Share
  • Link copied

المشهد الإعلامي في الجزائر بعد توقف الحراك…سلطة رابعة أم سلطة راكعة؟

يشوب المشهد الإعلامي في الجزائر، في الآونة الأخيرة، الكثير من الضبابية، حيث لم يسمح تعدّد القنوات التلفزيوينة والصحف المختلفة في تناول مختلف القضايا والمسائل بمصداقية عالية، وهو ما جعل المشهد الإعلامي يترنح بين مدٍّ وجزرٍ إما معالجة حقيقية للقضايا، وإما الانصياع لما تفرضه عليه السلطة السياسية لتصبح مواقع التواصل الاجتماعي ملاذا لمن لا ملاذ له، وأحسن وسيلة للمواطن للتعبير عن رأيه ونقل الأخبار كما هي دون تزييف أو تحريف.

ورغم الكثير من القضايا المثيرة التي تحدث هنا وهناك في البلاد، إلا أن معظم وسائل الإعلام تتجاهلها وبالنسبة إليها “لا حدث يستحق التغطية”، حيث أصبحت تهتم القنوات التلفزيونية بقرارات الرئاسة والحكومة فقط، وبات الإعلام البديل وحده يصرخ في مواقع التواصل الاجتماعي.

وألآما هذا الوضع المريب، وجد بعض الإعلاميين أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه خصوصا ممن رفضوا الوضع  واضطروا  إلى وضع أقلامهم جانبًا والاكتفاء بالتدوين عبر الفضاء الافتراضي، في وقت تتعرض فيه مادتهم الإعلامية للمقص والرقابة الصارمة خوفا من الوقوع في ورطة مع السلطة.

وبحسب مراقبين للشأن الإعلامي، فإن الإعلام الجزائري يمر في الفترة الحالية، بمرحلة صعبة للغاية، فبعد  شبه تحرر عاشه الإعلام خلال الحراك الشعبي والتغيّرات السياسية الحاصلة في البلاد، اكتسب وقتها جرعة من الحرية ، سرعان ما عاد لوضعه السابق وبات خاضعا للضغوطات الممارسة عليه من طرف صنّاع القرار في السلطة.

وبات الإعلام اليوم في الجزائر، على محكّ الرقابة الرسمية، وأي وسيلة إعلامية تخرج عن الطريق تجد نفسها تحت طائلة العقاب والحرمان من الإشهار العمومي، وبالتالي تسير نحو الإفلاس والغلق  الآلي، وهو ما لا تتمناه كل وسائل الإعلام من صحف وقنوات تلفزيونية التي هي بحاجة إلى دعم مالي لمواجهة أعباء نشاطها ودفع أجور عمالها.    

وتُشير بعض المعطيات إلى وجود مئات من الصحافيين والمراسلين دون أجور منذ أشهر طويلة، ناهيك عن غلق بعض المؤسّسات الإعلامية التي خلقت خلال فترة حكم الرئيس السابق بوتفليقة، وتحويل موظفيها إلى البطالة، وهو ما يعطي مؤشّرات سلبية عن واقع القطاع الإعلامي في البلاد، علاوة على وجود عدد من الصحافيين في السجن على خلفيات سياسية ومهنية مختلفة.

ويتفق الكثير من المختصين في الشأن الإعلامي أن الوضع لم يتغير كثيرًا بعد استقالة بوتفليقة، حيث اتضح جليا  أنه إعلام عصبوي، أي أنه يخدم عُصب وجماعات ضيقة، ويؤدي دورًا مهمًا لصالحها، وهو الدور الذي يجرده من وظيفته حتى في التغطية الإعلامية الصحيحة بعيدا عن التزلف والتملق.

وتحاول السلطة الحالية في الظرف الراهن أن تتحكم في الإعلام المحلي بطريقتها الخاصة من خلال تطبيق بعض القوانين الجديدة التي تفرض على وسائل الإعلام الخاصة عدم الخوض في بعض الأخبار دون اللجوء لوكالة الأنباء الرسمية وإلا سيضعها تحت طائلة القانون والعقاب وكأنها تريد من الإعلام الخاص ان يؤدي دورا حكوميا وانتظار الإشارة من وكالة الأنباء لبث المعلومة.

واستولت  مواقع التواصل الاجتماعي على مرتبة هامة في نقل الأخبار وتمكنت من “إسقاط عرش الإعلام التقليدي”، وباتت هذه المواقع تشكل إحراجا كبيرا للسلطة التي قررت كبح نشاط بعض المدونين وأصحاب الصفحات الإخبارية بخلق جملة من القوانين الصارمة من أجل ترهيبهم وتوقيف نشاطهم.

وفي هذا الشأن يقول الأستاذ الجامعي المتخصص في المجال الإعلام والاتصال الدكتور محمد حمادي لجريدة بناصا: “إن الصحافة المنفلتة لم تعد تنفع معها القوانين العقابية ولا الإجراءات الردعية بعدما فقدت بوصلة الموضوعية وأصبحت تنشد الاصطفاف إلى طرف على حساب آخر في مشهد بائس تحولت فيه بعض المنابر إلى أبواق دعائية تسبح بحمد هذا وتشوه سمعة ذاك”.

ويعتبر الدكتور حمادي  أن الصحافة في الجزائر لن تقوم لها قائمة إلا بتفعيل مواثيق الشرف الإعلامي التي تحمل في طياتها قواعد أخلاقية تلزم المنتسبين إلى مهنة المتاعب احترامها.

ويضيف الأستاذ الجامعي أن هناك خيط رفيع ومسافة بائنة بينونة كبرى بين حرية الصحافة والتشهير بالأشخاص والتفتيش في حياتهم الشخصية. حيث نسي كثير من الصحافيين أنفسهم في محطات عدة وهم يلهثون وراء السبق الصحفي ليرتكبوا على حد تعبيره أخطاء مهنية فادحة عبر نشر معلومات خاطئة غير متأكد من صدقيتها.

ويختم حمادي حديثه لجريدة بناصا قائلا “لا يستقيم عود الصحافة في الجزائر وظلها التنظيمي والهيكلي أعوج. لذلك لا بد من أن تعود المهنة إلى أصحابها” .

ولعل أبرز مؤشّرات انحراف الإعلام الجزائري عن القيم المهنية والأخلاقية، تراجع الموثوقية لدى المواطن الذي أصبح يبحث عن إعلام بديل كمصدر للمعلومات بالرغم من السلبيات التي ترافقه وبات يبحث عن أي معلومة في مواقع التواصل ولا يثق في وسائل الإعلام الأخرى.

Share
  • Link copied
المقال التالي