Share
  • Link copied

القائد السياسي هو تاجر الأمل

عبد اللطيف وهبي

أبانت المصادقة على القانون الإطار بمجلس النواب الاثنين الماضي، على نقاش سياسي محمود، من شأنه أن يسهم في نهاية توثرات2011 وما أعقبها، بل ستشكل لا محالة مدخلا لخطاب جديد في الساحة السياسية، بدأ يتحدث عن مد اليد للجميع، وعن التوافق والحوار.

لقد أكدنا مرارا على أن القضايا والمشاكل الكبرى للمغرب اقتصاديا وسياسيا، لا يمكن معالجتها إلا في محيط من التوافق والحوار، في ظل ديمقراطية مفتوحة يحكمها الدستور والقانون، وتتطلع إلى أفق أقوى وأرحب.ولأن خطاب الحوار والأيادي الممدودة والبحث عن التوافقات، لا يمكنه أن يثير أي ردود فعل سلبية، فقد حان الوقت لتحويله إلى سياسة عملية مبنية على القطيعة مع سلوكيات الماضي، ومع تصرفات وتصريحات لم تسهم سوى في المزيد من تأجيج الوضع، وخلق نوع من التوتر الذي خنق الحقل السياسي منذ 2011 إلى اليوم، حتى أمست أزماتنا الاقتصادية والسياسية ثقلا على المغرب برمته.

إن حلحلة ملفات الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، تتطلب اليوم منا ضرورة الإسهام في إعداد أجوبة جماعية، ولا يحق لأحد أن يتباهى على الآخر بكونه وحده من يملك الشرعية، أو من يحتكر قوة إنقاذ البلد أو حتى حماية الملكية. وهنا أتذكر نقاش سابق لي مع وزير الدولة الراحل عبد الله بها، حين قال لي (تأكد أن هذه الدولة تحمل في ذاتها بذور الاستمرارية، وإلا ما كان لتستمر 14 قرنا، لذلك دورنا اليوم أن نحمي هذه الدولة و ندعمها( ومات الفقيد وزير الدولة بها، ولا يزال صوته وكلماته العميقة ترن في أدني.أعتقد أن الخلاف اليوم لم يعد مطلقا حول وحدة الدولة والنظام، أو حتى المزايدة حول الشرعية، بما فيها الأخلاقية، بل أصبح النقاش منصبا اليوم حول كيف يجب أن ندير أزماتنا؟ وكيف نحمي مكتسباتنا؟ وكيف ننفتح بنزاهة على بعضنا البعض؟

إن محطة التصويت على القانون الإطار، كانت محطة الشعور بذلك الإجماع السامي حول القضايا الكبرى التي يجب أن يجمعنا، ويجب أن يسمح لنا -بالرغم من اختلافاتنا- بالتعبير عن مواقفنا، وأن لا أحد كيفما كان موقعه، يملك الحقيقة وحده، حتى ولو خرج البعض استثناء ليصدر أحكاما مبنية إما على العواطف، أو من عقلية اتهامية مسبقة.إن هذا النقاش السياسي الموحد، أكد أن الأصل يكمن دائما في موقف الأغلبية المطلقة، وجعلنا نطمئن على موقف سبق وعبرنا عنه مرارا قبل هذه المحطة، وهو أن مستقبل المغرب يكمن في الاختلاف الذي يجمعنا، وفي الحوار الذي يوصلنا إلى أهدافنا الوطنية الكبرى، فالخطورة ليست في وجود الاختلاف أو في تباعد الآراء، بقدر ما هي كامنة في غياب الحوار، وفي الاقصاء، وفي الانطلاق من الأحكام المسبقة والتصريحات القدحية اليقينية اتجاه الآخر، أي من منطق لايمكن أن أوجد إلا بإلغاء الآخر.

إن بلدنا مبني على الاختلاف، وعلى الغنى اللغوي والثقافي، وهذا هو مصدر قوته، ودورنا كسياسيين هو الحفاظ على هذا الاختلاف، وإدارته في نسق وحدة وطنية، لذا علينا أن نتجاوز الماضي بجراحاته، ونبني المستقل بأحلامه، وأن نصنع من محطة 2021 تلك الخطوة الأولى نحو الأفضل، نحو الطريق الصحيح.لذلك أثار اهتمامنا، بل استحساننا تلك الآراء التي ارتفعت مؤخرا، وأعلنت بصوت العقل عن سياسة الأيادي الممدودة لجميع القوى السياسية، عن إرادة التوافق، فذلك يعبر عن نضج سياسي، وإحساس بالمسؤولية، فليس كلنا ملائكة، ولكن في نفس الوقت لسنا شياطين، بل بشر، نمارس السياسة بمطباتها، نتحدث لنسمع بعضنا البعض، نجد ونجتهد، قد نصيب وقد نخطئ، وإذا أخطئنا علينا أن نصحح، فعلينا أن نقرر في اللحظة الصحيحة، وفي الموضوع الصحيح، بشكل جماعي وتوافقي، يعكس مصلحة الوطن، أما الآخر الخارج عن هذا الإجماع، فسيشكل ذلك الاستثناء الذي خلقناه في مخيلتنا، لذلك ندعوه ليتكلم حتى نسمعه، ومن تم نفكر معا، ويكون الوطن لنا جميعا.

Share
  • Link copied
المقال التالي