شهدت العلاقات المغربية السعودية في عام 2024 تطورا ملموسا في مختلف أبعادها السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، تجلى ذلك في الزيارات المكثفة المتبادلة بين المسؤولين الحكوميين ومن القطاع الخاص.
ولا شك أن العلاقات المغربية السعودية، التي عرفت في عهد قائدي البلدين الملك محمد السادس وخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، زخما كبيرا، ارتقى بها الى مستوى شراكة شاملة، شهدت خلال السنة التي نودعها تطورا نوعيا ضمن مسار متجدد وذا بعد استراتيجي.
وتأتي في هذا السياق ، زيارة رئيس الحكومة عزيز أخنوش، في عاشر نونبر الماضي إلى الرياض لتمثيل الملك محمد السادس، في القمة العربية الاسلامية المشتركة غير العادية. وقد دعت المملكة العربية السعودية إلى عقد هذه القمة لبحث تطورات الأوضاع الراهنة في المنطقة على ضوء استمرار الحرب الاسرائيلية على غزة وعلى لبنان وتداعياتها الخطيرة على أمن المنطقة واستقرارها، وتنسيق المواقف بين الدول الأعضاء.
كما مثل رئيس الحكومة، الملك محمد السادس في أشغال قمة “المياه الواحدة” رفيعة المستوى، التي نظمت في ثالث دجنبر الحالي في الرياض، لمناقشة ندرة المياه العالمية والتحديات ذات الصلة.
واستضافت الرياض هذه القمة على هامش الاجتماع السادس عشر لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر (كوب 16)، والذي شارك فيه المغرب بجناح متميز شكل مناسبة لتسليط الضوء على نجاحات المملكة في مجال الحفاظ على النظم البيئية ومكافحة التصحر ، وفرصة لتقاسم تجربته الغنية في مجال التدبير المستدام للأراضي ومكافحة التصحر لاسيما مع البلدان الافريقية.
من جهته، مثل ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الافريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، المغرب في الاجتماع الاستثنائي لمجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاسلامي الذي احتضنته جدة لبحث مستجدات القضية الفلسطينية.
وفي بيانها الختامي، ثمنت منظمة التعاون الإسلامي، مجددا دور لجنة القدس، برئاسة الملك محمد السادس، في مواجهة السياسات العدائية التي تنفذها السلطات الإسرائيلية في القدس الشريف لتغيير هوية المدينة ووضعها القانوني، وكذلك تركيبتها الديموغرافية والثقافية والتاريخية.
ونوه الاجتماع في هذا الصدد بإسهام وكالة بيت مال القدس الشريف وجهودها في أداء رسالتها في حماية القدس الشريف ودعم صمود أهلها وتثبيت وجودهم على أرضهم، من خلال تنفيذ برامج ومشاريع ذات الأثر الملموس على المستوى التنموي والاجتماعي والثقافي.
أما على الصعيد الاقتصادي، فقد وقع المغرب والمملكة العربية السعودية، في تاسع يناير الماضي في الرياض، مذكرة تفاهم للتعاون في قطاع المعادن، وذلك خلال انعقاد أعمال الاجتماع الوزاري الدولي الثالث للوزراء المعنيين بشؤون التعدين. وتهدف المذكرة إلى تطوير التعاون المشترك في قطاعي الصناعة والتعدين وتبادل الخبرات والتجارب.
وفي السياق ذاته، وخلال افتتاح الملتقى الاقتصادي السعودي المغربي في الرياض، قدم شكيب لعلج رئيس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، عرضا تناول فيه الفرص الاستثمارية التي يوفرها المغرب، وذلك بحضور نخبة من المقاولات السعودية والمغربية.
واتفق ممثلو القطاع الخاص السعودي والمغربي خلال الملتقى على برنامج عمل مشترك وحزمة من المبادرات لدفع مسار التعاون والتكامل الاقتصادي بين المغرب والسعودية. وتضمن برنامج العمل المشترك تفعيل مشاريع خط النقل البحري المباشر، لاسيما بين مينائي جدة وطنجة المتوسط، وإنشاء صندوق استثماري مشترك ودعم الشركات السعودية في الوصول للأسواق الأفريقية والأوروبية، وتكثيف نشاط الوفود التجارية والمعارض وتبادل المعلومات حول الفرص والأسواق، فضلا عن تسريع وتيرة مشاركة الشركات المغربية في مشاريع رؤية 2030.
من جهة أخرى، بصمت الصناعة التقليدية المغربية على مشاركة متميزة في النسخة الثانية من معرض الأسبوع السعودي الدولي للحرف اليدوية “ب نان”، الذي نظمته هيئة التراث السعودية من 23 الى 29 نونبر الجاري.
وفي المجال القضائي، جرى بمدينة طنجة، التوقيع على برنامج تنفيذي حول التعاون القضائي بين المغرب والسعودية، وذلك في إطار السعي إلى إرساء تعاون بين البلدين في المجال القانوني والإدارة القضائية، واستنادا إلى اتفاقية الرياض العربية للتعاون القضائي.
كما وقع وزير العدل عبد اللطيف وهبي ووزير الداخلية السعودي الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف آل سعود، في نونبر الماضي بالرياض، على ثلاث اتفاقيات لتعزيز التعاون في المجال الجنائي بين البلدين، في خطوة تعكس عمق العلاقات التاريخية والشراكة القوية بين البلدين.
وفي الشأن الاجتماعي، وقع البلدان على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون المشترك في مجال الصحة والحماية الاجتماعية والاستعداد للجوائح والأزمات الصحية.
كما مثلت المغرب في “منتدى حوكمة الإنترنت” التابع للأمم المتحدة، الوزيرة المنتدبة لدى رئيس الحكومة المكلفة بالانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، السيدة أمل الفلاح السغروشني والتي شاركت بالرياض في أشغال الحوار الوزاري لمنظمة التعاون الرقمي حول الأخبار الزائفة.
والأكيد أن العلاقات المغربية السعودية في عام 2024 عرفت زخما كبيرا ،حيث يشكل المسار التاريخي، والروابط الحضارية والثقافية، التي تستند اليها علاقات الجانبين، رغم بعدهما الجغرافي، صمام أمان لرسوخ هذه العلاقات، وضمان مناعتها خدمة للمصالح المشتركة، وتعزيزا لآفاق التعاون الثنائي بما يستجيب لتطلعات الشعبين في تدعيم الشراكة بينهما.
تعليقات الزوار ( 0 )