تقديم:
بعد أحداث 20 فبراير، صدر دستور 2011، الذي حاول التجاوب مع مطالب مجموعة من التعبيرات المدنية والسياسية النشيطة في المغرب، فاكتسى صبغة دستور الحقوق والحريات، ولقد ساهمت الوثيقة الدستورية بشكل كبير في إقناع نسبة مهمة من الشباب للعدول عن مواصلة الاحتجاج بالشارع، وانتظار تنزيل المقتضيات الدستورية، وأملهم كبير في مساهمة المستجدات التي حملها في ترجمة تطلعاتهم على أرض الواقع، بالرغم من أن الوثيقة لم تنص بصريح العبارة عن مكتسبات لصالح الشباب غير المجلس الوطني للشباب والعمل الجمعوي، الذي ورد في الفصل 170.
سمح الدستور الجديد بانتقال المغاربة من وضع اليأس مع الجهر بالمطالب، إلى وضع الأمل بحذر مع الصمت، فساد الصمت الجماعي مع الترقب والانتظار لانتقال وضع البلد إلى حال أفضل، يتمتع فيه المغاربة بحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبحقوقهم المدنية والسياسية، فطال الانتظار ولم تتحقق كل الأماني والآمال المنتظرة، وبعضها جاءت متأخرة، أما البعض الآخر منها فتم اختطافها لصالح أجندة سياسية حزبية، لتتحول الانتظارات إلى ميدان المزايدات الانتخابية، ويتم إهمال المطالب الشعبية، وتناسي قوة الشعارات، وعفوية الاحتجاجات، والأخطر من كل هذا سيتم سجن صوت الشباب، ومعه حلمهم بالتغيير.
إن تأكد الشباب من “الشمتة” التي طالتهم واقتناعهم بتفويت فرصة التغيير(فرصة العمر)، واستمرارهم في الصمت، لم يكن سلوكا مطمئنا، وهو ما كان يقتضي انتقال الترقب والقلق إلى جهة الحكومة ومؤسسات الدولة، وكان يدعو إلى قيامها ببذل مجهود مضاعف للحيلولة دون تحول هذا الصمت المخيف إلى سيل من “الانفجارات” الشعبية الاجتماعية، بعملها (الحكومة ومؤسسات الدولة) على امتصاص البطالة، وضمان مجانية التعليم والصحة، والتوزيع العادل للتنمية بين الجهات والمناطق، وضمان وصول الشباب إلى هياكل قيادة الأحزاب السياسية، وإلى المؤسسات المنتخبة وغير المنتخبة، ليشاركوا في صناعة القرار، والقضاء على الريع السياسي والحزبي…
لم تعمل الحكومة ومؤسسات الدولة في هذا الاتجاه، وربما لم يثرها ذلك الصمت الطويل والغير المتوقع حدوده، فارتبك الجميع عندما بدأ صبر الصامتين يخفت ثم ينتهي نهائيا مع رجوع الاحتجاج إلى الشارع بأشكال وصيغ جديدة (حراك الريف)، احتجاج مناطقي ومحلي بمطالب اجتماعية( الريف، جرادة، زاكورة، سوس…)، بقيادات جديدة غير معروف توجهاتها سابقا (خصوصا مع حراك الريف)، وبعزيمة أقوى وإصرار غير معهود.
استطاعت هذه الاحتجاجات أن تكشف عن حقيقة المؤسسات الحزبية، المنتخبة، والحكومية، إذ بدا الجميع حائرا وعاجزا عن التصرف، فتبين أن الأحزاب لا تقوم بمهمتها الدستورية في التأطير، ولا تقوم بمهمتها السياسية في الوساطة، أما المؤسسات المنتخبة والحكومية فهي صورة لامتدادها الحزبي، ولا تمتلك أي تصور للتعامل مع المتغيرات الاجتماعية، بل إنها غائبة عن المجتمع، إذ لو كانت حاضرة لاستبقت أي حدث بإيجاد الحلول له.
