Share
  • Link copied

المهاجرون المغاربة وأزمة كورونا: شبح البطالة يعود ومآسي أزمة 2008 لم تُنس بعد

تقديم:

تعتبر إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان دول جديدة في استقبال المهاجرين، بعدما كانت وإلى عهد غير بعيد مصدرا للمهاجرين، شأنها في ذلك شأن المغرب. ويتذكر العمال المهاجرين المغاربة من الجيل الأول، الذين أحيلوا على التقاعد الآن زملاء لهم في العمل من هذه الجنسيات.

ويعيش حوالي مليوني مهاجر مغربي في هذه البلدان، عاشوا فترة الازدهار الاقتصادي في التسعينات ووفرة مناصب الشغل، قبل أن تنقلب الأمور في ظل أزمة 2008، حيث ذاقوا مرارة ومآسي البطالة.

وبعد عودة الاقلاع والنمو تأتي جائحة كورونا لتعيد شبح البطالة الموشومة في ذاكرة المهاجرين، لم تنسى بعد. فهل سيتكرر السيناريو نفسخ؟ وهل أوروبا قادرة على مشروع إنقاذ جماعي؟ أم الطريق معبدة الى الدولة الوطنية والحارسة والمتدخلة؟ وماهي تداعيات الأزمة على المهاجرين المغاربة؟

أولا: الانتعاش الاقتصادي في أوروبا جنوب المتوسط… سياسات استمالة المهاجرين

إلا أن الطفرة والانتعاش الاقتصادي الذي عرفته هذه الدول الأوروبية في الثمانينات وانضمامها إلى السوق الأوروبية المشتركة، حولها بدورها إلى دول استقبال للمهاجرين. فاتخذت سياسات تشجع مواطنيها على العودة، وخلقت مؤسسات تعنى بذلك؛ وجعلت من أهداف هذه المؤسسات خدمة مغتربيها، ومرافقتهم ماديا ومعنويا حتى تتم عملية اندماجهم الاقتصادي والاجتماعي داخل الوطن.

والانتعاش الاقتصادي نفسه أدى إلى حاجة سوق عمل هذه الدول إلى أيدي عاملة ومهارات لا تتوفر عليها، أو ليس لها اكتفاء ذاتي لسد حاجيات سوقها المتزايدة. فأقرت هذه الدول تقر سياسات في ميدان الهجرة، تستميل المهاجرين، وتشجع على الهجرة اليها عبر عقود عمل في الميدان الفلاحي، والبناء والخدمات؛ وخاصة في السياحة والنقل.

ثانيا: دور الهجرة اقتصاديا وزيادة النمو… وخطط ادماج المهاجرين

ومع تزايد أعداد المهاجرين إلى هذه الدول؛ وبالضبط إلى إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان بسبب ظاهرة الهجرة غير القانونية منذ بداية التسعينات، والتي انطلقت من كل الممرات والمسارات الأربع؛ في شمال وغرب أفريقيا، ومن غرب أوروبا، أو بتأشيرات يقرر صاحبها البقاء بعد انتهاء صلاحياتها، وجدت أعداد هائلة من المهاجرين دون سندات الاقامة ورخص العمل، أطلق عليها تعسفا بالمهاجرين غير الشرعيين، رغم أن المهاجر واحد، وإن الوضعية الإدارية هي التي تميز بينهم.

إلا أن أحداث اليخيدو بألميريا جنوب اسبانيا في فبراير من سنة 2000 ، حيث تعرض المهاجرين المغاربة للعنف من طرف مواطنين أسبان، ونتج عنها وفاة. عجل في تسوية هذه الوضعية الإدارية، بعدما مورست ضغوط اوروبية ودولية على إسبانيا من أجل ذلك، وتطبيع وضعيات المهاجرين الإدارية، بمنحهم أوراق ورخص الإقامة والعمل في اطار ما سمي بحملات التسوية.

وتحمست هذه الدول ( إيطاليا، اسبانيا، البرتغال واليونان) لهذه السياسات بالنظر إلى ما أظهرته التقارير والدراسات لخبرائها، من وقع اقتصادي إيجابي للمهاجرين على ارتفاع نسب النمو الاقتصادي، وفي الدورة الاقتصادية ككل، واتخذت تبعا لذلك سياسات لإدماج هؤلاء المهاجرين، وصل عتبة تشجيعهم وحثهم على طلب الجنسية، حيث اكتسبها مجموعات كبيرة من المغاربة.

ثالثا: الأزمة الاقتصادية لسنة 2008 بطالة عمت… غيرت نظرة المواطنين للمهاجرين

غير أن الأزمة الاقتصادية لسنة 2008، التي عانت منها هذه الدول الأربع في إيطاليا، واليونان والبرتغال وإسبانيا، جعلت النظرة تتغير لدى مواطني هذه الدول، وبدأ اتهامهم من طرف المواطنين الأوروبيين بسطوهم اعلى فرص عمل كانت تؤول لهم باعتبارهم مواطنين.

وهو ما شجع أحزاب جديدة تركب على هذه الميولات، وحققت هذه الكيانات السياسية نتائج باهرة؛ حزب خمس نجوم في ايطاليا وفوكس في اسبانيا، دون ان يفلحا في ارغام الحكومات لاتخاذ اجراءات تمس بحقوق وحريات المهاجرين، لعدم نجاحهم في تحقيق نتائج انتخابية تسمح لهم بالحكم خارج الائتلافات والتحالفات.

