شارك المقال
  • تم النسخ

المرجعيات الخفية والمتناقضة في قرارات محكمة العدل الأوروبية ضد اتفاقية الفلاحة بين المغرب والاتحاد الأوروبي

سبق لي في سنة 2018 وفي سنة 2019 أن كتبت مقالين، حول قرارات محاكم الاتحاد الاوروبي ضد اتفاقيات الفلاحة بين المغرب والاتحاد الاوروبي. الأول بعنوان “الثروات الطبيعية جيل جديد من الحقوق توظفه البوليساريو ضد المغرب”، والثاني: “معركة الاتفاق الفلاحي لم تنته بعد: انتصار سياسي ينبغي تحويله إلى قانوني قضائي”. نبهت في هذه المقالات إلى خطورة المسألة، وإلى أن خصوم المغرب بصدد انشاء شرعيات ومرجعيات قانونية وقضائية جديدة، بناء على توجهات قضائية دولية مستحدثة، تربط بين الثروات الطبيعية وحقوق الانسان، وهي بصدد تشكيل كتلة حقوقية مستقلة، قد تؤثر على مراكز الأطراف، وقد تتحول إلى مرجعيات في القانون الدولي وفي قضاء الدول الوطنية.

وللأسف نستمر دائما في ترديد خطابات سياسية لا تحمل أي معنى، وتعبر عن الضعف والفشل، رغم أن القضية عادلة ويتعين فقط جمع شتات عناصرها الدفاعية، للتصدي القانوني القضائي لأي محاولات تغيير للتوصيف القانوني للوضع في هذا الإقليم، المتنازع عليه دوليا حسب اوصاف الأمم المتحدة. وأيضا من الغريب أن يخرج وزير الخارجية ناصر بوريطة ليقول أن المغرب غير معني بهذا القرار القضائي الجديد، مع أن موضوعه هو الصحراء، وأننا مطالبون بالتواجد والترافع حيثما طرحت القضية، في جميع فصولها من الاجتماعي الثقافي إلى القانوني والاقتصادي والسياسي وغبرها، لأن الخصوم يمارسون استراتيجية خطيرة جدا، وهي صناعة سوابق دولية وصناعة مصادر جديدة للاجتهاد القضائي سواء الدولي أو الوطني.

وينبغي أيضا أن نضع في الحسبان، أن هذه القضية هي في عمقها تجارية وليست سياسية، وهي نزاع معروض على محكمة مختصة نوعيا في مادة التعاقد التجاري الدولي ضمن اختصاصات أخرى ممنوحة لها، وبالتالي لا يمكن أن ننازعها هذا الاختصاص، متحججين بأنه نزاع سياسي معروض على الأمم المتحدة، فهذا موضوع آخر لا يتناقص مع منازعة الأمور المرتبطة بعقود تجارية دولية كلما تم إبرامها، وإلا سنكرر نفس الخطاب عندما حجزت جنوب افريقيا شحنة الفوسفاط، وقيل حينها أنها عملية قرصنة، بدل أن نترافع في القضية من وجهة نظر قانونية وقضائية رغم وجود مخاطر خسارة القضية لاسباب سياسية.

وفي جميع الأحوال فإن جهة مغربية كان ضمن أطراف الدعوى الأوروبية، وهي الكونفدرالية المغربية للفلاحة وللتنمية القروية. هي بنية خاصة تجمع المهنيين المغاربة في الأعمال المرتبطة بالفلاحة، وقد عبرت عن مطالبها وناقشت مطالب الآخرين، وبالتالي لا ينبغي أن نتلاعب بالألفاظ والعموميات، و نقول بشكل مطلق أن المغرب غير معني بالملف. و أظن أيضا أن دغدغة العواطف لايجدي نفعا أمام قطار مدمر يأتينا من الجانب القانوني والقضائي، والذي قد تكون نتائجه صعبة الاستدراكي ومؤثرة، لاسيما في إقناع المستثمر الأجنبي الأوروبي تحديدا، في الاستثمار في الصحراء أمام قرارات ملزمة له كأوروبي، وقد تعرضه للخسارة أو لحجز أمواله في دول أجنبية بالاستاذ على قرارات المحاكم الأوربية. وبالتالي ليس هناك أي داع للإستهانة بهذه الخسارة القضائية والقول عنها أنها “لا حدث”، لأنها لم توجد عبثا، ولأننا نعلم مدى تأثير القضاء الدولي في صناعة قواعد القانون الدولي وفي مواقف الدول، وفي خطورته عندما يتراكم ليصير مرجعا عالميا.