أمام هذا الوضع السياسي، وأمام انعدام تصور التصرف واحتواء الاحتجاج، تم سلك الطريق المختصر والخطير، فبدأت الاعتقالات والتدخلات العنيفة( خصوصا مع حراك الريف، وحراك جرادة) ، ثم المحاكمات والسيناريوهات الغير المحتملة، فتحولت الأحلام إلى كوابيس، ليسود وضعا غير مرغوب فيه شعبيا، فانهزم الوطن حقوقيا وسياسيا واجتماعيا، وخسر المغرب تراكما مهما كان سقفه واقفا على ركيزتين؛ توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة؛ ودستور 2011.
تحول الوطن بأكمله إلى مستوى اللاثقة، إذ لم يعد الشعب -وخصوصا الجماهير المشاركة في الاحتجاجات- يثق في المؤسسات، ولا مؤسسات الدولة تثق في أهداف المحتجين، وهذا السياق الذي ابتدأ مع حركة 20 فبراير مرورا بحراك الريف إلى غاية يومنا هذا، يدعو إلى تصحيح مساره، ووضع حد لسوء تفاهم لا يحتمل الاستمرار، وباستمراره يتأثر مستقبل الجميع شعبا ومؤسسات، كما يُنذر بازدياد النفور من المؤسسات، وفقدان الأمل في التكتل لصناعة أمجاد الوطن عبر خدمة قضاياه، والسير قدما لتوفير الحياة الكريمة، والديمقراطية وحقوق الإنسان للأجيال الحالية والقادمة.
إننا في مأزق، تجاوزه يحتاج فقط إلى الجرأة، والحوار، والاستماع لوجهات النظر المختلفة، وأفقه التأسيس لعقد اجتماعي جديد، يضع نصب عينيه التصالح مع الماضي والحاضر لصناعة المستقبل، يعيد النظر في المؤسسات وتشكلها، ويقر بحتمية البحث عن تصورات جديدة للعمل السياسي، ويفتح الآمال على التغيير وزرع الثقة المتبادلة، ويحقق ترسيخ الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتنمية المستدامة…
والتأسيس لعقد اجتماعي في الحاجة إلى مجموعة من الترتيبات، والترتيبات تحتاج إلى مخرجات، وسوف أقتصر في هذه المقالة على تصوري للمخرجات القانونية، الحقوقية، والسياسية، بالتركيز على محور الشباب والمشاركة السياسية، إذ أعتقد أن أولى الخطوات التي من شأنها توقيع التغيير نحو الأفضل هي إعادة الاعتبار لدور الشباب في الحياة السياسية، لنتمكن من تجديد النخب، وبالتالي امتلاك تصورات جديدة للحكم والعمل السياسي.
- المخرجات القانونية:
توجد مخرجات قانونية كثيرة ومختلفة، يمكن لها أن تلعب دورها في هذا السياق المطروح، وسأكتفي بالإشارة إلى مراجعة الدستور، وتوفير الآليات القانونية الكفيلة بتشجيع الشباب على تأسيس أحزاب جديدة، التي أعتبرها ضرورية وأساسية، ومحورية لتحقيق التغيير المنشود بالنسبة للشباب والمشاركة السياسية
-مراجعة الدستور
بعد مرور ما يقارب 10 سنوات من العمل بدستور 2011، وبالتالي بعد ضمان استقرار الآليات الدستورية التي حملها، والتي كانت تفاعلا مع مطالب حركة 20 فبراير، والتأكد من إبعاد تهديد المراجعة عنها، وبعدما استقر العمل بالوثيقة الدستورية وبروز مجموعة من الفصول التي من شأن تعديلها ترسيخ توجه الخيار الديمقراطي للمملكة، بات من العقلانية مواكبة التغيرات المجتمعية الوطنية والدولية، بمراجعة دستورية عبر التعديل والتتميم والتغيير للفصول الدستورية، بما سيوفر مساحات الديمقراطية والحرية للانتقال إلى وضع سياسي جديد، وينشط الحياة السياسية للبلد ليتيح فرص أكثر للمشاركة السياسية للشباب، ويدفع بحياة التغيير عبر تصورات سياسية جديدة، تم التعبير عن بعضها ارتباطا بالأوضاع السياسية والاجتماعية التي عرفها المغرب إبان فترة سريان الدستور الحالي.
