Share
  • Link copied

المجتمع المغربي واشتعال الأخبار الزائفة في زمن “كورونا”

يبدو  أن توصيف ظاهرة الأخبار الزائفة مرتبط بالانتقال إلى “عهد ما بعد الحقيقة ” أو “ما بعد الوقائع ”  المصطلح الذي اقترحه رالف كييز سنة 2004  وهو  مصطلح يحيل على تطور التفاعلات بين المجتمعي والرقمي في القرن 21 بفعل الاستعمال الاجتماعي للأنترنيت وبالخصوص شبكات التواصل  الاجتماعي وقد وظف هذا المصطلح سنة 2004 في الولايات المتحدة للإحالة على الخطابات السياسية التي لا تعتمد على الوقائع والحقائق والأدلة بل تخاطب عاطفة وإحساس الفرد وشعوره من خلال عبارات خطابية رنانة ومأثرة  وهو ما يمس  بمصداقية الأخبار التي تروجها الفضاءات الرقمية وكمثال على ذلك ما حصل سنة   2016 إبان حملة  البريكست  أو ما وقع في الانتخابات الأميريكية. كما أن هذا المصطلح اعتبر في 2016  مصطلح السنة  من طرف  قاموس أكسفود. لهذا فالحديث علي “عهد ما بعد الحقيقة” يحيل على هيمنة الخبر والمعلومة التي تخاطب مباشرة الوجدان والأحاسيس وهذا ما يفسر ظهور موجة الفايك نيوز وتواري الخبر والمعلومة الموضوعية القائمة على دلائل فعلية. وفي هذا الصدد أجرى ثلاثة باحثين من معهد ” ماساشوستس للتكنولوجيا “، دراسة نشرت في مجلة ” ساينس ” العلمية، وخلصت الدراسة إلى أن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يميلون إلى مشاركة الأخبار الزائفة على نحو أوسع وأسرع مقارنة بالأخبار الحقيقية.

من هذه الزاوية يمكن تعريف ظاهرة الأخبار الزائفة   أو   الأخبار المسمومة  كظاهرة عالمية،  فجميع الدول تعرف انتشار هذه الأخبار الزائفة داخلها وفيما بينها وتخلق بعض الحزازات الدبلوماسية كما حدث بين أمريكا والصين والتصريح المنسوب لمسؤول في الخارجية الصينية حول سبب انتشار كورونا مع بعض الاستثناءات ككوريا الجنوبية أو الصين التي كان  من أسباب نجاح خططهما في محاربة جائحة كورونا انضباط مواطنيها واتباعهم للمعلومات الرسمية وعدم الاكتراث بالمعلومات الصادرة عن الجهات الغير الرسمية . هنا تتجلى مزايا الانضباط المواطناتي.

فيما يمت إلى تصنيف الأخبار الزائفة هناك ثلاتة أنواع ، أولها يتمثل في  التضخيم والمبالغة  مثل أن حالات كورونا في المغرب هي أكثر مما هو مصرح به مما يؤدي إلى حالة من الهلع المجتمعي، ثانيها التقليل وعدم الاكتراث بالخطر المحدق بل واقتراح حلول وادعاءات باكتشاف الدواء بل ذهب بعضهم إلى القول أنه رأى في حلمه أشياء إن طبقت ستنجو الإنسانية من الوباء وأن الوباء من فعل فاعل …، وآخرها  أخبار مزيج من ما هو صحيح وما هو كذب ومزيف حيث يعمد أصحابه إلى توظيف البيانات والجداول والخرائط والاحصائيات للإقناع والإيهام بالحقيقة المطلقة (مثال حكاية الباحث المغاربي ورئيسة دولة أوربية تستعطفه ليسمح لبلادها من استعمال الدواء لكن الترجمة للعربية لا علاقة لها بحديثها وبخطابها  ).  كان حري على المطلعين على الفيديو استعمال الترجمة لاكتشاف التحايل. تصديق هذا النوع الثالث من الأخبار هو الأكثر وقعا لأنه يبنى على تجارب حقيقية ومتحققة وينطلق كذلك من مسلمات حقيقية ففي المثل الذي أوردته عدد كبير من الباحثين المغاربيين يتواجدون في أعتى وأرفع المختبرات العالمية.