في نظري تصريحات وزير الخارجية ناصر بوريطة، لم تكن موفقة بتاتا، عندما حاول تصغير القضية وجعلها “لاحدث”، وأيضا في تشكيكه الضمني في قضاة محكمة العدل الأوروبية، ولا أدري أي تهمة يريد أن يحيلها على المخيال الشعبي، سوى تهمة الفساد والرشوة وكأنه يتحدث عن شراء ذمم قضاة في دولة عالم ثالثية، وهي إهانة لدولهم ولمن اختارهم وللاتحاد الأوروبي ككل ولكل قضاة العالم. هؤلاء القضاء هم أساتذة قانون، ضلعاء في مجالهم ولهم من الانتاجات والاسهامات القانونية والقضائية ما يدرس في الجامعات. وهذا بدون اغفال دور أجهزة الأمن والمخبارات وقضاة التحقيق والنيابات العامة في الدول الأوربية، تراقب هذه الأمور بدقة، وفي غياب أي دليل مادي أو أي معلومة استخبارية دقيقة، لا يعقل أن يتحدث مسؤول كبير في المغرب، عن مؤسسة راقية عالميا بهذا الشكل، وأنه كان المفترض أن نظل في هدوءنا وفي رزاتنا، والتعامل مع المعطيات باعتبار أن قرارات قضاة أوروبا، تحمل الكثير من الفصول القانونية ومن الاجتهادات التي كان بالإمكان التصدي لها واقناعهم بغيرها، أو على الأقل إحراجهم بدفوعات ذكية، ليست كتلك التي صدرت عن المستأنفين في الملف، وهم إسبانيا وفرنسا واللجنة الاوروبية، وأيضا الكونفدرالية المغربية للفلاحة وللتنمية القرية وغيرها، والتي للأسف لم يكن يمثلها محامون أو أساتذة قانون مغاربة، بل مثلها أجانب لن ترقى مخرجاتهم إلى مستوى أي مغربي منتمي بهذا البلد بفكره وقلبه و وجدانه.

وفي الواقع المغرب معني بذلك بشكل كبير إن على المستوى الرسمي العمومي، أو على مستوى القطاع الخاص باعتباره هو مناط التعاقد التجاري مع أوروبا، في المواد التي تؤطرها الاتفاقية الفلاحية موضوع القرارات القضائية الأخيرة، والتي تحمل عيوبا عميقة جدا وتناقضات بالجملة، لاسيما في استعمال مرجعية فقهية وقضائية تم تسييسها، واسقاطها على هذا النزاع، في محاولة لاقانونية ولا أخلاقية مارسها مقرر الملف، وقضاة المحكمة، وسأفسر بعض تفاصيل هذا الاسقاط ومرجعيته القادمة من قضاة أميركا الشمالية وأمريكا اللاتينية في معالجة ملفات مشابهة.

والغرابة أيضا رغم التنبيهات المبكرة والمتعددة، لم تنفتح وزارة الخارجية على الجامعات المغربية، في دراسة هذا التوجه القضائي الدولي الجديد في علاقة حقوق الانسان بالثورات الطبيعية، كما أن الجامعة المغربية لم تشتغل على هذا الموضوع، بمقاربات بحثية متجددة، في إطار بحوث متعددة المحاور، أو على الأقل في بحوث تعلق وتفسر القرارات القضائية الأوروبية ضد المغرب.

ويبدو أيضا أنه منذ خطاب الملك محمد السادس في ذكرى المسيرة الخضراء لسنة 2023، حيث وجه إلى ضرورة التنقيب عن الثروات في الصحراء وفي مياه بحرها، وأيضا يجعلها وجهة سياحية أطلسية جذابة. هذه النوايا الملكية المعبر عنها، لاشك أنها عند أجرأتها ستحول المنطقة إلى منافس شرس لأوروبا، مما يجعلنا أمام افتراض واقعي غير ساذج، وهي أن هناك افتراض تبادل أدوار في الاتحاد الاوربي، بين السياسي والقضائي. فما لا يستطع السياسي القيام به حرجا أو خوفا من المواجهة ونتائجها، أو الدفع به أو إثارته مع المغرب خصوصا من مخاوف حول المنافسة في التفوق الاقتصادي، يقوله القاضي الذي لا ينتمي لأي حزب أو لأي تيار سياسي أو لأي مصلحة اقتصادية مباشرة.