ومن جانب آخر يمكن للتعديل أن يشمل إعادة النظر في مجموعة من المؤسسات التي جاء بها دستور 2011 والتي لم تساهم في أي تقدم ديمقراطي للبلد، وأصبح وجودها من عدمها سيان، ومؤسسات أخرى يمكن دمجها مع بعضها دون أن يؤثر ذلك على مسار اختصاصاتها وعلى العمل الذي تقوم به، فمؤسسة الوسيط (الفصل 162) وهيئة المناصفة (الفصل 164)، والمجلس الاستشاري للأسرة والطفولة (الفصل 169) يمكن إدماج اختصاصاتها ضمن المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أما مجلس المنافسة (الفصل 166) والهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها (الفصل 167) فيمكن إدماج اختصاصاتهما ضمن المجلس الاقتصادي والبيئي، والاستغناء عن مجلس الجالية (الفصل 163) بفسح المجال أمام مشاركة الجالية في الانتخابات البرلمانية وتخصيص لجنة برلمانية بصلاحيات مجلس الجالية، والاستغناء عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي وإسناد اختصاصاته لمديرية تابعة للوزارة الوصية على القطاع، والاستغناء عن المجلس الوطني للشباب والعمل الجمعوي (الفصل 170) مع تعديل المنظومة السياسية والانتخابية حتى توفر للشباب مساحات أوسع وفرص أكثر للمنافسة على الولوج إلى المؤسسات المنتخبة.
-توفير الآليات القانونية الكفيلة بتشجيع الشباب على تأسيس أحزاب جديدة
من المعضلات السياسية التي يعيشها المغرب، حدة نفور الشباب من العمل السياسي الحزبي، وانتقادهم الشديد للأحزاب واعتبارها مجموعات مصالح لا تخدم حقيقة تنمية الوطن، ويعد الانخراط الشبابي في الهيئات الحزبية ضعيفا، وهذا راجع إلى مجموعة من الأسباب، أذكر منها تعثر الأحزاب المغربية عن مواكبة تطور المجتمع، وتركيز عملها في البحث الدائم عن الغنيمة السياسية أثناء الاستحقاقات الانتخابية، وفشلها في إنتاج التصورات السياسية، ومواكبة التغيرات الوطنية والدولية، مما أدى إلى التوقف الكامل لأدوارها في التأطير والوساطة، حتى أصبحت الكثير من الأحزاب ثقلا وعالة على الشعب، وتؤدي أدوارا عكسية ضد طموحات الوطن والمواطنين، حتى تحافظ مجموعة من القيادات المعمرة من داخل أجهزة الأحزاب على حقها من الغنيمة السياسية، مما تأثر معه تجديد النخب الحزبية، وحرمان الشباب من المساهمة في السياسة والتنمية، باعتباره فئة تنشد دائما التغيير وتتطلع لمستقبل أفضل.