فيما يخص المجتمع المغربي وانطلاقا من طبيعة قيمه التي تتأرجح بين الفردانية والجمعية وتجدر الثقافة الشفوية يصبح تشارك الخبر طقسا من طقوس العيش المشترك والحظوة المجتمعية. كما أن عدم استبطان خطر الأخبار الزائفة من طرف المغاربة يشكل عاملا أساسيا لاستفحال الظاهرة بالإضافة إلى بعض الأرقام حول اتصالية المغاربة لا سيما منها أرقام الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات  والانتقال من مجتمع التواصل إلى مجتمع الاتصال عبر ثقافة “بارطجي”  وتفاقم الأمر مع الحجر الصحي حيث  تزايد الاتصال الرقمي و انضافت إليها إشكالات العزلة الرقمية مما دفع بالبعض لإبراز فاعليته وتواجده  داخل الشبكة من خلال ترويج أخبار كاذبة.

في سياق آخر يمكن اعتبار أن تأجيج الأخبار الزائفة وانتشارها بالمغرب مرده كذلك حاجة المتلقي إلى تعويض نفسي على بعض الاحباطات كأن يقبل بسهولة أن محاربة جائحة كورونا متوقف على عشاب مغربي أو رؤية ليلية مما يمكن من تأويل الأخبار الكاذبة كشكل من أشكال “الإثنية المحورية”  كإجابة على تساؤل “حنا هما المجهدين والواعرين في العالم”. فالأخبار الزائفة بالمغرب  بحسب الحالات التي تم رصدها من طرف المديرية العامة للأمن الوطني هي  ظاهرة حضرية   : مدينة تطوان، – مدينة صفرو، مدينة مكناس،  مدينة قصبة تادلة، مدينة مراكش، فاس،  مدينة طاطا،  كلميمة والصويرة ومدينة الجديدة،  مدينة برشيد،  وفي القنيطرة ، مدينة طنجة، بني ملال…….  كما تجدر الإشارة في هذا الصدد إلى ثنائية تمكن من فهم ظاهرة الأخبار الزائفة وهي ثنائية الأمن الموضوعي الذي  يعتمد على معطيات وإحصائيات  حقيقية وواقعية  ورسمية والأمن الذاتي الذي يرتكز على التمثلات والإدراكات الفردية والشخصية. تتغدى الأخبار الكاذبة من الفرق والتباين والتضارب بين هاذين الصنفين من  الأمن : الأمن الموضوعي والأمن الذاتي.

وانطلاقا من هذه الثنائية يمكن الحديث عن “ربرتوار نوعي ” للفايك نيوز المغربي” :

تداول خبر عن إصابة السفير المغربي بالصين بفيروس كورونا، ونشر مقاطع فيديو تتضمن معطيات مغلوطة وكاذبة حول تسجيل إصابات مفترضة في مناطق مختلفة من المغرب، و”فبركة” بيانات رسمية تخص مؤسسات الدولة و نشر لحالات لمرضى على أساس أنهم مصابون بفيروس كورونا أو الادعاء بأن هناك مصاب في الجوار :  مكناس مراكش شيشاوة – فاس … أو الادعاء بالمرض أو بأن الشخص كان شاهدا أو عنده معلومات مؤكدة على إصابة أحدهم …. أو خبر وفاة الطفل الصغير ابن القاضية … أو تسريب رخصة استثنائية للتنقل مفبركة أو وصفات سحرية  من الأعشاب كدواء فعلي وفعال لفيروس كورونا أو طائرات تتحلق في سماء الدار البيضاء لتعقيمها  أو تداول لائحة اسمية ببعض منصات التواصل الاجتماعي، تتضمن أسماء أشخاص يدعى إصابتهم بداء كورونا  أو خبر  أن “الحجر الصحي بالمغرب سيمتد لشهر يوليوز 2020″، منسوب لأحد القنوات العمومية أو موت طبيب مراكش أو  إشاعة ومخالطة مصاب وراء إصابة الطبيبين ….

فهذه أخبار تنبني على الذاتية و الخدعة والافتراء والاشاعة والتشهير حيث  الخبر الكاذب هو تحويل حقيقة معروفة  إلى معلومة خاطئة تنشرها منصات أو أشخاص مختصين في الأخبار الكاذبة . وهي كذلك أخبار مفبركة لأن أصحابها يعمدون لتوضيبها لغويا وثقافيا وهوياتيا أو إعطائها صبغة معقدة توحي بصدقها من خلال جداول ورسوم وإحصائيات وتنتشر بسرعة وعلى نطاق واسع بوثيرة وبائية   و يمكن كذلك لإنجاح انتشارها تغليفها في صيغة كوميدية وبارودية. وهي كذلك محاولة للاستغباء من خلال خلق البوز والحصول على أكبر عدد من المشاهدات . كما يتطلب التحقق من صحتها  وقتا  نسبيا طويلا . ومن هنا تأتي قوتها ويصبح مفعولها فيروسي ووبائي مع قوة بعض “الالكوريتمات” التي تساعد على انتشارها السريع والصاروخي.