فالسياسي الأوروبي مجبر على التعاون والتفاهم مع المغرب، بسبب الارتباطات السياسية والأمنية والاجتماعية الكثيرة وملفات الهجرة والإرهاب وغيرها، وسيجد نفسه محرجا اذا ما حاول التعبير عن مخاوفه من التوسع الاقتصادي المغربي في الصحراء، فيعهد الأمر إلى الذرع القضائي الأوروبي كاستمرار لمؤسسات حماية أوروبا، لاتخاذ المناسب من قرارات حماية الاتحاد ولصون قوتها، باعتبار أن هذا القاضي أصلا، هو من اقتراح السياسي في بلده، وهو ايضا ينتمي إلى قارة قد تهدد مصالحها من قبل خصم بدأ يطرق أبواب القوة بهدوء. غير أنه في اعتقادي من وجهة نظر قانونية، كان بإمكان القضاة الأوروبيون أن ينهجوا نهجا آخر، وأن يصدروا قرارا مختلفا، بل ربما مناقضا لما أصدروه، لو أنه تمت مواجهتهم بمجموعة من الدفوع الدقيقة.

وفي الحقيقة الموضوع يحتاج إلى دراسة علمية أكاديمية من الحجم الكبير، لكنه ولكي لا يظل الفراغ في التفسير والفهم القانوني الدقيق سائدا، وفي ظل هيمنة القراءات السياسية والاعلامية التعبوية غير المتوغلة في “الخطاب” اللاقانوني للقرارات القضائية الأوروبية المستندة على مرجعيات فقهية غير منسجمة مع القضية بتاتا، فإنني سأحاول بسط أهم الإشكالات وأهم العقد التي تخبطت فيها هذه القرارات، في حزمة من الأفكار المركزة والدقيقة.

لقد اعتمدت محكمة العدل الاوروبية، على النسق القضائي “النيوليبرالي”، الذي يوسع حقوق الإنسان إلى مجالات جديدة كان محرم الخوض فيها في فترات سابقة، وعلى اسقاطات فقهية وقانونية متناقضة على الملف. فأضحت هذه الاسقاطات المحرك الخفي للقرارات الأخيرة، أمام سذاجة الجهة المستأنفة حتى لا أقول المتواطئة، لكونها لم ترد على الدفوع بما يقتضيه الموضوع من عمق فقهي ثاقب، رغم المفارقات العديدة ورغم الخروج عن المنهج المقارن في القانون والقضاء، ورغم الصعوبة التي وجدها القاضي الاوروبي في “سرقة” اجتهادات قضائية أميركية، ومحاولة تركيبها على موضوع النزاع، مما يجعلنا أمام سؤال البعد الأخلاقي في ممارسة السياسة في تعليل مقررات القضاء الدولي.

في صفة البوليساريو في التقاضي أمام المحاكم الدولية

فيما يتعلق بقبول الدعاوى أمام المحاكم الدولية، فلابد من الإشارة إلى أن هناك تطورات كبيرة وكثيرة رسخت دور الفرد في مقاضاة الدول أمام المحاكم الدولية، باستثناء أمام محكمة العدل الدولية. وبذلك تحول الفرد من موضوع للقانون الدولي إلى شخص من أشخاص القانون الدولي له حماية خاصة ضد تجاوزات الدول من بينها تمكينه من الولوج إلى بعض أنواع المحاكم الدولية. ويعتبر في حكم الفرد l’individu الشركات والمنظمات والجمعيات وغيرها. فأصبح مثلا باستطاعة الأفراد في اوروبا رفع دعاوى ضد الدول، فيما يتعلق بالحقوق الإنسانية أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الانسان. كما أن المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان تقبل ولوج الأفراد إلى قضائها، شريطة اتباع مسطرة معقدة نوعا ما، وهي تفرض ضرورة وضع طلبات التقاضي أمام اللجنة الأميركية لحقوق الانسان لبحث الطلب بشكل مسبق وبحث جديته، تحت طائلة عدم السماح بعرض النزاع أمام المحكمة.

