Share
  • Link copied

المؤتمر الرابع لحزب الـ”البام”.. مؤتمر الوصايا السبع وإعلان الحداد

مرة طلب مني أحد الأصدقاء الكتابة عن إنجازات  حزب الأصالة والمعاصرة بالجهة والإقليم، كان جوابي بسيطا وربما استباقيا: إنني لا أحب الحديث عن الفضيحة !

 ما وقع اليوم بفضاء المعارض بالجديدة هو فضيحة حزبية بكل المقاييس، مشاهد العبث منتشرة في كل مكان: إغماءات،  عنف، تخريب، سيارات الإسعاف,، قراءة القرآن الكريم والأناشيد الدينية، رسائل مشفرة  و كم رهيب من الصراخ و العنف ! فالمكان كان مزدحما بكل أنواع التوتر و صور العنف ماعدا مساحات الاحترام فقد كانت ضيقة لدرجة أن ضيوف المؤتمر انسحبوا.

المؤتمر كان لحظة كشف وانكشاف لمجموعة من الحقائق التي ظهرت للعيان عارية امام الجميع وسافرة بدون حجاب أو ستار، ربما هو التصور الذي اطمئن إليه المفكر الألماني مارتن هيدجر عندما قال: إن الحقيقة هي اللا ـ تحجب !

 المؤتمر بكل لحظاته و تناقضاته شكل فرصة للتأمل في واقع حزبي مأزوم، ولذلك يمكن إثارة الكثير من الملاحظات منها:  

إن  الأمين العام للحزب حكيم بنشماس كان حكيما حين  استثمر في اللغة، فكان الفعل اللغوي سلاحا ناسفا حين  أنتج خطابا مؤثرا في شكل وصايا، وهو استثمار ذكي لطبيعة نفسية المواطن المغربي والذي ينسى كل العداوات والأحقاد في اللحظات الأخيرة / لحظة الوداع.

 أن يؤسس بنشماس خطابه على منطق الوصايا السبع حيت قدم سبع وصايا إلى المؤتمرين،  وهي إشارة أن الموصي يحتضر، وأنه يعيش لحظاته الأخيرة / الموت السياسي و الحزبي، هو ما رفع من درجة التجاوب اللاشعوري داخل القاعة ,حيت انتجت لغته هذا الكم الكبير من موجات التصفيق والإشادة و التعاطف، لدرجة أن خصومة أصيبوا بحالة من الفزع  و الارتباك، وهو ما كان يظهر جليا في حركات وهبي و سمير كودار و تبادل الأحاديث بينهما في حالة ارتباك واضح. 

   أحمد اخشيشن/ المهندس الصامت فهو الوحيد الأكثر إدراكا لمفعول سحر الكلمات، وقوة كلمة بنشماس و نفاذيتها إلى  نفوس وتداعياتها على الحفاظ على التوازنات الهشة، التي أنجزت سابقا في كواليس مظلمة منحت الفوز السهل لمرشح تيار المستقبل والمدعوم من ثلاث جهات: مراكش اسفي و خنيفرة بني ملال و جهة سوس ماسة  أو على الاقل هكذا كانت توقعاتها. 

  ربما احشيشن كان مدركا لحجم  المفعول السريع لكلمات كتبت بلغة جنائزية  حيت المودع يعلن وصيته الاخيرة، فهو الوحيد الذي بقي صامتا لأنه أحس بمفعول وخطورة الكلمة التأبينية المثيرة للعواطف،  فالرجل متخصص في التواصل وهو بلا شك يعرف تداعيات فعل لغوي ناسف. 

 السياسي الجيد في توظيفه للغة يترك دائما بياضات حتى يتم ملئها بأي مضمون يريد مما يجعل لغة السياسي لغة مفتوحة على كل السياقات وقادرة على الإجابة عن كل الاسئلة، على اعتبار قيمة الخطاب السياسي تتمثل في صنع فجوات مما يتيح مساحات للتأويل، وهنا تكمن قيمته كخطاب يؤسس للنسبية والتعدد، غير أن خطاب بنشماس خالف هذه الميزة و صنع لغة مغلقة لا تحتمل التاويل ولا تسمح بوجود الثغرات، إنما كانت لغته بسيطة واضحة تتحدث لغة الحزن  و الوداع الأخير.

 خطاب بسبع وصايا يحكيها مودع في لحظاته الأخيرة، والنتيجة تعاطف وجداني غير قابل للنقاش، حيت كم كبير من التصفيق و صل إلى أكثر من 12 مرة والقاعة تقاطع بنشماس. 

 بنشماس نجح في تحويل اللحظة المتوثرة والمتشجنة إلى فعل لغوي جنائزي يتكلم النهايات، مع تعميق الإحساس بالمظلومية من خلال الإشارة إلى ظلم ذوي القربي وهي لحظة رفعت من منسوب التعاطف مع الرجل و معاداة كل من تسبب في هذا الوجع، وفي هذه النهاية ! 

لحظة الحسم في المؤتمر كانت حين امتلك لغة آسرة وحزينة وجنائزية تتكلم خطاب الوداع  وهي لحظات خاطبت وجدان وعواطف القاعة والنتيجة كم رهيب من التصفيق و التعاطف و بالمقابل التيار المواجه له كان يعيش حالة ارتباك.

الاختيار اللغوي لبنشماس كشف انه سياسي بارع استعد لهذه اللحظة من خلال تحويل اللغة من أداة للتواصل إلى أداة حربية لنسف استراتيجيات الخصوم من خلال توحيد مشاعر الحضور واستطاع تملك اللحظة والتحكم في مشاعر القاعة. 

  انتهاء كلمة بنشماش المودع، وإعلان الوفاة والانسحاب من المنصة يأتي طبيعيا موجة الأحزان و البكاء  على الميت و هو ما لوحظ في حجم العنف و الصراخ وحتى الانفجار الهستيري للبعض، والنتيجة تحميل سمير كودار نتيجة هذه الوفاة القسرية ، فكان الخاسر الأكبر في معركة ثم التخطيط لها بمنطقين متغايرين انتصرت فيها المعرفة والذكاء التواصلي.

النتيجة: لا أحد انتصر، وإن هذا الانحدار السياسي يعكس هشاشة الفعل الحزبي بالمغرب، وهو ما يقوي من تيار الرفض وعدم الانخراط في مؤسسات حزبية أصبحت لا تنتج إلا الصراع والعنف وتدمير القيم.

 الفعل السياسي هو فعل بنائي ينبغي أن يكون أداة وظيفية لبناء قيم المواطنة والحوار والتواصل والتدافع من أجل تقديم أفضل عرض سياسي من أجل المواطن والوطن. 

 درس اليوم كان بليغا وأن الفعل الحزبي يعيش لحظاته الأخيرة وهو يؤشر على موت السياسة والأحزاب معا.

 اليوم إعلان موت حزب على الأقل سريريا، ونهاية مرحلة تسويق الكثير من الأوهام للمغاربة أن حزبا ولد من أعلي من أجل أن يحرث الكثير من الأراضي القاحلة لكي يصنع ربيع السياسة المغربية التي تفقد كل يوم رونقها ومكانتها.

حزب جعل من الجرار رمزا لتخصيب الأرض/ السياسة، ربما أخطأ حين اعتبر ان الجرارات  تكفي لصناعة التغيير، وأسقط من حساباته أن تغيير الحقول يبدأ من تغيير العقول، عبر بناء نخب جديدة تؤمن بالوطن والشراكة والنضال من أجل المجتمع.

Share
  • Link copied
المقال التالي