Share
  • Link copied

المنبهي: “لعلاف الكبير” و”راقص القصر” الذي تحول إلى وزير الحربية

يمثل المهدي المنبهي نموذج النخبة التي تحكمت في تسيير المغرب في بداية القرن العشرين. وصفه المؤلف الفرنسي غابرييل فير في كتابه “في صحبة السلطان” بأنه “متقد العينين شرارا”، في مقتبل العمر عندما بدأ يلعب دور الوسيط بين الصدر الأعظم “باحماد” والسلطان الصغير المولى عبد العزيز. تمثلت مهمة المهدي المنبهي في حمل الأوراق والوثائق إلى سيده لتوقيعها.

ينحدر المنبهي من قبيلة المنابهة، لكن أصوله لم تكن معروفة، وهي نقاط ضعف كانت محل مهاجمة له من طرف خصومه ودسائسهم ضده. عمل في البداية مخزنيا ثم رقي في عدد من المناسبات، لكن تعليمه لم يتعد الكتابة والقراءة، لكنه عندما دخل إلى منزل “باحماد” تلقى تكوينه فيه، وكأنه كان يستشرف مصائره المتلاحقة في مستقبل الأيام. وظل عمله يتمثل في الكتابة وفي حمل الرسائل.

عندما توفي “بّاحماد”، وجد المنبهي نفسه في مكان الأقرب إلى السلطان، لكن لم يكن بالرجل المؤهل ليحل محله قرب السلطان ويوجهه. استشاره فأشار عليه بفطنة، باستعراض الجيش وقام هو باعتقال أخوي الصدر الأعظم المتوفى، وتدبر أمر التستر على وفاته. تحول المنبهي مع مرور الزمن إلى صفي ونديم للسلطان. قال عنه “فير” إنه “خادم من مرتبة عليا” للسلطان، فباتت “مصائر المغرب بين يدي رجلين عديمي التجربة: السلطان مولاي عبد العزيز ووزيره المنبهي”.

وجه السلطان وزيره في سفارات إلى عدد من الدول الأوربية أهمها إنجلترا، كان غالبا ما ينجز فيها ما يطلبه منه. استغل خصومه غيابه ليملأوا صدر السلطان عليه، متهمينه بأن حمل الكثير من الذهب الذي سرقه من بيت المال والذي سيقوم بإيداعه البنوك الأوربية. وسعوا إلى استصدار قرار من السلطان عبد العزيز لاعتقاله بمجرد عودته من إنجلترا ونزوله في ميناء طنجة.

وعندما عاد من سفارته قامت إنجلترا بمجهود كبير لدى السلطان لمنع أي اعتقال له وهو ما تحقق. فاستغل المنبهي هذه الفرصة وحادث السلطان حول ما اتهم به من طرف خصومه، ورد كل الاتهامات عنه وألصقها بمناوئيه. سامحه السلطان وأعاد له حظوته السابقة، فرجع أشد ما يكون قوة. حظوة سيعكرها ظهور المتمرد “بوحمارة” الذي لم يعلم السلطان بأمره إلا بعد تحقيقه لانتصارات عديدة على قوات المخزن.

بحث الوزراء عن كبش فداء لهذا التقدم الهائل وانتصارات المتمرد على حساب المخزن، يقدمونه إلى السلطان، فاستقر اتفاقهم على المهدي المنبهي وزير الحرب” أليس هو من له على السلطان أقوى تأثير، وأعظم نفوذ، وهو الذي دفع به إلى ألوان اللهو… أو تركه على الأقل يستسلم إليها في تواطؤ”، وعليه الآن أن يتحمل مسؤولية هذا الدعي الطامح إلى السلطة. لهذا كلفه السلطان بالخروج في حركة قائلا ” أخرج في جيش ولا تعد إلا والروكَي معك”. حقق المنبهي انتصارات في “حركته” على “الروكَي” وألزمه بالتراجع باتجاه الشرق، لكنه لم يقض عليه نهائيا. فكان لما عاد إلى فاس بدون صيد الروكَي، فقد مكانه، وخلفه محمد الكباص. فلم يعد السلطان يطلبه إلا بين الفينة والأخرى، وعاش، وهو العلاف الأكبر، خاملا لبضع أشهر، يمعن فيها زملاؤه النيل منه خفية.

أمام هذا الوضع الجديد، استأذن المنبهي السلطان عبد العزيز في الخروج إلى الحج، فأذن له. و”بابتعاد المنبهي، ارتكب خطأ قاتلا” إذ خلفه في منصبه على رأس وزارة الحربية بسرعة “سي الكباص” ابن عم عبد الكريم بن سليمان وزير البحر “الشؤون الخارجية”. وعندما كان في طريق العودة إلى المغرب كان الوزراء يواصلون تأليب السلطان عليه، حيت تقرر نكبه وبعث بجنود لاعتقاله، لكن المنبهي سارع بالدخول في حماية دولة إنجلترا، فمنعت المخزن المغربي منه ومن ثروته.

تمكن المنبهي من تكوين ثروة مالية هائلة، فابتنى أجمل منزل بفاس عاش فيه مع زوجتيه، وثلاثين من العبيد والإماء، تم زاد عليه قصرا عظيما في مدينة الرباط، واشترى قبل حجه أراضي شاسعة في طنجة. إن هذه الثروة كانت دليلا على حظوة وزير الحربية لدى السلطان من جهة، ومن جهة ثانية كانت حافزا لاشتداد دسائس خصومه ضده. عاش بقية عمره في طنجة وظل يهفو إلى عفو مولاه كما ذكر “غابرييل فيير” الذي التقاه أثناء مغادرته للمغرب بالمدينة ذات الطابع الدولي.

المرجع :
غابرييل فير، في صحبة السلطان (المغرب 1901-1905)، ترجمة وتقديم عبد الرحيم حُزل، افريقيا الشرق، 2009.

*كاتب صحافي

Share
  • Link copied
المقال التالي