أمام الوضعية التي تعيشها الأحزاب المغربية، والجمود الفكري والسياسي الذي يحيط بها، وغياب الآفاق لديها، باستمرار نفس القيادات في التشبث بتسيير شؤونها وتوجيه عملها، وتقييد الشباب بأجهزة، غرضها تكريس التبعية وخدمة الشيوخ في المناسبات الانتخابية، دون إفساح المجال أمامهم للوصول إلى مركز القرار الحزبي، لم يبق من حل لدى الشباب غير التوجه لتأسيس أحزاب جديدة، تحمل طموحاتهم السياسية لخدمة الوطن، وهو ما يحتاج إلى إعادة النظر في المساطر القانونية التي تؤطر عملية التأسيس وتعديلها، لتصبح مرنة ومشجعة وتفتح المجال أمام المشارب الفكرية المختلفة للشباب لتأسيس إطاراتهم الحزبية، لتلعب دورها في تكسير هذا الجمود الذي تعرفه الحياة السياسية المغربية، والذي يؤثر على التنمية والديمقراطية ومواجهة التحديات الوطنية، وتزعزع في ذات الوقت أركان البناء الحزبي الحالي، بعد وضعه أمام صورة جديدة تحتم عليه إما المواكبة، أو فقدان المستقبل.
إن من شأن تعديل القانون التنطيمي 29.11 المتعلق بالأحزاب السياسية أن يفسح المجال أمام بروز تصورات سياسية جديدة، تتأطر عبر تأسيس أحزاب جديدة بقيادة شبابية تتطلع نحو التغيير والتطور.
فتقليص عدد الملتزمين المطلوبين كأعضاء مؤسسين، وعدد الجهات التي ينتمون إليها وعدد الأعضاء المطلوبين لانعقاد المؤتمر التأسيسي، مع تشجيع الشباب ماديا كتكفل الدولة بمصاريف تنظيم المؤتمرات التأسيسية مع احترام مبدأ استقلالية القرار، سيؤدي إلى بروز تصورات سياسية جديدة، وحياة سياسية منتعشة يتمخض عنها تنافسا وتدافعا سياسيين، ويعطي الأمل للنخب والمثقفين والأكاديميين بالانخراط في العمل السياسي الحزبي، مما سيسفر عن انتعاش أحلام الشباب بالتغيير وعودة روح العمل والابتكار إلى المجتمع المغربي.
إن الشروط القانونية المطلوبة، رغم الأهمية التي تشكلها، والغايات المرجوة من ورائها، ففي واقع العمل الحزبي الموجود، نجد أن أغلبية الأحزاب الحالية لا تتوفر فيها كل هذه الشروط المسطرة، فهناك على سبيل المثال بعض الأحزاب -بحكم واقع هياكلها وأعضائها- تعد أحزابا “جهوية” ، وأخرى تنحصر في أربع إلى خمس جهات…، ورغم ذلك تساهم بقسطها في رسم صورة الحياة السياسية المغربية، وهو ما يستخلص منه أن العمل الحزبي المغربي في حاجة إلى “دفعة” نحو الأمام بتشجيع الأغلبية الصامتة -التي يشكل الشباب نسبة مهما منها- على الانخراط في العمل السياسي، وهذا الهدف سوف يتم تحقيقه متى توفرت حرية أكثر للشباب في تحديد الانتماء وتأسيس خياراتهم بأنفسهم، بتسهيل شروط تحقيق هذه الغايات، ومنها تعديل القانون التنظيمي 29.11 الخاص بالأحزاب السياسية.
- المخرجات الحقوقية
- تصفية الأجواء بين الدولة والمجتمع عبر حل الملفات الحقوقية من خلال:
-طي ملف الانتهاكات التي طالت معتقلي حراك الريف، ومنطقة الريف بشكل عام، عبر إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والعمل على جبر ضررهم بإدماجهم في الشغل والعمل، وفي الحياة السياسية بالنسبة للراغبين في ذلك، وفسح المجال أمام حقهم في المتابعة القضائية للمتورطين في تعذيبهم، ووقف المتابعات في حق القيادات الديمقراطية المساندة للحراك بالخارج، وتحقيق الملف المطلبي، لتلطيف الأجواء وتجاوز الأحقاد، واستشراف مستقبل الوطن.
