Share
  • Link copied

المحكمة الدستورية أنقذت قانون الإضراب، فلننتظر ماذا ستفعل الأمانة العامة للحكومة

واضح جدا، من خلال قراءة الطريقة والمضمون الذي تعاملت به المحكمة الدستورية مع القانون التنظيمي بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، أن قضاة المحكمة الدستورية بذلوا جهدا كبيرا لتبييض مشروع القانون التنظيمي وإنقاذه من عيب عدم الدستورية، ويبدو من خلال مضمون قرار المحكمة الدستورية، أن قضاة المحكمة كانوا أمام خيارين: إما استعمال مناهج التأويل التحفظي التي قد تكشف عن عيوب عدم الدستورية في بعض مقتضيات مشروع القانون التنظيمي، وإما خيار أن يقوم القاضي الدستوري بدور المفسر والشارح لمشروع القانون التنظيمي والقيام بدور التبييض القانوني لمشروع القانون التنظيمي لإنقاذه من عيب عدم الدستورية.

هذا الخيار الثاني، المتمثل في تبييض مشروع القانون التنظيمي وإنقاذه، ذهبت فيه المحكمة الدستورية لعوامل متعددة منها الأهمية الإستراتيجية لهذا القانون التنظيمي، وطول انتظاره لمدة 63 سنة منذ دستور 1962، وهاجس الحفاظ على سمو الدستور الكتلة الدستورية المغربية بعيدا عن فتحها أمام الاتفاقيات الدولية، لذلك اختار قضاة المحكمة الدستورية مقاربة المنهجية الأقل تكلفة المعتمدة على تفسير مضامين هذا القانون التنظيمي، حيث تحول القاضي الدستوري في قراره إلى شارح ومفسر لمضامين مشروع القانون الحاملة لاختيارات المشرع، وأحيانا يبدو القرار وكأنه مرافعة حول مشروع القانون التنظيمي لحق الإضراب، وذلك لإنقاذه من عيب عدم الدستورية، لذلك لم يقل القاضي الدستوري في قراره إن مواد مشروع القانون التنظيمي مطابقة للدستور، وإنما صرح أنها غير مخالفة للدستور، وبذلك فقضاة المحكمة الدستورية قدموا لنا في القرار تفسير لما يريده المشرع، فقد أعطوا معنى لما جاء به المشرع.

ويلاحظ بناء على هذه المنهجية المعتمدة في قرار المحكمة الدستورية، أن القاضي الدستوري ابتعد عن مناهج التاويل التحفظي بكل أنواعها، وذلك لكي لايلزم المشرع بإعادة صياغة النص وعرضه مجددا على المجلسين، وما قد ينتج عن ذلك من صراعات سياسية جديدة، فقد كان من الممكن للقاضي الدستوري أن يعمد إلى التأويل التحفظي التوجيهي المدعم، ولكنه اختار أسلوب تفسير ما جاء به المشرع، ورغم أن القاضي الدستوري صرح بأن بعض مقتضيات المادة الأولى المسماة بأحكام عامة لاعلاقة لها بالقانون التنظيمي، فإنه لم يطلب حذفها، ولم يطلب تحويلها إلى ديباجة للقانون التنظيمي.

هذا التوجه المنهجي الذي اختارته المحكمة الدستورية له تفسير مرتبط بوظيفتها في الضبط وإدارة التوازنات والتفكير بالمصلحة العليا، لكن السؤال الآن مرتبط بالملاحظات التي قدمتها المحكمة في قرارها واشترطت ضمنيا الأخذ بها لما أوردت عبارة -مع مراعاة الملاحظات – هل سيقوم المشرع بتدوين هذه الملاحظات في ملحق مشروع القانون التنظيمي قبل نشره؟ وهنا سيكون دور الأمانة العامة في مراقبة نص مشروع القانون التنظيمي الذي سيصلها للنشر، فالأمانة العامة للحكومة ملزمة بمراقبة هل ملاحظات المحكمة الدستورية على ثلاث مواد من مشروع القانون التنظيمي موجودة في النص أم لا، وبلغة دستورية، لا يمكن للأمانة العامة نشر مشروع القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب دون وجود ملاحظات المحكمة الدستورية في ملحق مع مشروع القانون التنظيمي. فوجود ملاحظات المحكمة الدستورية شرط جوهري لنشره في الجريدة الرسمية، فلننتظر كيف سيتم نشر مشروع القانون التنظيمي لممارسة حق الإضراب.

أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط

Share
  • Link copied
المقال التالي