انطلاقا من هذه الحيثيات تمكن الأخبار الزائفة أصحابها من تحقيق بعض الحاجيات النفسية كالانتقام و الكراهية و مواجهة الخوف  حيث أضحي العالم الرقمي الوعاء الأمثل لتفريخ المكبوتات النفسية والتيه الوجودي وتمرير بعض الايديولوجيات كالتكفير والتخوين …أو المس بمنافس سياسي أو اقتصادي أو ثقافي … لهذا فالهدف منها يحيل على طبيعة المستفدين ويمكن تصنيفهم إلى فئتين متباينتين : أغلبية  ذات أهداف مزدوجة  منها التأثير السلبي وخلق بيئة مجتمعية محبطة   مع الحصول على  عائدات ربحية  وأقلية من مختلقي الأخبار الزائفة  يمكن أن توصف ب”المرضى المجتمعيين” هدفهم ودوافعهم ليست ربحية بل غرضهم بث الفوضى في المجتمع من خلال منطق انهزامي وتشاؤمي.

يظل التساؤل الموضوعي في الحالة المغربية هو من المستفيد مثلا من نشر خبر كاذب عن حالة طوارئ شاملة مساء يوم الجمعة  13 مارس  ما نتج عنه حالة فوضى وهلع  وازدحام وعراك في محلات بيع المواد الغذائية والمتاجر الكبرى ؟ يظل المعطى الرئيسي لفهم التجاوب السريع مع هذا الخبر الزائف هو إدراك جدوى الإحصائيات  التي تعطي أن 73 في المائة من المغاربة يستعملون الشبكات الاجتماعية منهم 65 في المائة على واتساب و 53 في المائة على الفايسبوك. فمن خلال هذه الاحصائيات يمكن إقرار أن المحدد الأساسي في استفادة مروجي الأخبار الزائفة (ماديا وتأثيرا) هي هيمنة السلوك والممارسة الطقوسية لتشارك المعلومة كما أننا في مجتمع ذو ثقافة شفوية في زمن التشارك و “ثقافة بارطجي”. وجبت كذلك الإشارة إلى سطوة وجدوة بل واشتعال كل ما هو نفسي وانفعالي تجاه كل ماهو سلبي وزائف بل والتعاطي العاطفي والغير العقلاني معه في أزمنة الكوارث والمحن والحروب. 

لهذا فتأويل الإحصائيات التي تقدمها المديرية العامة للأمن الوطني  فيما يخص الموقوفين في وقائع خرق حالة الطوارئ فمنهم نسبة لا يستهان بها كانت تحت تأثير خبر أو تدوينة يوتوبرز أو مواطن رقمي  نشر وتداول محتويات رقمية تتضمن أخبارا زائفة . في المقابل يجب كذلك التأكيد أن هناك مواطنون رقميون ويوتوبرز ايجابيون وواعون بالخطر المحدق بالبلاد وأن تأثيرهم يجب أن ينصب في رفع الهمم وتثبيت الانضباط المواطناتي وليس خلق بيئة احتباس مواطناتي. لهذا في الحالة الأولى حالة اليوتوبرز والأشخاص الذي ينشرون الأخطاء الزائفة  لا يمكن أن نتحدث عن مؤثرين وهم في غالبيتهم  سلبيين ولا يشتغلون من داخل نسق المبادرة الإيجابية والتحدي البناء.

فيما يمت إلى الأضرار التي تنتجها هذه الأخبار يمكن سرد لا للحصر عدة أضرار.  أولا يتظافر الخبر الزائف مع التفاهة والرداءة وعدم الاختصاص كأن ينشر عشاب أنه اكتشف دواء كورونا أو سيدة توصي بالعرعار والشيح …  فيصير اليوتوبرز كقائد رأي جديد يفسد الانخراط المجتمعي ويعمق الاحتباس المواطناتي. وهو في هذا يركب على المآسي ويمكن من هذه الزاوية اعتبار اليوتوبرز المنخرطين في ترويج الأخبار الزائفة كتجار حرب يتاجرون في سذاجة وعفوية بعض المواطنين في زمن الحرب على جائحة ستقلب جميع الموازين الدولية وعواقبها تبدو غير متوقعة.