يعتبر هذا الملف عائقا كبيرا أمام خوض أية معركة ديمقراطية بالبلد، وحجرة عثرة في طريق الخيارات الوطنية المستقبلية، ويعد وضعا لا يسمح بالانتقال إلى وضع غيره دون تفكيكه، وتجاوزه بالمقترحات السالفة. ومن شأن تحقيق هذا المسار إعادة الثقة للممارسة السياسية، التي يعد الاحتجاج والمشاركة فيه أو تنظيمه أحد تعبيراته الممكنة.
إنه بالنظر للزخم الاحتجاجي الذي أقدم عليه حراك الريف، ولتأثيره الكبير على الشأن السياسي بالمغرب، يمكن وسمه بالمعارضة السياسية التي انبثقت اجتماعية، بقيامها على المطالب الاجتماعية، ثم تحولها إلى برنامج سياسي اجتماعي شعبي قدمته المنطقة خلال تلك الفترة، وهو البرنامج الذي لا يمكن الاختلاف على أغلبية مطالبه، غير أن غياب الجرأة والتصور السياسي للتفاعل الحقيقي من قبل المؤسسات الحزبية، والمنتخبة، والحكومية، حال دون تمكين ذلك الزخم من تطلعات المشاركات والمشاركين فيه، وهو ما تتحمل فيه هذه المؤسسات المذكورة قسطا كبيرا من المسؤولية، خصوصا بعد النهاية المأساوية لهذا الطموح الشعبي السلمي بخلق التغيير.
أعتقد أن تحمل المؤسسات مسؤوليتها الكاملة في هذا الملف، وإنتاج تصور متكامل للعمل على تحقيق مطالب المعتقلين عبر الحوار والتفاوض، سيمكن المغرب من تصفية أجواء العلاقة بين المؤسسات والشعب، ويمنح الفرص باسترجاع التراكم الحقوقي الذي انقطعت العلاقة به مع مسلسل اعتقالات هذا الحراك، مما سيرجع الثقة للشباب في حمل هموم الوطن والمساهمة في تعزيز الممارسة والمشاركة السياسيتين.
-تجاوز تبعات الأحداث الاجتماعية بباقي مناطق المغرب
تميزت مرحلة حراك الريف وما بعدها ببروز مجموعة من الأحداث الاجتماعية بمناطق مختلفة من المغرب، قامت احتجاجاتها على مواضيع مختلفة (الماء بزاكورة والرعي الجائر بسوس…)، وقد برز بشكل جلي في هذا الاتجاه حراك جرادة الذي استمر في تنظيم التظاهر والاحتجاج، وعلى غرار حراك الريف، أسفر هذا الحراك الاحتجاجي عن تشكل قيادة ميدانية، وتسطير ملف مطلبي كان محوره المطالبة بتحقيق “البديل الاقتصادي” للمنطقة، وانتهى بالاعتقالات.
إن البحث عن صيغ ملائمة لتحقيق مطالب هذه المناطق، وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية هذه الأحداث وجبر ضررهم والعمل على إدماجهم في الشغل وفسح المجال أمام الراغبين في ممارسة العمل السياسي، سيساهم في تصفية أجواء العلاقة بين الدولة والمواطن، وسيرجع الثقة للمواطن في المؤسسات، مما سيعزز الجرأة على الانخراط والمشاركة في العمل السياسي.
-إطلاق سراح الصحفيين وباقي معتقلي الرأي
خلال السنوات الأخيرة شهد المغرب مجموعة من المعتقلين الصحفيين، ومعتقلي الرأي، والمتابعات القضائية في حقهم، وهو ما أثر على حرية التعبير من جهة، ومن جهة أخرى ساهم ذلك في نشر الخوف والهلع من الكتابة، والتعبير عن الرأي المخالف، أو انتقاد الجهات الرسمية ومؤسسات الدولة.
إن هذا الوضع التراجعي الذي يشهده المغرب، أعطى الفرصة لتراجع مؤسسات كثيرة عن أداء أدوارها، والتهرب من مسؤولياتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وشجع على التملص من خدمة الشأن العام ومن تنفيذ السياسات العمومية، بعدما تراجعت الصحافة عن لعب أدوراها كسلطة رابعة.