والحقيقة أن المهاجرين سواء العمال الذين يشتغلون لحساب الغير cuenta ajena أو لحسابهم الشخصي كرجال اعمال أو مقاولين، وطيلة مدة الأزمة الاقتصادية( 2008-2013) فقدوا كل ثروتهم ورؤوس أموالهم ومدخراتهم في هذه الدول بفعل الأزمة؛ وفقدان مناصب شغلهم، استنفاذ كل حقوقهم في الرعاية والمساعدة الاجتماعية، وفقدوا ممتلكاتهم العقارية بفعل عدم قدرتهم على أداء ما تبقى من اقساط القروض، التي تضاعف سعر الفائدة، وإفراغهم حتى من مساكنهم، وبقيت الأبناك والضمان الاجتماعي seguridad social وإدارة الضرائب Hacienda تطالبهم بمستحقاتها.

ثالثا: المهاجر المغربي… وحيدا يواجه مصيره، ويتأقلم مع الأوضاع الصعبة، تحت ظرف الحاجة.

اضطر جزء من المهاجرين المغاربة وتحت وقع الأزمة الى العودة العكسية رفقة ابنائه الى المغرب، وما خلفه ذلك للأطفال من مشاكل مدرسية وتمزق نفسي، دون ان يحظوا بأي دعم من مؤسسات الدولة المعنية والتي لها علاقة بالموضوع، المتعددة والمختلفة والمتنوعة، وآخر المؤسسات التي انشأت مجلس الجالية المغربية بالخارج خارج السياق والتاريخ.

ولأن المهاجر المغربي في هذه الدول غالبيتهم من الشباب، قادرين تحت ظرف الحاجة التكيف مع الأوضاع الصعبة، فمنهم من اجتهد وخلق لنفسه عملا، وامتهن التجارة والنقل الدولي، ومنهم اضطر الى تكرار الهجرة بحثا عن العمل إلى بلدان الشمال في الدول الأسكندنافية، وإنجلترا وهولندا وفرنسا وألمانيا وغيرها.

وهي إمكانية متاحة للحاصلين منهم على الجنسية ، ويسمح لهم باعتبارهم مواطنين أوروبيين الاستقرار والعمل في احدى بلدان الدول أعضاء الاتحاد الأوروبي . وتحولوا مرة أخرى بفعل التحويلات المالية لأسرهم في اسبانيا وإيطاليا والبرتغال واليونان إلى وموز ومفخرة وعنوان للصمود لدعم اقتصاد هذه الدول شبه المفلس والمنهار.

خامساً: أزمة كرونا: شبح البطالة..يعود بسرعة،..ومآسي أزمة 2008 موشومة في الذاكرة

وبعد تعافي اقتصاد هذه الدول؛ إيطاليا وإسبانيا والبرتغال واليونان، وعودة فرص الشغل إلى الوفرة، واستئناف الحياة تأتي فجأة جائحة كرونا لتوقف وتعطل وتشل كل شيء من جديد وبشكل أعوص ومعقد وغامض. وهو ما يطرح نفس السؤال، حول تداعيات هذه الازمة الصحية على المهاجرين المغاربة.

قد يكون طرح هذا السؤال سابق لأوانه ؟ لكون حال الأزمة التي شملت الجميع لا تشفع اخلاقيا وأدبيا به. ولأنه رهين بمدة التوقف والحجر ومدى استمرارها؟ وقدرة الدول على السيطرة على الفيروس؟ وردات فعل الدول بعد الجائحة في شكل فردي أو جماعي؟ والسياسات التي ستتخذها؛ في الميدان الاقتصادي والاجتماعي؟

ومع ذلك فكل المعالم والمؤشرات المتاحة حتى الآن تدل على جمود الحركة والأنشطة الاقتصادية وتوقفها في كل الدول الأوروبية، ولو بشكل متفاوت، وأسبانيا شددت من إجراءات الإنذار، ووقفت كل شيء باستثناء القطاعات الأساسية؛ في الفلاحية والصحية.

ولاشك، سيترتب عن ذلك تبعات اقتصادية واجتماعية وخيمة، في فقدان الوظائف وفرص الشغل أساسا، وارتفاع مهول لنسب البطالة، لن يسلم منها المواطنين الأوروبيين، وسيكون المهاجرين والمهاجرين المغاربة أكثر المتضررين.

على سبيل الختم

نعم ستبذل الدول الأوروبية، والأبناك المركزية في الدول أعضاء الاتحاد، والبنك المركزي الأوروبي جهوداً كبيرة للتقليل من الأزمة، لكن كون الأزمة عامة، مست كل أعضاء الاتحاد الأوروبي ستجعل الجميع يطالب بنصيبه ولا يتخلى عنه تحت شعار “أنا أولا” .

وهو ما يفتح الباب لبوادر زعزعة التضامن والوحدة الأوروبية الذي بدا الخلاف واضحا قمة الاتحاد الأخيرة، وتهديد ايطاليا واسبانيا بالاعتراض ونقض أي قرار لا يأخذ تضررها في الحسبان بعيدا عن بونوسات كرونا.

فأوروبا اليوم في حاجة إلى مشروع عملاق من أجل الإنقاذ، يساعد المقاولات على العودة إلى الإنتاج، لضمان مناصب الشغل، واستمرار الدورة الاقتصادية . والسؤال هل تتوفر أوروبا على موارد تكفي لمثل هذه المشاريع.

وعلى اية حال، فان الأزمة الصحية الحالية ستفتح الباب والنقاش لعودة الدولة الوطنية بخصائص الدولة المتدخلة والحارسة، ذات اهتمام بالسوق الداخلية والاكتفاء والاعتماد الذاتي.

*محامي بمكناس، خبير في القانون الدولي _ الهجرة ونزاع الصحراء.

Share
  • Link copied
المقال التالي