مع نهاية سنة 2019 ظهر في جمهورية الصين فيروس قاتل أطلق عليه اسم كوفيد 19. هذا الضيف الثقيل الذي لم يترك بلدا او منطقة في العالم الا واستوطن فيها حيث شل الاقتصاد العالمي وقيد حرية المواطنين في جميع بقاع العالم. هذا الكائن المجهري لم يترك للدول حرية اختيار طريقة التعامل معه للحيلولة دون انتشاره، بل جعل العالم يجمع على تدابير وقائية موحدة أهمها التباعد الاجتماعي، ارتداء الكمامات، استعمال المعقمات ومواد التطهير بالإضافة لفرض حالة الطوارئ والحجر الصحي الذي يحتم على الناس المكوث في منازلهم وعدم الخروج الا للضرورة القصوى. وعلى عكس الدخول في الحجر الصحي الذي لم تترد في فرضه جل الدول على مواطنيها يبدو أن التفكير في الخروج منه كان أصعب على الجميع بحيث ان جميع الدول التي قامت برفع هذا الإجراء سواء كليا او جزئيا لم تجرؤ على اتخاد هذا القرار إلا بعد مشاورات مطولة واعتماد مجموعة من المؤشرات المتعلقة بهذا الوباء لعلها تعطي بعض الضمانات لاستقرار الحالة الوبائية ما بعد رفع الحجر الصحي. إذن ماهي هذه المؤشرات المعتمدة لدراسة إمكانية رفع الحجر الصحي؟ كيف تعاملت الحكومة المغربية مع هذه المؤشرات؟ وهل قرار تمديد فترة الحجر الصحي للمرة الثانية الى غاية 10 يونيو 2020 كان صائبا؟
جاء على لسان رئيس الحكومة سعد الدين العثماني من خلال العرض الذي قدمه خلال جلسة مشتركة لمجلسي البرلمان بالقاعة الرئيسية لمجلس النواب يوم 18 ماي 2020 ان قرار تمديد الحجر الصحي وحالة الطوارئ لمدة ثلاثة أسابيع إضافية، أي إلى غاية 10 يونيو 2020، جاء بعد مشاورات مراطونية مع جميع الوزراء ومجموعة من الخبراء في مجال علم الأوبئة. وحسب ما جاء على لسان رئيس الحكومة فإن اتخاد قرار تمديد فترة الحجر الصحي من عدمه يستند الى دراسة مجموعة من المؤشرات المتعلقة بالوباء. ومن بين هذه المؤشرات نذكر:
- نسبة التكاثر “0R” (Taux de Reproduction): كتعريف مبسط لهذا المؤشر فهو مؤشر يقيس نسبة احتمال نقل العدوى من شخص مصاب الى اشخاص عاديين. هذا المؤشر يعد من بين أهم المؤشرات المعتمدة عالميا من أجل معرفة حالة انتشار فيروس في منطقة معينة، حيث تعتبر الحالة الوبائية متحكم فيها عندما ينزل حاجز هذا المؤشر عن عتبة 1 (R<1) لمدة أسبوعين على الاقل. وحسب آخر الإحصائيات وإلى غاية 18 ماي 2020 فإن هذا المؤشر ببلادنا بلغ 0.9 مما يعني أن الحالة الوبائية لجائحة كوفيد 19 متحكم فيها إلى حد ما ولله الحمد. لكن حسب تصريح السيد رئيس الحكومة فإن منظمة الصحة العالمية حددت عتبة 0.7 من مؤشر التكاثر كحد أدنى للتفكير في رفع الحجر الصحي وحالة الطوارئ، هذا مالم يتأتى لنا ببلادنا الى حد الان.
- نسبة الإماتة: يعد هذا المؤشر أيضا من بين اهم المؤشرات لقياس مدى نسبة التحكم في الوباء. ويتم احتساب هذا المؤشر بقسمة عدد الوفيات على عدد المصابين في فترة زمنية محددة. وحسب آخر الاحصائيات فإن هذا المؤشر بلغ ببلادنا 2.8% بعدما كان يمثل في وقت سابق نسبة 7%.
- نسبة التعافي: نحصل عليها بقسمة عدد الإصابات التي تماثلت للشفاء على العدد الاجمالي للإصابات. وحسب آخر الاحصائيات فإن هذه النسبة بلغت حوالي 56%.