من شأن إطلاق سراح الصحفيين ومعتقلي الرأي، وجبر ضررهم، وضع السلطة الرابعة على سكتها، بتحسين صورة الصحافة، وتشجيع الصحفيين، والكتاب، والمدونين ومناضلي الرأي، على القيام بأدوارهم التي تزكي تطلعات الانتقاد والمعارضة السياسية، التي تعد حافزا قويا للانخراط في تدبير الشأن العام وكذا انتقاده، عبر الانخراط والمشاركة في العمل السياسي.
3-المخرجات السياسية
يمكن الإشارة بهذا الصدد إلى مخرجات كثيرة، غير أنني أعتبر المخرجات التي اعتمدتها، ذات تأثير أكبر بالنسبة لمحور الشباب والمشاركة السياسية، ويمكن لها أن تكون أكثر فعالية لإحداث التغيير المنشود.
-تجديد العرض السياسي والانتخابي لتوسيع المشاركة الانتخابية
إن الانتخابات كآلية من آليات الديمقراطية التمثيلية لاختيار ممثلين تُسند إليهم سلط مختلفة، يمارسونها نيابة عن الأمة التي تُفوض لهم ذلك اعتمادا على صناديق الاقتراع، تطرح بالنسبة للنموذج المغربي مجموعة من الإشكالات، مرتبطة بالعرض السياسي أولا ثم بالعرض الانتخابي ثانية.
إذا كان العرض السياسي الذي تحوزه الأحزاب السياسية، أصبح جامدا منذ مدة ليست بالقصيرة في زمن الحياة السياسية المغربية، ولم يعد ذا أهمية لدى الأمة، بحيث أصبح هذا العرض لا يُغري بالفرجة ومتجاوز ومُمل، وبعيدا عن اهتمامات الأمة وطموحاتها، ولا يُساير تطور المجتمع سواء على مستوى انتطاراته، أو حتى على مستوى فكره، وبعيد كل البعد عن جذب الانخراط فيه، والدفاع عن حمولته، فإن العرض الانتخابي يحاكي العرض السياسي، بحيث يُعد نتاجا له، وانعكاسا لمستواه، وصورة مطابقة لوضعه، وهو ما لا يُعول عليه في تحريك الجسم الانتخابي، وتنشيط دورته الدموية بتشجيع القاعدة الناخبة على التفاعل الإيجابي بالمشاركة في الانتخابات.
إن من يصنع العرض السياسي والعرض الانتخابي بالمغرب، قيادات تتحكم في أجهزة الأحزاب لعشرات السنين وأصبحت عاجزة على الإنتاج السياسي، وتواصل بنفس الآليات ونفس الأشخاص التحكم في المشهد الحزبي المغربي، باعتماد مجموعات مصالح تناصر بعضها وتتفاوض على تقسيم الغنيمة السياسية والانتخابية، ولا تخشى في ذلك من القواعد الانتخابية، لأنها تتدبر المراحل الانتخابية بطرقها للحصول على ما يكفي لمجموعتها من مقاعد، كما تستفيد في ذلك من مقاطعة الانتخابات التي تنخرط فيها فئات عريضة من المواطنين والمواطنات، مما يوفر لها هامش هندسة المشاركة والتصويت، ويبقى كل ما تخشاه وتضرب له ألف حساب هو “غضبات” المؤسسة الملكية من طرق ونتائج تدبير قياداتها للمؤسسات، وللشأن العام المحلي والوطني، فتلجأ إلى محاولة نيل العطف والرضا عبر المنافسة بينها حول تزكية ومدح التوجهات والخطب الملكية، والإقرار بالاقتياد بها في العمل والممارسة والتنفيذ، معتقدة أنها تقنع الملك بذلك، فسار كل همها هو الحفاظ على مكتسباتها كمجموعات وأشخاص، والحفاظ على وضعها من داخل المؤسسات الحزبية، والمؤسسات الحكومية والمنتخبة.