ويبدو أن محكمة العدل الأوروبية لم تأخذ في نظامها الأساسي بهذا الشرط الامريكي، رغم أنها متأثرة بشكل ملحوظ باجتهادات المحكمة الأمريكية لحقوق الانسان. وعندما قبلت المحكمة الأوروبية جبهة البوليساريو كطرف في الدعوى، فإنها عللت ذلك ضمنيا بكون المسألة مرتبطة بحقوق إنسانية قد تضيع، وقالت بكون الموضوع متعلق بقضاء الالغاء حول اتفافية، قد تضر نتائجها بطرف ثالث، الذي هو “الشعب الصحراوي”. وبهذا تكون المحكمة قد اختلطت عليها المفاهيم بين تقرير التمثيل الذاتي self representation وبين تقرير المصير self determination. باعتبار أن التمثيل الذاتي المنفرد تتشبت به للبوليساريو وهو صفة غير متعرف لها بها دوليا سواء من خلال اتفاقيات دوليه أو قرارات اممية أو غيرها من اعمال القانون الدولي الملزمة، ذلك أنها لم تفوض بأي طريق شرعي وفق المعايير الأممية لتثميل الشعب الصحراوي، وبالتالي تظل تمثيلتها ناقصة وشخصيتها القانونية غير مكتملة الأركان، رغم حضورها في الطاولات المستديرة أو في بعض المحافل الدولية، وكان من الأولى أن تراقب المحكمة هذا العنصر لتحديد الشخصية القانونية الدولية غير المتطابقة مع امتلاك شخصية معنوية.

في السند الفقهي والقضائي لقرارات محاكم أوروبا ضد المغرب في الملفات C 779/21 P C 799/21 P

لاشك أن الباحث في الخلفيات والمرجعيات القانونية والفقهية وفي السوابق القضائية المشابهة بمناسبة التعليق على قرارات محاكم أوروبا ضد المغرب، سيجد حتما أن هناك اقتباس لا يستقيم مع واقع النزاع. اقتباس من اجتهادات المحكمة الأمريكية لحقوق الانسان la cour interaméricaine des droits de l’homme، في تفسيرها لمفاهيم الشعوب الأصلية والتشاور مع هذه الشعوب للحصول على رضاها لاستغلال الثروات الطبيعية. غير أن القاضي الأوروبي قام بعملية بتر غير أخلاقية وغير مهنية. وجد نفسه وهو يقتبس من اجتهادات قضائية دولية مهمة عن المحكمة الأمريكية، في مأزق حقيقي، ولم يسطع التعبير عن كون شعب الصحراء هو شعب أصلي استنادا للتعليل الذي اقتبس منه، لأنه لو فعل كان سيجد نفسه أمام صعوبة تعريف هذا الشعب بناء على اتفاقية الشعوب الأصلية والقبلية لسنة 1957، أو بناء على اتفاقية منظمة العمل الدولية لسنة 1989، أو بناء على إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية لسنة 2007.

هناك قضية مشابهة أصدرت فيها المحكمة الأمريكية لحقوق الانسان قرارا بتاريخ 27 يونيو 2012، لفائدة شعب sarayaku الذي مثلته منظمة kishwa ضد حكومة الاكوادور ( أنظر اسفله رابط القضية ومنطوق القرار)، بمناسبة محاولة الحكومة استغلال الثروات الطبيعية لمنطقة هذا الشعب، بدون استشارته أو بدون التعبير عن رضاه. وهو شعب داخل دولة مستقلة، ومحدد بشكل دقيق، وليس في أي صراع مسلح مع الحكومة المركزية.

وفي هذا الصدد أكدت المحكمة الأمريكية لحقوق الانسان، أنه يتعين القيام بالاجراءات القانونية والتشريعية لتنفيذ هذه الاستشارة مع هذا الشعب الأصلي، وفق المعايير الدولية، وهي ممارسة سائدة في تشريعات بعض الدول مثل كندا والولايات المتحدة الأمريكية.