ثانيا تساهم الأخبار الزائفة في تجدر بيئة من الهلع المجتمعي والتخمة المرضية في المعلومة ولا علاقة لهذه التخمة  بهامش حرية التعبير  لأن هناك بون شاسع بين حرية التعبير والخبر الزائف (“كيف الفرق بين السما والأرض”).  لأن في راهن جائحة كورونا يمس الخبر الزائف بالعيش المشترك وكذلك بالمصير المشترك للوطن مع أن الدستور المغربي خصص الفصل 27 للحصول على المعلومة التي تتوفر عليها الإدارة العمومية  بموازاة مكافحة الأنماط المستجدة من الجريمة الإلكترونية وتقوية آليات مكافحتها من دون المساس بحرية التواصل الرقمي باعتباره صورة من صور ممارسة حرية التعبير المكفولة دستورياً.

ثالثا يهوي الخبر الزائف بالنقاش العمومي إلى مستويات بئيسة تجعل المجتمع المغربي حبيس مسكنات وجهل وتيه لا يمكنه من الشعور بالخطر الوشيك لأن الخبر الزائف ليس خطأ بل خبر مفبرك مبيت لأن الخطأ يمكن أن نعتذر عنه وهذا في التقاليد الصحافية لكن الخبر الكاذب له تداعيات على أرض الواقع حيث نمر من الرقمي إلى الواقعي تحت تأثير أخبار وتحريض واهي (حالات فاس وطنجة ) مما ينتج عنه خلق  بيئة من عدم الاستقرار وتفشي ثقافة العنف والكراهية وظهور تلوث مجتمعي وسياسي واقتصادي يصبح معه التطهير والتعقيم ضد هذه الأخبارحاجة ملحة.

من أجل هذا هناك زخم من النشرات والبلاغات على طول اليوم من طرف وزارة الصحة بالأرقام والتحاليل والإحصائيات والتدابير والمبادرات ، فالمعلومة متوفرة طيلة اليوم ويتم تحيينها وتبسيطها للمواطنين فلا يمكننا إلا أن نصفه كتواصل فعال وذو جدوى لأن البلاغات أثرت في سلوك المواطنين وحيدت بل قوضت مفعول الأخبار الزائفة  وأضعفت انتشارها. لكن ما كان لافتا ونوعيا في تواصل السلطات العمومية هو تميز القناة اللغوية للتواصل وتوظيفها  البرغماتي . فإذا تمعنا في الآليات الموظفة والتي أضحت آليات ناجعة للتواصل فهي تعتمد على التعبيرات الترابية اللغوية  القريبة من وجدان المغاربة : تعبيرات جهوية أمازيغية بتريفيت وبتشلحيت وبتمازيغيت وكذلك تعابير عربية بالجبلية والحسانية والعروبية والمدينية.  فقد استطاعت هذه التعبيرات الترابية بالإضافة إلى وظيفتها التداولية اليومية أن تضيف إلى وظائفها كذلك وظيفة الـتأطير المؤسساتي لكن بمقومات نوعية تمزج بين سلطة المؤسسة (القايد – المقدم – الشيخ – العامل …) وحميمية عاطفية أبوية مما قطع الطريق على تفشي الأخبار الزائفة. وكمثال على ذلك بعض الجمل والتعابير : (” أشريف ألي تيكركر – العالم تيموت وانت كتكركر – ادخل لدارك – غبر – كتكركر على مزينتك ” ) و (” لي عدو شي دار يكعد فيها  – ردوا بالكم لولادكم – لاتبقاوشي خيطي زيطي خيطي زيطي – تدجيب لنا المرض لولاد بلعيد”) و( “مادجمعوشي على أل وألتك تتلأطوها ف راسكم و عملو بنفسكم فحال لي متشابكين مع الناس د دوار كاملين ومع دهدروا مع حد  … كل واحد ياكل ف الطبسيل ديالو والناس الشارفين عاملو ليهم في المغرفة الفؤانية وعطيولم الماكلة بوحدم” ). فصارت هذه التعابير هي قناة تواصل السلطات مع المواطنين : القايدة حورية وقائد ميدلت وقائد مقاطعة الأطلس بفاس وعدد لا يحصى من رجال السلطة الآخرين وكذلك الشيوخ و”البراحة ”  والمقدمين وهنا يحضرني مثال مقدم جماعة ولاد بلعيد و مثال المقدم مولاي عبد السلام الشاهد  وآخرون …