بارتباط الانتخابات بالعرضين السياسي والانتخابي، تأثرت المشاركة الانتخابية، وأصبحت غير ذي جدوى بالنسبة لفئات عريضة من المواطنات والمواطنين، ويُنظر إليها كمواعيد خاصة بمجموعات مصالح، ومحسومة في نتائجها، بمجرد إعلان الأحزاب عن أسماء مرشحيها، كما لا تساهم في أي تغيير يُذكر حسب ذاكرة العديد من الناخبين المشاركين، الذين سطرت لهم آمالا ومشاريع للتنمية، من طرف مسوقين مختلفين دون أن تتحقق على أرض الواقع، فأصبحت الوجوه تتشابه ولا أمل في التغيير.
إنه اليأس الذي يصعب اقتلاعه من العقول والقلوب، ويتطلب الأمر الرجوع إلى الاختلالات التي شابت صنع العرض السياسي والانتخابي وتسويتها، والتي تتطلب بدورها تغيير صانع العرضين الذي فشل في مهمته وواصل الفشل.
يتطلب الوصول إلى هذه الأهداف إنتاج الأمل وتقديمه للمواطنات والمواطنين، والأمل لن يكون بغير البحث عن حامليه من الشابات والشباب، الذين يتملكهم الرغبة في التغيير والتطور والوصول للأفضل، كسمة تميز هذه الفئة العمرية، التي تمتلك من النشاط والحيوية ما يؤهلها للعمل والمنافسة لتجاوز الوضع الحالي. ولذلك فإن إنتاج الأمل يحتم منح الفرص للشابات والشباب، لاقتحام المسؤوليات الحزبية والسياسية والانتخابية، والتي لن تتأتى بالشكل المطلوب في ظل الأحزاب الحالية، وقد نجد بعضا من الأحزاب فقط من يمكن له التفاعل مع هذا التصور الجديد، وهو ما يقتضي الدفع بالشباب نحو تأسيس أحزاب جديدة تمنح لهم الفرص أكثر لصنع العرضين السياسي والانتخابي، وتذويب الجمود الذي يطغى على الحياة السياسية المغربية.
من شأن فسح المجال أمام الشابات والشباب للولوج إلى العمل السياسي بالمقترحات المذكورة، تصحيح مسار الحياة السياسية، والدخول في مجال المنافسة بين المشاريع من جهة، وبين النخب الشابة من جهة أخرى، وهذا السياق الجديد سيخلق الرغبة في ترجيح كفة مشروع على آخر، أو كفة قيادة على أخرى، مما سينعش التدافع السياسي، ويؤدي إلى الانخراط في اللعبة السياسية التي حتما تتضمن المشاركة الانتخابية.
وعليه فإن النخب التي يفترض أن تتقدم للترشح خلال الاستحقاقات الانتخابية في إطار المحددات السالفة للعمل السياسي الحزبي، وجو المنافسة الذي ستخلقه الأحزاب الجديدة في الحياة السياسية المغربية سواء من ناحية العروض السياسية أو من ناحية العروض الانتخابية، والتأثير المرتقب لكل هذه المستجدات على التصورات السياسية للأحزاب القديمة، ستكون نسب الشباب منها مرتفعة، وستشجع هذه المتغيرات على تقوية المشاركة السياسية الشبابية.