- نسبة الحالات الحرجة: وهي نسبة الحالات التي تستدعي التكفل بها في غرف الإنعاش او غرف العناية المركزة. لكن و الحمد لله هذه النسبة أصبحت لا تتعدى حاجز 1% حسب اخر الاحصائيات ببلادنا.
- نسبة استعمال الأسرة المخصصة للإنعاش: ينضاف هذا المؤشر إلى المؤشرات المهمة المعتمدة في رصد وتتبع الحالة الوبائية. فمن بين عدد الأسرة المخصصة للإنعاش ببلادنا فقط 4% هي المستعملة الى غاية 18 ماي 2020.
انطلاقا من تحليل المؤشرات السالفة الذكر بالإضافة الى مجموعة من المؤشرات الأخرى، مثل تطور عدد الإصابات الجديدة، نسبة الحالات الجديدة اليومية مقارنة مع عدد التحليلات المخبرية المنجزة في نفس اليوم…، يتبين أن الحالة الوبائية ببلادنا متحكم فيها إلى حد الآن مقارنة مع دول أخرى التي قررت رفع الحجر الصحي او على الأقل التخفيف منه. فمثلا في فرنسا التي قررت الرفع التدريجي للحجر الصحي ابتداء من 11 ماي الفارط لم تكن المؤشرات التي بنت عليها قرارها أحسن من المؤشرات المصرح بها ببلادنا مؤخرا اللهم إذا استثنينا مؤشر التكاثر”R0″، فقبل رفع الحجر الصحي بيومين، وحسب احصائيات وزارة الصحة الفرنسية، كانت نسبة الإماتة حوالي 18 %بينما كانت نسبتي التعافي والحلات الحرجة على التوالي 31% و1.5%، أما في يخص مؤشر انتشار الفيروس “R0” فكان بمعدل 0.8 بتاريخ 8 ماي 2020 مع تسجيل تفاوتات في هذا المؤشر بين مختلف مدن فرنسا. نفس الشيء بالنسبة لإيطاليا، فعندما قررت رفع الحجر الصحي تدريجيا ابتداء من 4 ماي 2020، وحسب ارقام وزارة الصحة، كان مؤشر الاماتة انداك يناهز 10%، اما نسبة التعافي فكانت حولي 51% بينما كان مؤشر انتشار فيروس كورونا “R0” آنذاك يساوي 0.8 كمعدل وطني. إذا لماذا عمدت حكومتنا الى تمديد الحجر الصحي ببلادنا رغم ان المؤشرات الوطنية تسمح على الأقل بتخفيفه في بعض الجهات إن لم نقل رفعه كليا في تلك الخالية من أي إصابات.
كل متتبع لوضعية جائحة كورونا ببلادنا عبر الأرقام التي تصدرها وزارة الصحة يوميا، يلاحظ أن هناك تفاوتا كبيرا في الحالة الوبائية حسب جهات المملكة. فهناك جهات تسجل دائما أعدادا مرتفعة من حالات الإصابة بفيروس كوفيد 19 منذ البداية ونذكر على سبيل المثال جهة الدار البيضاء سطات، جهة مراكش اسفي، جهة طنجة تطوان الحسيمة بحيث تتصدر هذه الجهات قائمة عدد الإصابات ببلادنا. وعلى العكس من ذلك هناك جهات تبقى فيها الحالة الوبائية جد مستقرة وعدد الإصابات بها قليل بالمقارنة مع الجهات المذكورة أعلاه، وندكر على سبيل المثال جهة الداخلة واد الدهب، جهة العيون الساقية الحمراء وجهة كلميم واد نون. ومما لا شك فيه أن هذا التفاوت في عدد الإصابات بفيروس كوفيد 19 بين الجهات تتحكم فيه عدة عوامل من بينها الكثافة السكانية للمدن التابعة لكل جهة، وجود وحدات صناعية وتجارية، مدى احترام تدابير الحجر الصحي وتعليمات وزارة الصحة….