إذن مع جائحة كورونا اكتشف المغاربة بل تمت إعادة اكتشاف آليات التواصل العمومي في صيغتها المغربية التي تنضح بمواطنة ترابية يمكن أن نصفها ونجملها في عبارة  “التمغربيت ” قائمة على غنى نسق منظومة التعدد والتنوع التي رسخها دستور 2011.  لكن إبان حملة التوعية والتحسيس التي بادرت إليها السلطات العمومية انبرت بعض الأصوات والآراء إلى نعت آليات وأدوات واستراتيجيات هذا التواصل على أساس أنها متضخمة وترمي إلى البوز وخلق أبطال جدد.  لكن من وجهة نظري الخاصة لا يمكن للتواصل الواقعي أن يكون له وقع وتأثير في التوعية والتحسيس ومحاربة الأخبار الزائفة وأن يصل أهدافة إلا بتأريخه ونشره ومشاركته من خلال آلية الاتصال لأننا انتقلنا من مجتمع التواصل إلى مجتمع الإتصال   وتباعا تم التحول من التواصل العمومي إلى الاتصال العمومي  لأن المتلقي يتواجد ويسكن عوالم رقمية متصلة (الفايسبوك والواتساب ويوتيوب …) وانتقل تباعا من مواطنة واقعية إلى مواطنة افتراضية التي تترصدها عدة مخاطر منها لا للحصر سرطان الأخبار الزائفة. فالسلطات العمومية ليست أمام مواطنين واقعيين بل أمام مواطنين رقميين. والحل الناجع لإيصال التحسيس والتوعية بمخاطر الجائحة يمر أساسا بالقناة والعالم الرقمي لا سيما أنها قناة مساعدة وفعالة في ظل إحصائيات اتصالية المغاربة التي أوردتها الوكالة الوطنية لتقنين المواصلات وتجدر ثقافة “بارطجي”.  لهذا في رأيي المتواضع تواصل السلطات العمومية ناجح بل وفعال في الحرب على الأخبار الزائفة.

 فيما يتعلق بالبيئة الرقمية التي تنتشر فيها الأخبار الزائفة فقد دأبت المنصات الرقمية والمواقع (تويتر – فايسبوك – يوتيوب  …) منذ 2017 على إيجاد حلول لهذه المعضلة و حتى هي الأخرى دخلت في حرب ضد الأخبار الزائفة و خلقت تطبيقات التحذير وتنقيط المستعملين من خلال انخراطهم في كشف المعلومات الزائفة وكذلك توصي ب ” سينيالي ” في حالة التأكد من الضرر و الاحتيال الذي يحدثه مستعملو الويب لكن يظل الخطر قائما مع تطبيقات التراسل مثل واتساب والمسنجر مما ينتج عنه “ايبيديميا أخبار”. أما في الحالة المغربية يمكن أن نحيل في  باب  الردع القانوني على مقتضيات الفصل   1- 447  من القانون الجنائي  (6 أشهر إلى 3 سنوات وغرامة من 2000 إلى 20000 درهم) بالإضافة إلى الفصل 72 من قانون الصحافة الذي يهم المشتغلين بالصحافة  (غرامة 20000 إلى 200000 ألف درهم) وكذلك قانون رقم 22.20 بشأن استعمال شبكات التواصل الاجتماعي وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة. كما شكلت المديرية العامة للأمن الوطني خلية مركزية للرصد واليقظة المعلوماتية لمكافحة الأخبار الزائفة حول وباء “كورونا”،