وهناك بعض الصعوبات في تعريف الشعوب الأصلية، ولم يأت إعلان الأمم المتحدة لحقوق الشعوب الأصلية، على أي تعريف مفصل، غير أن إتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 169 لسنة 1989 بشأن الشعوب الأصلية والقبلية في البلدان المستقلة، عرفت هذه الشعوب في المادة الأولى كما يلي: “
المادة 1

  1. تنطبق هذه الاتفاقية علي:

(أ) الشعوب القبلية في البلدان المستقلة، التي تميزها أوضاعها الاجتماعية والثقافية والاقتصادية عن القطاعات الأخرى من المجتمع الوطني، والتي تنظم مركزها القانوني، كليا أو جزئيا، عادات أو تقاليد خاصة بها، أو قوانين أو لوائح تنظيمية خاصة،
(ب) الشعوب في البلدان المستقلة، التي تعتبر شعوبا أصلية بسبب انحدارها من السكان الذين كانوا يقطنون البلد أو إقليما جغرافيا ينتمي إليه البلد وقت غزو أو استعمار أو وقت رسم الحدود الحالية للدولة، والتي، أيا كان مركزها القانوني، لا تزال تحتفظ ببعض أو بكامل نظمها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية الخاصة بها.

  1. يعتبر التعريف الذاتي بشعوب أصلية أو قبلية معيارا أساسيا لتحديد المجموعات التي تنطبق عليها أحكام هذه الاتفاقية.
  2. لا يجوز أن تفسر كلمة “شعوب” في هذه الاتفاقية بأنها ترتب أي آثار فيما يتعلق بالحقوق التي قد ترتبط بهذه الكلمة بموجب القانون الدولي”.

وبذلك فإن هذا التعريف القانوني الدولي، لم يتقدم به القاضي الأوروبي في تعليله حول مسألة ضرورة رضى الشعب الصحراوي، الذي يعتبره ضمنيا شعبا أصليا، ذلك لأنه كان سيجد نفسه أمام صعوبة تحديد هذا الشعب ديمغرافيا وثقافيا وأيضا إحصائيا، نظرا لكونه غير مجمتع في مكان واحد كما الشأن بالنسبة لشعب sarayaku في الاكوادور، وبالتالي يستحيل أن يعبر عن إرادة أفراده بشكل مجتمع بطريقة سلسة. ثم إن جزء من هذا الشعب موجود في المغرب في شماله وجنوبه، وجزء منه في الجزائر وجزء منه في إسبانيا وجزء آخر في أمريكا اللاتينية لأسباب سياسية، وهكذا. لذلك في نظري استبعد القاضي اقتباس الأساس القانوني لتعليل المحكمة الأمريكية لحقوق الانسان، مفضلا فقط أخذ ما يلاءمه سياسيا في الحكم، وهذه مسألة غير أخلاقية وأيضا هي مسألة انتقائية تبتر الاجتهاد القضائي الدولي عن مرجعيته، ونضع أمام شبهة ممارسة السياسية واللاقانون بشكل واضح.

والأخطر من ذلك، أن المحكمة في تعليلها تبنت تعريفا لكلمة الشعب، التي ذكرت أكثر من 100 مرة، تقدمت به المدعية العامة في استنتاجاتها نوردها كما جاءت في متن القرار:

“Comme Mme l’avocate générale l’a relevé aux points 123 et 124 de ses conclusions, il existe à cet égard une différence entre la notion de « population » d’un territoire non autonome et celle de « peuple » de ce territoire. Cette dernière renvoie en effet à une unité politique, titulaire du droit à l’autodétermination, alors que la notion de « population » vise les habitants d’un territoire”.


بمعنى أنه تم اغفال الجانب السوسيولوجي والثقافي والقبلي الموجود في الصحراء والذي تستند عليه التعاريف الدولية لمفهوم الشعب، وتقديم تعريف غير مسبوق لمفهوم الشعب، باعتباره وحدة سياسية تهدف إلى الحكم الذاتي، وقد يكون سبب ذلك، تجنب إثارة دفوع مغربية جديدة تقول بوجود تشابه ثقافي وديني وقيمي وقبلي وعائلي بين قبائل الصحراء المغربيه وشمال المغرب، وبالتالي ليس هناك ما يميز الصحراويون عن باقي المغاربة بشكل كبير.