-رفع الحظر القانوني والعملي على المنظمة الطلابية الاتحاد الوطني لطلبة المغرب
لعبت المنظمة الطلابية، الإتحاد الوطني لطلبة المغرب، دورا كبيرا في التكوين السياسي للطلبة والطالبات، وساهمت في تمكين الحياة السياسية المغربية من نخب متمكنة من قواعد اللعبة السياسية. فمنذ تاريخ تأسيسها خلال سنة 1956 استفاد حزب الاستقلال من خريجي هذه المنظمة في البداية باعتبار السيطرة على قواعدها، ثم حزب الإتحاد الوطني لقوات الشعبية بعد تأسيسه سنة 1959 بعدما آلت السيطرة إليه، فكان للحزبين قناة مهمة لتصريف خطابهما، وتصورهما الفكري والسياسي من جهة، ومن جهة أخرى مدرسة للتكوين والتأطير في العمل السياسي والنقابي للنخب التي ستتولى مسؤولية أجهزة الحزبين، وقد عبر المؤتمر الرابع للمنظمة الطلابية عن ذلك من خلال تأييده لحكومة عبد الله ابراهيم كونها ضمت بعض المؤسسين لحزب الإتحاد الوطني للقوات الشعبية.
إن تاريخ هذه المنظمة، كان حافلا بالمواقف والممارسة المتأثرة والمؤثرة في الحياة السياسية المغربية، ولعبت دورا مهما في التأسيس للأحزاب اليسارية واستمرت في تنشيط أجهزتها عبر خريجيها، وكذلك في التأسيس للحركة الإسلامية والحركة الأمازيغية، وتنشيط أجهزة إطاراتهما، فتحولت إلى إنتاج صوت المعارضة السياسية بالمغرب.
إن من شأن رفع الحظر العملي والقانوني عن هذه المنظمة النقابية الطلابية الجماهيرية، التقدمية، الديمقراطية والمستقلة، وتمتيعها بالصفة التي كانت لها بظهير 1961 كجمعية ذات منفعة عامة، وفسح المجال الحر أمامها للاشتغال والممارسة، تمكين الجامعة من إطار للدفاع عن الحقوق المادية والمعنوية للطلبة من جانب، ومن جانب آخر تمكين الحياة السياسية المغربية من نخب قادرة على حمل مشعل ممارسة العمل السياسي وتنشيط المشاركة السياسية، وتحريك المنافسة السياسية بما يخدم مصالح الوطن والمواطنين، عبر إنتاج تصورات وطرح مشاريع مجتمعية مختلفة.
خاتمة:
اجتمعت مجموعة من العوامل، وكانت دافعا لانخراطي بهذا الرأي المتواضع، في مسلسل من الآراء المختلفة في مضمونها وحمولتها والمتفقة حول هدف محاولة إيجاد القراءة الصالحة لفهم حقيقي للوضع الذي يمر منه المغرب حاليا، والذي لا يمكن الاختلاف بين الكثيرين حول وصفه.
وفي حقيقة الأمر فإن العامل الأساسي الذي كان له وقعه بهذا الخصوص، هو أن أتمكن من التقاط رسائل التذمر واليأس والخوف من المستقبل وسط الشباب، من فضاءات ومستويات مختلفة، سواء من مجالس المقاهي ومواضيع الأصدقاء، أو من خلال ما يكتب في مواقع التواصل الاجتماعي.
ولذلك فإن تناولي لمحور الشباب والمشاركة السياسية، كمحور من بين محاور كثيرة يمكن من خلالها الترتيب للانتقال إلى التأسيس لعقد اجتماعي جديد بالمغرب، لا يمكن الإدعاء من خلاله ملامسة جوهر مشاكل الشباب، فحتما لن يكون هذا الرأي جوابا لمعضلات كبرى مرتبطة بالشق الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
وكما تحتاج الحياة السياسية إلى آليات وتصورات جديدة لتنشيطها وتحريك جمودها، وتستوجب بالضرورة البحث عن سبل جدية لانخراط الشباب في صناعتها وعيشها، فإن الوصول لهذه الأهداف يقتضي إفصاح الشباب عن مقترحاتهم، وامتلاك الجرأة لاقتحام الإطارات المدنية والحزبية، وبغير ذلك فلن تستطيع المسوغات القانونية والسياسية تمكين الشباب من الوصول لمراكز القرار الحزبي والسياسي.
باحث في العلوم السياسية
تعليقات الزوار ( 0 )