بموازاة هذه القوانين والإجراءات يمكن للصحافة الجادة تخصيص حصة لاستخراج السموم وغربلة الأخبار والتحقق من مصداقيتها باستخدام تقنية ” فاكت تشيكينغ”   للتأكد والتحقق من المعلومة وتكذيب الأخبار الزائفة  فهي سرطان ينخر المجتمع وجب التعامل معه بصرامة وجدة محينة وهذا ما دأبت عليه مديرية الأمن الوطني في التفاعل مع هذا النوع من الأخبار. كما تجدر الإشارة إلى مبادرة لاماب من خلال خانة الصواب والخطأ حيت تعمد إلى نشر لائحة من الأخبار المتداولة بعد البحث والتأكد من مصادر موثوقة والتحقق منها ميدانيا ووسمها ب خطأ أو صحيح. في المقابل هناك كذلك منصات ولوبيات وأفراد  تنشط في نشر الأخبار الزائفة مما يسرع ويقوي من انتشارها  مما نتج عنه إحباط لدى غالبية الصحفيين والمواطنين لذا يتوجب اختيار وتحديد مصادر بعينها موثوق بها للتزود بالمعلومة. في المقابل وجبت الإشارة إلى جدة وتحدي مبادرات المجتمع المدني لخلق ثقافة مضادة لثقافة الأخبار الزائفة وبيئة الإحباط من خلال هاشتاغات من قبيل “فضاء افتراضي نقي”   و “صحافيون ضد الإشاعة ” … لأن هناك ضرورة للاستفادة من مكاسب جائحة كورونا لا سيما فيما يتعلق بعلاقة المواطنين بالدولة التي أصبحت تتسم بمنسوب لابأس به من الثقة و إعادة بناء أسس مجتمع الثقة وهذا ما انتبهت له عدة دراسات وأبحاث وتقارير قامت بها مراكز ومعاهد استراتيجية مغربية منذ2010  .  يمكن كذلك بموازة مبادرات المنظومة المدنية والعلمية خلق مرصد وطني للتصدي للأخبار الزائفة على شاكلة بعض التجارب الدولية مثل تجربة كندا في محاربة ثقافة وخطاب الكراهية.

كما يتجلى خطر الخبر الزائف أنه بالرغم من التكذيب هناك من يريد أن يطلع عليه لحاجة شخصية وفضولية و التأكد من أنه فعلا خاطئ أو لأنه يستجيب لبعض مطالبه النفسية فيعمد إلى نشره في محيطه المغلق فيصبح الخبر الزائف هو الخبر الشافي كتعويض نفسي. لذا فالخبر الزائف يقاوم الزمن حيث يعمد بعض الأشخاص إلى إعادة إحيائه ونشره. فالخبر الزائف يحتفظ به لإعادة تكييفه وتصريفه في قضايا أو أحداث مغايرة فهو قابل للتدوير. وتباعا في حالة جائحة كورونا تؤثر الأخبار الكاذبة على المواطنات والمواطنين المغاربة من خلال ترسيخ حالة من الخوف والتوجس أكثر من حقيقة التهديد الوبائي في حد ذاته، بل إنها تعترض إنجاح التدابير الاحترازية التي تتخذها السلطات العمومية للتصدي لانتشار هذا الوباء، وقد تدفع المواطنين، بشكل تضليلي، لعدم التجاوب مع التوصيات والنصائح الوقائية التي تقدمها السلطات الصحية المختصة بالارتهان إلى منطق ونسق ومصفوفة فكر المؤامرة.

من خلال ما سبق تبدو وتتجلى أهمية وجدوى بل راهنية التربية على الاستقلالية و التوعية و القراءة النقدية . لذا  يتوخى تحسيس وتربية الشباب  والأطفال وجميع شرائح المجتمع بخطر الأخبار الزائفة لأن هذه الشرائح تشكل  أداة و وسيلة بل ناقلا لانتشارها لأن المواقع الاجتماعية تعد الجسر الأمثل لتلقي المعلومة لأن هذه الأخيرة هي التي تأتي إليك ولست أنت الذي تبحث عنها مما يجعلك متلقي سلبي وحامل لثقافة عدم الثقة في المؤسسات. لهذا يمكن خلق وإبداع مواد تعليمية ومسارات في المدرسة المغربية لتكوين الناشئة على كيفية التعامل مع الأخبار الزائفة من خلال بيداغوجيا تمكنهم من اكتساب المهارات اللازمة للتعاطي مع الأخبار الزائفة. من المحمود إذن في إطار تصويب مكونات المواطنة المغربية أن تنخرط وتنكب المنظومة التعليمية بحميع أسلاكها على اعتماد محترفات ومواد “التربية على الميديا”.  فالمحترفات ستمكن من تحسيس التلاميذ بخطر الخبر الزائف وتحفيزهم على خلق محتويات مواطنة والتشجيع على موضوعية التلقي وإذكاء الفكر النقدي. لكن لا يمكن للمنظومة التعليمية أن تنجح في وظيفتها وحربها على الأخبار الزائفة بمفردها إلا إذا ما تمت  توعية وتكوين الكبار وأولياء الأمور والمشتغلون في محاضن التربية والتنشئة بمخاطر وآفات هذا النوع من الأخبار.

*أستاذ العلوم الاجتماعية بكلية الآداب، جامعة محمد الخامس بالرباط

Share
  • Link copied
المقال التالي