Share
  • Link copied

المغاري يكتب عن الفراغ الذي تركه البردوزي في الذكرى 11 لرحيله

أخي وحبيبي وزميلي وقرّة العين سيدي محمد البردوزي ، غذا 11 غشت تحلّ ذكرى رحيلك عنا، عن زوجتك وأسرتك، عن أصدقائك وزملائك وذويك، القريبِ منهُم والبعيد. تسعُ سنوات مرّت علينا بدونك، افتقدنا فيها حديثك وملاحظاتك وتعليقاتك. توارت فيها عنّا ابتسامتك وقفشاتك وتلويحات يديْك وأنت تتكلم لتُقنع، أو حركات وجهك لتوافق أو لتتهكّم بسماحة وبدون ضغينة.

بعد رحيلك، كم من المياه جرت تحت الجسر. مياه اجتماعية، سياسية، اقتصادية، ثقافية وجامعية، عادية واستثنائية، محلية ووطنية، مغربية، مغاربية ودولية.

لا مبالغة أن نقول : آهٍ لو كنت معنا جسدا وتعبيرا لنسمع ونقرأ آراءك في كلّ هذا الزخم من الأحداث. أكيد أن صوتك كان سيرتفع، وقلمك سيتحرّك، ومداخلاتك لم تكُن لِتَتَخَلّفَ عن تأثيت أكثرَ من مشهد لتُحلِّلَ، وتقترح وتُصوِّب. لم تكن بالتّأكيد لتتخلّف في ظروف الحجر الصحي الذي نُكابدُهُ اليوم عن المساهمة الفعّالة في إطلاق فكر التحليل والاقتراح من عُقاله.

لكن آهٍ من سلطان الواقع : غَيّبَكَ الموت و لست معنا !! لكن ما أكبر سلطان الفكر أمام سلطان الواقع. السلطان الفكري ما زال حاضرا من خلال كتاباتك التي أثبتت قيمتها، ومازال مستمرّا في مساهماتك التي لن تُنْسى. قدرُك أنّ نبض الجسد قد توقّف فيك، ولكن حصيلة فكرك مازالت ينبوعا حيّاً يُغذّي و يُلْهِمُ . مآلُك العابر ولّى، أمّا مآلك الفكري فمازال قائما في ” مآلاتك الديموقراطية” Destinées démocratiques
وفيها تلْتئِم، كما أعتقد، كلّ المآلات التي صُغتَها وتمازَجْتَ معها، من أطروحتك إلى كلّ كتاباتك كيف ما كان نفَسُها، انتربولوجيا، دستوريا، سياسيا أو سوسيولوجيا.

مآلك العابر ولّى، فهل أنْسانا في مآلاتٍ كُنتَ من صانعيها ومِن المساهمين في شقّ دروبها وفتحِ آفاقها ؟ لا حاجة هنا للإحصاء وإنّما لِلْإفصاح بما هو قويّ ودالّ. مناسبتان وإطاران وإنجازان كان لهما ما بعدهما، لِما لهما من ثِقلٍ تاريخي ورمزي، بغضّ النظر عن درجات الوفاء والتّفعيل في شأنهما. ألا نذكُر وألا نتذكّرُ حدَثَ هيئة الإنصاف والمصالحة ومُنْعَرَجَ اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور.

عن الأولى، يشهدُ لك من اقتسم معك العُضوية بروح المسؤولية وحكمة المبادرة الاقتراحية، وقتالية المناضل الشريف. أمّا عن الثانية، فإن حظّ مشاركتي لكَ في العضوية يؤهّلني لأشهد، بل ولِأُعلِنَها في الناس حقّاً وجهْراً، بأنك كنت من أعْمدة اللجنة تفكيراً واقتراحا وتنبيها وتناظُراً. وما أعظم أن تكون كذلك والمرضُ في ذِرْوتِهِ يسْكُنُ جسدك، دون أن يُخْمِدَ شُعْلةِ العقل فيك، أو يجد سبيلاً إلى إرْباك حِسِّكَ العالي بالمسؤولية.

في توصيات الهيأة جزء منك، وفي مشروع الدستور وفي صيغته المصادق عليها جزء منك. وفي كِلْتيهما بصْمةٌ ونفسٌ منك. ومن باب أولى، ومن تحصيل الحاصل، جزء كبير منك مُنْصهرٌ في مسار الجمعية المغربية للقانون الدستوري الذي تقاسمناه معك، منذ ميلادها، علميا وإنسانيا. مَنْ مِن أعضائها، خاصّةً أعضاؤُها المُؤسّسون، لن يُشيد ببصمتك في العديدِ من أشغال الجمعية، لا في المضمون فقط، ولكن بصفة مرموقة في المنهجية المُتفرِّدة والتواصُل النّفّاذ.

تِسْعٌ مرّت على وفاتك. وكلُّ الوقت الذي هو آتٍ سيتّسِعُ حتْماً للوفاء الذي تستحقّه، درجتُه الأعلى وفاء زوجتك وأهلك وأصدقائك وزُملائك.

*أستاذ القانون الدستوري

Share
  • Link copied
المقال التالي