وكما لاحظ الجميع فإنه تم تسجيل تراخي في احترام تدابير الحجر في الآونة الأخيرة في مجموعة من المناطق وهذا راجع الى صعوبة هذا الحجر وما سببه من اضطرابات نفسية واقتصادية لدى المواطنين ولما له أيضا من انعكاسات سلبية على الاقتصاد الوطني، كما ان عدم استقرار الحالة الوبائية في بعض المدن راجع بالأساس إلى ظهور بؤر صناعية، تجارية وعائلية. هذا الوضع طرح عدة أسئلة، في ظل هذا التفاوت الصارخ بين الجهات سواء من حيت عدد الإصابات أو من حيت درجة احترام تدابير الحجر الصحي، هو لماذا لم تقم الحكومة بمقاربة جهوية لهذا الوباء؟ لماذا لم يتم احتساب المؤشرات حسب كل جهة؟ لماذا لم تقم بالتمييز الإيجابي للجهات التي تبقى فيها الحالة الوبائية جد مستقرة وترفع الحجر عنها؟ هل كان من الضروري رهن هذه الجهات باستقرار انتشار هذا الفيروس في المدن الكبرى التي أصبحت مصنعا للبؤر وذلك لعدم احترامها للتدابير الوقائية الخاصة بهذا الفيروس؟ وعلى اعتبار أن إمكانية العودة للحجر الصحي بعد رفعه كليا أو جزئيا تبقى واردة كما وقع في مجموعة من الدول، ألم يكن من الأفضل الرفع التدريجي للحجر في بعض الجهات التي تعرف استقرار كبيرا من حيت الحالة الوبائية حتى تكون بمثابة تجربة تمكن الحكومة من تكوين تصور لما بعد الحجر الصحي على صعيد التراب الوطني ككل؟
وقبل الختم، نورد بعض الاقتراحات:
- كما ذكرنا سابقا فإن هناك تفاوت واضح في الأرقام والإحصائيات الخاصة بجائحة كورونا حسب الجهات. هذا التباين لن يكون بطبيعة الحال إلا نتيجة لمدى احترام التدابير الوقائية وإجراءات الحجر الصحي. لدى نقترح أن يمتد أيضا هذا التفاوت في المؤشرات إلى تفاوت في الإجراءات والقرارات المتعلقة بتخفيف أو رفع الحجر الصحي.
- نقترح أيضا إعطاء تمييز إيجابي للجهات التي تبقى فيها الوضعية الوبائية جد مستقرة، وذلك بالتخفيف من تدابير الحجر الصحي والسماح لجميع الوحدات الاقتصادية والتجارية، بهذه الجهات، بالعودة إلى مزاولة أنشطتها والسماح أيضا للمواطنين الخروج من منازلهم في أوقات محددة. كل هذا وفق تصور واضح ومع التشديد على احترام التدابير الوقائية كاستعمال الكمامات، احترام شروط التباعد وتوفير معدات النظافة والتعقيم بالنسبة للمعاملين بالوحدات الصناعية والتجارية.
- وكخطوة ثانية، وفي حالة استمرار استقرار الحالة الوبائية في الجهات التي استفادة من تخفيف الحجر الصحي، يمكن للحكومة ان تسمح بالتنقلات ما بين الجهات المتجاورة مع تقنين هذه التنقلات.
- دائما مع إمكانية التراجع عن أي إجراء متعلق برفع الحجر الصحي يجب على الحكومة وضع شروط ومعايير محددة خصوصا بالنسبة للوحدات الصناعية والتجارية، فالسماح بالعودة للعمل يجب ان يكون مرهونا باحترام جميع التدابير اللازمة.
وتفاديا لكل ما من شأنه ان يربك حسابات الحكومة، يبدو انه من الأفضل اعتماد مقاربة جهوية في تدبير القرارات المتعلقة برفع الحجر الصحي، مما سيمكنها من إيجاد أجوبة شافية وتصورات واضحة لما بعد تعميم رفع الحجر الصحي، إن عدم التدرج في اتخاد القرارات ورفع الحجر في آن واحد سيكون بمثابة مجازفة بالنسبة لبعض الجهات التي تبقى في الحالة الوبائية غير مستقرة، ومن جهة أخرى سيكون بمثابة إنصاف ولو متأخر بالنسبة للجهات التي تعرف استقرار كبيرا من حيت الأرقام والمؤشرات المتعلقة بهذا الوباء.
تعليقات الزوار ( 0 )