية بدلاً من الحلول العملية.
ويعكس هذا الميل نحو تصديق الادعاءات المبالغ فيها ظاهرة انتشرت في تونس في السنوات الأخيرة، حيث أصبح الناس أكثر استعدادًا للتصديق بالإشاعات والأخبار الكاذبة طالما أنها تعد بثروات خارقة.
وأحد الأمثلة البارزة على ذلك هو حركة “وينو البترول” (أين البترول؟) التي انتشرت بين عامي 2018 و2020، حيث خرجت مظاهرات شعبية تطالب بالكشف عن حقول نفطية يُزعم أن “الأجانب” يستغلونها سرًا.
وفي مارس 2023، أعادت تقارير هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) إحياء هذه الفكرة، حيث أعلنت عن اكتشاف احتياطيات كبيرة من النفط والغاز بين تونس وليبيا، تقدر بنحو 4 مليارات برميل من النفط و11 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي. ومع ذلك، لم تتحقق هذه الوعود حتى الآن، مما يزيد من إحباط المواطنين.
ولم تقتصر هذه الظاهرة على النفط فقط. في يناير 2023، انتشرت موجة من “حمى الذهب” على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ادعت صفحة “هنا تونس” على فيسبوك أن منطقة الكاف (شمال غرب تونس) تعج بالذهب.
لكن هذه الادعاءات لم تكن سوى إعادة تدوير لمعلومات قديمة تعود إلى عام 2018، تم دحضها من قبل وزارة الصناعة والمناجم. والحقيقة الوحيدة في هذه المنطقة هي أنها تشتهر بزراعة القمح، الذي كان يُعتبر في العصور القديمة “مخزن روما”.
وفي عام 2023 أيضًا، تداولت وسائل الإعلام قصة خيالية عن رجل حفر حفرة في حديقته وعثر على حجارة لامعة، وسرعان ما انتشرت التكهنات بأنها قد تكون ألماسًا، بل وربما أطنانًا منه. لكن التحاليل المخبرية كشفت لاحقًا أن هذه الحجارة ليست سوى كوارتز عادي.
وتعكس هذه الحالات رغبة التونسيين في تصديق قصص الثروات الخفية، حتى لو كانت غير واقعية، ففي عام 2011، انتشرت شائعات عن اكتشاف مناجم فضة في منطقة سجنان الفقيرة شمال تونس، حيث حاولت جماعات سلفية إقامة “خلافة”. لكن الواقع كان أقل إثارة، حيث تبين أن المناجم تحتوي فقط على الرصاص.
وتساءلت الصحيفة، لماذا هذا الانجذاب نحو المعجزات والأوهام؟ معتقدة أن أحد التفسيرات المحتملة هو أن المشاريع الحقيقية تستغرق وقتًا طويلاً لترى النور. خذ على سبيل المثال مشروع “المدينة الطبية” في القيروان، الذي أعلن عنه الرئيس قيس سعيد في عام 2020 خلال أول 100 يوم من ولايته.
وهذا المشروع الضخم، الذي كان من المفترض أن يوفر 50 ألف فرصة عمل، لا يزال حتى اليوم حبرًا على ورق بسبب نقص التمويل والتعقيدات الإدارية.
وفي أواخر عام 2024، تم تعيين رياض الهنتاتي للإشراف على هذا المشروع الذي تبلغ تكلفته 1.3 مليار دولار، لكنه أشار إلى أن الدراسة الفعلية للمشروع لن تبدأ قبل عام 2025، وأن تنفيذه بالكامل قد يستغرق ما بين 20 إلى 30 عامًا.
وفي النهاية، يبدو أن التونسيين، في سعيهم نحو تحقيق أحلام الثروات السريعة، يفضلون تصديق القصص الخيالية على مواجهة الواقع البطيء والمليء بالتحديات.
لكن الحل الحقيقي يكمن في دعم المشاريع العملية والابتكارات الحقيقية، مثل مشروع “كومولوس”، التي يمكن أن تحقق فوائد ملموسة على المدى الطويل، بدلاً من انتظار المعجزات التي قد لا تأتي أبدًا.
تعليقات الزوار ( 0 )