فهل يستقيم هذا التعريف مع مفهوم الشعب؟ وهل يستقيم الاسقاط الذي قامت به محكمة العدل الاوروبية بين اجتهاد قضائى لسياق سياسي واقتصادي وديمغرافي، لدولة في أمريكا اللاتينية التي هي الاكوادور مع قضية اتفاقية الفلاحة بين المغرب والاتحاد الأوروبي؟ الجواب قطعا سيكون أن هناك مفارقات كثيرة، وكان من الأولى ملاءمة المفاهيم والكشف عن الخلفية النظرية لكل مفهوم على حدا وملاءمة الاجتهاد مع سياق الصحراء المغربيه، كإقليم متنازع عليه أمام الأمم المتحدة، ومن الصعب الحديث عن استشارة للشعب الصحراوي حسب ما قالت به المحكمة، متأثرة بما يجري في القارة الأمريكية من انتاجات لمفاهيم وفق سياق ذهني وثقافي معين. فهل تستطيع المحكمة الأوروبية، أن تحدد لنا كيف وأين يمكن اجراء استشارة مع هذا الشعب في ظل تعنت الجزائر أمام احصاء ساكنة مخيمات تندوف والتحقق من هويتهم الصحراوية وباقرار من الأمم المتحدة؟ ولماذا لم تدفع مثلا إسبانيا بما لديها من وثائق حول قبائل الصحراء واحصاء ساكنتها، حتى تحرج المحكمة أمام وجود صعوبة واقعية في اعمال هذه الاستشارة خارج المغرب، وصعوبة قانونية في تحديد هوية افراد هذا الشعب في ظل وجود اشخاص منحدرين من دول أخرى مجاورة يدعون الانتماء إلى الصحراء؟ وهل راعت المحكمة القنبلة التي يمكن أن تنفجر في عدد من الدول الافريقية بسبب تبنيها هذا التعليل بخصوص استشارة الشعوب الأصلية”؟

هذه فقط بعض عناصر التخبط في التعليل الذي لا يرتبط بمرجعيته الخفية في اذهان قضاة أوروبا ليس هناك أي خيط ناظم، بين التعليل وبين مرجعية تتأسس بشكل مطلق على نظريات استشارة الشعوب الأصلية، في البلدان المستقلة في استغلال ثرواتها الطبيعية، فانتجت لنا المحكمة تعليلا جهينا غير سوي وغير مقنع.

زاد من وبال هذا التعليل غياب عقل قانوني قضائي مغربي باحث ومترافع، يواكب هذه التحولات القانونية العالمية، ويبني على أساسها خطط واستراتيجيات دفاع، وبناء حجج قضائية قد تكون مفيدة في الوقت المناسب.

*دكتور في العلوم السياسية من جامعة محمد الخامس بالرباط

https://jurisprudencia.corteidh.or.cr/

en/vid/883977517

“le Tribunal a ordonné à l’État de : 1) neutraliser, désactiver et retirer les explosifs en surface et enterrés dans le territoire du Peuple Sarayaku, sur la base d’un processus de consultation avec le Peuple ; 2) consulter le Peuple Sarayaku de manière préalable, adéquate, effective et en pleine conformité avec les standards internationaux en la matière, dans l’éventuel cas où soit envisagée une activité ou un projet d’extraction de ressources naturelles dans le territoire, ou un projet d’investissement ou de développement qui implique de potentielles atteintes au territoire ; 3) adopter les mesures législatives, administratives ou de tout autre caractère qui soient nécessaires pour mettre en marche et rendre effectif le droit à la consultation préalable des peuples et communautés autochtones et tribales, qui doit assurer la participation des propres communautés ; 4) mettre en œuvre des programmes ou des cours obligatoires sur les standards nationaux et internationaux en droits de l’homme des peuples et communautés autochtones, dirigés aux fonctionnaires militaires, policiers et judiciaires, ainsi qu’à d’autres dont les fonctions impliquent des contacts avec des peuples autochtones ; 5) réaliser un acte public de reconnaissance de responsabilité internationale pour les faits de l’espèce ; 6) publier l’arrêt ; 7) payer les sommes fixées en concept d’indemnisations pour dommages matériels et immatériels, et pour le remboursement des frais et dépens.”

شارك المقال
  • تم النسخ
المقال التالي